بطولات في الميدان
أحمد يرابط في نقطة متقدمة جداً تبعد أقل من كيلو متر واحد عن معسكرات العدو، تحدث لـ(فلسطين) عن العملية البطولية التي قام بها حيث إنه منذ أن لاحظ تقدم القوات الخاصة نحو نقطة مراقبته أسرع بالاتصال بزملائه كي يبدؤوا تنفيذ الخطة، وبهدوء محكم استطاع أن يختبئ كي لا يشعروا به، وأخذ يراقب تقدمهم، إلى أن تجاوزوه ببضعة أمتار، وكانت علامات الرهبة قد بدأت تزول عن وجوه جنود الاحتلال شيئا فشيئاً؛ ظانِّين أنهم قد أحسنوا اختيار النقطة التي ستمكِّنهم من التوغل داخل جباليا، وهنا باغتهم أحمد من الخلف، وبسرعةٍ مذهلةٍ فتح عليهم نيران رشاشه، فقتل ثلاثةً وجرح الكثير وهم يصرخون "إيما.. إيما"، ثم بدأ المجاهدون في إطلاق نارٍ كثيف لتشتيت العدو؛ حتى يتمكَّن أحمد من الخروج سالمًا، فكان لهم ما أرادوا، واستطاع أحمد الخروج بعد أن انسحبوا من هذه النقطة.
وفي محاولةٍ أخرى لاجتياح شرق مخيم جباليا نزلت القوات الخاصة الإسرائيلية لتستكشف الطريق؛ حتى تمهِّد لاجتياح المخيم مستخدمةً دباباتها، إلا أن هذه القوات وجدت نفسها تقع في كمين ثلاثي أعدَّته لها جنود القسام؛ حيث تمكن المجاهدون من محاصرة اثني عشر جنديا إسرائيلياً من القوات الخاصة، وأطلقوا عليهم نيران الرشاشات والعبوات الناسفة، فأردوهم بين قتيل وجريح، وكادوا أن يأسروا منهم، إلا أن الطائرات الإسرائيلية أسرعت لنجدتهم؛ مما أدَّى إلى انسحاب المجاهدين من هذا الموقع بعد أن أصيب أحدهم وهو الذي حاول أسر الجنود.
وأعلنت القسام على صفحتها الإلكترونية أن مجاهديها "استدرجوا قوة إسرائيلية راجلة للدخول إلى منزل مفخخ على جبل الكاشف شرق جباليا، وبعد أن دخلت هذه القوة وتمركزت بداخله قامت بتفجيره".
وعلى الرغم من أن أيام الرباط مقسَّمة بين المجاهدين ولكلٍّ منهم دوره، إلا أن التسابق على الشهادة دفع حسين (18 عاماً) أن يتقدَّم لمؤازرة إخوانه في ميدان الجهاد، رغم أن هذا اليوم لم يكن دوره في الرباط، فما أن شعر حسين بتقدُّم القوات الخاصة نحو حدود جباليا حتى اختطف سلاحه وخرج من بيته ولم يخبر أحدًا سوى أخته ابتسام التي سارعت بدورها لتراقب له الطريق؛ كي يتمكَّن من تنفيذ خطته، وبأنفاسٍ تتسارع ولسانٍ يلهج بالدعاء استطاعت أن تعتليَ سطح المنزل مواريةً دموعها في قلبها لتستكشف الطريق لأخيها الذي أقسم ألا يعود حتى يثخن في عدوه، واستطاع حسين أن يتسلَّل من خلف جنود العدو دون أن يروه، وأطلق عليهم نيران رشاشه حتى بَرَّ بقسمه ونفدت ذخيرته وعاد سالمًا.
حتى كبار السن
وأبى كبار السن إلا أن تكون لهم بصماتهم في معركة "بقعة الزيت اللاهب"؛ فجمع أبو إبراهيم (50 عامًا) رفاقه وعزموا على القيام بخدمة المجاهدين، وأن ينقلوا لهم جميع ما يحتاجونه، ولم يكتفِ أبو عبد الله البالغ من العمر (70 عامًا) بخدمة المجاهدين، وأصرَّ على الرباط في مواقع متقدِّمة، بعد أن استبدَّ به الشوق لابنه الذي استُشهد في العام الماضي، وظلَّ صامدًا حتى أصابه صاروخ غاشم أرداه شهيدًا.
وعلى نقطةٍ متقدِّمة أخرى كان يرابط عليها حمدان (17 عامًا)، وما أن حاولت القوات الإسرائيلية التوغُّلَ من تلك النقطة حتى أبلغ حمدان قائده، فأرسل له عددًا من المجاهدين الذين بادروا باشتباكاتٍ مباشرة وعلى مسافة متر واحد فقط مع جنود العدو الذين تعالت أصوات رعبهم وفزعهم بالعويل، إلا أن حمدان ظلَّ كامنًا في نقطة مراقبته حتى تمكَّن من قنص أحد الجنود فولَّى الآخرون بالفرار، وظلَّ هذا الجندي الجريح ينزف ويستغيث حتى لقي حتفه، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب لإنقاذه.
قبور متحركة
أما القبور المتحركة "دبابات جيش الاحتلال" التي يحاول الإسرائيليون الاختباء بداخلها فقد استطاع سعيد أن يفجِّر إحدى هذه الدبابات بعبوةٍ ناسفة، وقال شهود عيان إنهم شاهدوا أشلاء الجنود تتناثر منها على بعد 50 مترًا من موقع التفجير.
ومن الرشاشات والعبوات الناسفة إلى صواريخ القسام المصنَّعة تحت الحصار وبأبسط الإمكانيات، إلا أن يقين صالح (18 عامًا) بربه، وإيمانه بصدق وعده جعله يتقدَّم إلى الخطوط الأمامية ليطلق وحده 4 صواريخ من نوع "rpg"، ليقتل بها اثنين ويصيب 20 من الإسرائيليين.
ولم تكتفِ صواريخ القسام بقصف مواقع الاقتحام فقط؛ فكتائب القسام لم تستخدم على حدود جباليا إلا 10% من إمكانياتها؛ حيث إنها مقسَّمة لكتائب عسكرية؛ فهناك لواء للمشاة، وآخر للمدفعية، وثالث للصواريخ، وكانت مهمة لواء الصواريخ في ذلك الوقت تشتيت العدو بقصف المستوطنات.
دور جهادي للنساء
وعن دور المرأة في هذه المعركة قال عاهد: "كنا وكأننا في فندق من كثرة ما تأتينا به النساء من طعام؛ فرغم عدم وجود الطعام الكافي لأبنائهن إلا أنهن كُن يؤثرن المجاهدين على أبنائهن ويأتيننا بأفضل طعام".
وأضاف عاهد: "كثير من النساء شاركن في المراقبة ونقل الأخبار ورفع الروح المعنوية"، ولا أحد يغفل أن الدور الأساسي للنساء فيما قمْن به من تربية هؤلاء المجاهدين وتنشئتهم على حب الشهادة، وعن هذا الدور يقول المقاوم علي: "رأيت إحدى الأمهات ذهبت لمواساة جارتها التي استُشهد أحد أبنائها، وما أن وصلت إلى المستشفى حتى وجدت أن ابنها أيضًا يرقد بجوار جاره في ثلاجة الشهداء، فما كان منها إلا أن أرسلت ابنها الآخر الذي وجدناه بيننا يقاوم ببسالةٍ بعد ساعتين من استشهاد أخيه".
سباق إلى الشهادة
وعن التسابق للشهادة قال أبو جهاد: "أحيانًا تتمكَّن قوات الاحتلال من الوصول إلى داخل أحد منازل المواطنين، فنحتاج إلى استشهادي ليفجِّر نفسه في هذا المنزل؛ حتى لا تتمكَّن هذه القوات من تجاوز هذا المنزل إلى منازل أخرى، وقد بلغ من تسابق المجاهدين رجالاً ونساءً على القيام بهذه العملية أننا كنا نضطر للاقتراع بينهم؛ فمن رَجُحَ سهمُه فاز بنيل الشهادة!!، ولولا الالتزام بالسمع والطاعة لخرجوا جميعًا".
أما ما فاجأ جميع المجاهدين هو انسحاب القوات الإسرائيلية بعد أن كبَّدتهم الكتائب ما لم يتوقَّعوه من الخسائر، وأضاف أبو محمد: "لدينا الكثير من أمتعة الجنود الذين فرُّوا هاربين وخلَّفوها وراءهم، وسنعرضها في الوقت المناسب".