هذه بعض فتاوي السادة المالكية في حكم دولة بني عبيد الشيعية .
يقول القاضي عياض بن موسى بن عياض السبتي ، المتوفى سنة 544 هجرية ، في كتابه : ( ترتيب المدارك وتقريب المسالك ) في المجلد السابع / صفحة 274 وما بعدها :
أبو بكر إسماعيل بن إسحاق بن عذرة الأنوي .
أثنى عليه ابن أبي يزيد في شبيبته في كتابه معه، لأنه سُئل - أي ابن عذرة - عن خطباء بني عُبيد، وقيل له: إنهم سُنِّية، فقال: (أليس يقولون؛ اللهم صلِّ على عبدك الحاكم وورثة الأرض؟)، قالوا: نعم، قال: (أرأيتم لو أنّ خطيبا خطب فأثنى على الله ورسوله، فأحسن الثناء، ثم قال: أبو جهل في الجنة، أيكون كافرا؟)، قالوا: نعم، قال: (فالحاكم أشد من أبي جهل).
قال عياض: وسُئل الداودي عن المسألة، فقال: (خطيبهم الذي يخطب لهم ويدعو لهم يوم الجمعة؛ كافرٌ يُقتل، ولا يُستتاب، وتحرم عليه زوجته، ولا يرث ولا يورث، وماله فيء للمسلمين، وتعتق أمهات أولاده، ويكون مدبّروه - أيعبيده الذين علّق عتقهم بعد موته - للمسلمين، يعتق أثلاثهم بموته، لأنه لم يبق له مال، ويؤدي مكاتبوه للمسلمين، ويُعتقون بالأداء، ويرقون بالعجز، وأحكامه كلها أحكام الكفر، فإن تاب قبل أن يُعزل، إظهارا للندم، ولم يكن أخذ دعوة القوم قُبلت توبته، وإن كان بعد العزل أو بشيء منعه لم تُقبل، ومن صلى وراءه خوفا أعاد الظهر أربعا، ثم لا يقيم إذا أمكنه الخروج، ولا عذر له بكثرة عيال ولا غيره) .
ثم قال عياض:
أبو محمد الكبراني:
من القيروان، سُئل عمن أكرهه بنو عبيد على الدخول في دعوتهم أو يُقتل؟ قال: (يختار القتل، ولا يعذر أحد بهذا إلا من كان أول دخولهم البلد قبل أن يعرف أمرهم، وأما بعد؛ فقد وجب الفرار، ولا يُعذر أحد بالخوف بعد إقامته، لأن المقام في موضع يُطلب من أهله تعطيل الشرائع لا يجوز، وإنما أقام فيها من العلماء والمتعبدين على المباينة لهم، يخلو بالمسلمين عدوهم فيفتنونهم عن دينهم).
قال عياض: وعلى هذا كان جبلة بن حمود ونظرائه؛ ربيع القطان، وأبو الفضل الحمصي، ومروان ابن نصرون، والسبّائي، والجبيناني، يقولون ويفتون .
قال يوسف بن عبد الله الرعيني في كتابه: (أجمع علماء القيروان - أبو محمد بن أبي زيد، وأبو الحسن القابسي، وأبو القاسم بن شلبون، وأبو على بن خلدون، وأبو محمد الطبيقي، وأبو بكر بن عذرة -؛ أن حال بني عُبيد حال المرتدين والزنادقة .
فحال المرتدين ؛ بما أظهروه من خلاف الشريعة، فلا يورثون بالإجماع.
وحال الزنادقة ؛ بما أخفوه من التعطيل، فيُقتلون بالزندقة ).
قالوا: ( ولا يُعذر أحد بالإكراه على الدخول في مذهبهم، بخلاف سائر أنواع الكفر، لأنه أقام بعد علمه بكفرهم، فلا يجوز له ذلك، إلا أن يختار القتل دون أن يدخل في الكفر).
وعلى هذا الرأي كان أصحاب سحنون يفتون المسلمين.
قال أبو القاسم الدهّاني: (وهم بخلاف الكفار، لأن كفرهم خالطهم سحر، فمن اتصل بهم خالطه السحر والكفر).
ولما حُمل أهل طرابلس إلى بني عُبيد، أضمروا أن يدخلوا في دينهم عند الإكراه، ثم ردُّوا من الطريق سالمين، فقال ابن أبي زيد: (هم كفار، لاعتقادهم ذلك) انتهى .
والله أعلم