[ فائدة عن تحسين الدارقطني]
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ طارق عوض الله - حفظه الله - في (( الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات )) (ص145-150 ) :
( وهذه أمثلة عن الإمام الدارقطني :
فمن ذلك :
أخرج في " السنن " (1 ) :
حديث : الوليد بن مسلم : أخبرني ابن لهيعة : أخبرني جعفر بن ربيعة ، عن يعقوب بن الأشج ، عن عون بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، عن عمر بن الخطاب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ في التشهد ـ : " التحيات لله ، والصلوات الطيبات المباركات لله " .
ثم قال :
" هذا إسناد حسن ، وابن لهيعة ليس بالقوي " .
وقوله : " إسناد حسن " بمعنى : غريب منكر .
ويدل على ذلك :
أنه أخرجه في كتاب " الغرائب والأفراد " ( 2) ، وقال :
" غريب من حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن حديث ابن عباس عنه ، ولم يروه غير جعفر بن ربيعة عن يعقوب بن الأشج ، ولا نعلم أحداً رواه غير الوليد بن مسلم عن ابن لهيعة ، وتابعه عبد الله بن يوسف التَّنَّيسي".
يعني : تابع الوليد ؛ فالحديث مما تفرد به ابن لهيعة .
وقال نحو هذا في " العلل " (3 ) ؛ وزاد :
" ... ولا نعلم رفعه عن عمر عن النبي صصص غير ابن لهيعة ، والمحفوظ ما رواه عروة ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري ، أن عمر كان يعلِّم الناس التشهد ـ من قوله ؛ غير مرفوع " .
قلت : وهذا يدل على أن رواية ابن ليهعة عنده شاذة أو منكرة ؛ لتفرده برفع الحديث عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم لمخالفته للمحفوظ عند الدارقطني ، وهو وقف الحديث .
ومن ذلك :
أخرج الدارقطني في " السنن " ( 4) :
عن عبد الله بن سالم : عن الزبيدي : حدثني الزهري ، عن أبي سلمة وسعيد ، عن أبي هريرة ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته ، وقال : " آمين " .
ثم قال الدارقطني :
" هذا إسناد حسن " .
ولم يرد الدارقطني من قوله هذا تثبيت الحديث ؛ بدليل أنه ذكر هذا الحديث في " العلل " (5 ) ، وذكر أوجه الخلاف فيه سنداً ومتناً ، ثم قال : " والمحفوظ : من قول الزهري مرسلاً " .
ومن ذلك :
أخرج في " السنن " (6 ) :
حديث : محمد بن عقيل بن خويلد ، عن حفص بن عبد الله ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن أيوب ، عن ابن عمر ـ مرفوعاً ـ : " أيُما إهاب دُبغ فقد طهُر " .
ثم قال الدراقطني :
" إسناد حسن " .
أي : غريب ؛ بدليل :
أن هذا الحديث ـ مع أحاديث أخرى ـ مما استنكروه على ابن خويلد هذا ، وهو وإن كان من جملة الثقات ، إلا أنه أخطأ في إسناد هذا الحديث .
قال أبو أحمد الحاكم :
" حدث عن حفص بن عبد الله بحديثين ، لم يتابع عليهما ، ويقال : دخل له حديث في حديث ، وكان أحد الثقات النبلاء " .
وقال ابن حبان في " الثقات " ( 7) :
" ربما أخطأ ؛ حدَّث بالعراق بمقدار عشرة أحاديث مقلوبة " .
وذكره الذهبي في " الميزان " (8 ) ، وقال :
" معروف ، لا بأس به ، إلا أنه تفرد بهذا " .
ثم ذكر له هذا الحديث بعينه ، وأتبعه بقول الدارقطني !
هذا ؛ وإنما يعرف هذا المتن من حديث عبد الرحمن بن وعلة ، عن ابن عباس ، وقد أخرجه مسلم (1/191) وغيره .
راجع : "غاية المرام " (28) للشيخ الألباني ـ حفظه الله تعالى .
ومن ذلك :
أخرج في " السنن " (9 ) :
حديث : ابن أبي مسرة ، عن يحيى بن محمد الجاري ، عن زكريا ابن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر ـ مرفوعاً ـ : " من شرب في إناء من ذهب أو فضة ، أو إناء فيه شيء من ذلك ، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم " .
ثم قال :
" إسناده حسن " .
وقول الدارقطني هذا ، لا يمكن حمله على " الحسن " الاصطلاحي ؛ وإنما هذا بمعنى الغريب أو المنكر ، على نحو ما يُعرف عن المتقدمين .
وذلك لأمور :
الأول : أن يحيى الجاري هذا ؛ لا يرقى حديثه إلى رتبة الحسن ، بل هو إلى الضعيف أقرب ( 10) .
قال البخاري : " يتكلمون فيه " .
وأدخله ابن حبان في " الثقات " ، وقال " يُغْرب " .
ثم أدخله في " المجروحين " ، وقال : " كان ممن ينفرد بأشياء لا يتابع عليها ، على قلة روايته ، كأنه كان يَهِم كثيراً ؛ فمن هنا وقع المناكير في روايته ، يجب التكُّبُ عما انفرد من الروايات ، وإن احتج به محتج فيما وافق الثقات ، لم أر بذلك بأساً " .
ووثقه العجلي ، وقال ابن عدي : " ليس بحديثه بأس " .
الثاني : أن زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع ، مجهول الحال ، وكذا أبوه ( 11) .
الثالث : أن زيادة " أو إناء فيه شيء من ذلك " ، زيادة منكرة في هذا الحديث ، وقد صرح بذلك ، الإمام الذهبي ، حيث أدخل الحديث في ترجمة يحيى الجاري من " الميزان " ، ثم قال :
" هذا حديث منكر ، أخرجه الدارقطني ، وزكريا ليس بالمشهور " .
وجزم شيخ الإسلام ابن تيمية بضعف هذه الزيادة ، فقال ( 12) : " إسناده ضعيف " .
وإنما هذه الزيادة تصح عن ابن عمر ، من فعله هو ، وقد بين ذلك الحافظ البيهقي في " السنن الكبرى : و " الخلافيات " . وأشار إليه الحاكم في " معرفة علوم الحديث " ( 13) .
فالحاصل ؛ أن إطلاق الدارقطني لفظ " الحسن " على هذا الحديث ، ليس من باب الإطلاق الاصطلاحي ، بل بمعنى الغريب والمنكر ، كما سبق .
وبالله التوفيق .) اهـ.
- - - - - - - - الحواشي - - - - - - - -
(1) (1/351) .
(2) " أطراف الغرائب " لابن طاهر (32/1 - 2) .
(3) (2/82- 83) .
(4) " السنن " (1/335) .
(5) (8/84-92) .
(6) " السنن " (1/48) .
(7) " الثقات " (9/139-147) .
(8) (3/649-650) .
(9) (1/40) .
(10) وانظر : " السلسلة الصحيحة " للشيخ الألباني (2/343) .
(11) " فتح الباري " لابن حجر (10101) ، و " الجوهر النقي " (1/29) .
(12) " مجموع الفتاوى " (21/85) .
(13) " الكبرى " (1/29) ، و" الخلافيات " (1/274-278) و " المعرفة " (ص 131) .
هذا ؛ وقد استفدت كثيراً من مادة هذا الحديث ، مما علقه أخونا مشهور حسن على " الخلافيات " فجزاه الله خيراً .