كلنا يعرف فخر الدين الرازي وماله من طوام في العقيدة , مع ذلك فقد استوقفني كلام شيخ الإسلام بن تيمية عنه فقد قال عنه في شرح حديث النزول : وصار طائفة أخرى قد عرفت كلام هؤلاء وكلام هؤلاء كالرازى والآمدى وغيرهما يصنفون الكتب الكلامية فينصرون فيها ما ذكره المتكلمون المبتدعون عن أهل الملة من حدوث العالم بطريقة المتكلمين المبتدعة هذه وهو امتناع حوادث لا أول لها ثم يصنفون الكتب الفلسفية , كتصنيف الرازى المباحث الشرقية ونحوها ويذكر فيها ما احتج به المتكلمون على امتناع حوادث لا أول لها وان الزمان والحركة والجسم لها بداية ثم ينقض ذلك كله ويجيب عنه ويقرر حجة من قال ان ذلك لا بداية له
وليس هذا تعمدا منه لنصر الباطل بل يقول بحسب ما توافقه الادلة العقلية في نظره وبحثه فإذا وجد في المعقول بحسب نظره ما يقدح به في كلام الفلاسفة قدح به فان من شأنه البحث المطلق بحسب ما يظهر له فهو يقدح في كلام هؤلاء بما يظهر له أنه قادح فيه من كلام هؤلاء وكذلك يصنع بالآخرين
ومن الناس من يسىء به الظن وهو أنه يتعمد الكلام الباطل وليس كذلك بل تكلم بحسب مبلغه من العلم والنظر والبحث في كل مقام بما يظهر له وهو متناقض في عامة ما يقوله يقرر هنا شيئا ثم ينقضه في موضع آخر لأن المواد العقلية التى كان ينظر فيها من كلام أهل الكلام المبتدع المذموم عند السلف ومن كلام الفلاسفة الخارجين عن الملة يشتمل على كلام باطل كلام هؤلاء وكلام هؤلاء فيقرر كلام طائفة بما يقرر به ثم ينقضه في موضع آخر بما ينقض به ولهذا اعترف في آخر عمره فقال لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفى عليلا ولا تروى غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن اقرأ في الاثبات (( الرحمن على العرش استوى )) ((إليه يصعد الكلم الطيب)) واقرأ في النفى ((ليس كمثله شيء )) ((ولا يحيطون به علما )) ومن جرب مثل تجربتى عرف مثل معرفتى) انتهى كلام شيخ الإسلام ص440,441