بسم الله الرحمان الرحيم
شَــــــــرْحُ كِــتَــــــابِ
فَضْلِ عِلْمِ السَّلـفِ على الخَلَفِ
للْحَافِظِ ابنِ رَجَبٍ الحَنْبَليِّ
- رَحِمَهُ اللهُ -
شَرْحُ فَضِيلَةِ الشَّــيْخِ صَالِحٍ السُّحَــيْـمِي ِّ
- حَفِظَهُ اللهُ -
إن الحمد لله ؛ نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله - صلى الله وسلم وبارك عليه - وعلى آله وأصحابه أجمعين .
وبعد : نبدأ مستعينين بالله - سبحانه وتعالى - هذا الكتاب المبارك ( بيان علم فضل السلف على علم الخلف ) للحافظ أبي الفرج زين الدين عبد الرحمان بن أحمد بن رجب الحنبلي البغدادي ثم الدمشقي المولود سنة (736) للهجرة والمتوفى (795) للهجرة - رحمه الله رحمة واسعة - .
وهو صاحب الكتب والتصانيف الكثيرة المعروفة ؛ والتي منها ( جامع العلوم والحكم ) ، وغيرُها من الكتب النافعة ، ومنها ( الفرق بين النصيحة والتعيير ) ، ومنها الكثير والكثير من الكتب النافعة .
وقبل أن نقرأ نص الكتاب أود أن أبين أمورا :
أولا : من هم السلف المقصود ببيان فضل علمهم ؟
ثانيا : ما أدلة هذا الفضل إجمالا ؟ ؛ لأن الشيخ سيدخل في تفاصيل ، لكن سنجمل بعض الأدلة .
ثالثا : لماذا فُضِّـل علم السلف على علم الخلف ؟
أقول - وبالله التوفيق - : إذا أطلق السلف عند أهل السنة والجماعة ؛ فالمقصود بهم - بشكل عام - من تقدم من أهل العلم من هذه الأمة على منهج المصطفى – صلى الله عليه وسلم - : قولا ، وعملا ، واعتقادا .
والبعض من أهل العلم ، أو بعض أهل العلم ؛ لأن بعض اللغويين يقولون : كلمة البعض خطأ لغوي ؛ فنقول : وبعض أهل العلم يقصرون مفهوم السلف على أهل القرون الثلاثة الأولى المفضلة المعروفة ؛ لأدلة سنذكرها – إن شاء الله - .
والبعض – ولعله يكون الأولى – يطلق السلف على كل من تقدم على هذا المنهج ( من كان مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي )(1) .
فمن تقدم من المسلمين ، وبخاصة أهل العلم = داعين ومتمسكين بهذا المنهج وداعين إليه وحرصين عليه = هم المعنيون بهذه التسمية ، وأتباعهم هم السلفيون ، هم أهل السنة والجماعة ، هم الطائفة المنصورة ، هم الفرقة الناجية ، هم الجماعة ، هم أهل الحق ، هم أهل الحديث ؛ وإن لم يتخصصوا في علوم الحديث ؛ فهذه الأسماء تعني مسمى واحدا ، تعني مسمى واحدا ، حتى ولو قل الأتباع ، وضَـعُـفَ النصير ، والمهم أن نعلم أن مَـن ثبت على السنة = هم السلف ، ومن تبعهم هم السلفيون ، ولا يتبرمن أحدٌ من الاعتزاء إلى هذا المنهج القويم ، والانتساب إليه ، والتشرف بالاعتزاء إليه ، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (2)، وغيرُه : بأن الاعتزاء إليه منقبة للمؤمنين ، وشرف لهم ، ورفعة لهم ؛ فيجب الاعتزاء إليه ، والانتساب إليه ، والتشرف بذلك ، وعدم التبرم من ذلك ؛ فإن وجد من يدعي هذه الدعوى ، وهو ليس على المنهج الواجب ؛ فإنه لا يضر من يعتزي إلى هذا المنهج ؛ فلو تسمى أحد من التكفيريين – مثلا - كما يجري في بعض البلاد - بتسمية السلفيين ، وهم لا يمثلون منهج السلف لا من قريب ، ولا من بعيد ؛ فهذا لا يمنعك من أن تنتسب ، وأن تعتزي ، وأن تتشرف بانتسابك إلى منهج السلف .
... الآن بعض الفرق الضالة مثل الدروز - موقعهم في الإنترنت الآن ( التوحيد ) فهل هم أهل توحيد ؟
هل يزهدنا هذا في أن نشرف بأننا من أهل التوحيد ؟
والقاديانيون الأحمديون - موقعم اسمه ( الإسلام ) فهل يمثلون الإسلام ؟
الجواب : أنهم لا يمثلونه .
فكون فئات تتدعي هذه الدعاوي - كما أن هناك من يدعي الإسلام وهو لا يمثله ، لا من قريب ، ولا من بعيد ؛ وإنما مجرد الانتساب ، فهل يسمى مسلما ؟ هل الانتسباب إلى الهوية - المسلم يعني مجرد الاسم هل يكون مسلما ؟
الجواب : لا ؛ لا يكون مسلما .
فكذلك من ادعى السلفية وليس سلفيا = هذا ليس بسلفي ، ولا نتبرم من الانتساب إلى مذهب السلف من أجل تلك الدعاوى التي لم يقم عليها أهلها بينات .
أحببت أن أوضح هذه النقطة ؛ لأنه اتصل بي قبل شهر إحدى الأخوات تقول : يعني هل يصح أن ننكر الانتساب إلى منهج السلف ، وأن نقول : فلان - إذا قال : سلفي - ننكر عليه قولَه : إنه سلفي ؟
فعياذا بالله ! كيف هذا ؟
قالت : هناك من يقول : لا تقولوا هذا ؛ فإنه غير صحيح .
الجواب :
وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم
فلننتبه لهذا . هذا أمر .
الأمر الثاني : الأدلة على فضل السلف على فضل الخلف : أدلة من القرآن ، والسنة ، والإجماع .
فمن القرآن قول الله – تبارك وتعالى – ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ ] التوبة : 100 [ .
وقوله - جل وعلا - ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ ] النساء : 115 [ .
ويقول تبارك وتعالى ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾ ] الأنعام : 90 [ .
ويقول - تبارك وتعالى - ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
] الزمر : 18 [ .
ولا شك أن أحسن القول بعد الكتاب والسنة = هو قول السلف الصالح .
وأما السنة فمنها قول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( عليكم بسنة وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ )(3) .
وثناؤه على الصحابة في آخر سورة الحشر ؛ ثم ذكر الآية بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار قال : ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ ] الحشر : 10 [ .
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( إن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )(4) .
ولا شك أن الإحداث إنما يطلق على ما خالف منهج السلف الصالح ؛ سواء كان : قولا ، عملا ، أو اعتقادا .
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – أيضا – : ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )(5) .
وقد جاءت النصوص على أنه ما يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه ؛ ولذلك يقول حذيفة : ( عليكم بالعتيق )(6) .
ويقول عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – : ( من كان مستنا فليستن بمن قد مات )(7) – يعني من مضى من السلف .
وفي رواية : ( فليستن بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فهم أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ؛ وهم على الهدى المستقيم )(8) .
ويقول – رضي الله عنه – : ( اتبعوا ولا تبدعوا فقد كفيتم )(9) .
ولعل في هذا كفاية لمن تدبر .
و قبل أن ندخل في صلب الكتاب نقول :
لماذا يتبع مذهب السلف ؟
أو لماذا يفضل علم السلف على علم الخلف ؟
أولا : قرب عهدهم من النبوة ؛ فمظنة وقوعهم في الخطأ أقل .
ثانيا : ما تقدم من النصووص التي ذكرنا بعضا منها في بيان فضلهم .
ثالثا : ورعهم ، وزهدهم .
رابعا : صدقهم وتحريهم للصواب .
خامسا : عدم جرأتهم على القول على الله بغير علم ، كما هو حال بعض الخلف ، ووقوفهم عند النصوص الشرعية ، ولزومهم للسنة .
سادسا : أنه كلما العهد متقدما = كان الوقوع في الزلل أقل .
وهناك أمور كثيرة تحتم على المسلم أن يلزم منهج السلف : عقيدة ، وعبادة ، وأحكاما ، وأخلاقا ، وآدابا ، ومنهج حياة .
والآن نبدأ النص لكتاب الشيخ ( فضل علم السلف على علم الخلف )
الْـمَــتْـــن
ُ
الحمد لله رب العالمين ؛ وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد : فهذه كلمات مختصرة في معنى العلم ، وانقسامه إلى علم نافع ، وعلم غير نافع ، والتنبيه على فضل علم السلف على علم الخلف ؛ فنقول - وبالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله - .
الــشَّــــرْحُ
هنا بدأ المؤلف بحمد الله والثناء عليه ، والصلاة والسلام على رسوله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه وأتباعهم ، ثم بين أن ما يدل على مدلول الكتاب ، وأنه سيتحدث فيه عن العلم بأقسامه المعروفة : وأن منه ما هو نافع ، ومنه ما هو غير نافع ، بل منه ما فيه نفع وضرر ويغلب ضرره على نفعه ، إلا أن المشهور ما كان نافعا نفعا خالصا ، وما كان ضارا ضررا خالصا ، وسيذكر أمثلة لذلكم ؛ لأن بعض العلوم فيها نفع من وجه ، وضرر من وجه آخر .
الْـمَــتْـــنُ
قد ذكر الله – تعالى- في كتابه العلم تارة في مقام المدح ؛ وهو العلم النافع ، وتارة في مقام الذم ؛ وهو العلم الذي لا ينفع .
فأما الأول فمثل قوله - تعالى - ﴿ قُل هَل يَستَوي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمون ﴾ ] الزمر : 9 [ .
وقوله ﴿ شَهِدَ اللَهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلّا هُوَ وَالمَلائِكَة وَأُولوا العِلمَ قائِماً بِالقِسط ﴾ ] آل عمران : 18 [ .
وقوله ﴿ وَقُل رَبِّ زِدني عِلماً ﴾ ] طه : 14 [ .
وقوله ﴿ إِنَّما يَخشى اللَهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ ﴾ ] فاطر : 28 [ .
وما قص - سبحانه - من قصة آدم وتعليمه الأسماء ، وعرضهم على الملائكة .
وقولهم ﴿ سُبحانَكَ لا عِلمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمتَنا إِنَّكَ أَنتَ العَليمُ الحَكيم ﴾ ] البقرة : 32 [ .
وما قصه - سبحانه وتعالى - من قصة موسى - عليه السلام - وقوله للخضر : ﴿ هَل أَتَّبِعُكَ عَلى أَن تُعَلِمَني مِمّا عُلِّمتَ رُشدا ﴾ ] الكهف : 66 [ .
فهذا هو العلم النافع .
الــشَّــــرْحُ
تحدث المصنف – رحمه الله تعالى – بادئ ذي بدء عن العلم النافع ، والعلم النافع هو علم الكتاب والسنة ، والتفقه في ذلك على منهج السلف الصالح ، وهذا هو العلم الذي يبقى ذخرا لأهله يوم القيامة .
وهذا العلم النافع قد ذكر المصنف – رحمه الله – بعضا من أدلته من الآيات الكريمة التي إذا تأملها المسلم خرج بالنتائج ، أو بالفوائد التالية نذكر بعضا منها :
الفائدة الأولى : أنه لا مقارنة بين الجاهل والعالم ؛ فإن العالم والمتعلم على خير ؛ يتميز عن الجاهل ، بفقهه في دين الله – سبحانه وتعالى – فإنه لا يعمل الشيء إلا إذا عرف أنه مطلوب شرعا ، فلا يقدم على إحداث شيء في الدين مما لم يأذن به الله – سبحانه وتعالى – بل يتوقف عند النصوص الشرعية ؛ لذلك قال تعالى ﴿ هَل يَستَوي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمون ﴾ ] الزمر : 9 [ .
ومن ورعه أنه لا يقول على الله بغير علم ، بل يقف عند النصوص الشرعية ، ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ ] الإسراء : 36 [ .
الفائدة الثانية : أن طالب العلم - أو العالم ، أو المتعلم - يعبد الله على بصيرة ؛ فلا يعمل عملا إلا إذا كان مستندا إلى الكتاب والسنة ، ومنهج السلف الصالح ، كما يدل عليه قول الله – تعالى – ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
] يوسف : 108 [ .
الفائدة الثالثة : أنه أشد الناس خشية لله – جل وعلا - ؛ ولذلك يقول الله – تعالى – ﴿ إِنَّما يَخشى اللَهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ ﴾
] فاطر : 28 [ .
بل إن أشد الناس خشية لله هم الأنبياء ، ثم من يليهم في الفضل ؛ كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ( إني والله لأخشاكم لله ، وأتقاكم له ) (10) .
الفائدة الرابعة : أنهم مهما تعلموا ؛ فإنهم يطلبون المزيد من العلم ، ولا يدعون كمال العلم إذ أنهم يعلمون أن : ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ ] يوسف : 76 [ ( وَقُل رَبِّ زِدني عِلماً ﴾ ] طه : 14 [ .
ولا يزال الرجل عالما ما طلب العلم فإذا ظن أنه قد علم = فقد جهل (11).
الفائدة الخامسة : أنه يقف عند نصوص الشرعية ؛ فلا يتجاوز القرآن والسنة فيما يقول وفيما يترك .
الفائدة السادسة : أنه يَـكِـلُ علم ما لم يعلم إلى عالِمه ، وهو الله - تبارك وتعالى - انظر إلى قول الملائكة في قصتهم مع آدم
﴿ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ ] البقرة : 32 [ . ففضل آدم عليهم بهذا العلم الذي علمه إياه .
الفائدة السابعة : أن الله – عز وجل – يختص بعلمه من يشاء من عباده ، فانظر إلى قصة موسى – عليه السلام - مع الخَـضِـر – عليه السلام - وأن الله قد يخص كلا من الأنبياء بعلم ليس عند الآخر ، وقد يكون الآخر أفضل منه ، ومع ذلك يخص من دونه بعلم لا يوجد عنده ، وفي ذلك بيان لأن العلم الذي لا يحيط به أحد ، ولا ينتهي إلى أمد = هو علم الله – سبحانه وتعالى – .
فهذا هو العلم النافع ، هذا هو العلم النافع الذي أمرنا أن ندعو الله في كل صباح ومساء على لسان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بطلبه ؛ فإنه ورد في الحديث الصحيح من أذكار الصباح والمساء ( اللهم إني أسألك علما نافعا ، وعملا صالحا ] وفي رواية متقبلا [، وزرقا طيبا )(12) .
فهو الذي أمرنا أن ندعو الله . والعلم النافع هو ما تفقه فيه صاحبه كما قال الله – جل وعلا - ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ ] التوبة : 122 [ .
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين )(13) .
الْـمَــتْـــنُ
وقد أخبر عن قوم أنهم أوتوا علماً ولم ينفعهم علمهم. فهذا علم نافع في نفسه لكنّ صاحبه لم ينتفع به. قال تعالى : ﴿ مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلوا التَوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارا ﴾ ] الجمعة : 5 [ .
وقال : ﴿ وَاِتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَاِنسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلَكِنَّهُ أَخلَدَ إِلى الأَرضِ وَإِتَّبَعَ هَواهُ ﴾ ] الأعراف : 175 [ .
وقال تعالى : ﴿ فَخَلَفَ مِن بَعدَهُم خَلفَ وَرِثوا الكِتابَ يَأخُذونَ عَرَضَ هذا الأَدنى وَيَقولونَ سَيُغفَرُ لَنا وَإِن يَأتِهِم عَرَضٌ مِثلُهُ يَأخُذوهُ ﴾ ] الأعراف : 169 [ .
وقال : ﴿ وَأَضَلَّهُ اللَهُ عَلى عِلمٍ ﴾ ] الجاثية : 23 [ على تأويل من تأول الآية على علم عند من أضله الله .
الــشَّــــرْحُ
هنا صنف من العلم أشار إليه الشيخ نافع في نفسه ؛ لم ينتفع به صاحبُـه ، هو نافع في نفسه ، لكن صاحبه لا ينتفع به ، كحال أولئك الذين يقرأون العلوم ولا يطبقونها ، ولا يعملون بها ، ولا يدعون إليها ، ولا يصبرون على الأذى في سبيلها ؛ لأن العلم لابد فيه من العمل ، ولابد في العمل من الدعوة إلى هذا العلم ، ولابد من الصبر في سبيل تطبيقه ، ولو تعرضت للأذى في سبيل ذلك ؛ فمن لم يعمل به ، ولا يدعو إليه ، ولا يصبر على الأذى فيه = فإنه حجة عليه ، هو نافع في نفسه ، لكنه لم ينفع ذلك القلب القاسي عن ذكر الله – جل وعلا – وقد ضرب الله مثلا لذلك بحال اليهود ﴿ مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلوا التَوراةَ ثُمَّ لَم يَحمِلوها كَمَثَلِ الحِمارِ يَحمِلُ أَسفارا ﴾ ] الجمعة : 5 [ . والأسفار هي الكتب ، هل يستفيد الحمار من حمل الكتب ؟
لا يستفيد ؛ بيما الذي يستفيد غيرُه ، وهو الإنسان ، وكحال بلعان بن باعوراء ذلكم اليهودي الضال الذي وصفه الله بقوله ﴿ وَاِتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَاِنسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلَكِنَّهُ أَخلَدَ إِلى الأَرضِ وَاِتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ﴾ ] الأعراف : 175 [ ؛ فهو لا يستفيد من علمه ، لم يستفد من علمه ، وهذا ينطبق على حال الزنادقة ، والمنافقين الذين يعلمون العلم ولا يطبقونه ، كما ينطبق على الخوارج المارقين الذين يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ؛ فيعرضون عن القرآن والسنة ، ويحكِّـمون أهواءهم ، وآراءهم ، وبدَعَهم ، وشبهَهُم ؛ فيستحلون دماءَ المسلمين ، وأموالَهم ، يقتلون برَّهم ، وفاجرهم ، وهم يظهرون في كل وقت(14) ؛ كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – عن حالهم ، وأنهم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، وأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية (15)، وإن كانوا أصحابَ عبادة ؛ فإنها عبادة لا تمثل المنهج الحق الذي يجب أن يسير عليه المؤمن ؛ لأنهم شذوا عن منهج أهل السنة والجماعة ؛ فوقعوا في هذا الداء العضال ، وهذا مصداق قول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( والقرآن حجة لك أو عليك )(16) .
فكل من لم يعمل بعلمه ينطبق عليه ذلك ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ؛ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ ] الصف : 2-3 [ .
﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ ] البقرة : 44 [ .
وجاء في الحديث الصحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم - من حديث أسامة – رضي الله عنه – أنه – صلى الله عليه وسلم – قال : يؤتى بالرجل يوم القيامة فتندلق أقتابه – يعني أمعاءه – فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى ؛ فيقال : يا فلان ! ألم تكن تأمرنا بالمعروف ، وتنهانا عن المنكر ؟
قال : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه(17) .
وثبت في الحديث الصحيح(18) – أيضا – أن أول ما تسعر الناس بثلاث ؛ وذكر منهم رجلا يجاء به يوم القيامة ؛ فيعرف نعمة الله ، فيعرفها . ثم يقال له : ماذا عملت بها ؟
فيقول : يارب قرأت كتابك ، وأقرأته الناس .
فيقال له : إنما قرأته ليقال : إنك قارئ ، وقد قيل ، ثم يأمر به ؛ فيسحب على وجهه في النار - والعياذ بالله - .
فهؤلاء لم ينفعهم العلم الذي تعلموه ؛ سواء كان منهم المنافقون الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ، وهم عن الآخرة معرضون ، أو الزنادقة الذين ضلوا على علم كحال اليهود ، أو الذين اتبعوا أهواءهم كالخوارج ، وغيرهم من الشذاذ ؛ فليس لهم إلا ما أُشْرِبَوا من أهوائهم .
يذبحون المسلمين ويرون أن هذا هو طريق الجنة : قتلة عثمان ، وقتلة علي ، وقتلة المسلمين في هذه الأزمنة ، والمستأمنين ، والذميين من أمثال أتباع كلاب أهل النار من الفئة الضالة المارقة من الدين ، والتي تستحل دماءَ المسلمين بناء على فتاوي جاهلة من جهلة سفهاء ؛ لا يعرفون من الفتوى إلا ما هو حجة عليهم – والعياذ بالله - فيفتون بغير علم ؛ فـيَـضلون ، ويُـضـلون – والعياذ بالله - ، وما أكثرهم في هذه الأزمنة - لا كثرهم الله - عبر وسائل الإعلام ، وعبر بعض القنوات ، وعبر أجهزة الإنترنت ، ونحو ذلك ممن فتنوا الأمة ، وضيعوا شباب الأمة وراء السراب ، وضيوعهم باسم الجهاد المزيف ، الجهاد المزعوم الذي هو جهاد في سبيل إبليس ، وفي سبيل خدمة اليهود ، والنصارى ، والغرب .
يقتِّـلون المسلمين ، ويفتنونهم ، ويستحلون : التفجيرَ ، والتدميرَ ، والقتلَ في بلاد المسلمين ، ويزعمون أن ذلك هو طريق الجنة ، وهو طريق الشهادة ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمَالًا ، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ ] الكهف : 102-103 [ .
وهكذا – والعياذ بالله – من طلب الفتوى من غير أهل العلم الخُـلَّـص = فإنه يضل ؛ فاعرفوا عمن تأخذون دينكم إخوتي شبابَ الإسلام ، وشيـبه ؛ فإن الدين لا يأخذ عن كل أحد(19) ، وإنما يأخذ عن العلماء الربانيين الذين يقضون بالحق ، وبه يعدلون ، الذين ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين(20) .
أما المردة ، والزنادقة ، والمنافقين ، وعُـبَّـاد المادة ، والذين أشتريت ذممهم ؛ ليفسدوا أخلاق المسلمين ، وليفسدوا عقائد المسلمين من مُـفْـرِطين ، أو مُـفَـرِّطين = فهؤلاء علمهم حجة عليهم ، ولو كانوا يعرفون الحق ؛ لأنهم ممن ضل على علم - والعياذ بالله - .
فهذا العلم الذي أشار إليه المصنف = هو علم نافع نفسه ، ولكنَّ حملته لم ينتفعوا به ؛ فشبّـههم الله بالحمار ، كما شبَّـه اليهودَ والنصارى .
الْـمَــتْـــنُ
وأما العلم الذي ذكره الله - تعالى - على جهة الذم له فقوله في السحر ﴿ وَيَتَعَلَّمونَ ما يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَلَقَد عَلِموا لَمَنِ اِشتَراهُ مالَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ ﴾ ] البقرة : 102 [ .
وقوله : ﴿ فَلَمّا جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرِحوا بِما عِندَهُم مِنَ العِلمِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئون ﴾ ] غافر : 83 [ .
وقوله تعالى ﴿ يَعلَمونَ ظاهِراً مِنَ الحَياةِ الدُنيا وَهُم عَن الآخِرَةِ هُم غافِلون ﴾ ] الروم : 7 [ .
ولذلك جاءت السنة بتقسيم العلم إلى نافع وغير نافع ، والاستعاذة من العلم الذي لا ينفع ، وسؤال العلم النافع ففي صحيح مسلم(21) عن زيد بن أرقم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : ( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها ) .
وخرجه أهل السنن(22) من وجوه متعددة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفي بعضها ومن دعاء لا يسمع. وفي بعضها أعوذ بك من هؤلاء الأربع .
وخرج النسائي(23) من حديث جابر أن النبي - صلي الله عليه وسلم - كان يقول ( اللهم إني أسألك علماً نافعاً وأعوذ بك من علم لا ينفع ) .
وخرجه ابن ماجه(24) ولفظه : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : سلوا الله علما نافعا وتعوذوا بالله من علم لا ينفع .
وخرجه الترمذي(25) من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : (اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً ) .
وخرج النسائي(26) من حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو (اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وارزقني علماً تنفعني به ) .
وخرج أبو نعيم(27) من حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : ( اللهم إنّا نسألك إيماناً دائماً فرب إيمان غير دائم وأسألك علماً نافعاً فرب علم غير نافع ) .
وخرج أبو داود(28) من حديث بُريدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ منَ البيان لسحراً وإن من العلم جهلاً ) وإن صَـعْـصَـة بن صَوْحان فسر قوله (إن من العلم جهلاً) أن يتكلف العالم إلى علمه مالا يعلم فَـيُـجَـهِّـلُ ـهُ ذلك ؛ ويُفسر أيضا بأن العلم الذي يضر ولا ينفع جهل ؛ لأن الجهل به خير من العلم به ؛ فإذا كان الجهل به خيراً منه فهو شر من الجهل . وهذا كالسحر وغيره من العلوم المضرة في الدين ، أو في الدنيا ؛ وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تفسير بعض العلوم التي لا تنفع .
الــشَّــــرْحُ
هنا يبين المصنف – رحمه الله تعالى – أن الكتاب والسنة قد جاءا ببيان العلم النافع ، والعلم الذي لا ينفع ، وقد بينا – كما نص المصنف – في بيان العلم النافع ، ما هو العلم النافع ؛ ثم بين المصنف العلم النافع الذي لا ينتفع به صاحبُـه ، ثم انتقل في المرحلة الثالثة إلى بيان بعض العلوم الضارة المحضة ، أو العلوم التي ضررها يغلب على نفعها ، ومما يدل على أن العلم قسمان : نافع ، وغير نافع الحديث الذي أورده المصنف والروايات التي أتبعها به ، وهو ( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا يستجاب لها ) .
والرويات التي أوردها بعد ذلك ؛ مما يدل على أن من العلوم ما لا ينفع ألبتة ، وضرب الشيخ – رحمه الله – أمثلة لذلك ؛ من ذلك :
علم السحر ؛ فإنه علم ضار محض ، ضرره محض ومتحقق قال الله – عز وجل – ﴿ وَيَتَعَلَّمونَ ما يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَلَقَد عَلِموا لَمَنِ اِشتَراهُ مالَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ ﴾ ] البقرة : 102 [ .
وقبل ذلك قال : ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾ ] البقرة : 102 [ .
.
فعلم السحر = علم ضار ضررا محضا ، بل إنه كفر وخروج من الدين ، وهو نوعان : سحر حقيقي ، وسحر تخييلي .
فالسحر الحقيقي : هو الذي يؤثر في الأبدان فقد يقتل ، وقد يمرض باستخدام الأرواح الخبيثة من الشياطين ، وأعوانهم من أجل أن يؤثر ذلك السحر ، وهذا في الغالب لا يتحقق إلا بالكفر ، بعد أن يكفر صاحبه بالله كأن يسجد لغير الله ، أو يهين شيئا فيه ذكر الله ، أو أن يستهزئ بالدين ، أو أن يترك فرضا تركه كفر ، أو أن يفعل محرما مستحلا ذلك ، ومجيزا ذلك ، أو أن يشرك بالله ، أو أن يجعل معه إلها آخر ، ونحو ذلك .
أو بإهانة شيء فيه ذكر الله - جلا وعلا – فالمقصود أن السحر ضرر محض ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ ] طه : 69 [ ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ ] يونس : 81 [ .
فالسحر من العلوم الضارة التي لافائدة فيها ألبتة ؛ ولذلك فإن تعلمه حرام ، وهذا هو ما حدا ببعض أهل العلم إلى أن يقولوا : إن الساحر لا تقبل توبته(29) – أي عند الناس – فيما يبدوا للناس ، أما عند الله ؛ فأمره إلى ربه ؛ لأنه – غالبا – قد يبقى معه هذا العلم ؛ فيصعب عليه التخلص منه ، ومن مزوالته – والعياذ بالله - .
والسحر لا يجوز ، حتى ولو لقصد المعالجة به ؛ فإن الغاية لا تبرر الوسيلة في الإسلام ، المؤمنون يتداوون بما أباح الله لهم ، ويبتعدون عن المحرمات ، فإن السحر ضرر محض ، ولا يجوز تعلمه ، ولا تعليمه ، لا لقصد حل السحر ، ولا لأي قصد آخر ، إذ أن الغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة ، فيجب التعاون على إزالة آثار السحرة ، وعدم التستر عليهم ، ومن تسر عليهم انطبق عليهم الحديث ( لعن الله من آوى محدثا )(30) وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – إن من البيان لسحرا (31).
هل قاله على سبيل الذم ، أم على سبيل المدح ؟
على سبيل الذم ؛ لماذا على سبيل الذم ؟ أي أن بعض الناس يتفاصح ، ويتكلف ، ويتخلل بلسانه ! كما تتخلل البقرة ؛ بأساليب ساحرة ربما أثرت على ضعاف الإيمان ، ومن ليس عندهم علم ؛ فتؤثر عليهم تلك الأساليب ؛ لأنها أساليب قوية ، بسبب ما فيها من فصاحة زائدة ؛ ولذلك فإن أبغض الناس إلى الله الألد الخصم .
ونهى النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يتخلل المسلم بلسانه كما تتخلل البقرة(32) ، يعني التكلف ، هذا هو المقصود بقوله : إن من البيان لسحرا .
يعني ليس المقصود أن البيان يؤثر بالناس تأثيرا طيبا ، أحيانا البيان والبلاغة والتعمق فيها = قد يؤدي إلى أمر عكسي ؛ ولذلك كره أهل العلم الإفراط في علم البلاغة ، وعلم النحو ، مع أنهما نافعان ، كآلة لتعلم العلوم النافعة .
لكن مع ذلك نهى العلماء عن التكلف في هذه العلوم ؛ ولذلك قيل : أوهى من حجة نحْـوي ؛ هذا لا يدل على أن علم النحو ليس مفيدا ، علم النحو مفيد إذا لم يخرج عن المؤلوف ، وإذا لم يصل إلى درجة العمق ، والتكلف ، حتى إن من النحْـويين المتكلفين ، ومن البلاغيين المتكلفين من أوَّلَ نصوص القرآن ، والسنة ، وبخاصة نصوص الأسماء والصفات .
وهذا هو وجه ذم علم النحو -كما ستأتي الإشارة إليه - .
والخلاصة – يا عبدَ الله – أن كل علم لا ينفع ، أو كل علم ضررُه غالب على نفعه ؛ فإنه يجب البعد عنه ؛ ومن ذلك :
علم الكلام .
وعلم المنطق .
وعلم النجوم فيه تفصيل سيأتي بيانُـه بعد قليل – إن شاء الله - .