المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
فالحاصل أنه تعليل لا يصح.. والله أعلم
جزاك الله خيرا. وقد أحسنت إذ جعلت خاتمة كلامك حول أصول موضوعي ، وهو العلة وما يتعلق بها.
العلة واضحة ظاهرة بطريق المنطوق ، لا يجوز العدول عن العلة الظاهرة والأقوى إلى علل متوهمة أو محتملة ، والعلماء وإن قالوا بجواز تعدد العلل إلا أنهم متفقون على أن العلة الأثبت مقدمة على غيرها من العلل في كونها الأولى بالتأثير في الحكم إيجاداً وعدماً ، هذا أمر متفق عليه من مقتضى كلامهم في كافة كتب الأصول. العلة كما ذكرت لك ثابتة بطريق الإيماء وهي معتبرة عند جماهير العلماء. والأصوليون يقررون أن الوصف المعتبر هو الوصف الذي لو لم يحصل اعتباره لكان وجوده لغواً لا فائدة فيه ، وهذا ينزه عنه خطاب الشارع. وكما ترى - إن كنت قد تأملت نصوص الأدلة - العلة ظاهرة ظهوراًً يوجب اعتبارها ، ففي البخاري : ((خالفوا المشركين ، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب)). وهذا بطريق الترتيب الذي هو من صور الإيماء، وعدم اعتبار العلة هنا تعطيل لجزء من كلام الشارع ، وأصرح من هذا في ظهور العلة بطريق الترتيب - أي ترتيب الحكم على الوصف - ما وقع عند الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي أمامة أنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب ، قال فقلنا : يا رسول الله ان أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب قال فقلنا : يا رسول الله ان أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون ، قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم : فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب قال فقلنا : يا رسول الله ان أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم : قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب )).
وليطمئن قلبك أسوق لك تأصيل العلماء لهذه الجزئية ، فننقل من كلام القرافي - رحمه الله - من "شرح تنقيح الفصول" :
في الدال على العلة
ص : وهو ثمانية: النص، والإيماء، والمناسبة، والشَّبَه، والدوران، والسَّبْر، والطَّرْد، وتنقيح المناط.
المسلك الأول: النص فالأول: النص على العلة، وهو ظاهر.
المسلك الثاني: الإيماء
والثاني: الإيماء، وهو خمسة:
الفاء نحو قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} .
وترتيب الحكم على الوصف، نحو: ترتيب الكفارة
على قوله: (( واقعتُ أهلي في شهر رمضان )). قال الإمام: سواء كان مناسباً أو لا. وسؤاله عليه الصلاة والسلام عن وصف المحكوم عليه نحو قوله صلى الله عليه وسلم (( أينْقُصُ الرُّطَبُ إذا جَفَّ )) أو تفريق الشارع بين شيئين في الحكم،نحو قوله صلى الله عليه وسلم (( القاتل لا يرث )). أو ورود النهي عن فعلٍ
يَمْنَع ما تقدَّم وجوبُه.
الشرح : [أي شرح االقرافي للنص السابق]
النص على العلة: نحو قوله: العلة كذا أو فعلْتُه لأجل كذا، فهذا نصٌّ في التعليل.
والفاء تدخل على المعلول نحو ما تقدَّم(، فإن الجَلْد معلول الزنا، وتدخل على العلة نحو قوله عليه الصلاة والسلام (( لا تمِسُّوه بطيبٍ فإنه يُبعث يوم القيامة مُحْرِماً )) فالإحرام هو علة المنع من الطيب. ومعنى قول الإمام فخر الدين:(( سواء كان مناسباً أو لا )): يشير إلى أن المناسبة مستقِلَّة بالدلالة على العليَّة، وكذلك الترتيب، فإن القائل لو قال: أكْرِمِ الجُهَّال وأهِنِ العلماء، أنكر السامعون هذا القول وعابوه، ومدرك الاستقباح أنهم فهموا أنه جعل الجهل علة الإكرام والعلم علة الإهانة، وليس لهم مستند في اعتقاد التعليل إلا ترتيب الحكم على الوصف لا المناسبة، فإن المناسبة مفقودة ها هنا، فدل ذلك على أن الترتيب يدل على العلية وإن فُقِدتْ المناسبة
وما سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقصان الرُّطَب إذا جَفَّ لأنه لا يعلم ذلك بل ليعرف به السامعون، فيكون ذلك تنبيهاً على علة المنع، فيكون السامع مستحضراً لعلة الحكم حالة وروده عليه، فيكون ذلك أقرب لقبوله الحكم، بخلاف إذا غابت العلة عن السامع ربماصَعُب عليه تَلقِّي الحكم واحتاج لنفسه من المجاهدة ما لا يحتاجها إذا علم العلة وحضرتْ له)). ص 302-303. [1]
= = = = = = = = = = = =
[1] وقد جاء الحديث الحسن بذكر الفاء - أداة الإيماء الأولى - في حديث ابن عمر عند ابن حبان وفيه ((.. ذكر لرسول الله صلى الله عليه و سلم المجوس فقال : (( إنهم يوفون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم )) فكان ابن عمر يجز سباله كما تجز الشاة أو البعير.