تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 14 من 14

الموضوع: مجاهدة النفس بكثرة السجود

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي مجاهدة النفس بكثرة السجود



    مجاهدة النفس بكثرة السجود (1)









    كتبه/ علاء بكر


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فإن مِن أفضل الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى ربه -عز وجل-: أداء الصلوات المفروضة والمندوبة في نهاره وليله، فـ(الصّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ, فَلْيَسْتَكْثِر َ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني)، خاصة إذا أداها على الوجه الأكمل الذي ينبغي عليه أن يؤديها بها، مِن إتمام أركانها وواجباتها، وإكمال سننها، والخشوع فيها، مع التدبر لما يقرأ فيها مِن القرآن، وحضور القلب مع ما يقوله فيها مِن الذكر والدعاء.

    ويزيد الأجر والثواب بالمحافظة على الجُمَع والجماعات في الصلوات المفروضة، والمحافظة على قيام الليل مِن الصلوات المندوبة، ولعل شهر رمضان -وبحق- مِن أفضل أوقات المسلم في المداومة على هذه الصلوات مِن غيره، كما هو معلوم ومشاهد مِن حال الصائمين العبَّاد فيه؛ فلا يخلو ليلهم ونهارهم مِن ارتياد المساجد للصلاة؛ إذ شرعتْ فيه صلاة التراويح، أي قيام الليل في جماعةٍ مِن دون العام، وبقي قيام الليل في غير رمضان في البيوت فرادى، فكانت المساجد فيه -بفضل الله تعالى- عامرة بصلوات الجماعة المفروضة والمندوبة ليل نهار؛ ولعل لهذه الميزة -مع فضل شهر رمضان- كان أجر قيام الليل في رمضان إيمانًا واحتسابًا مغفرة الذنوب، كأجر صيام النهار في رمضان إيمانًا واحتسابًا مغفرة للذنوب، وكان شهود التراويح مع الإمام حتى ينصرف ولو مِن أول الليل هو قيام لليل في ميزان العبد عند الله -تعالى-.

    ولا شك أن هذه الحالة مِن المداومة على الصلوات ليلاً ونهارًا مِن العبد هي صورة مِن المجاهدة للنفس كبيرة، ودرجة مِن العبودية الظاهرة منه لله عظيمة، قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) (طه:14)، وقال الله -عز وجل-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ . الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة:45-46).

    وقد جاء في السُّنة النبوية أن هذه المجاهدة والمداومة عليها في رمضان وغيره ترفع العبد إلى أعلى عليين حتى تقربه مِن مرافقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة؛ روى الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة باب (فضل السجود والحث عليه) عن ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه- قال: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: (سَلْ) فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: (أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ) قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: (فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ).

    وربيعة بن كعب بن مالك بن يعمر الأسلمي، وكنيته أبو فراس، هو خادم للنبي -صلى الله عليه وسلم-، قال عنه ابن عبد البر -رحمه الله- في كتابه (الاستيعاب في أسماء الأصحاب): "معدود في أهل المدينة، وكان مِن أهل الصفة، وكان يلزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السفر والحضر، وصحبه قديمًا، وعمَّر بعده. مات بعد الحرَّة سنة ثلاث وستين" ( ج 1، ط مكتبة مصر، ص 244).


    وقال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم: "فيه الحث على تكثير السجود والترغيب فيه، والمراد: السجود في الصلاة".

    وقال أيضًا: "لأن السجود غاية التواضع والعبودية لله -تعالى-، وفيه تمكين أعز أعضاء الإنسان وأعلاها -وهو وجهه- في التراب الذي يُداس ويمتهن. والله أعلم".



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: مجاهدة النفس بكثرة السجود



    مجاهدة النفس بكثرة السجود (2)









    كتبه/ علاء بكر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فقد ذكرنا في المقال السابق أن مِن أفضل الأعمال التي يتقرب بها المسلم إلى ربه -عز وجل-، أداء الصلوات المفروضة والمندوبة في نهاره وليله، وفي هذا المقال نتناول.

    فضل الصلاة على العبادات كلها:

    تُعد الصلاة أفضل العبادات؛ فالمفروض منها أفضل المفروضات، والمندوب منها أفضل المندوبات، وبأدائها ينسجم العبد مع سائر المخلوقات في الكون، قال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) (النور:41)، وقال -تعالى-: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَة ُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) (النحل:49).

    والعالم العلوي زاخر بالملائكة الساجدين لله خضوعًا له، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَه ُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (الأعراف:206)، والمكثِر مِن الصلاة والسجود متشبه بهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني).

    وأدلة فضل الصلاة في القرآن كثيرة:

    فالصلاة أكثر العبادات ذكرًا في القرآن، وما قُرنت الصلاة بفرضٍ مِن الفرائض إلا وقُدِّم ذكرها على هذه الفريضة، ولا توجد عبادة سمَّاها الله -تعالى- في كتابه إيمانًا إلا الصلاة، قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) (البقرة:143)، أي: صلاتكم التي صليتموها قبْل تحويل القبلة إلى الكعبة في مكة.

    وورد ذكر الصلاة في مفتتح أعمال البر وخواتيمها في سورة (المؤمنون) وسورة (المعارج)؛ تنويهًا بشأنها ومنزلتها.

    ومِن الآيات القرآنية في أهمية الصلاة:

    قال الله -تعالى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (طه:132).

    و قال -تعالى-: (قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ) (إبراهيم:31).

    وقال -تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت:45).

    وقال -تعالى-: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة:238)، وقال -تعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء:103)، وقال -تعالى-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ . رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (النور:36-38)، وقال -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (الأعلى:14-15)، وغيرها كثير.

    وأدلة فضل الصلاة في السُّنة كثيرة:

    قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّلَاةُ بُرْهَانٌ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال: (وَالصَّلَاةُ نُورٌ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وعن ابن عمر مرفوعًا: (إنّ العَبْدَ إِذا قامَ يُصَلِّي أتَي بِذُنوبِهِ كلِّها فوُضِعَتْ على رأْسِهِ وعاتِقَيْهِ، فَكُلَّما رَكَعَ أوْ سَجَدَ تَساقَطَتْ عنهُ) (رواه الطبراني والبيهقي، وصححه الألباني)، وعن أبي أيوب مرفوعًا: (إِنَّ كُلَّ صَلَاةٍ تَحُطُّ مَا بيْنَ يَدَيْهَا مِنْ خَطِيئَةٍ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

    وجاء في الحديث أن: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) (رواه مسلم)، وصحَّ عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لما مرَّ على قبرٍ دُفن صاحبه حديثًا: (رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ مِمَّا تَحْقِرُونَ وَتَنْفِلُونَ, يَزِيدُهُمَا هَذَا فِي عَمَلِهِ، أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ) (أخرجه ابن المبارك في الزهد، وصححه الألباني)، وفي الحديث القدسي: (مَنْ صَلَّى الصَلَاةَ لِوَقْتِهَا, وَحَافَظَ عَلَيْهَا وَلَمْ يُضَيِّعْهَا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهَا؛ فَلَهُ عَلَيَّ عَهْدٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ) (رواه أحمد والطبراني، وقال الألباني: حسن لغيره)، والأحاديث في ذلك كثيرة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: مجاهدة النفس بكثرة السجود



    مجاهدة النفس بكثرة السجود (3)









    كتبه/ علاء بكر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فضل السجود:

    - قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمولاه ثوبان -رضي الله عنه- لما سأله عن عمل يدخله الجنة: (عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً) (رواه مسلم).

    - وقال -صلى الله عليه وسلم- لخادمه ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه- لما سأله مرافقته في الجنة: (فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ) (رواه مسلم).

    قال النووي -رحمه الله-: "فيه دليل لمَن يقول تكثير السجود أفضل مِن إطالة القيام".

    وقد ذكر النووي -رحمه الله- في شرح مسلم اختلاف العلماء أيهما أفضل: طول القيام أم طول السجود؟ على ثلاثة مذاهب:

    أحدها: أن تطويل السجود أفضل، حكاه الترمذي، والبغوي عن جماعة، وهو مروي عن ابن عمر -رضي الله عنهما-.

    الثاني: مذهب الشافعي وجماعة أن تطويل القيام أفضل؛ لحديث جابر في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ). والمراد بالقنوت القيام؛ ولأن ذكر القيام: القراءة، وذكر السجود: التسبيح، والقراءة أفضل؛ لأن المنقول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يطول القيام أكثر مِن تطويل السجود.

    الثالث: أنهما سواء.

    وتوقف الإمام أحمد -رحمه الله- في المسألة.

    وقال إسحاق بن راهويه: "أما في النهار فتكثير الركوع والسجود أفضل، وأما في الليل فتطويل القيام؛ إلا أن يكون للرجل جزء بالليل يأتي عليه، فتكثير الركوع والسجود أفضل؛ لأنه يقرأ جزأه، ويربح كثرة الركوع والسجود".

    قال الترمذي -رحمه الله-: "إنما قال إسحاق هذا؛ لأنهم وصفوا صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالليل بطول القيام، ولم يوصف مِن تطويله بالنهار ما وصف بالليل، والله أعلم".

    - وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ) (رواه مسلم).

    قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم: "معناه أقرب ما يكون مِن رحمة ربه وفضله".

    قال المناوي -رحمه الله- في فيض القدير: "وذلك لأن العبد في حالة السجود يكون في تمام الذلة والخضوع لله -سبحانه وتعالى-، وإذا عرف العبد نفسه بالذلة والافتقار عرف أن ربه هو العلي الكبير المتكبر الجبار، فالسجود لذلك مظنة الإجابة" (فيض القدير).

    - وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) (رواه مسلم).


    قال النووي -رحمه الله-: "قوله: (فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) معناه: حقيق وجدير. وفيه الحث على الدعاء في السجود، فيستحب أن يجمع في سجوده بيْن الدعاء والتسبيح" (شرح النووي على مسلم بتصرف يسير).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: مجاهدة النفس بكثرة السجود



    مجاهدة النفس بكثرة السجود (4)









    كتبه/ علاء بكر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    السجود في "القرآن الكريم":

    ورد الكلام عن السجود في "القرآن الكريم" في عشرات الآيات القرآنية مِن خلال معانٍ متعددة، منها:

    - الأمر بالسجود لله -تعالى-:

    قال الله -تعالى-: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا) (الإنسان:26)، وقال -تعالى-: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (العلق:19)، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج:77).

    وقال -تعالى- في ختام سورة النجم: (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) (النجم:62)، وقال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (فصلت:37)، وقال -تعالى-: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ . وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:98-99).

    - مدح الساجدين لله -تعالى-: قال الله -تعالى-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر: 9)، وقال -تعالى-: (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا . وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) (الإسراء:107-109).

    وقال -تعالى-: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) (مريم:58)، وقال -تعالى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا . وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) (الفرقان:63-64)، وقال -تعالى-: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ . تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (السجدة:15-16).

    وقال -تعالى-: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة:112)، وقال -تعالى-: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ . يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) (آل عمران:113-115).

    - الإنكار على مَن لا يَسجد لله -تعالى-:

    قال -تعالى-: (فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ . وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ . بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ . فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (الانشقاق:20-24)، وقال -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا) (الفرقان:60).


    وقال -تعالى- على لسان هدهد سليمان -عليه السلام-: (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ . وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ . أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ . اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (النمل:23-26).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: مجاهدة النفس بكثرة السجود

    مجاهدة النفس بكثرة السجود (5)






    كتبه/ علاء بكر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فمما ورد في "القرآن الكريم" في شأن السجود: الإخبار بسجود الكون كله، والمخلوقات لله -تعالى-، قال الله -عز وجل-: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) (الرعد:15).
    وقال -تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ . وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَة ُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ . يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (النحل:48-50).
    وقال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (الحج:18)، وقال -تعالى-: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) (الرحمن:5-6).
    وقال -تعالى- في شأن الملائكة في العالم العلوي: (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَه ُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (الأعراف:206).
    - الإخبار عن إعداد الكعبة للسجود عندها لله -تعالى-:
    قال الله -تعالى-: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة:125)، وقال -تعالى-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (الحج:26).
    - ذكر أن إقامة المساجد في الأرض للصلاة والسجود لله فيها:
    ومعلوم أن المساجد إنما سُميت بهذا الاسم؛ لأنها يسجد المؤمنون لله -تبارك وتعالى- فيها جماعات وفرادى: قال الله -تعالى-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ . رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (النور:36-38)، وقال -تعالى-: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة:18).
    وقال -تعالى-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (الجن:18)، وقال -تعالى-: (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (الأعراف:29)، وقال -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (الأعراف:31).
    - توعد مَن منع الناس عن المساجد، ومِن السجود فيها:
    قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة:114)، وقال -تعالى-: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى . عَبْدًا إِذَا صَلَّى . أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى . أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى . أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى . أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى . كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ . نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ . فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ . سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ . كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (القلم:9 -19).
    - إخباره -تعالى- بأنه يرى مَن يسجد ويصلي له:
    قال الله -تعالى-: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ . الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ . وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ . إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الشعراء:217-220)، وقال الله -تعالى-: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى . عَبْدًا إِذَا صَلَّى . أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى . أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى . أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى . أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) (العلق:9-14).

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: مجاهدة النفس بكثرة السجود



    مجاهدة النفس بكثرة السجود (6)









    كتبه/ علاء بكر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فمما ورد في شأن السجود في القرآن الكريم:

    - فرض السجود في الحرب والقتال: قال الله -تعالى-: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُم ْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُم ْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) (النساء:102).

    - ذكر سحرة فرعون الذين سجدوا لله، وصبروا على القتل بسببه: قال الله -تعالى-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ . فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ . وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ . قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ . رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ . قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ . لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّك ُمْ أَجْمَعِينَ . قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ . وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) (الأعراف:117-126). وبنحوها الآيات 65- 76 مِن سورة طه، والآيات 41- 51 مِن سورة الشعراء.

    - بيان أن السجود لله -تعالى- يورث الخشية له -عز وجل-: قال الله -تعالى-: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ) (الفتح:29).

    بيان مغبة عدم السجود لله -تعالى- مِن وجوهٍ، منها:

    - طرد إبليس ولعنه: قال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ . فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ . فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ . إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ . قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ . قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ . قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ . وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) (الحجر:28-35)، وقال الله -تعالى- لإبليس أيضًا: (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) (الأعراف:18).

    - وقد تكرر ذكر قصة رفض إبليس للسجود واستحقاقه للعقوبة بذلك في مواضع عديدةٍ مِن القرآن، منها: في سورة البقرة الآية 34، وفي سورة الإسراء الآيات: 61- 63، وفي سورة الكهف: الآية 50، وفي سورة طه: الآية 116، وفي سورة ص: الآيات 70-78.

    الإخبار بإنزال الرجز مِن السماء على بني إسرائيل:

    - قال الله -تعالى- حاكيًا عن بني إسرائيل: (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ . فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (البقرة:58-59)، وتكرر ذكر القصة في سورة الأعراف الآيتان: 161-162، وفي سورة النساء مختصرة، الآية: 154.

    - الحرمان يوم القيامة مِن القدرة على السجود لله -تعالى- مع المؤمنين: قال الله -تعالى-: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ . خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ . فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُه ُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) (القلم:42-43).


    - ذم التكاسل والسهو عن الصلاة والمراءاة فيها "والسجود مِن الصلاة": قال الله -تعالى-: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) (النساء:142)، وقال -تعالى-: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة:54)، وقال -تعالى-: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ . الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ . وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) (الماعون:4-7).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: مجاهدة النفس بكثرة السجود



    مجاهدة النفس بكثرة السجود (7)









    كتبه/ علاء بكر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فمَن فضائل السجود خاصة "والصلاة عامة": ما يكون فيها ويعقبها مِن انشراح الصدور، وانفراج الهموم؛ ولذا كان دأب الصالحين أنهم إذا ضاقتْ عليهم الدنيا أقبلوا على الآخرة بالدخول في عالم الصلاة مِن قيامٍ وركوعٍ وسجود، قال الله -تعالى- لنبيه وللأمة مِن بعده: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (الحجر:97-98)، وقال -تعالى-: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا . وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا . وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا) (الإنسان:24-26).

    وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) (البقرة:153)؛ لذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وكان يقول لبلال -رضي الله عنه-: (يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، ويقول: (وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، ولا غرابة في ذلك؛ إذ إن العبد أقرب ما يكون إلى ربه وهو ساجد -كما جاء في الصحيح-.

    ومَن يتأمل نفسه وهو في صلاته ساجد لربه، يدرك هذا القرب مِن وجوه، منها:

    - أن السجود أبلغ صور الخضوع والتذلل؛ فللخضوع والتذلل صور أشدها السجود، والمؤمن يكثر مِن هذا السجود لله -تعالى- في ليله ونهاره، باختياره ورضاه، مع استشعاره عظمة هذا السجود لله -تعالى-، ويأبى أن يسجد لغيره كائنًا مَن كان.

    - أن الساجد يجعل الله -تعالى- أمامه، ويقصر نظره تجاهه، على قطعة صغيرة مِن الأرض لا يتعداها، ولا يرى مِن الدنيا سواها؛ إذ الدنيا جميعها وراءه، فالله غايته، والدنيا وما فيها خلفه؛ لذا كان على المصلي النظر إلى موضع سجوده طوال صلاته لا يلتفت عنه، ولا يشغله عن انفراده بربه شيء، فلما أقبل الساجد على ربه بالكلية أقبل الله -تعالى- عليه، فجعله أقرب ما يكون إليه.

    - أن الساجد مع كونه لا التفات له لغير الله، ولا تعلق له بالدنيا؛ هو مع ذلك يسبِّح الله -تعالى- بلسانه، ويذكره ويدعوه، وقلبه معلق بربه الذي يذكره، وهذه درجة عالية مِن تجرد العبد لله -تعالى-، وامتثاله لقول -تعالى-: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) (الذاريات:50).

    - إن الساجد تكون حواسه وجوارحه خاضعة معه لله -تعالى-؛ نظره وسمعه ولسانه، قدماه وركبتاه، ويداه وجبهته وأنفه، وهي أبعد ما تكون مع طول هذا السجود عن المعصية أو الانشغال بغير الله -تعالى-.

    - إن الإنسان حال سجوده يكون ملتصقًا بالأرض، وفي التصاقه بالأرض دلالة معنوية، تذكره بأصله بأنه خلق مِن ترابٍ، وأنه سيعود إليه بعد الموت؛ ففيه عند إدراكه وتأمله دعوة لذكر الموت والبلى، والنفور مِن الكبر والتعالي.

    - فإذا تذكر العبد في سجوده أن الشيطان أمره الله بالسجود فأبى؛ فطرد مِن رحمة الله وأُبعد عنها، وأنه أمر بالسجود فسجد فتعرض لرحمة الله -تعالى- والقرب منه؛ أدرك فضل الله -تعالى- عليه، وعلِم أن الشيطان عدوه الأكبر الذي ينبغي عليه مخالفته وعداوته، فهو والشيطان على طرفي نقيض.


    - فإذا تذكر العبد وهو ساجد أن الناس تُكب على وجوهها في النار يوم القيامة، كما في قوله -تعالى-: (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) (النمل:90)، وقوله: (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) (الزمر:24)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَهَلْ يُكِبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟) (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني) - أدرك أن سجوده هذا في الدنيا سبب -بفضل الله- في حجب النار عن وجهه يوم القيامة. (راجع في ذلك: "فقه السجود"رابطة العالم الإسلامي).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: مجاهدة النفس بكثرة السجود



    مجاهدة النفس بكثرة السجود (8)
    كيفية السجود وكماله









    كتبه/ علاء بكر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    - السجود على سبعة أعضاء:

    سجود الإنسان يكون بجعل الجبهة أو الأنف على الأرض، وهو ما كان يأنف منه العرب ويأبونه؛ أن يكون أست المرء أعلى مِن أنفه، وكانوا يقولون: رغم أنف فلان، وترب أنفه لذله.

    وكمال السجود شرعًا بتمكين سبعة أعضاء، وهي: الجبهة، والأنف، والكفين، والركبتين، وأطراف أصابع القدمين، مِن محل السجود، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَاليَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْ نِ، وَأَطْرَافِ القَدَمَيْنِ) (متفق عليه)، ويستحب مباشرة هذه الأعضاء للأرض سوى الركبتين، فيكره على القول بأن الركبتين ليستا مِن العورة، وهو الصحيح.

    - المجافاة بيْن الأعضاء:

    بجعل الساجد مسافة بيْن عضديه و جنبيه، وبطنه و فخذيه، وفخذيه وساقيه، مع التفريق بيْن الركبتين، وجعل بطون الأصابع على الأرض، ووضع يديه حذو منكبيه مضمومة الأصابع، ففي الحديث: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَجَدَ يُجَنِّحُ فِي سُجُودِهِ، حَتَّى يُرَى وَضَحُ إِبِطَيْهِ" (متفق عليه). "يُجَنِّحُ فِي سُجُودِهِ": أي ينحي كل يد عن الجنب الذي يليها. "حَتَّى يُرَى وَضَحُ إِبِطَيْهِ": أي بياضهما.

    وفي حديث أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا سَجَدَ أَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ مِنَ الأَرْضِ، وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ" (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وعنه -رضي الله عنه- قال: "فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ القِبْلَةَ" (رواه البخاري).

    وبهذه الهيئة يستقل كل عضو بنفسه ولا يعتمد على غيره، ويخف الاعتماد على الوجه مع القدرة على تمكينه دون أن يتأذى الأنف والجبهة بملاقاة الأرض، مع المغايرة لهيئة الكسلان وإظهار التواضع.

    - الاطمئنان في السجود:

    لحديث المسيء صلاته، وفيه: (ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا) (متفق عليه)، والطمأنينة سكون الأعضاء، وقوله للمسيء لما أخل بها: (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) (متفق عليه)، وعن حذيفة -رضي الله عنه- أنه رأى رجلًا لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته دعاه وقال له: "مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهَا" (رواه البخاري).

    - التسبيح والإكثار منه:

    بقول: "سبحان ربي الأعلى"؛ لحديث حذيفة -رضي الله عنه- وفيه: فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ)، وَفِي سُجُودِهِ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).


    - الإتيان بشيءٍ مِن الأذكار النبوية الواردة في السجود أو كلها.

    - الاجتهاد في الدعاء بما يشاء مِن خيري الدنيا والآخرة؛ للأمر بالإكثار مِن الدعاء في السجود، ولا حرج مِن الدعاء بملاذ الدنيا في السجود مع التأدب بآداب الدعاء، والأولى الإتيان بجوامع الدعاء الواردة في القرآن الكريم والسُّنة النبوية، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) (رواه مسلم)، أي لا يصلح فيها كلام الآدميين في أحاديثهم الدنيوية.

    - إطالة السجود إن أمكن للمنفرد خاصة، وفي قيام الليل عامة، مع مراعاة أحوال المأمومين في الصلوات الجامعة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: مجاهدة النفس بكثرة السجود

    مجاهدة النفس بكثرة السجود (9)






    كتبه/ علاء بكر
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    - الجمع بيْن الخوف والرجاء مع الخشوع:
    قال الله -تعالى-: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) (الزمر:9)، وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا . وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) (الفرقان:64-65)، وقال: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ . تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (السجدة:15-16)، وعن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- أنه كان إذا سجد جاءت الطير فوقعتْ ووقفت عليه كأنه حائط أو كأنه صخرة ثابتة لا تتحرك!
    - ويجوز البكاء في السجود -وفي عامة الصلاة- إن أمن الرياء: قال الله -تعالى-: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) (مريم:58)، وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قرأ هذه الآية، فسجد وقال: "هذا السجود فأين البكاء؟!"، وقال -تعالى- أيضًا: (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) (الإسراء:109)، وعن عبد الله بن الشخير قال: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُصَلِّي، وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ!" يَعْنِي: يَبْكِي. (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).
    ومِن الأمور المنهي عنها في السجود:
    - افتراش الذراعين: لحديث أنس المرفوع: (اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلاَ يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الكَلْبِ) (متفق عليه)، والمراد بالاعتدال: التوسط بيْن الافتراش والقبض. (وَلاَ يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الكَلْبِ): أي لا يجعل ذراعيه على الأرض كالبساط أو الفراش؛ ولحديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان: "يَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ" (رواه مسلم)، ولحديث البراء مرفوعًا: (إِذَا سَجَدْتَ، فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ) (رواه مسلم)، وروى الطبراني وغيره مرفوعًا بإسنادٍ ذكر الشوكاني أنه صحيح: (لَا تَفْتَرِشْ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَاعْتَمِدْ عَلَى رَاحَتَيْك، وَأَبْدِ ضَبْعَيْكَ، فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ سَجَدَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْك).
    - النقر في الصلاة كالغراب أو الديك:
    لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نَهَانِي رَسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلَّم- عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ, وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ, وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ" (رواه أحمد، وقال الألباني: حسن لغيره)، وورد النهي عن نقرة كنقرة الغراب عند أبي داود والنسائي وابن ماجه.
    والمراد بالنقر: ترك الطمأنينة وتخفيف السجود بأن لا يمكث فيه إلا قدر وضع الديك أو الغراب منقاره فيما يأكله بسرعة ومتابعة مِن غير تلبث.
    وإقعاء الكلب: أن يلصق أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض.
    كفت الثياب وشعر الرأس:
    بتشمير الأكمام أو ثني البنطلون -غير ثنيته الأصلية-، وضم الشعر؛ لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أُمِرَ النَّبِيُّ -صلّى الله عليه وسلم- أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ، وَلاَ يَكُفَّ شَعَرًا وَلاَ ثَوْبًا" (متفق عليه)، وفي الحديث المرفوع: (ضَعْ أَنْفَكَ لِيَسْجُدَ مَعَكَ) (رواه البيهقي، وصححه الألباني).
    وعن ابن عباس أنه رأى عبد الله بن الحارث -وهو صحابي شهد بدرًا- يصلي ورأسه معقوص إلى ورائه (وعقص الشعر ضفره وفتله، والعقاص خيط يشد به أطراف الذوائب) فجعل يحله، وأقر له الآخر: (أي استقر لما فعله ولم يتحرك)، ثم أقبل على ابن عباس فقال: مالك ورأسي، قال: إني سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إِنَّمَا مَثَلُ هَذَا، مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ) (رواه مسلم).
    وعند أحمد وابن ماجه ولأبي داود والترمذي في معناه نهيه -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي الرجل ورأسه معقوص، وورد القول بذلك عن عبد الله بن مسعود وابن عمر وعثمان بن عفان، والجمهور على أن النهي للمصلي سواء فعله في الصلاة أو قبْل أن يدخلها، قال الشوكاني -رحمه الله-: "قيل: والحكمة في ذلك أنه إذا رفع ثوبه وشعره عن مباشرة الأرض أشبه المتكبرين".

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: مجاهدة النفس بكثرة السجود



    مجاهدة النفس بكثرة السجود (10) مِن أذكار السجود









    كتبه/ علاء بكر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    - قراءة القرآن:

    إذ محل القراءة في الصلاة في القيام فقط، ولا تكون في الركوع أو السجود، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عند مسلم مرفوعًا: (أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ). فالسجود للتسبيح والدعاء والذكر.

    - تخصيص شيء لسجود الجبهة عليه كما يفعل الشيعة الاثنى عشرية في إيران؛ بدعوى أن السجود لا يكون إلا على التراب ومشتقاته، فيصنعون مِن التراب هيئات مختلفة يحملونها معهم -خاصة مِن تربة كربلاء التي يتبركون بها- فيضعون جبهتهم عليها في السجود، وهي بدعة ضلالة لم تعرف في عهد النبوة والسلف الصالح.

    وقد وردت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أذكار عديدة في الصلاة، منها ما هو خاص بالسجود، ومنها ما يقال في الركوع والسجود، ومنها ما يقال في الصلاة عامة.

    ومِن الأذكار النبوية في السجود:

    - التسبيح: بقول: "سبحان ربي الأعلى"، والمعنى: أنزه ربي وأقدسه عن كل النقائص. والمستحب ألا يقل التسبيح عن ثلاث تسبيحات، بل يزيد عليها.

    - ذكر: (اللهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (رواه مسلم). (وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ): أي فلق وفتح. (أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ): أي المقدرين والمصورين.

    - ذكر: (اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ، وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّه) (رواه مسلم). (دِقَّهُ): قليله. (وَجِلَّهُ): كثيره. وفيه تفصيل بعد إجمال، فقليله وكثيره، وأوله وآخره داخل في عموم: (اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ)، وفيه مزيد اعتراف وإقرار بالذنوب على اختلافها.

    - ذكر: (اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِك َ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ) (رواه مسلم).

    (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ): أي أعوذ بك مِن سخطك أو مِن عذابك.

    قال الخطابي -رحمه الله-: "استعاذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسأله أن يجيره برضاه مِن سخطه، وبمعافاته مِن عقوبته، والرضا والسخط ضدان متقابلان، وكذلك المعافاة والمؤاخذة؛ فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له استعاذ به منه لا غير".

    (لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ): أي لا أطيقه ولا أبلغه.


    (أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ): اعتراف بالعجز عن الثناء، وأنه لا يقدر على بلوغ حقيقته، فكما لا يعلم نهاية لصفاته، فكذلك لا نهاية للثناء عليه؛ لأن الثناء تابع للمثنى عليه، فكل ثناء أثنى به عليه وإن كثر وبالغ فيه؛ فقدر الله أعظم وصفاته أكثر، وفضله وإحسانه أوسع.

    وهذا استغفار مِن التقصير في بلوغ الواجب في حق عبادته والثناء عليه.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: مجاهدة النفس بكثرة السجود

    مجاهدة النفس بكثرة السجود (11)









    كتبه/ علاء بكر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    ومِن أذكار الركوع والسجود:

    - ذكر: (سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ) (رواه مسلم).

    (سُبُّوحٌ): أي المبرأ مِن النقائص والشريك، وكل ما لا يليق بالإلهية، مِن سبحتَ الله، أي: نزهته.

    (قُدُّوسٌ): أي المطهر مِن كل عيب، العظيم في النزاهة عن كل ما يستقبح.

    (الرُّوحِ): قيل: المراد به جبريل -عليه السلام-، وخُص بالذكر تفضيلًا له على سائر الملائكة. وقيل: المراد صنف مِن الملائكة، وهذا كقوله -تعالى-: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَة ُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) (النبأ:38)، وقوله -تعالى-: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (القدر:4). ويحتمل الروح الذي به قوام كل حي، أي رب الملائكة ورب الروح، والله أعلم.

    - ذكر: (سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاء ِ وَالْعَظَمَةِ) (رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني).

    (ذِي الْجَبَرُوتِ): الجبروت مِن الجبر وهو القهر، وهو مِن صفات الله، ومعناه: الذي يقهر العباد على ما أراد. (وَالْمَلَكُوتِ): مِن الملك، (ذِي َالْمَلَكُوتِ): صاحب ملاك كل شيء، وصيغة الفعلوت للمبالغة. (وَالْكِبْرِيَاء ِ): أي سبحان ذي الكبرياء، أي العظمة والملك. ولا يوصف بهذا إلا الله -سبحانه وتعالى-.

    - ذكر: (سُبْحَانَكَ اللهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي)، قالت عائشة -رضي الله عنها-: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: (سُبْحَانَكَ اللهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي)، يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ. (متفق عليه).

    (سُبْحَانَكَ اللهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ): أي وبحمدك سبحتك، ومعناه بتوفيقك لي سبحتك لا بحولي وقوتي، أو بسبب أنك موصوف بصفات الكمال والجلال سبحك المسبحون.

    فضل السجود وإطالته بالليل:

    ومما ينبغي الحرص عليه في مجاهدة النفس قيام الليل، وإطالة القيام والسجود فيه، كما كان يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة -رضي الله عنهم- في عهد النبوة، والسلف الصالح مِن العلماء والعباد مِن بعدهم، قال -تعالى- في شأن المتقين: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالْأَسْحَار ِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذاريات:17-18)، وقال -تعالى-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) (السجدة:16)، وقال -تعالى-: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) (المزمل:20).

    وعن عائشة -رضي الله عنها-: "أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ" (متفق عليه)، وعن أنس -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ لاَ تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ، وَلاَ نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ" (رواه البخاري).

    قال الشيخ ابن العثيمين -رحمه الله- في شرح رياض الصالحين للنووي ما مختصره أن: "فيه دليل على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أحيانًا يديم العمل الصالح حتى لا تراه إلا على هذا العمل، فكان لا تشاء تراه قائمًا إلا رأيته، ولا نائمًا إلا رأيته، وكذلك في الصوم، يعني أنه -عليه الصلاة والسلام- يتبع ما هو الأفضل والأرضى لله، وما هو أصلح و أنفع لبدنه؛ لأن الإنسان له حق على نفسه".

    وعن عائشة -رضي الله عنها-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلاَتَهُ -تَعْنِي بِاللَّيْلِ- فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ!" (رواه البخاري).

    وعنها قالت: "مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا" (متفق عليه).

    قال الشيخ العثيمين في شرحه: "وقولها -رضي الله عنها-: (يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ) قد ظن بعض الناس أنها أربع مجموعة بسلامٍ واحدٍ، وهذا خطأ؛ لأنه قد جاء مفصلًا مبينًا أنها أربع ركعات يسلِّم مِن كل ركعتين، وأربع يسلم مِن كل ركعتين، وثلاث ركعات، فيكون قولها: (يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي... ) فيه دليل على أنه إذا صلى الأربع بسلامين استراح قليلًا؛ لقولها: (ثُمَّ يُصَلِّي)، و(ثُمَّ) للترتيب في المهلة، ثم يصلي الأربع على ركعتين، ثم يسلم. وأنا أشير في هذه المسألة إلى أنه لا ينبغي للإنسان أن يتعجل في فهم النصوص، بل يجمع شواردها حتى يضم بعضها إلى بعض ليتبين له الأمر".

    وعن حذيفة -رضي الله عنها- قال: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ"، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى"، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ" (رواه مسلم).

    قال العثيمين في شرحه: "ولكن لو قال قائل: هل الأفضل في الصلاة أن أطيل القيام أو أن أطيل السجود والركوع؟ قلنا: انظر ما هو أصلح لقلبك، قد يكون الإنسان في حال السجود أخشع وأحضر قلبًا، وقد يكون في حال القيام يقرأ القرآن ويتدبر القرآن، ويحصل له لطائف مِن كتاب الله -عز وجل- ما لا يحصل في حال السجود، ولكن الأفضل أن يجعل صلاته متناسبة، إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود، وإذا قصَّر القيام قصر الركوع والسجود، حتى تكون متناسبة كصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم".

    وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال: (أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا) (متفق عليه).


    قال العثيمين -رحمه الله-: "ولكن مع هذا إذا قام الإنسان في أي ساعة مِن الليل فإنه يرجى له أن ينال الثواب، وهذا الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- هو الأحب إلى الله والأفضل، لكن يكفي أن تقوم الثلث الأخير أو الثلث الأوسط أو النصف الأول، حسب ما تيسر لك".



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: مجاهدة النفس بكثرة السجود

    مجاهدة النفس بكثرة السجود (12)






    كتبه/ علاء بكر
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    سجود التلاوة:
    مِن الطاعات المقربة لله -تعالى-: "السجود"، سجدة واحدة عقب قراءة آية مِن آيات السجود في القرآن الكريم في الصلاة أو خارجها؛ ثبت ذلك مِن قوله -صلى الله عليه وسلم- وفعله، وهذا مجمع عليه، وهي سجدة مستحبة للقارئ والمستمع، سجدة يكبر قبلها، ويكبر للرفع منها، ولا تشهد بعدها ولا تسليم، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ). الويل: الهلاك.
    وعن ابن مسعود -رضي الله عنه-: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَرَأَ وَالنَّجْمِ فَسَجَدَ فِيهَا، وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرَ أَنَّ شَيْخًا أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ، وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا! قَالَ عَبْدُ اللهِ: "لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا" (متفق عليه).
    وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَجَدَ بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ المُسْلِمُونَ وَالمُشْرِكُونَ وَالجِنُّ وَالإِنْسُ" (رواه البخاري). وزاد الطبري في الأوسط أن هذا كان بمكة.
    قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "فأفاد اتحاد قصة ابن عباس وابن مسعود".
    وقال الشوكاني -رحمه الله-: "قوله: (وَالجِنُّ): كان مستند ابن عباس في ذلك إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- إما مشافهة له، وإما بواسطة؛ لأنه لم يحضر القصة لصغره، وأيضًا فهو مِن الأمور التي لا يطلع عليها إلا بتوقيف".
    وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا" (متفق عليه)، وتركه -صلى الله عليه وسلم- السجود في هذه الحالة لا يدل على تركه مطلقًا؛ لاحتمال أن يكون السبب في الترك إذ ذاك كون القارئ لم يسجد أو كان الترك لبيان الجواز.
    قال في الفتح: "وهذا أرجح الاحتمالات -يعني بيان الجواز- وبه جزم الشافعي".
    وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "سَجَدْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) وَ(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (رواه مسلم)، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "(ص) لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ, وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى اللهُ عليه وسلَّم- يَسْجُدُ فِيهَا" (رواه البخاري).
    قال الشوكاني -رحمه الله-: "المراد بالعزائم ما وردت العزيمة في فعله كصيغة الأمر مثلًا". وقال أيضًا: "وإنما لم تكن السجدة في مِن العزائم؛ لأنها وردت بلفظ الركوع؛ فلولا التوقيف ما ظهر أن فيها سجدة".
    وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ السُّورَةَ الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ فَيَسْجُدُ، وَنَسْجُدُ مَعَهُ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِمَوْضِعِ جَبْهَتِهِ" (متفق عليه). ولمسلم في رواية: "فِي غَيْرِ صَلَاةٍ".
    وعن عمر -رضي الله عنه- أنه: قَرَأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ، فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ حَتَّى إِذَا كَانَتِ الجُمُعَةُ القَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ، قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ، فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ، فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-" (رواه البخاري). وفي لفظٍ: "إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء".
    ومواضع هذه السجدات في القرآن خمسة عشر موضعًا، هي: (الأعراف: الآية 206)، (الرعد: الآية 15)، (النحل: الآية 49)، (الإسراء: الآية 107)، (مريم: الآية 58)، (الحج: الآيتان: 18، 77)، (الفرقان: الآية 60)، (النمل: الآية 25)، (السجدة: الآية 15)، (ص: الآية 24)، (فصلت: الآية 37)، (النجم: الآية 62)، (الانشقاق: الآية 21)، (العلق: الآية 19).
    وفي سجود التلاوة: يسبح الساجد "سبحان ربي الأعلى"، وله أن يقول مِن أذكار السجود في الصلاة ما يشاء، وله أن يدعو بما شاء. وإن أخَّر القارئ السجود لم يسقط ما لم يطل الفصل، فإن طال فإنه يفوت ولا يُقضى.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: مجاهدة النفس بكثرة السجود

    مجاهدة النفس بكثرة السجود (13)






    كتبه/ علاء بكر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    سجود الشكر:
    ذهب جمهور العلماء إلى استحباب سجدة الشكر لمَن تجددت له نعمة أسعدته أو صُرفت عنه نقمة أهمته، فعن أبي بكرة -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ أَوْ بُشِّرَ بِهِ، خَرَّ سَاجِدًا، شُكْرًا لِلَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-" (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني).
    وعن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَوَجَّهَ نَحْوَ صَدَقَتِهِ فَاتَّبَعْتُهُ فَدَخَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ, فَخَرَّ سَاجِدًا, فَأَطَالَ السُّجُودَ, حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ اللهَ -عز وجل- قَدْ قَبَضَ نَفْسَهُ فِيهَا، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَجَلَسْتُ فَرَفَعَ رَأسَهُ فَقَالَ: (مَنْ هَذَا؟) قُلْتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ, قَالَ: مَا شَأنُكَ؟ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ سَجَدْتَ سَجْدَةً خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ اللهُ -عز وجل- قَدْ قَبَضَ نَفْسَكَ فِيهَا! فَقَالَ: (إِنَّ جِبْرِيلَ -عليه السلام- أَتَانِي فَبَشَّرَنِي، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ -عز وجل- يَقُولُ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ, وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ, فَسَجَدْتُ للهِ -عز وجل- شُكْرًا) (رواه أحمد، وحسنه الألباني).
    وعن أبي بكر -رضي الله عنه- أنه سجد حين جاءه خبر قتل مسيلمة الكذاب (رواه سعيد بن منصور). وسجد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حين وجد ذا الثنية في قتلى الخوارج (رواه أحمد في مسنده). وسجد كعب بن مالك في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بشر بتوبة الله عليه، وقصته متفق عليها.
    وكره مالك سجود الشكر، وهي رواية عن أبي حنيفة، والرواية الأخرى عنه أنه مباح؛ لأنه لم يُؤثر عنه -صلى الله عليه وسلم- عندهما مع تواتر النعم عليه -صلى الله عليه وسلم-.
    قال الشوكاني -رحمه الله- في نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار بعد ذكر الأحاديث الواردة في سجود الشكر: "وإنكار ورود سجود الشكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن مثل هذين الإمامين، مع وروده عنه -صلى الله عليه وسلم- مِن هذه الطرق التي ذكرها المصنف -وذكرناها- مِن الغرائب!".
    سجود السهو:
    مِن فضائل السجود التي ليستْ لغيره أنه يجبر -دون غيره- خطأ السهو في الصلاة أو الشك في عدد ركعاتها، فلا يضيع على المصلي ثواب صلاته بخطأ السهو أو الشك فيها، مع ما في ذلك مِن إرغام للشيطان الذي يسعى دائمًا لإفساد صلاة العبد.
    وسجود السهو سجدتان يسجدهما المصلي آخر صلاته التي سها فيها أو شك، والأفضل متابعة الوارد في ذلك فيسجد قبْل التسليم فيما جاء فيه السجود قبله، ويسجد بعد التسليم فيما ورد فيه السجود بعده، ويخير فيما عدا ذلك.
    والأحاديث في ذلك عديدة، منها: حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعًا: (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَان) (رواه مسلم). وعن ابن مسعود -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا، فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟) قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. (متفق عليه).
    وعَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، قَبْلَ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ سَلَّمَ" (متفق عليه). وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا: (إِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) (رواه مسلم).




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: مجاهدة النفس بكثرة السجود



    مجاهدة النفس بكثرة السجود (14)









    كتبه/ علاء بكر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فضل السجود مع الساجدين:

    لصلاة الفرض في جماعة -والسجود منها- فضل على صلاة المنفرد؛ ثبت ذلك في أحاديث كثيرة، منها: عن أبي هريرة -رضي الله عنها- مرفوعًا: (صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ: إِذَا تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ) (متفق عليه)، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعًا: (صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) (متفق عليه).

    وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- مرفوعًا: (مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

    وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ" (رواه مسلم). وفي رواية: "إِنْ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّ مِنْ سُنَنَ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ" (رواه مسلم).


    ولصلاة العشاء والصبح في جماعة فضل مخصوص، ففي الحديث عن عثمان بن عفان مرفوعًا: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ) (رواه مسلم). وفي رواية: (مَنْ شَهِدَ العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ قِيَامُ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى العِشَاءَ وَالفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

    وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) (متفق عليه)، وعنه -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَيْسَ صَلاَةٌ أَثْقَلَ عَلَى المُنَافِقِينَ مِنَ الفَجْرِ وَالعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) (متفق عليه).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •