بسم الله الرحمن الرحيم
من يستطيع من الاخوة ان يتحفنا ببحث مختصر عن قنوت النوازل والمسائل المتعلقة به ولكم جزيل الشكر
بسم الله الرحمن الرحيم
من يستطيع من الاخوة ان يتحفنا ببحث مختصر عن قنوت النوازل والمسائل المتعلقة به ولكم جزيل الشكر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد، فإن قنوت النوازل سنة ثابتة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والمشروع إذا نزلت بالمسلمين نازلة أن يطبقوا هذه السنة ويحيوا هذه الشعيرة اقتداءً بنبيهم – صلى الله عليه وسلم – والسلف الصالح من أمتهم – رضي الله عنهم – .
ومن الأدلة على ذلك:
[1] حديث أنس – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قنت شهراً حين قُتِل القُرّاء، فما رأيته حزن حزناً قط أشدّ منه [رواه البخاري].
[2] حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول: (اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً بعدما يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد) [رواه البخاري].
[3] حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان إذا قال: سمع الله لمن حمده، في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت:اللهم أنج عيّاش بن أبي ربيعة، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين) [رواه البخاري ومسلم].
[4] حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: ( قنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كل صلاةٍ إذا قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة يدعو عليهم يدعو على حيٍّ من بني سُليم، على رِعْل وذَكوان وعُصَيّة، ويؤمِّن من خلفه [رواه أحمد وأبو داود].
[5] حديث خُفاف بن إيماء الغفاري – رضي الله عنه – قال: ركع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم رفع رأسه فقال: (غِفار غَفَرَ الله لها، وأسلم سالمها الله، وعُصيّة عصت الله ورسوله، اللهم العن بني لِحيان، والعن رِعْلاً وذَكوان، ثم وقع ساجداً. قال خُفاف: فجُعِلت لعنة الكفرة من أجل ذلك [رواه مسلم].
فعُلِم بذلك أن هذا القنوت مشروع في الصلوات الخمس عقب الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة، وأنه يكون بصوتٍ من الإمام جهير، ويؤمِّن المصلون من خلفه.
هذا وعلى أئمة مساجدنا دعاة الخير والإيمان أن يحيوا هذه السنة لعلّ الله أن يفرّج كرب إخواننا المسلمين في العراق وأفغانستان وفلسطين وغيرها من بلاد المسلمين، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
عبد الحي يوسف
قنوت النوازل (*)
يوسف بن عبد الله الأحمد
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد أصيبت الأمة الإسلامية بجراحات غائرة، في مشارق الأرض ومغاربها، فكان الواجب الشرعي هو: نصرة إخواننا المسلمين على عدوهم الكافر، ورفع الظلم عنهم، وإغاثتهم، وتعليمهم ما يجب عليهم في دينهم، والدعاء لهم؛ ومما يشرع من الدعاء (قنوت النوازل)(1).
ونظراً لأهمية هذا الموضوع، وحاجتنا إليه، وخفاء بعض أحكامه على كثير من الناس، أردت بيان أحكامه بإيجاز وفق ما ثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم مرتباً في الآتي:
أولاً: يشرع القنوت في النوازل في الصلوات الخمس كلها. وقد ثبت في ذلك نصوص كثيرة منها:
1. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَلْعَنُ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ " متفق عليه واللفظ لمسلم.
2. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَنَّ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ قَالَ أَنَسٌ فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ (بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا) ". أخرجه البخاري.
3. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ " أخرجه البخاري.
4. عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: " قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ " أخرجه مسلم.
5. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَالَ «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَنَتَ «اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِ ينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» (2 ) . أخرجه البخاري.
6. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: " لأقَرِّبَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ ". متفق عليه.
7. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: " قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ « سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم كلهم من طريق ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس به، وهذا إسناد جيد.
قال النووي: " رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح " (المجموع3/482).
وقال ابن القيم: " حديث صحيح " (زاد المعاد 1/280 ).
وقال ابن حجر: " هذا حديث حسن " (نتائج الأفكار 2/130 ) وحسنه الألباني (انظر صحيح سنن أبي داود ح1443).
ويتبين من هذه الأحاديث أمور:
1. مشروعية القنوت في النوازل.
قال ابن تيمية: " القنوت مسنون عند النوازل، وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث، وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين ".
(مجموع الفتاوى 23/ 108).
2. أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في النوازل في الصلوات الخمس كلها، وثبت في صحيح البخاري منها: الفجر والظهر والمغرب والعشاء.
أما العصر فقد ثبت عند أحمد وأبي داود بسند جيد كما سبق.
3. أن أكثر ما رواه الصحابة في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم ـــ فيما يظهر من هذه الأحاديث وغيرها ـــ كان في الفجر، ثم المغرب والعشاء، ثم الظهر، ثم العصر.
قال ابن تيمية رحمه الله: ".. فيشرع أن يقنت عند النوازل يدعو للمؤمنين ويدعو على الكفار في الفجر وغيرها من الصلوات، وهكذا كان عمر يقنت لما حارب النصارى بدعائه الذي فيه ( اللهم العن كفرة أهل الكتاب )" ( مجموع الفتاوى 22/270 ).
وقال أيضاً: " وأكثر قنوته ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ كان في الفجر " .( مجموع الفتاوى 22/269 ).
وقال ابن القيم: " وكان هديه صلى الله عليه وسلم القنوت في النوازل خاصة، وترْكَه عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر، بل كان أكثر قنوته فيها ". ( زاد المعاد 1/273 ).
4. أن قنوت النوازل إنما يكون في الركعة الأخيرة، و أن محله بعد الرفع من الركوع.
ثانياً: المشروع أن يكون القنوت يسيراً:
فيبتعد عن الإطالة لحديث أَنَسٍ رضي الله عنه لما سئل: هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ؟ قَالَ: " نَعَمْ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا " أخرجه مسلم.
وقد ظهر لنا من الأحاديث السابقة أن قنوت النبي صلى الله عليه وسلم كان جُملاً قليلة. والسعيد من وفق لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: الاقتصار في الدعاء على النازلة:
فلا يزيد في قنوته أدعية أخرى، وإنما يقتصر على النازلة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
والذي يظهر من الأدلة السابقة وغيرها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرر الدعاء نفسه في قنوته حينما قنت شهراً، وربما كان بينها اختلاف يسير.
رابعاً: القنوت مشروع عند وجود سببه:
( وهو النازلة بالمسلمين ) فإذا زال السبب ترك القنوت. أما قنوت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً فليس مقصوداً منه التحديد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك القنوت لما زال سببه بقدوم من قنت لهم، كما يدل على ذلك حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ فِي صَلَاةٍ شَهْرًا إِذَا قَالَ «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ «اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِ ينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ»
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ الدُّعَاءَ بَعْدُ فَقُلْتُ أُرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ قَالَ فَقِيلَ وَمَا تُرَاهُمْ قَدْ قَدِمُوا (3) ". أخرجه مسلم.
قال ابن القيم: " إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم، وللدعاء على آخرين، ثم تركه لما قدم من دعا لهم، وتخلصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم وجاؤوا تائبين، فكان قنوته لعارض، فلما زال ترك القنوت ". (زاد المعاد 1/272 ).
خامساً: قنوت النوازل ليس له صيغة معينة، وإنما يدعو في كل نازلة بما يناسب تلك النازلة.
أما الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن: « اللهم اهدنا فيمن هديت .. » الخ فإنما هو في قنوت الوتر، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت النوازل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فالسنة أن يقنت عند النازلة ويدعو فيها بما يناسب القوم المحاربين ". (مجموع الفتاوى 21/155).
وقال أيضاً: " وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة.وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسناً ". ( مجموع الفتاوى 22/271 ).
وقال أيضاً: " عمر رضي الله عنه قنت لما نزل بالمسلمين من النازلة، ودعا في قنوته دعاءً يناسب تلك النازلة، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قنت أولاً على قبائل بني سليم الذين قتلوا القراء، دعا عليهم بالذي يناسب مقصوده، ثم لما قنت يدعو للمستضعفين من أصحابه صلى الله عليه وسلم دعا بدعاء يناسب مقصوده.
فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين تدل على شيئين:
أحدهما: أن دعاء القنوت مشروع عند السبب الذي يقتضيه، ليس بسنة دائمة في الصلاة.
الثاني: أن الدعاء فيه ليس دعاء راتباً، بل يدعو في كل قنوت بالذي يناسبه، كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أولاً وثانياً، وكما دعا عمر رضي الله عنه لما حارب من حاربه في الفتنة، فقنت ودعا بدعاء يناسب مقصوده " (مجموع الفتاوى 23/109).
ومن دعا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يناسب نازلة المسلمين كأن يقول في مثل مصابنا هذه الأيام: (اللهم أنج إخواننا المسلمين في العراق وفلسطين وأفغانستان والشيشان وكشمير، اللهم انصرهم ، اللهم اشدد وطأتك على اليهود و النصارى والهندوس ومن شايعهم وأعانهم، اللهم العنهم، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) فقد أحسن؛ لأن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وأجمع ما يدعى به.
سادساً: يسن جهر الإمام في القنوت للنازلة:
لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لأحَدٍ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَرُبَّمَا قَالَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» يَجْهَرُ بِذَلِكَ " أخرجه البخاري.
قال النووي: " وحديث قنوت النبي صلى الله عليه وسلم حين قُتل القراء رضي الله عنهم يقتضي أنه كان يجهر به في جميع الصلوات، هذا كلام الرافعي. والصحيح أو الصواب استحباب الجهر ". ( المجموع 3/482 ).
قال ابن حجر: " وظهر لي أن الحكمة في جعل قنوت النازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة كما ثبت (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) وثبوت الأمر بالدعاء فيه أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأموم الإمام في الدعاء ولو بالتأمين، ومن ثمَّ اتفقوا على أنه يجهر به " (فتح الباري 2/570).
سابعاً: يسن تأمين المأموم على دعاء الإمام في قنوت النازلة:
لحديث ابن عباس رضي الله عنه في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: " .. يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ " أخرجه أحمد، و أبو داود بإسناد جيد كما سبق.
ثامناً: يسن رفع اليدين في دعاء قنوت النازلة:
لحديث أنس رضي الله عنه قال " .. فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ ـ يعني القرَّاء ـ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ ".
أخرجه أحمد بإسناد صحيح . وقال النووي : " رواه ـ البيهقي ـ بإسناد له صحيح أو حسن " ( المجموع 3/479).
وعن أبي رافع قال: " صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقنت بعد الركوع، ورفع يديه، وجهر بالدعاء ". أخرجه البيهقي وقال " هذا عن عمر صحيح " ( سنن البيهقي 2/212 ).
قال النووي: " وعن أبي عثمان قال: كان عمر رضي الله عنه يرفع يديه في القنوت. وعن الأسود أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يرفع يديه في القنوت.. رواها البخاري في كتاب رفع اليدين( 4) بأسانيد صحيحة، ثم قال في آخرها ـ يعني البخاري: هذه الأحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه " ( المجموع 3/490 ).
تنبيهات:
أولاً: لا يشرع مسح الوجه بعد دعاء القنوت. لأن ما ورد في المسح ضعيف لا يحتج به.
قال البيهقي ـ رحمه الله : " فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت، وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة، وقد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فيه ضعف. وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة، وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ولا أثر ثابت، ولا قياس.
فالأولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة وبالله التوفيق ". ( سنن البيهقي 2/212 ).
وبين النووي ـ رحمه الله ـ ضعف ما ورد في مسح الوجه بعد الدعاء في الصلاة.
وقال: " وله ـ يعني البيهقي ـ رسالة مشهورة كتبها إلى الشيخ أبي محمد الجويني أنكر عليه فيها أشياء من جملتها مسحه وجهه بعد القنوت " (المجموع 3/480 ).
وقال ابن تيمية: " وأما مسح وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان لا يقوم بهما حجة " (مجموع الفتاوى 22/519 ).
ثانياً: مما يلحظ على بعض الناس في الدعاء قوله: (اللهم اشدد وطأتك على النصارى المجرمين برحمتك يا أرحم الراحمين، أو يا عفو يا غفور) لأن التوسل بصفة الرحمة والمغفرة قد لا يناسب الدعاء عليهم باللعن وأخذهم بالشدة.
ثالثاً: من الخطأ التزام الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في ختام دعاء قنوت النوازل، لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء.
والأصل في العبادات التوقيف، فلا يلتزم ذكر أو دعاء عند سبب أو زمن معين إلا بدليل.
أما ما ورد عن بعض الصحابة فإنما هو في قنوت الوتر.
رابعاً: الذي ثبت هو القنوت في الصلوات الخمس في الجماعة.
أما القنوت في صلاة الجمعة، والنوافل، وللمنفرد فلم أقف للقنوت فيها للنازلة على حديث أو أثر صريح.
وقد بوب عبد الرزاق في مصنفه ( 3/194 ): " باب القنوت يوم الجمعة "، و ابن أبي شيبة في مصنفه (2/46) بقوله: " في القنوت يوم الجمعة "، وابن المنذر في الأوسط ( 4/122 ) بقوله: " ذكر القنوت في الجمعة " وذكروا آثاراً عن بعض الصحابة والتابعين عامتها في ترك القنوت وذمه في الجمعة.
ولكن لم يرد في شيء منها أن القنوت المتروك أو المذموم فيها هو قنوت النوازل. فدلالتها على منع قنوت النوازل في صلاة الجمعة ليست صريحة.
قال المرداوي: " وعنه يقنت في جميع الصلوات المكتوبات خلا الجمعة، وهو الصحيح من المذهب، نص عليه.
اختاره المجد في شرحه، وابن عبدوس في تذكرته، والشيخ تقي الدين، وجزم به في الوجيز، وقدمه في الفروع،.. . وقيل: يقنت في الجمعة أيضاً.
اختاره القاضي، لكن المنصوص خلافه " (الإنصاف 2/175). واختار ابن تيمية مشروعية القنوت للمنفرد (انظر الإنصاف 2/175).
والأصل في العبادات هو المنع حتى يتبين وجه المشروعية. وهذه المسألة ( أي القنوت في صلاة الجمعة، والنوافل، وللمنفرد ) بحاجة إلى مزيد من البحث والنظر، والله أعلم.
خامساً: قال ابن تيمية: " ينبغي للمأموم أن يتابع إمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد؛ فإذا قنت قنت معه، وإن ترك القنوت لم يقنت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وقال: (لا تختلفوا على أئمتكم) وثبت عنه في الصحيح أنه قال: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم) " ( مجموع الفتاوى 23/115ـ116 ).
سادساً: قال بعض الفقهاء: إن قنوت النوازل إنما يفعله إمام المسلمين، أما عامة المسلمين فلا.
وهذا القول فيه نظر لأمور:
الأول: أن الأصل في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم العموم لجميع المسلمين، إلا إذا دل الدليل الصريح على التخصيص.
ولم يثبت في ذلك دليل، فنبقى على الأصل وهو مشروعيته لجميع المسلمين.
الثاني: حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه مرفوعاً: " صلوا كما رأيتموني أصلي " أخرجه البخاري.
فهذا الحديث صريح في أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة أنها لعموم المسلمين.
الثالث: أن أبا هريرة رضي الله عنه قنت وهو ليس بإمام للمسلمين، كما ثبت في الصحيحين ـ وقد سبق ـ أن أَبا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: " لأقَرِّبَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ وَصَلاةِ الْعِشَاءِ وَصَلاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ ".
سابعاً: قال بعض أهل العلم المعاصرين بشرطية إذن الإمام لقنوت النازلة في الصلاة، وقد كثرت أسئلة الناس فيه جداً، وينبغي أن تطرح هذه المسألة طرحاً علمياً مجرداً عن الضغوط. ولم أقف بعد البحث والتتبع من اشترط هذا الشرط من العلماء المتقدمين، ولم أقف كذلك على دليل.
وبعض طلاب العلم قد تختلط عليه هذه المسألة بالتي قبلها، وبهذا البيان يتضح الفرق. وبالله التوفيق، والحمد لله رب العلمين.
---------------------------
الحاشية
(1) النازلة : " هي الشديدة من شدائد الدهر " . ( كشاف القناع 1/421 ) .
(2) (عياش والوليد وسلمة رضي الله عنه) حبسهم المشركون في مكة لما أسلموا ومنعوهم من الهجرة ، وقد تواعدوا جميعاً للهروب من المشركين فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم . والمراد (بالمستضعفين من المؤمنين) هم ضعفاء المؤمنين الذين حبسهم الكفار عن الهجرة ، وآذوهم وعذبوهم . وقوله : (اللهم اشدد وطأتك على مضر) أصل الوطأة الدوس بالقدم ، ومن وطأ الشيء برجله بشدة فقد استقصى في إهلاكه وإهانته ، فيكون المعنى : اجعل بأسك وعذابك الشديد عليهم. وقوله : (اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) هي المشار إليها في قوله تعالى من سورة يوسف : "ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد" فكانت عليهم سبعة أعوام عمهم فيها القحط ونقص الطعام ، فيكون المعنى هنا : هو الدعاء عليه بالقحط العظيم . ( انظر في هذه المعاني : المنهل العذب المورود 8/82 ) .
(3) " أي أتسأل عن ذلك وما تعلم أن الوليد ومن معه قد قدموا إلى المدينة ونجاهم الله تعالى من عدوهم " (المنهل العذب المورود 8/82 ) .
(4) وهو من مصنفات الإمام البخاري رحمه الله . ( انظر هدي الساري ص 516 ) .
(*) كتب هذا الموضع في 8/1/1420 هـ ونشر في مجلة الدعوة ( عدد 1700 ــــ 2/4/1420هـ ) وأضيف عليه بعض الزيادات اليسيرة بتاريخ 16/2/1425هـ
بارك الله فيك اخي محب التوحيد ونفع بك
شكرا لك ... بارك الله فيك ...
هذه رسالة للشيخ الصادع بالحق العلامة حمود بن عقلاء الشعيبي رحمه الله في قنوت النوزال
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة في مشروعية قنوت النوازل
لفضيلة الشيخ العلامة
أ. حمود بن عقلاء الشعيبي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إلى فضيلة الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ - حفظه الله -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد...
سبب الكتابة إليكم التوضيح والبيان وإبراء للذمة ، وذلك أنني قرأت أوراقا لكم فرغت من شريط منسوب لمعاليكم عن حكم القنوت في النوازل، وقد لاحظت عليه عدة ملاحظات، فإن كان صدر عن معاليكم فأرجو إعادة النظر فيما قلتموه وعرضه على كلام العلماء وموافاتي بذلك، وإلا فسوف أضطر إلى نشره، لا سيما وأنكم أظهرتم أن هذا القول لكم سوف تلزمونه أئمة المساجد، باعتبارهم تحت ولايتكم - كما قلتَ ذلك مرتين -
بل قلتَ: إنك لن تتركهم يمضون على ما كان سابقا، وهذا ينبئ عن خطر عظيم في مسألة القنوت للمسلمين في نوازلهم ومصائبهم، إذ هو تقليص عظيم لهذه المسألة، إن لم يكن محواً لذلك كما سوف ترون في مناقشة ما ذهبتم إليه.
وهو أمر لم تسبقوا إليه في هذه البلاد التي تبنى أهلها مساندة المسلمين في كل مكان، ومن أقل ذلك القنوت لهم في نوازلهم وما أكثرها.
وقد نقل ابن القيم في كتاب الصلاة في فصل في صفة القنوت: قال إسحاق الحربي: سمعت أبا ثور يقول لأبي عبد الله احمد بن حنبل: ما تقول في القنوت في الفجر؟ فقال أبو عبد الله: (إنما القنوت في النوازل)، فقال له أبو ثور: أي نوازل اكثر من هذه النوازل التي نحن فيها؟ قال: (فإذا كان كذلك فالقنوت).
ونحن نقول اليوم: ما أكثر نوازل المسلمين فكيف يضّيق أمر القنوت لهم ويحجّم أو يُسيَّس، والله تعالى يقول: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}، وقال تعالى: {والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض}.
علما بأن القنوت له مقاصد عظيمة كثيرة يختلف عن مجرد الدعاء لهم في السجود أو الخطب أو غيرها، حيث إن من أهدافه ومقاصده المشاركة المعنوية وحفز الهمم والاهتمام بالمسلمين وإظهار التعاطف والتعاون، ويتقوى بذلك المجاهدون، وهذا مشاهد وملموس وسمعناه كثيرا من المجاهدين أنهم يفرحون بدعاء إخوانهم المسلمين إذا كان علنا في القنوت، بل إنهم دائما يطالبون بذلك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في "فتح الباري" في فصل القنوت: (وظهر لي أن الحكمة في جعل قنوت النازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة؛ أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأمومُ الإمام في الدعاء ولو بالتأمين ومن ثم اتفقوا على أن يجهرَ به).
والقنوت نوع استنصار ونصرة.
وقد صح عن علي بن أبي طالب لما قنت في حروبه قال: (إنما استنصرنا على عدونا) [رواه ابن أبى شيبه 2/103، رقم 6981].
بل إن هناك من أهل العلم من قال بوجوب قنوت النوازل وقال إنه فعل الأئمة.
فقد ذكر ابن عبد البر في "الاستذكار" [6/202] بسنده عن يحي بن سعيد انه كان يقول: (يجب الدعاء إذا وغلت الجيوش في بلاد العدو) - يعني القنوت - قال: (وكذلك كانت الأئمة تفعل).
وبعد..
فسنذكر إن شاء الله تعالى المآخذ عليكم فيما ذهبتم إليه في مسألة القنوت.
- أولا:
في المسألة الثالثة من كلامكم قلت: (إنه ليس من مفهوم قنوت النازلة عند الصحابة والسلف إذا وقعت نازلة في طرف من بلاد المسلمين قنت الجميع...)، وقلت أيضا: (والصحابة رضوان الله عليهم لم يكن من هديهم أنه إذا وقعت نازلة في طرف بلاد المسلمين قنت جميع المسلمين... وأن من تمام بحث المسألة أن قنوت النوازل لكل أهل بلد بحسبه) إهـ.
ومقتضى هذا الكلام أنه إذا وقعت نازلة في المسلمين في أي طرف من أطراف البلاد الإسلامية أنه لا يقنت إلا أهل تلك النازلة، لأن القنوت لكل أهل بلد بحسبه!
ويَردُ على كلامكم هذا عدة أدلة:
أ) أين دليل التخصيص ومنع ما عدا أهل النازلة؟ والمُخصِّص مطالب بالدليل.
ب) يُرَدُّ عليكم باستدلالكم نفسه، حيث استدللتم بقصة قنوت النبي صلى الله عليه وسلم للقراء لما قتلوا، والقراء قتلوا في أطراف الدولة الإسلامية، بل قتلوا في مكان خارج ولاية الدولة الإسلامية، مما يدل انه يُقنت لما هو ليس بأطراف الدولة الإسلامية فحسب بل ما هو خارجها.
ج) قصة قنوته صلى الله عليه وسلم للمستضعفين في مكة، وكان ذلك بعد صلح الحديبية وفتح خيبر - كما قاله ابن تيمية في الفتاوى: 23/105 -
فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يرفع رأسه يقول: (سمع الله لمن حمده)، يدعو لرجال فيسميَهم بأسمائهم فيقول: (اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف) [متفق عليه].
قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكة حينئذ دار كفر، فقنت لأناس ليسوا في أطراف الدولة الإسلامية بل في بلاد الكفر.
د) قصة الخرمية، وكانوا في أطراف الدولة الإسلامية في شمال فارس قرب أذربيجان.
فقد جاء في كتاب "المغني" لابن قدامة في فصل القنوت وقت النوازل؛ قال الأثرم سمعت أبا عبد الله - أحمد بن حنبل - سئل عن القنوت في الفجر فقال: (لو قنت أياما معلومة ثم يترك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم)، قال أحمد: (أو قنت على الجرمية)، و[ذكر هذه الرواية ابن القيم، في كتاب الصلاة]، فقال قال الاثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: (القنوت في الفجر بعد الركوع)، وسمعته قال لما سئل عن القنوت في الفجر، فقال: (إذا نزل بالمسلمين أمر قنت الإمام وأمّن من خلفه)، ثم قال: (مثل ما نزل بالناس من هذا الكافر)، يعني بابك الخرمي الخارجي إهـ.
وقد قاتلهم المأمون ثم المعتصم فقضى عليهم، فهذه واقعة في أطراف الدولة الإسلامية، والقنوت كان في بلد الإمام احمد.
ومما يدل على العموم وأنه لكل نازلة في أي بلد من بلاد المسلمين؛ أن الصحابة الذين رووا أحاديث قنوت النوازل، وأشهر من روى ذلك أنس وأبو هريرة أنهما فعلا القنوت بأنفسهما، بل وحثوا الناس على الاقتداء بهما، كما فعل أبو هريرة - وسوف يأتي إن شاء الله بعد قليل - بل إنهما رويا أحاديث القنوت بألفاظ عامة تدل على العموم.
وقد جاء عن أنس فيما روى عنه ابن خزيمة، قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم)، وهذه ألفاظ عموم.
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت)، وهذه الفظ عموم.
ه) كلام أئمة المذاهب الفقهية المعروفة، فإنهم كلهم يذكرون أنه إذا وقع نازلة بالمسلمين ويذكرون كلمة "بالمسلمين"، بالألف واللام الدالة على العموم في أي طرف أو جزء من بلاد المسلمين.
وإليك نصوصهم:
1) الحنابلة:
قال ابن قدامة في "المغني": (فصل؛ فإن نزل بالمسلمين نازلة فللإمام أن يقنت في صلاة الصبح، نص عليه أحمد)، وتابعه علي هذا صاحب "الشرح الكبير" [المغني والشرح الكبير: 1/788].
وقال في "زاد المستقنع": (ويكره قنوت في غير الوتر، إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة غير الطاعون فيقنت الإمام في الفرائض).
وجميع كتب الحنابلة تنص على لفظة "المسلمين" في النازلة، ثم تذكر الروايات عن الإمام احمد فيمن يقنت، وهي أربع روايات.
2) المالكية:
ذكر ابن عبد البر في "الاستذكار" [6/201] في باب القنوت في الصبح مذهب مالك وانه يرى القنوت.
وقال ابن رشد في "بداية المجتهد" في فصل أقوال الصلاة في المسألة التاسعة، قال: (ومذهب مالك أن القنوت في صلاة الصبح مستحب) [1/131].
وذكر الزرقاني في "شرح الموطأ" في باب القنوت في الصبح؛ أن هذا معتقد مالك القنوت في الصبح [1/223].
وجاء في "المدونة الكبرى" [1/103]، وذكر مذهب مالك القنوت في الصبح بالدعاء على الكفار والاستعانة بالله عليهم.
بل إن مالكا يرى دوام قنوت النوازل في الفجر - كما قال ابن العربي في شرحه للموطأ في كتابه "القبس" [1/348] في ذكر رأي مالك في قنوت النوازل.
قال ابن العربي: (ورأي احمد بن حنبل أن قنوت النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لسبب فيما كان ينزل بالمسلمين والأحكام إذا كانت معلقة بالأسباب زالت بزوالها، ورأي مالك والشافعي أن ذلك من كلَب العدو ومقارعته معنى دائم فدام القنوت بدوامه) إهـ.
وقال ابن تيميه في الفتاوى [23/106]: (قول مالك القنوت في النوازل مشروع دائما والمداومة سنة وان ذلك يكون في الفجر قبل الركوع بعد القراءة سرا، وهذا يدل أن المالكية يرون قنوتا دائما ولكل إمام جماعة في صلاة الفجر، فما بالك بوقت النازلة بالمسلمين).
3) الشافعية:
قال في "المهذب": (وأما غير الصبح من الفرائض فلا يقنت فيه من غير حاجة، فإن نزلت بالمسلمين نازلة قنتوا في جميع الفرائض).
قال النووي في "المجموع شرح المهذب" على الكلام السابق، قال: (والصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور إن نزلت بالمسلمين نازلة كخوف أو قحط أو وباء أو جراد ونحو ذلك قنتوا في جميعها، وإلا فلا) [3/493].
وذكر النووي نفس كلامه السابق في شرح مسلم في باب استحباب القنوت بجميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة والعياذ بالله، إهـ.
وقال الغزالي في "الوسيط" [2/133]: (وإذا نزلت بالمسلمين نازلة وأرادوا القنوت في الصلوات الخمس جاز).
وقاله الشيرازي الشافعي في "التنبيه" [1/33]، وقاله الشربيني الشافعي في "الإقناع" [1/141].
بل إن الشافعية من أوسع المذاهب في القنوت كالمالكية يرونه دائما في النوازل وغير النوازل.
4) الحنفية:
قال ابن عابدين في حاشيته [2/11] في مطلب القنوت في النازلة، قال: (إن نزل بالمسلمين نازلة قنت الإمام في صلاة الجهر...)، ونقل عن الطحاوي في القنوت إن وقعت فتنة أو بلية فلا بأس به [وراجع إعلاء السنن: 6/95].
وقال في حاشية الطحاوي على "مراقي الفلاح" [1/252]: (إذا نزل بالمسلمين نازلة قنت في صلاة الفجر، وهو قول الثوري واحمد).
وقال اللكنوي في كتابه "التعليق الممجد" [1/636]، قال: (إن قول أبى حنيفة وأصحابه لا قنوت في شيء من الصلوات إلا في الوتر وإلا في نازلة).
وقال في "البحر الرائق" للحنفية [2/48]: (وإن نزل في المسلمين نازلة قنت الإمام في صلاة الجهر).
وذكر التهانوي في "إعلاء السنن" [6/84 – 95] أن عين مذهب الحنفية والجمهور هو القنوت في النوازل مؤقتا.
وبعض الحنفية يرى أن القنوت للنوازل منسوخ، كالطحاوي في "شرح معاني الآثار" وينقله عن بعض أئمة الحنفية [1/254]، مع أن كلام الطحاوي هذا ناقشه التهانوي في "إعلاء السنن" 6/96]، وبين اختيار المذهب، وهو القنوت.
والخلاصة من هذا النقل من أقوال المذاهب: التدليل على أن القنوت لكل نازلة تحصل في المسلمين أن يقنت الجميع، وليس القنوت لكل بلد بحسبه، وقد مر بك ألفاظ كلام العلماء الدالة على العموم، وليس فيها أدنى كلام في تخصيص كل بلد بنازلته.
أما كلام العلماء المستقلين:
فقد قال ابن حزم في المحلى 4/ 138وما بعدها، المسألة رقم 459: إن القنوت فعل حسن.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار 2/345: القنوت عند النوازل مشروع عند النازلة
وقال في السيل الجرار 1/229: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله إذا نزلت في المسلمين نازلة فيدعو لقوم أو على قوم.
أما كلام ابن تيميه وبن القيم فكثير فمنه ما في الفتاوى 23/111: والقنوت فيها إذا كان مشروعا كان مشروعا للإمام والمأموم والمنفرد. بل إن ابن تيميه له رسالة مستقلة في القنوت في مشروعيته وعموميته، وكذا ابن القيم في زاد المعاد جعل فصلا مستقلا في هديه صلى الله عليه وسلم في قنوت النوازل.
وقال الصنعاني في السبل 1/378 رقم 288 قال: فالقول بأنه يسن القنوت في النوازل قول حسن. ومما يجمع خلاصة كلام المذاهب قول اللكنوي في كتابه التعليق الممجد 1/636: ولا نزاع بين الأمة في مشروعية القنوت ولا في مشروعيته للنازلة إنما النزاع في بقاء مشروعيته لغير النازلة،
ونقل ابن عبد البر في الاستذكار 6/202 عن يحي بن سعيد أن القنوت إذا دخلت جيوش المسلمين هو فعل الأئمة.
ثانيا:
ذكرتم في المسألة الثانية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قنت لم يأمر مساجد المدينة بالقنوت – قنوت النوازل – ولم يأمر مسجد قباء ومسجد (زريق) ومسجد العالية.
والجواب: نفْيكم هذا يحتاج إلى إثبات خاص فهل هناك دليل صريح انه قال لهم لا تقنتوا أو انهم قنتوا فنهاهم، فالنفي مثل الإثبات يحتاج إلى دليل لأن النفي قضية سلبية تحتاج إلى برهان كالقضية الموجبة وكون المستدل ليس لديه دليل على القضية المعينة لا يلزم منه انتفاء تلك القضية إذ قد تكون ثابتة بدليل لم يعلمه المستدل كهذه القضية إذ من المعلوم قطعا أن الصحابة رضي الله عنهم لا يخالفون قول الرسول ولا فعله، وقد ثبت عنه انه قنت فلا بد أن يقتدوا به في ذلك القنوت، يدل على هذا قصة استدارة أهل مسجد قباء حينما أبلغوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم استقبل الكعبة ففعلوا ذلك عندما علموا من غير أن يأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
ويقال أيضا لكم على وجه التنزل إذ لم يأت حديث بالأمر فأيضا لم يأت حديث بالنهي إنما هو شيء مسكوت عنه، والمسكوت عنه يرجع فيه للقواعد والأصول، والأصل أن الصحابة يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) والأصل في الرسول انه مُتَبع، وما فعله شرع يعمل به مالم يدل دليل على خصوصيته به وإلا على كلامكم يلزم منه لوازم باطلة تؤدي إلى تعطيل بعض الشرائع فيقال صلاة التراويح فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده بعض الليالي وفعلها عمر رضي الله عنه في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا تفعل في المساجد الأخرى لأنه لم يرد دليل أن المساجد الأخرى اُمرت بذلك، ومثلها صلاة الكسوف صلاها الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده ولم يأت دليل انه أَمر المساجد الأخرى، وكذا صلاة الخوف، فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين الدليل أنه أمر السرايا والجيوش الأخرى بصلاتها
ويقال أيضا البلاد التي فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الدليل أنه أمر مساجدهم بإقامة الجمعة وغيرها من الشعائر الظاهرة، وهكذا من اللوازم الباطلة التي ليس المخرج منها إلا أن يقال الأصل الاقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم، والأصل أن الصحابة والمسلمين فعلوا ما فعله صلى الله عليه وسلم إلا إذا جاء دليل خاص بالمنع أو النهي لا مجرد السكوت وعدم النقل.
ثالثا:
ذكرتم في المسألة الثانية قولكم إنما قنت هو عليه الصلاة والسلام شهرا، ولهذا استدل به عدد من الأئمة منهم الإمام أحمد أنه إنما يقنت الإمام الأعظم في المسجد الأعظم ما يقنت كل مسجد، وقلت أيضا إن السنة ظاهرة في انه لا يقنت في البلد الواحد إلا مسجد واحد فقط وهو المسجد الأعظم في البلد.
والجواب: ما هو الدليل أنه لا يقنت إلا الإمام الأعظم؟! وأنه لايقنت إلا مسجد الإمام الأعظم فقط! بل إن فقه الصحابة رضي الله عنهم على أن القنوت ليس من خصائص الإمام الأعظم ومسجده فقط، بل ثبت عن أنس بن مالك وأبى هريرة وابن عباس والبراء بن عازب ومعاوية وأبى موسى أنهم قنتوا، وليسوا بالإمام الأعظم ومسجدهم ليس بمسجد الإمام الأعظم كما سوف نذكره إن شاء الله بعد قليل:
أ) فقد صح عن انس بن مالك رضي الله عنه انه كان يقنت في صلاة الفجر رواه ابن المنذر في الأوسط 5/ 209 وغيره، علما بأن أنسا ممن روى أحاديث قنوت النازلة فكان بفعله هذا يرى أنها ليست من خصائص الإمام الأعظم ولا مسجده، بل صح عنه رضي الله عنه أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قنتوا في صلاة الفجر فذكر هنا انه فعل جمع من الصحابة والمقصود بذلك قنوت النازلة.
ب) وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه انه كان يقنت في الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح رواه الطبراني في تهذيب الآثار مسند ابن عباس 1/345 رقم 576 فيدعوا للمؤمنين ويلعن الكفار، وقال لأقرِّبن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه، وفي رواية عند الطحاوي في شرح الآثار 1/241 (لأرينكم)، فصلى بهم وقنت حتى يعلّمهم أن القنوت مشروع لكل إمام في النازلة ولذا قال: لأرينكم، مع انه ليس بالإمام الأعظم ومسجده ليس بالمسجد الأعظم، علما بأن أبا هريرة رضي الله عنه ممن روى أحاديث القنوت للنازلة، فهذا فهمهم رضي الله عنهم، بل فعله هو بنفسه تدريبا لأصحابه عليها.
قال ابن القيم في زاد المعاد: ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك (أي القنوت) ثم تركه، فأحب أبو هريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة. اه
ج) صح عن البراء بن عازب انه كان يقنت. رواه بن أبي شيبة 2/106رقم 7016 و صفحة 108 رقم 7034، وعبدالرزاق في مصنفه 3/109وابن المنذر في الأوسط 5/209 والبيهقي في سننه 2/206 مع أن البراء ممن روى أحاديث قنوت النازلة.
د) صح عن ابن عباس رضي الله عنه انه صلى الغداة في إمارته على البصرة فقنت. رواه بن أبي شيبه 2/105 رقم 7003 وعبدالرزاق في مصنفه 3/113 وبن المنذر في الأوسط 5/209 علما بأن ابن عباس في البصرة كان أميرا لعلي بن أبي طالب، فلما قنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما حارب أهل الشام قنت ابن عباس تبعا له ذكر ذلك الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/252 في باب القنوت، وذكره التهانوي في إعلاء السنن 6/ باب القنوت، وقال الكاندهلوي في كتابه أوجز المسالك 3/175 نقلا عن الدار قطني عن سعيد بن جبير، قال أشهد أني سمعت بن عباس يقول: أن القنوت في صلاة الفجر بدعة. إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة، فانظر إلى كلام بن عباس هذا وما فيه من عمومية القنوت للنوازل، بل لا يَبعد أن يكون هذا الكلام له حكم الرفع.
ه) جاء عن معاوية رضي الله عنه أنه قنت في صفين وما بعدها، يقنت هو ومن معه مع أنه ليس الإمام الأعظم في ذلك الوقت، وذكر قنوته الطحاوي في معاني الآثار وكذا الطبري في تاريخه 3/113، قال البيهقي في كتابه معرفة السنن في فصل القنوت: وقنت معاوية في الشام يدعو في صفين، فأخذ أهل الشام عنه ذلك.
ز – وروى الطحاوي في شرح معاني الآثار عن أبي موسى الأشعري أنه قنت وذكره عنه ابن القيم في زاد المعاد ورواه بن أبي شيبة 2/105 رقم 7001 بسنده عن عبد الله بن معقل قال: قنت في الفجر رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علي وأبو موسى.
فهؤلاء ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم ممن روى أحاديث قنوت النازلة وفعلها، وكلهم يرون أن لغير الإمام الأعظم فعله، فأين المخالف لهم من الصحابة ممن منع قنوت النوازل أو رأى انه خاص بالإمام الأعظم أو مسجده.
أما الخلفاء الراشدون فقد صح عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم انهم قنتوا في النوازل فعن العوام بن حمزة سألت أبا عثمان عن القنوت فقال بعد الركوع قلت عمن؟ قال عن أبي بكر وعمر وعثمان. رواه بن أبي شيبة 2/106 رقم 7011 وابن المنذر في الأوسط 5/210 وحسنه البيهقي في معرفة السنن 2/79وقال ابن تيميه في الفتاوى 23/108 أن النبي عليه الصلاة والسلام قنت لسبب نزل به ثم تركه عند عدم ذلك السبب النازل، فيكون القنوت مسنونا عند النوازل، وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.. ثم قال: فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين تدل على شيئين، أحدهما: أن دعاء القنوت مشروع عند السبب الذي يقتضيه، وقال ابن القيم في الزاد في هديه صلى الله عليه وسلم في القنوت: إن المروي عن الصحابة في قنوت النوازل قنوت الصديق رضي الله عنه في محاربة مسيلمة وعند محاربة أهل الكتاب، (راجع كتاب إعلاء السنن 6/83) أما قنوت عمر فقد ذكره ابن تيميه في الفتاوى 23/108 وابن القيم في الزاد انه قنت لما حارب النصارى. وقال ابن تيميه في الفتاوى 23/108 وكان عمر إذا أبطأ عليه خبر جيوش المسلمين قنت، ونقل الكاندهلوي في أوجز المسالك 3/176 عن كتاب الآثار لمحمد بن حسن قال: كان عمر رضي الله عنه إذا حارب قنت وإذا لم يحارب لم يقنت رواه الطحاوي وإسناده حسن.
وكذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قنت لما حارب من حارب من الخوارج، قاله ابن تيميه في الفتاوى 23/103، وقنت أيضا لما حارب أهلَ الشام في صفين، قال البيهقي في كتابه معرفة السنن في فصل القنوت أن عليا قنت في حرب يدعو فأخذ أهل الكوفة ذلك عنه.
فهذا هدي الخلفاء الراشدين والصحابة المرضيين، بل لو قال قائل انه لا يعرف لهم مخالف لكان هو عين الصواب، وهو مذهب الناس في زمن علي بن أبي طالب وعليه أهل الكوفة تبعا له، و أهل البصرة تبعا لأبن عباس، وأهل الشام تبعا لمعاوية فقد روى محمد بن الحسن في الآثار عن إبراهيم النخعي بسند صحيح، قال: إن أهل الكوفة إنما اخذوا القنوت من علي حينما حارب وأهل الشام اخذوا القنوت عن معاوية، ذكره صاحب إعلاء السنن 6/88،وهو فعل الأمراء زمن انس رضي الله عنه كما ذكر ذلك ابن حزم في المحلى 4/141 رقم 459 وقال: فإن قيل فقد روي عن انس انه سئل عن القنوت: أقبل الركوع أم بعده؟ فقال: قبل الركوع، قال ابن حزم: إنما اخبر بذلك انس رضي الله عنه عن أمراء عصره اه والشاهد أن فعل القنوت للنوازل من فعل أمراء عصر انس رضي الله عنه وليس خاصا بالإمام الأعظم.
وقبل ذلك هو فعل الناس زمن عمر حيث قنت عدة مرات،وهو فعل الناس زمن أبي بكر حيث فعله فيهم، فأي إجماع اعظم من هذا وجاء في الاستذكار 5/170 أن أبا عبدالرحمن السلمي قنت في الفجر يدعو على قطري بن الفجاءة الخارجي (وأبو عبدالرحمن هذا مقرئ الكوفة من أولاد الصحابة اخذ القرآن عن عثمان وعلي رضي الله عنهما، ورواه ابن أبي شيبة 2/109 رقم 7047، وقنت من التابعين أيضا نفر كثير ليسوا بأئمة ومساجدهم ليست بمسجد الإمام الأعظم، وقال ابن عبدالبر في الاستذكار 5/172: (ومِن فعل الصحابة وجلة التابعين بالمدينة في لعن الكفرة في القنوت أخذ العلماء لعن الكفرة في الخطبة الثانية من الخطبة والدعاء عليهم). وممن نقل الإجماع الكاندهلوي في أوجز المسالك في شرح موطأ مالك 3/ 177 قال النيموي: تدل الأخبار على أن النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه لم يقنتوا في الفجر إلا في النوازل، وقال اللكنوي في كتابه التعليق الممجد 1/636 ولا نزاع بين الأمة في مشروعية القنوت ولا في مشروعيته للنازلة إنما النزاع في بقاء مشروعيته لغير النازلة، ونقل بن عبدالبر في الاستذكار 6/202 عن يحي بن سعيد أن القنوت فعل الأئمة، وذكر ابن أبي شيبة برقم 7006 بسنده عن ابن أبي ليلى قال: القنوت سنة ماضية، وقال ابن تيميه في الفتاوى 23/108 أن القنوت مسنون عند النوازل وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين. وقال التهانوي في إعلاء السنن 6/96 واما دعوى نسخ القنوت في الفجر مطلقا فتردها آثار الصحابة وقنوتهم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أحيانا، ونقل عن صاحب كتاب الحجة البالغة: وكان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه إذا نابهم أمر دعوا للمسلمين وعلى الكافرين بعد الركوع أو قبله إهـ.
وبعد هذا يقال أيضا لماذا يخصص القنوت بالإمام الأعظم ومسجده مع أن اصل القنوت دعاء واستنصار، فتكثير من يدعو من المقاصد الشرعية، ومن أسباب قبول الدعاء لا سيما وانه قد يوجد في غير مسجد الإمام من هو اقرب للإجابة وافضل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: وهل تنصرون إلا بضعفائكم، بل قد يكون الإمام أو مسجده فيه من موانع قبول الدعاء ما يفوّت الهدف من القنوت وهو تحري الاستجابة، ثم يقال ليس في تعدد مساجد القنوت ضرر في ذلك، وليس هو مثل إقامة الحدود ونحوها التي في تعددها مفاسد، ولذا تخصص بالإمام أو نائبه لمنع المفاسد.
ويقال أيضا: لو كان قنوت النازلة خاص لكان النبي عليه الصلاة والسلام لما قنت في قصة القراء لقال للصحابة بعد الصلاة إن هذا الدعاء خاص بالإمام أو نحو ذلك لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فلو كان هناك مخصص لبينه المصطفى المبلغ عليه الصلاة والسلام.
ومن أعجب الأمور أنكم تقولون عند النوازل: ادعوا في الخطب والمحاضرات ولا تدعوا في الصلاة إلا بإذن الإمام فتمنع الناس مما هو مشروع لهم بالإجماع ثم تحثهم على أمر آخر وإن كان جيدا ومطلوبا لكن المشروع أولى منه، وأخشى أن يجيء وقت لا قدر الله فيقال: وأيضا الخطب والمحاضرات لا يدعى إلا بإذن الإمام، أو انه خاص بالإمام ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رابعا:
قلتم في المسالة الثانية:
إن القنوت للإمام الأعظم استدل به عدد من الأئمة منهم الإمام احمد على أنه إنما يقنت الإمام الأعظم في المسجد الأعظم!
ويقال لكم إن الإمام احمد له عدة روايات في المسألة، فقد قال المرداوي في الإنصاف 2/175 لما ذكر عن احمد انه يقنت الإمام قال: وعنه يقنت نائبه بإذنه، وعنه يقنت إمام جماعة، وعنه كل مصل. اختاره تقي الدين، وقال في المحرر وهل يشرع لسائر الناس؟ على روايتين.
والله تعالى يقول (وان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) ومن البحث السابق وعمل الصحابة يتضح اقرب الروايات للسنة وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته العموم
ونفيد فائدة هنا وهي أن المتتبع لأقوال أهل العلم حسب اطلاعنا في الكتب المتيسرة بين أيدينا وحسب البحث السابق أن القول بأن قنوت النوازل خاص بالإمام الأعظم انه من مفردات الحنابلة في إحدى الروايات.
ثم اختياركم لهذا القول على خلاف مراد الإمام احمد، فإن معنى الإمام الأعظم عند احمد وغيره هو الخليفة الواحد الذي يحكم المسلمين جميعا، وهذه هي فائدة صفة الأعظم، واليوم ليس إمام اعظم يحكم المسلمين كلهم، فعلى هذا القول الذي اخترتموه وأردتم تطبيقه هذا اليوم على غير مراد الإمام احمد الذي اخترت قوله وهو إحدى الروايات يؤدي إلى تعطيل القنوت تماما، وهذا القول لم تسبقوا إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
واخيرا..
نحن اليوم نعرف اختلاف أهواء الحكام وماهي توجهاتهم فربط القنوت للنوازل بهم يجعل قضايا المسلمين خاضعة للسياسة و مصالح الحكام، وأنت ترى في الواقع اليوم تخاذل كثير من الحكام وعدم نصرتهم للمسلمين في نوازلهم بل انهم يخجلون من دعم قضايا الجهاد والمجاهدين، فكيف ينتظر منهم أن يأذنوا بالقنوت لهم إلا أن وافق مصالحهم وأهواءهم.
كتبت هذا لكم لكي تراجعوا أنفسكم فيما قلتم وتعودوا إلى هدي الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والعلماء بعده وتعلنوا للناس ذلك وإلا سوف نعلن هذا الرد للناس لبيان ما هو الحق في المسألة ونحن بالانتظار..
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
أملاه؛ حمود بن عقلاء الشعيبي
17/ 10 / 1421 هـ
الاخ الفاضل ابو البراء سلمه الله...................... ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا على هذا النقل الرائع ورحم الله الشيخ حمود كان جبلا شامخا امام البعض هداهم الله
كم نحن الان بحاجة لمثله والله المستعان
شكرا لك ... بارك الله فيك ...
جزاك الله خيرا يالأندلسي