تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: معالم في خطبة الإستسقاء

  1. #1

    افتراضي معالم في خطبة الإستسقاء


    معالم في خطبة الإستسقاء
    الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى اله وصحبه وسلم .
    أما بعد :
    فإن من أجمل المواطن و أعظم الفرص للداعية إلى الله تعالى المواطن التي تنكسر فيها قلوب المدعوين وتلين أفئدتهم وتنشرح صدورهم للتقّبل والتأثر فإن للقلوب إقبالا ولها إدبارا فاغتنموها عند إقبالها ودعوها عند إدبارها .
    ومن هذه المواطن التي تلين فيها القلوب وتتأثر فيها النفوس وتترقرق فيها العيون صلاة الإستسقاء وما يلحق بها من الخطبة والإنكسار والدعاء وفي هذه المقالة المتواضعة أريد تسليط الأضواء على خطبة الإستسقاء والمعالم التي ينبغي للخطيب والداعية إلى الله تعالى التركيز عليها حتى تؤتي الخطبة ثمارها وتحقق مطلوبها والله وحده المستعان .
    المعلم الأول :_ اختيار الرجل الصالح المشهور بالعلم والخشية للخطبة والصلاة
    وليس معنى هذا تعلق القلب بشخصه أو الإعتماد عليه فإن هذا والعياذ بالله من الشرك المجلب للسخط المانع للإجابة ولكنه من باب ( من أحق بالإمامة ) كما يقول الفقهاء والمحدثون .
    روى ابن عساكر بسند صحيح أن الضحاك بن قيس خرج يستسقي بالناس فقال ليزيد بن الأسود : قم يا بكاء ( زاد في رواية : فما دعا إلا ثلاثا حتى أمطروا مطرا كادوا يغرقون منه ) ( ) وقد روت لنا الأحاديث والآثار قصة عاد عندما قحطت فبعثت وافدا منهم ليدعوا الله تعالى لهم ولكنهم لم يحسنوا الإختيار فاختاروا رجلا سيئا نزل ضيفا عند رجل يقال له (بكر بن معاوية ) فمكث عنده شهرا كاملا يشرب الخمر وتغني له المغنيات فَلَمَّا مَضَى الشَّهْرُ خَرَجَ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ آتِكَ لِمَرِيضٍ فَأُدَاوِيَهُ وَلَا لِأَسِيرٍ فَأُفَادِيَهُ اللَّهُمَّ اسْقِ عَادًا مَا كُنْتَ تَسْقِيهِ فَرُفِعَ لَهُ سَحَابَاتٌ فَقِيلَ لَهُ اخْتَرْ إِحْدَاهُنَّ فَاخْتَارَ السَّوْدَاءَ مِنْهُنَّ فَقِيلَ لَهُ خُذْهَا رَمَادًا رِمْدِدًا لَا تَذَرُ مِنْ عَادٍ أَحَدًا ( ) .
    قال محمد بن عبد الله بن موسى السعدي: كنا في مجلس أحمد بن حرب لما قدم من بخارى، فاجتمع عليه العامة من أهل المدينة والقرى، فقالوا كلهم: يا أبا عبد الله، أدع لنا، فإن زرعنا وأرضنا لم ينبت منذ عامين، أو قال: عام. فرفع يديه ودعا، فما فرغ حتى طلعت سحابة، وكانت الشمس طالعة، فمطرنا مطراً لم نر مثله، فجئنا مشمرين أثوابنا من شدة المطر ( ) .
    وقال ابن منظور رحمه الله خرج معاوية يستسقي فجعل يقول: قم يا فلان، قم يا فلان. فقيل له: إن في قرية كذا رجلاً مجاب الدعوة. فأرسل إليه فأتى على حماره وهو مسمط إداوةً له لئلا تأتي عليه حالة إلا وهو فيها متوضئ. فقال له معاوية: أردنا أن تستسقي لنا. فاستعفاه فلم يعفه، فأتى إداوته فأحدث وضوءاً وصلى ركعتين، واستسقى وعزم على ربه فقال: ارفعوا أيديكم. فما فرق بينهم إلا المطر حيث يصلي حتى جرى الماء من تحته. فأتاه أهل قريته فاحتملوه. فقال: اللهم، إن معاوية أقامني مقام سمعة ورياء، فاقبضني إليك. فقبض قبل الجمعة ( ) .
    وذكر ابن النجار البغدادي في ترجمة عبد الواحد بن أحمد بن الحسين بن الحصين الدسكري الشافعي وكان محموداً في ولايته مفضلاً على أهل العلم، مقبلاً على من يرد منهم من الغرباء. حج وأنفق بالحرمين مالاً صالحاً على المجاورين. وحكي أن الحجاج عطشوا فسألوه أن يستسقي لهم فتقدم وقال: اللهم إنك تعلم أن هذا بدن لم يعصك قط في لذة! ، ثم استسقى فسقي الناس ( ) .
    قال عبد الملك بن عمير : كان أبو مسلم الخولاني إذا استسقى سقي ) ( )
    المعلم الثاني :_ تهيئة الأجواء للصلاة
    قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ( وبلغنا عن بعض الأئمة أنه كان إذا أراد أن يستسقى أمر الناس فصاموا ثلاثة أيام متتابعة وتقربوا إلى الله عزوجل بما استطاعوا من خير ثم خرج في اليوم الرابع فاستسقى بهم وأنا أحب ذلك لهم وآمرهم أن يخرجوا في اليوم الرابع صياما من غير أن أوجب ذلك عليهم ولا على إمامهم ولا أرى بأسا أن يأمرهم بالخروج ويخرج قبل أن يتقدم إليهم في الصوم وأولى ما يتقربون إلى الله أداء ما يلزمهم من مظلمة في دم أو مال أو عوض ثم صلح المشاجر والمهاجر ثم يتطوعون بصدقة وصلاة وذكر وغيره من البر وأحب كلما أراد الإمام العودة إلى الاستسقاء أن يأمر أن يصوموا قبل عودته إليه ثلاثا. ) ( )
    يقول الإمام السخاوي رحمه الله وهو يتحدث عن رسائل الإمام النووي ومناصحته لحكام عصره (ولما وصلت الرسالة لولّي الأمر " وفّقه الله تعالى " أمر محتسب البلد فنادى ساعته في الناس بصيام ثلاثة أيام، أولها يوم الاثنين، الثاني عشر من جمادى الأولى المذكور، وبالصدقة والمعروف ومصالحة الأعداء، وغير ذلك مما هو من آداب الاستسقاء. ثم خرج ولّي والناس يوم الخميس، الخامس عشر من الشهر المذكور، واستسقوا، ثم سقوا بعد ذلك بتسعة أيام سقيا عامة، وترادفت أمطار كثيرة، بعد أن حصل لكثير من الناس قنوط. فلله الحمد على نعمه والتوفيق لإظهار شعائر دينه، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والاعتناء بسنّته، ومسارعة المسلمين إليها.
    وكتب وليّ الأمر إلى نوابه في البلدان يأمرهم بالاستسقاء في اليوم الذي يستسقي في أهل دمشق، فامتثلوا أمره في ذلك، فسقوا كلهم في بلدانهم في الوقت المذكور، ثم وقعت في البلدان ثلوج كثيرة لم ير في تلك السنين مثلها ) ( ) .
    المعلم الثالث :_ الإكثار من تعظيم الله وإجلاله جل جلاله سبحانه وتعالى
    أخرج الإمام أبو داود بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه قالت عائشة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل ثم قال إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم ثم قال الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله فلم يأت مسجده حتى سألت السيول فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه فقال أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله ( ) .
    قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) أي أمطرنا هذه الأرض دون هذه وسقنا السحاب يمر على الأرض ويتعداها ويتجاوزها إلى الأرض الأخرى فيمطرها ويكفيها ويجعلها غدقا والتي وراءها لم ينزل فيها قطرة من ماء وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة ، قال ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم ليس عام بأكثر مطرا من عام ولكن الله يصرفه كيف يشاء ثم قرأ هذه الآية: ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا ) ( ) .
    وذكر رحمه الله تعالى قصة جميلة تدل على أثر تعظيم الله وإجلاله في الخطبة وتذكير الناس بذلك فقال (وقد استسقى موسى بن نصير بالناس في سنة ثلاث وتسعين حين أقحطوا بأفريقية، فأمرهم بصيام ثلاثة أيام قبل الاستسقاء، ثم خرج بين الناس وميز أهل الذمة عن المسلمين، وفرق بين البهائم وأولادها، ثم أمر بارتفاع الضجيج والبكاء، وهو يدعو الله تعالى حتى انتصف النهار، ثم نزل فقيل له: ألا دعوت لأمير المؤمنين ؟ فقال: هذا موطن لا يذكر فيه إلا الله عزوجل، فسقاهم عزوجل لما قال ذلك ( ) وفي رواية أخرى قال (فلما أراد أن ينزل عن المنبر قيل له: ألا تدعو لأمير المؤمنين ؟ قال: ليس هذا الموضع موضع ذاك، فلما قال هذه المقالة أرسل الله عليهم الغيث فأمطروا مطرا غزيرا وحسن حالهم، وأخصبت بلادهم. ( ) .
    ومن عجيب ما ذكر قصة الإمام علي بن عيسى بن داود بن الجراح وكان ثقة نبيلا فاضلا عفيفا، كثير التلاوة والصيام والصلاة، يحب أهل العلم ويكثر مجالستهم، وكان من أكبر القائمين على الحلاج أنه طاف بالبيت وبالصفا والمروة في حر شديد، ثم جاء إلى منزله فألقى نفسه وقال: أشتهي على الله شربة ثلج. فقال له بعض أصحابه: هذا لا يتهيأ ههنا. فقال: أعرف ولكن سيأتي به الله إذا شاء، وأصبر إلى المساء.
    فلما كان في أثناء النهار جاءت سحابة فأمطرت وسقط منا برد شديد كثير فجمع له صاحبه من ذلك البرد شيئا كثيرا وخبأه له، وكان الوزير صائما، فلما أمسى جاء به، فلما جاء المسجد أقبل إليه صاحبه بأنواع الاشربة وكلها بثلج، فجعل الوزير يسقيه لمن حواليه من الصوفية والمجاورين، ولم يشرب هو منه شيئا فلما رجع إلى المنزل جئته بشئ من ذلك الشراب كنا خبأناه له وأقسمت عليه ليشربنه فشربه بعد جهد جهيد، وقال أشتهي لو كنت تمنيت المغفرة. ( ) والشاهد هو قوة يقينه بالله وتعظيمه له في قوله ( سيأتي به الله إذا شاء )
    المعلم الرابع : _ الإكثار من التضرع والدعاء وقرع أبواب السماء
    روى الأئمة، عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني - رضي الله تعالى عنه - قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى يستسقي فدعا فأطال الدعاء، وأكثر المسألة، واستسقى ثم استقبل القبلة، ثم قلب رداءه، وجعل إلى الناس ظهره، يدعو) وفي لفظ: (عليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فثقلت عليه، فقلبها عليه الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن) ( ) .
    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى حَتَّى رَأَيْتُ أَوْ رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ ( ) .
    و عن أنس بن مالك رض الله عنه : « أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب ، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما ثم قال : يا رسول الله ، هلكت الأموال ، وانقطعت السبل ، فادع الله تعالى يغيثنا ، قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ، ثم قال : » اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا « ، قال أنس : ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ، ولا قزعة ، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار ، قال : فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت ، قال أنس : لا والله ما رأينا الشمس سبتا ، قال : ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب ، فاستقبله قائما فقال : يا رسول الله ، هلكت الأموال ، وانقطعت السبل ، فادع الله يمسكها عنا ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ، ثم قال : » اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكام ، والظراب ، وبطون الأودية ، ومنابت الشجر « ، فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس » . ( ) .
    و أخرج ابن أبي شيبه وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم عن أبي الصديق الناجي قال : خرج سليمان بن داود يستسقي بالناس ، فمر بنملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول : اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن رزقك ، فاما أن تسقينا ، وإما أن تهلكنا فقال سليمان للناس : ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم ( ) .
    وأخرج الإمام الحاكم بسنده عن إسماعيل بن ربيعة ال : سمعت أبي يحدث ، عن أبيه إسحاق بن عبد الله ، أن الوليد أرسله إلى ابن عباس ، فقال : يا ابن أخي كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء (1) يوم استسقى بالناس ، فقال : « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متخشعا ، متذللا ، متبذلا ، فصنع فيه كما يصنع في الفطر والأضحى » ( )
    ساق الدولابي رحمه الله بسنده عن أنس ، قال « بينا نحن عند أنس قعود إذ دخل صاحب الصهريج فقال يا أبا حمزة ذهب ماء الصهريج ليس فيه شيء قال ويحك ما تقول ، قال : هو ما أقول لك ، قال : إنا لله ، ثم جثا على ركبتيه ورفع يديه قال وهو زمن الصيف قال : » اللهم اسقنا ، اللهم ارحمني « وغمز بعضنا بعضا يقول : يستسقي في الصيف فدعا ساعة ثم قال : انظروا هل ترون شيئا قبل العين ؟ قلنا : لا ، قال : ما شاء الله ، ثم رفع يديه فدعا مثل ما دعا ثم قال : هل ترون شيئا ؟ قلنا : لا ، قال : ما شاء الله ، ثم رفع يديه فدعا ساعة ، ثم قال : انظروا هل ترون من شيء قبل العين ؟ فنظرنا فإذا سحابة من قبل العين قد ارتفعت مثل الترس فارتفعت حتى كانت على رؤسنا فأرعدت وأبرقت ثم أرسلت حتى امتلأ الصهريج فقال : انظروا أين بلغت ، فنظرنا فإذا هي حوالينا لم تعدنا » ( ) .
    وذكر ابن كثير رحمه الله من أخبار القاضي منذر البلوطي رحمة الله تعالى عليه أنه أمره الملك أن يستسقي للناس، فلما جاءته الرسالة مع البريد قال للرسول: كيف تركت الملك ؟ فقال تركته أخشع ما يكون وأكثره دعاء وتضرعا.
    فقال القاضي: سقيم والله، إذا خشع جبار الارض رحم جبار السماء.
    ثم قال لغلامه: ناد في الناس الصلاة. فجاء الناس إلى محل الاستسقاء وجاء القاضي منذر فصعد المنبر والناس ينظرون إليه ويسمعون ما يقول، فلما أقبل عليهم كان أول ما خاطبهم به قال: (سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم) [ الانعام: 54 ] ثم أعادها مرارا فأخذ الناس في البكاء والنحيب والتوبة والانابة، فلم يزالوا كذلك حتى سقوا ورجعوا يخوضون الماء. ( ) .
    المعلم الخامس :_ الإكثار من الاستغفار في الخطبة
    يقول الله تعالى في كتابه الكريم فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا قال الإمام البغوي رحمه الله وذلك أن قوم نوح لما كذبوه زمانًا طويلا حبس الله عنهم المطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، فهلكت أموالهم ومواشيهم، فقال لهم نوح: استغفروا ربكم من الشرك، أي استدعوا المغفرة بالتوحيد، يرسل السماء عليكم مدرارا.) ( ) . وقال الإمام القرطبي رحمه الله ( في هذه الآية والتي في " هود " ( ) دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار. ( ) .
    وروى مطرف عن الشعبي أن عمر رضي الله تعالى عنه خرج يستسقي بالناس، فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فقيل له: ما سمعناك استسقيت؟ فقال. طلبت الغيث [بمجاديح] السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا" ( ) .
    وقال الأوزاعي رحمه الله : خرج الناس يستسقون، فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: اللهم إنا سمعناك تقول: " ما على المحسنين من سبيل " التوبة: 91 ] وقد أقررنا بالإساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا ؟ ! اللهم اغفر لنا وأرحمنا واسقنا ! فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا. ( )
    وقال ابن صبيح: شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له: استغفر الله.
    وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفر الله.
    وقال له آخر.
    ادع الله أن يرزقني ولدا، فقال له: استغفر الله.
    وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله.
    فقلنا له في ذلك ؟ فقال: ما قلت من عندي شيئا، إن الله تعالى يقول في سورة " نوح ": " استغفروا ربكم إنه كان غفارا.
    يرسل السماء عليكم مدرارا. ( ) .
    قال ابن عساكر رحمه الله في تاريخ دمشق (استسقى عمر بن الخطاب لما وقف على المنبر أخذ في الاستغفار فقلت ما تراه يعمد لحاجته ثم قال في آخر كلامه اللهم إني قد عجزت عنهم وما عندك أوسع لهم وأخذ بيد العباس فقال وهذا عم نبيك نحن نتوسل به إليك فلما أراد عمر أن ينزل قلب رداءه ثم نزل فتراءى الناس طرة في مغرب الشمس فقالوا ما هذا قال وما رأينا قبل ذلك من قزعة سحاب أربع سنين قال ثم سمعنا الرعد ثم انتشرت ثم أمطرت فكان المطر يقلدنا في كل خمس عشرة قلد الزرع حتى رأيت الأرنبة خارجة من حقاق العرفط تأكلها صغرى الإبل ( ) .
    المعلم السادس :_ التحذير الشديد من المعاصي والذنوب
    لأن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، قال الله تعالى في سورة الحج: ( وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ) ( )
    يقول الشيخ عبد الله بن جار الله آل جار الله ( وتنتشر السحب في السماء حتى تسد الأفق وتنجلي وما أمطرت... إن في ذلك إعلام من الله للمسلمين أن يراجعوا أنفسهم ويتفقدوا أعمالهم ويصلحوا ما فسد منها لأن تأخير نزول الغيث لمانع قائم .) ( ) ويقول رحمه الله (ومن المؤسف أن الناس لم يفكروا في الموانع ولم يجددوا توبة نصوحا ويغيروا بعض أحوالهم حيث أنعم الله عليهم وفتح عليهم خزائن الأرض وجلبت إليهم خيرات الدنيا من أقصاها إلى أقصاها فاغتر بذلك الكثير من أهل هذا الزمان ورأوا أن صلاة الاستسقاء ليست ذات أهمية عند من أمن معيشته حسب لغة أهل هذا الزمان بعائد وظيفته أو ربح تجارته ) ( ) .
    روى الكلبيّ عن أبي صالح أن العباس قال: يوم استسقى عمر رضي اللّه عنه: " اللهم إنه لم ينزلْ بلاء إلا بذنب، ولا يُكشَف إلا بتوبةٍ، وقد توجّه بي القوم إليك لمكاني من نبيّك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة، فاسقنا الغيث،. فأرخت السماءُ شابيب مثلَ الجبال بديمةٍ مُطبِقَةٍ ( ) .
    كان كان الحسن رحمه الله إذا رأى السحاب قال : « في هذا والله رزقكم ، ولكنكم تحرمونه بخطاياكم وذنوبكم » ( )
    قِيلَ : إنَّ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اسْتَسْقَى لِقَوْمِهِ فَلَمْ يُسْقُوا فَقَالَ : يَا رَبِّ بِأَيِّ شَيْءٍ مَنَعْتَنَا الْغَيْثَ ؟ فَقَالَ : يَا مُوسَى إنَّ فِيكُمْ رَجُلًا عَاصِيًا قَدْ بَارَزَنِي أَرْبَعِينَ سَنَةً .
    فَطَلَعَ مُوسَى عَلَى تَلٍّ عَالٍ وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : أَيُّهَا الْعَاصِي قَدْ مُنِعْنَا الْغَيْثَ بِسَبَبِك فَاخْرُجْ ، فَنَظَرَ الْعَاصِي يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَمْ يَرَ أَحَدًا خَرَجَ فَعَلِمَ أَنَّهُ الْمَطْلُوبُ ، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ : إنْ خَرَجْت افْتَضَحْت وَإِنْ قَعَدْت مُنِعُوا مِنْ أَجْلِي ، إلَهِي قَدْ تُبْت إلَيْك فَاقْبَلْنِي ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ إلَيْهِمْ الْغَيْثَ وَسُقُوا حَتَّى رَوُوا .
    فَتَعَجَّبَ مُوسَى فَقَالَ : يَا رَبِّ سَقَيْتَنَا وَلَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنْ بَيْنِنَا ؟ فَقَالَ : يَا مُوسَى الَّذِي مَنَعْتُكُمْ بِهِ قَدْ تَابَ إلَيَّ وَرَجَعَ .
    فَقَالَ : يَا رَبِّ دُلَّنِي عَلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا مُوسَى أَنْهَاكُمْ عَنْ النَّمِيمَةِ وَأَكُونُ نَمَّامًا ؟ ا ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ ( )
    المعلم السابع : - الدعوة للتفاؤل
    يقول الله تعال وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ( ) قال ابن كثير رحمه الله أي: من بعد إياس الناس من نزول المطر، ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه، كقوله: { وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنزلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } [الروم:49] .
    وقوله: { وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ } أي: يعم بها الوجود على أهل ذلك القُطْر وتلك الناحية ( )
    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ( ) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وَاخْتُلِفَ فِي حِكْمَة هَذَا التَّحْوِيل : فَجَزَمَ الْمُهَلَّب بِأَنَّهُ لِلتَّفَاؤُلِ بِتَحْوِيلِ الْحَال عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ ... ( ) وقال الإمام النووي رحمه الله وَالتَّحْوِيل شُرِعَ تَفَاؤُلًا بِتَغَيُّرِ الْحَال مِنْ الْقَحْط إِلَى نُزُول الْغَيْث وَالْخِصْب ، وَمِنْ ضِيق الْحَال إِلَى سَعَته ( ) .
    يقول  " عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَره ؛ ينظر إليكم أزلين قنطين ، فيظل يضحك ؛ يعلم أن فرجكم قريب "( )
    فإذا تأخر الغيث عن العباد مع فقرهم وشدة حاجتهم استولى عليهم اليأس والقنوط ، وصار نظرهم قاصرًا على الأسباب الظاهرة ، وحسبوا أن لا يكون وراءها فرج من القريب المجيب ، فيعجب الله منهم ، وهذا محل عجب ، كيف يقنطون ورحمته وسعت كل شيء ، والأسباب لحصولها قد توفرت ، فإن حاجة العباد وضرورتهم من الأسباب لرحمته والدعاء لحصول الغيث ، والرجاء لله من الأسباب ، ووقوع الغيث بعد امتناعه مدة طويلة وحصول الضرورة يعجب أن يكون الفضل لله وإحسانه موقع كبير وأثر عجيب ، كما قال تعالى: { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }{ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } الآيات. والله تعالى قدر من ألطافه وعوائده الجميلة أن الفرج مع الكرب ، وأن اليسر مع العسر ، وأن الضرورة لا تدوم ، فإن حصل مع ذلك قوة التجاء وشدة طمع بفضل الله ودعاء فتح الله عليهم من خزائن جوده ما لا يخطر بالبال ( ) .
    فلابد للخطيب الناجح أن يزرع الأمل والتفاؤل في نفوس الناس لإن كثيرا من الناس اليوم _ وللأسف _ قد سيطر على قلوبهم اليأس حتى يئس بعضهم _ والعياذ بالله _ من رحمة الله وخيره حتى رأينا أناسا لا يخرجون مع الناس لصلاة الإستسقاء بسبب اليأس والإحباط أو لإنهم أصحاب ذنوب ومعاصي فلا حاجة لخروجهم وما علموا أن خروجهم وإقبالهم على الله والتوبة إليه والإعتراف بالذنب هو من أسباب نزول رحمة الله بدلا من الإعتراف بالمرض وترك العلاج مع أن العلاج بحمد الله سهل ميسر يقول الله تعالى في كتابه الكريم (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ( )
    ثم لابد أن يعلم الناس أن الإستسقاء هو مثل الدعاء فليس كل من دعا يستجاب له فقد توجد مع الدعاء موانع تمنع الإجابة والقبول أو تقتضي حكمة الله بعدم الإجابة فالمسلم يبذل الأسباب بشروطها وانتفاء موانعها ولا يحمل هم الإجابة يذكر ابن كثير رحمه الله في حوادث سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة وفي ذي الحجة منها استسقى الناس لتأخر المطر - وذلك في كانون الثاني - فلم يسقوا. ( ) ويقول في موضع آخر ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة في سادس المحرم منها استسقى أهل بغداد لتأخر المطر عن أوانه، فلم يسقوا ( ) ويقول أيضا وفي هذه السنة ( 674 هـ ) استسقى أهل بغداد ثلاثة أيام فلم يسقوا ... وفيها استسقى أهل دمشق أيضا مرتين.
    في أواخر رجب وأوائل شعبان - وكان ذلك في آخر كانون الثاني - فلم يسقوا أيضا. ( ) .
    وقال أيضا رحمه الله في حوادث سنة سنة ثمانين وستمائة من الهجرة في بكرة الخميس التاسع والعشرين من ذي القعدة، وهو العاشر من أذار، استسقى الناس بالمصلى بدمشق فسقوا بعد عشرة أيام. ( ) .
    فلابد من تعليق القلوب أولا وأخيرا بالله سبحانه وتعالى وحده فهو وحده الجواد الوهاب الرزاق المعطي القدير جل جلاله وعز كماله سبحانه وتعالى والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين


  2. #2

    افتراضي رد: معالم في خطبة الإستسقاء

    إخواني الكرام
    هذا المقال كتبته ولم يتسنى لي أن أعرضه على أحد من المشايخ الكرام أرجوا من شيوخنا وطلاب العلم في هذا المنتدى المبارك موافاتهم بملاحظاتهم لأستفيد منها ونظرا لعدم ظهور الهوامش فبالإمكان تحميل المقال من الرابط اللآتي

    http://file12.9q9q.net/Download/3539...----1.doc.html

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •