0
ذكر ابن القيم رحمه الله كلاما بديعا في العذر بالجهل وحشد الأدلة عليه ، ففي بدائع الفوائد ، ذكر كلام أبي القاسم السهيلي في قول النبي صلى الله عليه وسلم للبراء بن معرور قد كنت على قبلة لو صبرت عليها . يعني لما صلى إلى الكعبة قبل الأمر بالتوجه إليها ، ولم يآمره بالإعادة ، لأنه كان متأولاً .
ثم قال رحمه الله : قلت : ونظير هذا أنه لم يأمر من أكل في نهار رمضان والإعادة لما ربط الخيطين في رجليه وأكل حتى تبيناً له لأجل التأويل .
ونظيره أنه لم يأمر أبا ذر بإعادة ما ترك من الصلاة مع الجنابة إذ لم يعرف شرع التيمم للجنب . فقال : يا رسول الله إني تصيبني الجنابة فأمكث الشهر والشهرين . لا أصلي يعني في البادية . فقال : أين أنت عن التيمم .
ونظيره أيضاً ، أنه لم يأمر المسيء في صلاته بإعادة ما تقدم له من الصلوات التي لم تكن صحيحة وإنما بالإعادة في الوقت ، لأنه لم يؤد فرض وقته مع بقائه بخلاف ما تقدم له .
ونظيره أيضاً أنه لم يأمر المتمعك في التراب كما تتمعك الدابة لأجل التيمم بالإعادة مع أنه لم يصب فرض التيمم .
ونظيره أيضاً ، أنه لم يأمر معاوية بن الحكم السلمي بإعادة الصلاة . وقد تكلم فيها بكلام أجنبي ليس من مصلحتها .
ونظيره أيضاً أنه لم يضمن أسامة قتيله بعد إسلامه بقصاص ولا دية ولا كفارة .
ولا تجد هذه النظائر مجموعة في موضع . فالتأويل والاجتهاد في إصابة الحق منع في هذه المواضع من الإعادة والتضمين .
وقاعدة هذا الباب أن الأحكام . إنما تثبت في حق العبد بعد بلوغه هو وبلوغها إليه . فكما لا يترتب في حقه قبل بلوغه هو ، فكذلك لا يترتب في حقه قبل بلوغها إليه ، وهذا مجمع عليه في الحدود أنها لا تقام إلا على من بلغه تحريم أسبابها ، وما ذكرناه من النظائر يدل على ثبوت ذلك في العبادات والحدود .
ويدل عليه أيضاً في المعاملات قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين )، فأمرهم تعالى أن يتركوا ما بقي من الربا وهو ما لم يقبض ، ولم يأمرهم برد المقبوض ، لأنهم قبضوه قبل التحريم فأقرهم عليه . بل أهل قبا صلوا إلى القبلة المنسوخة بعد بطلانها ولم يعيدوا ما صلوا . بل استداروا في صلاتهم وأتموها ، لأن الحكم لم يثبت في حقهم إلا بعد بلوغه إليهم .. الخ .
رحمه الله ، هذا الرجل آية من آيات الله ، حدثني شيخنا الإمام العلامة عبد الله بن قعود رحمه الله [ العالم الذي نسيه قومه ] ، أن حسين العراقي وهو من طلاب الشيخ ابن باز إمام الدنيا وزينة الدهر في الدلم ، كان يقرأ عليه في إحدى كتب الشيخ محمد رشيد رضا ، فقرأ الشيخ حسين قوله : ( وأما ابن تيمية وابن القيم فليسا من العلماء ) ، وسكت يريد أن ينظر إلى ردة فعل شيخنا ابن باز رحمهم الله ، فقال الشيخ ماذا يقول هداه الله أعد ، يقول فأعاد ( وأما ابن تيمية وابن القيم فليسا من العلماء ) ، وسكت فتغير الشيخ من هذه الكلمة ، وقال أعد فلما أعاد وأتم العبارة وإذا بها نور وهدى ، ( وأما ابن تيمية وابن القيم فليسا من العلماء ولكنهما آيتان من آيات الله ) فسر الشيخ وابتهجت أساريره . انتهت القصة ، وأقول إي وربي إنهما لآيتان من آيات الله ، وكل أصحاب هذه القصة قد ماتوا والله المستعان العراقي وابن باز ورشيد رضا وابن قعود اللهم اغفر لهم وارحمهم ولم يتبق منهم إلا كاتبها أسأل الله أن يميته على خير .. آمين
0