من مشاركاتٍ قديمةٍ لي وليغري من الأفاضل في موضوعٍ قديمٍ في حكم شرب البربيكان ونحوه من المشروبات المحتوية على نسبةٍ من الكحول ضئيلةٍ:
1- الأصل الأول : أنَّ الأصل في الأطعمة والأشربة الحل ، مالم يأت الدليل المانع منها .
فكل طعام أو شراب - لم ينص على تجريمه - فهو حلال ، ومن حرَّم شيئاً منه فيطالب بالدليل عليه .
2- الأصل الثاني : أنَّ الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .
ومن المعلوم المنصوص عليه أنَّ العلَّة في تحريم الخمر هي الإسكار ؛ لقوله صصص : ( ما أسكر قليله فكثيره حرام ) .
ومن المعلوم أنَّ هذه المشروبات لا تسكر ، قليلها ولا كثيرها .
بخلاف الخمر الذي لو شرب منه الإنسان مقدار فنجان قهوة لسكر، وغاب عقله ؛ كما أخبرني بذلك غير واحد ممن كان يتعاطاه قبل أن يتوب منه ، نسأل الله العفو .
فالذي يشرب من هذه المشروبات فإنه لا يسكر ولو شرب برميلاً أو طناً .
3- قال ابن رجب رحمه الله في القواعد (1/172) : " القاعدة الثانية والعشرون : العين المنغمرة في غيرها إذا لم يظهر أثرها ؛ فهل هي كالمعدومة حكماً أو لا ؟ فيه خلاف ، وينبني عليه مسائل :
منها : الماء الذي استهلكت فيه النجاسة ...
ومنها : لو خلط خمراً بماء ، واستهلك فيه ثم شربه ؛ لم يُحدَّ ، هذا هو المشهور ، وسواءٌ قيل بنجاسة الماء أولا .... " وساق بقية الأمثلة .
والذي يهمني منها هذان المثالان. فالراجح الذي تؤيده الأدلة أنَّ الماء إذا سقطت فيه نجاسة ، ثم استُهلكت هذه النجاسة فيه بحيث لم يظهر رائحتها أولونها أوطعمها فيه = فإنه لا تأثير لها على الماء فيبقى على طهوريته ، بصرف النظر عن قلته أو كثرته .
ننن ثم الخمر إن كان نجساً - والراجح عدم نجاسته لعدم الدليل - ووضع شيٌ منه في برميل ماء واستهلك فيه فإنه لا يبقى له أثرٌ من جهة النجاسة .
وهذا جواباً لمن يقول بنجاسة الخمر ، وقد يستدلُّ على حرمة هذه المشروبات بنجاسة هذه الكحول ، وبناءً على أنه لا يجوز مقاربة النجاسات أو تناولها فقد يحرِّم هذه المشروبات .
فالذي لا يسكر ولو شرب منه إنسان برميلاً أو نهراً أو بحراً هو هذا المشروب بعد إضافة هذه الكحول إليها. لا نفس هذه الكحول المضافة .
ولم يكن في عهد النبي مختبرات لإثبات سكر الخمر قليله أو كثيره ! فلا يحتاج في إثبات أنَّ هذا المشروب - لا الكحول - لو شرب منه امرؤٌ كثيراً أو قليلاً فإنه يسكر = إلى فحص مخبري أو نووي ! ، بل يكتفى بفحصه بالفم والذوق فقط (: ، فإن أسكر فحرام وإلاَّ فلا .
وثم فرق بين ( خمر خالص ) ، وبين ( ماء مخلوط بخمر ).
مسألة العين المنغمرة في غيرها هي من قواعد الإسلام التي تجري في غيرما مسألة من مسائل الطهارات وغيرها ، وقد ذكرها كثير من الفقهاء ، لكنهم يفترقون في تطبيقاتها . وأدلتها كثيرة ، منها حديث القلتين ، وبئر بضاعة ، وغيرهما .
ومسألة المختبرات فلم يتعبدنا الله بها ، ولم أبدِّعها ، لكن ( ربط ) تبيِّّن الإسكار للخمر بها بدعةٌ لا شك فيها. نعم .. يستفاد منها لكن لا يتوقف تبيُّن علة الإسكار عليها .
إذ لا نلزم كل إنسان ليحكم على النبيذ بأنه قد تخمَّر أن يعرضه على المختبرات .
بل علة التحريم هي الإسكار فلو كان مسكراً قليله - بالذوق - لصار خمراً محرما، وما لا فلا .
ثم من المعلوم عقلاً أن تبيُّنها بالذوق ( أريح ) وأسهل من عرضها على المختبرات !
فتوى للعثيمين رحمه الله:
ما حكم شرب ما يسمى بالبيرة ، مع العلم أن هناك نوعين نوع فيه نسبة من الكحول ، ونوع لا يوجد فيه نسبة من الكحول ، وهل هي من المسكرات ؟
الجواب :
البيرة الموجودة في أسواقنا كلها حلال ، لأنه مفحوصة من قبل المسؤولين ، وخالية من الكحول تماما ، والأصل في كل مطعوم ومشروب وملبوس الأصل فيه الحل ، حتى يقوم الدليل على أنه حرام ، لقول الله تعالى { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } [البقرة :29]
فأي إنسان يقول : هذا الشراب حرام ، أو هذا الظعام حرام ، أو هذا اللباس حرام ، قل له : هات الدليل . فإن جاء بدليل فالعمل على ما يقتضيه الدليل ، وإن لم يأت بدليل فقوله مردود عليه ، لأن الله يقول { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } ، كل ما في الأرض خلقه الله لنا ، وأكَّد هذا العموم بقوله { جميعا } ، وقال : { وقد فصَّل لكم ما حرَّم عليكم } [ الأنعام : 119 ]
فالشيء المحرَّم لا بد أن يكون مفصَّلا معروفا تحريمه ، فما لم يكن كذلك فليس بحرام ، فالبيرة الموجودة في السعوديَّة كلُّها حلال ولا لإشكال فيها إن شاء الله .
ولا تظنَّ أنَّ أيَّ نسبة من الخمر تكون في شيء تجعله حراما ، بل السُّنَّة إذا كانت تؤثِّر بحيث إذا شرب الإنسان من هذا المختلط بالخمر سكر صار حراما ، أمَّا إذا كانت نسبة ضئيلة تضآءلت وانمحى أثرها ولم تؤَثِّر فإنَّه يكون حلالا .
وقد ظنَّ بعض الناس أن قول الرسول صصص : (( ما أسكر كثيره فقليله حرام )) أن معناه : ما خلط بيسير فهو حرام ولو كان كثيرا ، وهذا فهم خاطيء للحديث: (( ما أسكر كثيره فقليله حرام )) يعني : أن الشيء الذي إذا أكثرت منه حصل السكر ، وإذا خفَّفْت منه لم يحصل السكر ، ويكون القليل والكثير حراما ، لأنك ربما تشرب القليل الذي لا يسكر ، ثم تدعوك نفسك إلى أن تكثر فتسكر ، وأمَّا ما اختلط بمسكر ونسبة المسكر فيه قليلة لا تؤثر ، فهذا حلال ولا يدخل في الحديث . ا.هـ
الشيخ : محمد بن عثيمين رحمه الله
لقاءات الباب المفتوح
اللقاء الثالث والستون
ط دار البصيرة (3/381)
شكرا لك ... بارك الله فيك ...