ختام الشهر بأمور عشر

عشر للشيخ صلاح العريفي





إِنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) (( يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) .
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة .
أيها الناس : الأيام والليالي مواقيت الأعمال , ومقادير الآجال , تمضي سريعا , وتنقضي جميعا , وكل يجري لأجل مسمى , ولكل أجل كتاب ، وكل الناس يغدوا فبائع نفسه لله فمعتقها , أو موبقها ، فالبدار البدار إلى عتق الرقاب من النار وإلى الله الفرار (( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ )) .
عبد الله : كل يوم مضى من رمضان قد طوي بما استودعته من أقوالك وأفعالك وأحوالك ، وسيكون شاهدا لك أو عليك يوم القيامة (( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا )) .
أيها الصائمون : بماذا يختم شهر رمضان ؟
يختم الشهر بعشر :
بفرح وحزن / وذكر وشكر / وخوف ورجاء وإن شئت فقل "بوجل ودعاء" / ومحاسبة وعزم / واستغفار وزكاة فطر / فهذه عشر .
أما الفرح يا عباد الله : فالمؤمنون يفرحون بإتمام العبادة والإعانة عليها ، فيفرح الصائمون فرحا عظيما بفضل الله عليهم حيث بلغهم مقاربة ختام الشهر ، وأمكنهم من الصيام والقيام ، لأن صيام يوم منه وقيام ليلة منه نعمة لا تقدر بالأثمان ، فكيف بأكثره فكيف به كاملا , (( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا )) وللصائم فرحتان : فرحة عند فطره وقد قارب الصائمون الفطر من رمضان فحق لهم أن يفرحوا .
وأما الحزن عباد الله : فيحزن المؤمنون الطائعون على انقضاء أيام وليالي الفضائل ، فقد أنست نفوسهم بالقرب من الله ، وعاشوا لذة وروحانية الصيام والقيام والتلاوة والدعاء والإحسان ، فيحزن الصائمون القائمون على فراق هذه الأيام الزاهرات والليالي المباركات , وهذا الحزن محمود ، ويزداد حزنهم عندما يتذكرون أنهم لا يدرون هل يعود عليهم رمضان مرة أخرى أم يغادرون إلى الدار الآخرة .
وأما الذكر والشكراللذان يختم بهما الشهر : فالله أمرهم بذلك فقال (( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) , فالذكر يكون بالتكبير "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله , الله أكبر الله أكبر ولله الحمد" من غروب شمس آخر يوم من رمضان ليلة العيد إلى صلاة العيد ، وهو ذكر تعظيم واعتراف بالجلال والكمال والوحدانية لله واستحقاقه للحمد .
وأما الشكر : فيشكر المؤمنون ربهم على ما أنعم به عليهم من إدراك رمضان , وبلوغ الختام , والتوفيق والإعانة على الصيام والقيام , فكونوا عباد الله من الشاكرين واعلموا أن الشكر يكون باللسان والقلب والجوارح (( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )) فكونوا من القليل أحباب لله , وضاعفوا عملكم الصالح ولا تفتروا فإنما الأعمال بالخواتيم .
وأما الخوف والرجاء أو الوجل , والدعاء : فإن الطائعين بعد إحسانهم في العمل , وقيامهم بالطاعة يخافون ويوجلون من عدم قبول طاعاتهم , لأنهم لا يدرون هل وفقوا للنية الصالحة وللإصابة التي يرضاها الله عنهم مع حرصهم على تحقيق الإخلاص والمتابعة يقول الله جل وعلا في وصف أوليائه (( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )) وجلون من عدم القبول , فالله لا يتقبل إلا من المتقين وهم لا يزكون أنفسهم بأنهم من المتقين .
وهذا الوجل يثمر لهم الرجاء والدعاء فإنهم يجتهدون في دعاء الله أن يتقبل منهم الصالحات والطاعات وهذه هي عادة السلف بل سنة أبوينا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام حيث كانا يرفعان قواعد البيت الحرام أول بيت وضع للناس , بأمر من الله ويدعوان الله أثناء ذلك : (( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) .
فاجتهدوا عباد الله في دعاء الله القبول بدعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فإنهما إماما إقتداء .
وأما المحاسبة والعزم : فختام رمضان مقام محاسبة , فينبغي للمؤمن في ختام رمضان أن يحاسب نفسه على تحقق الغاية من فرضية الصيام عليه , فالصيام فرض لتتحقق التقوى للصائمين (( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) فحاسب نفسك أيها الصائم هل تحققت لك التقوى وخصالها بالصيام والقيام , هل تدربت نفسك على الإخلاص والحذر من الرياء وعلى المراقبة لله ، وما حالك مع خصلة الصبر هل تعلمته , وبقية خصال التقوى كالمجاهدة والرحمة والجود والحياء وغيرها , فحاسب نفسك وسلها ما أثر رمضان على حالي , وما أثر الصيام والقيام على إيماني ، وما مدى قيامي بأمر ربي في رمضان
وأما العزم : فبعد المحاسبة يعزم المؤمن على الاستمرار في الطاعة والمداومة عليها , وينوي النية الصالحة بالمحافظة على آثار الصيام والقيام بعد رمضان , فيعزم على أن يكون له نصيب من صيام النوافل ومنها الست من شوال وثلاثة أيام من كل شهر .
ويكون له نصيب من القيام ولو بثلاث ركعات من أول الليل أو من وسطه أو آخره , فمن قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين , ومن قام بمائة آية كتب من العابدين .
ويكون له ارتباط بالكتاب , فيختم كل شهر ، وهكذا سائر الطاعات من صدقات ودعوات وغيرها كما كان يحرص عليها في رمضان .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ؛ ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ؛ أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد:
أيها الناس : التاسع والعاشر مما يختم به الشهر الاستغفار وزكاة الفطر .
أما الاستغفار : فبه تختم الأعمال الصالحة ، فإن كان العمل الصالح كاملا تاما كان الاستغفار كالطابع والخاتم له ، وإن كان فيه خلل ونقص وتقصير جبره الاستغفار ، وقد جاء الأمر بختام الشهر بالاستغفار عن عمر بن عبدالعزيز ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه . وفي ختام الطاعة بالاستغفار تواضع النفس لربها وانكسارها وذلها وعدم إعجابها بعملها وهي حال يحبها الله .
وأما زكاة الفطر : فقد فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم للفطر من رمضان طهرة للصائم من اللغو الرفث وطعمة للمساكين .
تجب على الذكر والأنثى والصغير والكبير والحر والعبد ، صاعا من طعام عن كل واحد ، يبدأ وقت وجوبها من غروب شمس آخر يوم من رمضان ويمتد حتى صلاة العيد ، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين ، فأخرجوها عباد الله طيبة بها نفوسكم عنكم زعمن تعولون من أهلكم ، وضعوها في يد من يستحقها من الفقراء والمساكين .
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك . اللهم اقبل منا ومن المسلمين الصيام والقيام وتجاوز عن التقصير والآثام، ومُنّ علينا بالمغفرة والعفو والعتق من النار والفوز بالجنان يا كريم يا منان، اللهم وفقنا لاستغلال ما بقي من أيام رمضان بالعمل الصالح الذي ترضاه يا حي يا قيوم، اللهم أصلح أحوالنا وأعمالنا وقلوبنا ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وفقهاً في دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم افتح لنا من خزائن رحمتك وتوفيقك يا خير الفاتحين، اللهم منزل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب اللهم قاتل الظلمة المعتدين الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أولياءك ويسعون في إطفاء نورك، وأنت المتم لنورك ولو كره الكافرون، اللهم عليك بهم إنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل بهم نقمتك وأرنا فيهم عجائبك اللهم إنهم آذونا في بلادنا وفي إخواننا وفي أموالنا، اللهم إنهم حاربوا دينك ومن تدين به ظاهراً وباطناً اللهم سلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب يا قوي يا متين، اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق، اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المؤمنين، اللهم فرج عن إخواننا المؤمنين في الشام وفي بورما، اللهم ارحم ضعفهم وتولَّ أمرهم واجبر كسرهم وعجّل بفرجهم ونفّس كربهم، اللهم أحقن دماءهم واستر عوراتهم وآمن روعاتهم اللهم وارحم ميّتهم واشف مريضهم وأطعم جائعهم واكسِ عاريَهم واحمل فقيرهم وثبت أقدامهم وكن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين يا حيّ يا قيوم، اللهم آمنّا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وبصّرهم بأعدائهم والمتربصين بهم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم إنا نسألك رحمة تُصلح بها قلوبنا وتُفرّج بها كُروبنا وتُيسّر بها أُمورنا وتَشفي بها مرضانا، وتَرحم بها موتانا يا أرحم الراحمين، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات.

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .