\\
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني في مجلس الألوكة .. هذا محب للعلم أتاكم ضيفاً
أردتُ في موضوعي الأول أن أستفيد مما عندكم في قضية الاعداد والاستعداد ..
ولستُ بصدد تكرار مامضى سرده .. أو الوقوف عند محطات الجدل المعتادة
\\
كنتُ أفكر في سيرة الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين -
وكيف كان الواحد منهم يكتفي سائر يومه بتمرة يُتبعها بشربة من ماء كما جاء في الأثر
( بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- جماعة من الصحابة يتلقون عيراً لقريش
وأمَّر عليهم أبا عبيدة -رضي الله عنهم جميعاً- وزودهم جراباً من تمر لم يجد لهم غيره،
فكان أبو عبيدة -رضي الله عنه- يعطي الرجل من أصحابه كل يوم تمرة،
فيمصها الواحد منهم كما يمص الصبي ضرع أمه، ثم يشرب عليها الماء فكانت تكفيه يومه إلى الليل.
وقد اضطر أفراد هذه السرية إلى أن يأكلوا ورق الشجر وهو ما يعرف بالخبط، إذ ينفض بالمخابط ويجفف و يطحن
لذا سميت هذه السرية" سرية الخبط" وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أحد أفراد هذه السرية )
فوجدت أن سياسة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تناقض كثيراً مما تم تثبيته في أذهاننا
عن أهمية اعداد العدة .. والنظر إلى الأوضاع العالمية .. والتريث ريثما يكتمل للجيش نصابه .. والانتظار حتى تتوافر الأسلحة .. و .. و
مع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما نرى أرسل جيشاً ، تقريباً لايملك ميزانية إطعامه ،
أرسل جيشاً يجراب من تمر ، و لو لم يكن في بيت أحدنا طعام غير التمر لعد نفسه من فقراء مدينته !! فكيف مالا يكفي أحدنا من طعام ، تُخاض به المعارك ؟؟
فهل كان عليه الصلاة والسلام متعجلاً ؟
فإن قال قائل : دعونا نعد جيلاً كالصحابة .. فجيش يتكون من هؤلاء الأفذاذ لا يقهر
أقول : نعم الأصل هو صلاح العقيدة واستقامة السلوك ..
لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ينتظر ذاك الجيش الرباني المتكامل ..
بل كان - عليه السلاة والسلام - يخرج بالصالح والطالح للقاء العدو .. ولا أدل على ذلك من غزوة أحد ..
فهل تتوقعون أن قائداً عسكرياً - في التاريخ المعاصر - يتعرض للخيانة من ثلث جيشه ،
هل تتوقعون أن الرأي العام سيمر على هذه المسألة مرور الكرام ؟
هذا ورسول الله - صلى الله عليه سولم - يعلم أن في الجيش منافقين ..
لكنه لم ينتظر تلك اللحظة المثالية التي يرسمها المصلحون في أذهاننا .. لأنها باختصار لن تأتي
لننظر إلى فلسطين .. ومن يجاهدون في أكناف بيت المقدس ، حين اتخذوا قرارهم بالجهاد ، وبدأوا بالحجارة !!!
من كان يظن من ( المتعقلين ) أن يصنع الحجر دويلة وجيشاً حتى يتآمر العالم كله عليهم في غزة
ولو قال أحدنا إني سأقاتل أمريكا برميها بالحجارة لقمنا بنقله إلى أقرب مصح عقلي !!
مع أن الصهاينة أشد علينا من أمريكا ، لأنهم يهود أولاً - أشد الناس عداوة - وبسبب الجغرافيا وطبيعة الشعوب ، وطبيعة الصراع
\\
نموذج آخر :
روى البخاري من طريق أبي موسى الأشعري ، قال :
خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه فنقبت أقدامنا
، ونقبت قدماي وسقطت أظفاري ، فكنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع ، لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا ،
فحدث أبو موسى بهذا ، ثم كره ذلك فقال ما كنت أصنع بأن أذكره كأنه كره أن يكون شيئا من عمله أفشاه )
لنفرض أنك أيها القاريء الكريم تشاهد بثاً مباشراً على إحدى القنوات الإخبارية
عن جيش من الحفاة قد دميت أقداهمهم حاملين أسلحتهم منطلقين من اسطنبول جهة تل أبيب
لاشك ولا ريب ، أن العالم والجاهل والكبير والصغير سيعتبر هذا تسرعاً وطيشاً
نعم ،، هو تسرع وطيش في موازين البعض فقط !!
وكما قيل : إذا اجتمع عشرة آلاف شخص على رأي أحمق فإنه يبقى رأياً أحمقاً
فإن قال قائل : وماذا عن التفوق العسكري ؟؟
هل تظن أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يره ؟؟
حين واجه 200 ألف بـ ثلاثة آلاف مقاتل في غزوة مؤتة ؟!!
ثم ، أين هذا التفوق في فيتنام - أفغانستان - العراق - الشيشان - الصومال - فلسطين
في هذه الأمثلة كان القوي قوياً ، والضعيف ضعيفاً والحال على ماهو عليه
بالمناسبة ، في فيتنام كانت المومسات تقاتل ضد أمريكا ،
لأن الشعب الأمريكي يميل إلى الملامح الآسيوية ، فكانت المومس تدخل على الضابط الأمريكي
في مخدعه ، وتتصنع الولع به ، حتى إذا سنحت لها الفرصة قتلته شر قِتلة
\\
مع التوضيح أيها الإخوة أن الكلام
عن الجهاد الشرعي الصحيح المنضبط بالضوابط الشرعية ( فقط )
وإلا فكلنا يعلم أن التهور لن يعود بخير
لكني أردتُ هنا أن أذكر بعض الأمثلة الدالة على أن كلمة ( الإعداد ) في كثير من الأحيان تتحول إلى عثرة في طريق الجهاد
ولكنها أيضاً تبقى شرطاً أساسياً للجهاد ( إذا مافُهمت بمنظار النبوة )
\\
أمر آخر في الاعداد والاستعداد
لنفرض أن المسلمين اجتمعت كلمتهم على نصرة هذا الدين بالفعل وليس بالقول
فإن أول ماسيبدأون به هو جمع المال ، وإذا لم يجدوا الكفاية ربما يصرفهم العوز عما عزموا عليه ..
لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن كذلك ، كان - عليه الصلاة والسلام - يتخذ القرار بالحرب أولاً ( ثم ) يجمع المال ،
ويحث الصحابة ، وهو عليه الصلاة والسلام لا يعلم كم سيجمع من صدقات المسلمين ،
لكن الآمر نافذ نافذ ، والقافلة - بكثير أو قليل - سائرة ، وماضر عثمان مافعل بعد اليوم
\\
في غزوة أحد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجوّز ( يقبل ) من الغلمان من اشتد ساعده
وربما كانت أسنانهم في الـ 12 أو الـ 13 من العمر ..
فهل تدرون ماذا سيقول العقلاء حين يرون جيشاً فيه شباب بالصف الثاني والثالث متوسط ( اعدادي ) ؟!!
سيقولون : شباب متهور !! أناس تريد أن تتصدر !! ربما غُرر بهم !!
لم يثنوا ركبهم عند المشايخ !! أطفال يحملون السلاح !!
إلى آخره مما سرى حتى بين طلاب العلم الشرعي ،
وكأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غفل عن هذه الحقائق !!
\\
أيها الإخوة الكرام ، إن كل ماسبق ذكره كان في جهاد الطلب ،
كان قراراً اختيارياً اتخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بحبوحة من الوقت ،
فلا عدو يغزو الديار ، ولا مسلمين يذبحون ، ولا مصاحف تمزق
ومرة أخرى أقول :
إن الاعداد وحسن اتخاذ القرار شرط أساسي من شروط البدء ،
لكن القصد هو اعطاء ذلك الشرط الأساسي مكانه الطبيعي
أتطلع إلى ماعندكم من علم ، جزاكم الله خيراً
\\