أخرج البخاري ومسلم من حديث أَبَي هُرَيْرَة رضي الله عنه قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ ولا هَامَةَ ولا صَفَرَ
كان أهل الجاهلية يعتقدون أن المرض أو العدوى تنتقل من الرجل المريض إلى الرجل الصحيح بنفسها دون قضاء الله وقدره وكانوا يتشائمون من شهر صفر ويعتقدون أنه شهر مشئوم ، وكان أحدهم إذا أراد أن يسافر جاء بطير ثم أطلقها فإن ذهبت يمينا تفاءل وسافر وإن ذهبت شمالا تشائم وأحجم عن السفر فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فقال لَا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ ولا هَامَةَ ولا صَفَرَ .
أراد النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الحديث أن يهدم تلك الإعتقادات الباطلة والخرافات الكاذبة وأن يقضي على هذه الأوهام الزائفة والمعتقدات الفاسدة .
أراد النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الحديث أن يعلق قلوبهم بالله وحده لا شريك له {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} .
أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجتث عروق الشرك والخرافة من قلوب الخلق حتى لا تتعلق قلوبهم بالشهور أو بالقبور أو بالأوهام أو بالأيام قال محمد بن راشد رحمه الله سمعت أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ يَسْتَشْئِمُونَ بِصَفَرٍ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لَا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ ولا هَامَةَ ولا صَفَرَ ( ) .
عباد الله :
إن المصيبة كل المصيبة عند ما يتعلق العبد بغير الله فإن القلب إذا تعلق بغير الله ابتلاه الله بالهم وأصابه بالغم وأوكله إلى نفسه وانصرف عنه ومن انصرف الله عنه سلب منه الإيمان وملأ قلبه بالخوف من المخلوقين وأتاه القلق والإضطراب يقول الله تعالى في كتابه الكريم { فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}
أيها المسلمون
إننا نعيش اليوم في شهر صفر وإن من الناس من يتشائم من شهر صفر فتجدهم لا يتزوجون في صفر ولا يبرمون عقد النكاح في صفر ولا يقيمون المناسبات في صفر ويحتفلون بيوم الأربعاء من نهاية شهر صفر استبشارا وابتهاجا بخروج شهر صفر .
وهذا كله من التشائم والتطير الذي نهى الله عنه فقال {فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} يقول النبي صلى الله عليه وسلم من رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ من حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ ( ) ويقول عليه الصلاة والسلام الطيرة شرك الطيرة شرك الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل ( ) .
هكذا عباد الله ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشائم والتطير لأن التشائم والتطير سنة من سنن الجاهلية وعادة قبيحة من عادات أهل الجاهلية فإن المؤمن يؤمن ايمانا كاملا أن النافع والضار هو الله وحده فلا تأثير للشهور ولا للأيام قال سبحانه وتعالى {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} .
عباد الله
وإن مما يخالف التوحيد ويناقض التوكل تعليق التمائم والعزائم والخيوط لاتقاء الحمى أو العين أو السحر أو المس عن عِمْرَانَ بن الْحُصَيْنِ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا في يَدِهِ حَلْقَةٌ من صُفْرٍ فقال ما هذه الْحَلْقَةُ قال هذه من الْوَاهِنَةِ قال انْزِعْهَا فَإِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إلا وَهْنًا ( ) وفي رواية الإمام أحمد انْبِذْهَا عَنْكَ فَإِنَّكَ لو مِتَّ وَهِىَ عَلَيْكَ ما أَفْلَحْتَ أَبَداً ( ) و رأى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأرضاه رجلا في يده خيط من الحمّى فقطعه وتلا قوله تعالى وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ( ) . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم من علق تميمة فلا أتم الله له ومن علق ودعة فلا ودع الله له ( ) وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ اشرك ( ) .
فليحذر المسلم من هذه الخيالات وهذه السخافات وعليه أن يحاربها وأن يجتثها من جذورها وأن يقتلعها من أصولها فإنها تخالف العقل والنقل وتضر القلب والجسد وتضعف اليقين والتوكل قال تعالى {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ويقول سبحانه وتعالى { قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُو نَ} يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لو أنفقت مثل أحد ذهبا ما قبله الله حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وان ما أخطأك لم يكن ليصيبك ( ) .
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..........
الخطبة الثانية
وإن من المنكرات الشنيعة والجرائم الكبيرة ما تنشره بعض المجلات أو تبثه بعض القنوات _ ويتابعه بعض الناس وللأسف الشديد _ ما يسمى بالقراءة في الأبراج والطوالع فتجد هذا يبحث عن سعادته في برج الميزان والآخر يخاف أن يكون من أهل برج العقرب وذاك يتصل بالقناة يسألهم عن حظه في أي برج من الأبراج سيكون وهذا هو الدجل بعينه وهذه هي الشعوذة وهذا هو علم النجوم الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه فقال من اقتبس شُعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد ( ) ويقول صلى الله عليه وسلم من أتى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عن شَيْءٍ لم تُقْبَلْ له صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ( ) ويقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من أتى كَاهِناً أو عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يقول فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ على مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ( ) .
فلنحذر حذرا كبيرا من هذه القنوات التي تحيي الخرافة وتنشر الشعوذة وتروج للوثنية التي هدم الإسلام بنيانها وحرر العقول من رقها وضلالها
وعلينا أن نشرح صدورنا بالقرآن وأن نؤنس قلوبنا بذكر الرحمن وألا نجعل بيوتنا مرتعا للشيطان فإن من البيوت بيوت قل فيها ذكر الله وقل أن يقرأ فيها كلام الله وترك أهلها الأوراد الشرعية والأذكار النبوية فكانت النتيجة هي العقد النفسية والمشكلات الوهمية والإنحرافات الفكرية يقول الله جل وعلا {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } ويقول سبحانه وتعالى { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون .