قلت : لمن لا يعرف حقيقة القضاء في بلاد التوحيد , فليعلم أن المذهب الحنبلي هو الأصل بين القضاة , لكن إن ترجح للقاضي خلاف ما في المذهب قضى بالراجح دون تثريب عليه , بل لو أتى المحكوم عليه بحجة من الكتاب والسنة تنقض ما قضى به القاضي بناء على المذهب الحنبلي , يُنقض حكم القاضي .
اعتِمادُه في المَسائلِ العِلميَّةِ على الدَّليل، وتَركه التَّقليد لأيِّ مذهَبٍ ، وله في ذلكَ فتَاوًى، مشهورةٌ، وتَرجيحاتٌ مسطُورَةٌ، ولا زَالَ الشَّيخُ يُفتي بالدَّليلِ، والرَّاجِح عندَه، حتَّى فارَقَ الدُّنيا؛ ولو كان في ذلك مُخالَفةٌ لعلَماء البَلد!.
ومن ذلكَ- مَثَلاً- : فَتوَاه بأنَّ مَن قَتلَ مُورِّثَهُ خطأً في حوادث السَّيَّارات، فإنَّه يَرثُ منه؛ لانتِفَاءِ شُبهَةِ القَصدِ؛ وللأدلَّةِ الدَّالَّة على رفع الخَطَإ، وِفَاقًا لجُمهور العُلماء، وخِلافًا للمَذهب الحنبليِّ، وله في ذلك بحثٌ ضِمنَ فَتَاويهِ.
و في آخر زيارةٍ لي في شوال 1247قَرأتُ عليهِ مَبحَثًا في هذه المَسألَة رجَّحتُ فيه قولَ الحَنابِلةِ، واللجنة الدائمة؛ فتبسَّم من قول اللَّجنة: (وننصح الورثة أن يصطلحوا على أن يعطوه نصيبَه، لعدمِ قصده !)، أو كما قالت،ثمَّ حدَّثني : أنه قبل بضعة عشر، أوقال : بضعٍ وعشرينَ سنة، حصل لتلميذٍ له حادثٌ؛ فماتَ أبوه، فقضى القاضي أن لا إرثَ له، فسألني: فقلتُ له: بل لك الإرث، وكتبتُ له بحثًا ؛ فأعطاه ذلك القاضي ، فاقتنع، وأعطاه الإرث . انتهى المقصود
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - : ( إن الشيخ – رحمة الله – ما جاء بمذهب مستقل ، وإنما هو في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، وإذا ترجح عنده القول بالدليل أخذ به ولو لم يكن في مذهب الإمام أحمد ، يعني أنه لا يتعصب إلى الشخص ، وإنما يذهب إلى الحق ، فهو حنبلي ، ولكن إذا كان الدليل مع غير أحمد وفي غير مذهب أحمد فإنه يأخذ به ،لأن الإمام أحمد - رحمه الله – يأمر بهذا ، يأمر أن نتبع الدليل ، ولا نأخذ قوله ولا قول غيره ، قال رحمه الله : " عجبتُ لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان - هو سفيان الثوري رحمة الله - والله تعالى يقول: ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) : أتدري ماالفتنة ؟ الفتنة الشرك ، لعله إذا رد بعض قوله - أي بعض قول الرسول صلى الله عليه وسلم - يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك " اهـ ؛ هذا قول الإمام أحمد ، فالشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب هو على مذهب الإمام أحمد ، إمام أهل السنة ، ولكنه لا يتعصب لمذهب أحمد ، بل متى وجد الدليل مع غيره أخذ بالقول الذي عليه الدليل ، وهذا موجود في فتاواه وفي رسائله ، موجود معروف مدون.هذا في الفقه ، أما في العقيدة فهو على عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم والأئمة الأربعة ) . ( رد شبهات حول دعوة المجدد الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب ، ص 35-37) .
فأسال الله لهذه الدولة الثبات على الحق .