تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: تفعيل المقاصد في فهم النصوص وتعقل الأحكام

  1. #1

    افتراضي تفعيل المقاصد في فهم النصوص وتعقل الأحكام

    تفعيل المقاصد في فهم النصوص وتعقل الأحكام
    عبد الرحمن حللي
    ===============
    مقال في طياته ما هو جدير بالاهتمام والنقاش من السادة الفضلاء..
    ========

    يقع كثير من المفتين وعلماء الشريعة في حرج عند بيان حكم بعض المسائل التي لا يقدرون على فلسفة حكمها والإقناع به لاسيما عندما تكون المسألة مما يقبل التعليل من الأحكام، أو قد نص على علتها لكن لا تبدو هذه العلة مستساغة في ظاهرها لتناقضها مع نظائر أخرى في التشريع، وغالباً ما يتم اللجوء إلى الإقناع بالحكم من منطلق التعبد أو النص على العلة وتبرير ما قد يبدو مخالفاً، مع مقدمات أخرى تحذر من إعمال العقل فيما فيه نص، وهكذا يسري الحكم ويلتزم به المسلمون تعبداً من غير قناعة وراحة نفسية وإن أبدوا خلاف ذلك، فيما تعرض شريحة واسعة من المسلمين عن الالتزام بهذا النمط من المسائل تقصيراً أو أنهم ممن يعمل عقله فلا يطبق من الدين إلا ما يقتنع به.
    هذا واقع الحال بغض النظر عن إنكاره أو تبريره، أما المسؤولية الأكبر فتقع على المعنيين بهذه المسائل والمفتين فيها، فأن يكون النص صحيحاً وصريحاً في تحريم مسألة معينة أمر ليس موضعاً للنقاش هنا، إنما التساؤل كيف يمكن أن نفهم هذا النص وهذا التحريم، لاسيما وأن نصوص الشريعة وأحكامها تتكامل وتدعم بعضها البعض لتشكل بمجموعها سياجاً لصيانة الدين والإنسان وحاجاته، ضمن ما يسمى مقاصد الشريعة وكلياتها وقواعدها، والتي ينبغي أن تكون مدخل الفقيه المعاصر في فهم الحكم وإصدار الفتوى وبيان الحكمة التشريعية في المسألة، وهذا ما تنبه له العلامة الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في كتابه " مقاصد الشريعة الإسلامية" والذي دعا فيه إلى تطوير أدوات الاجتهاد، فأحيى بكتابه البحث المقاصدي ورسم المنهج الذي يمكن من خلال تطوير الاجتهاد والانتقال من البحث الفروعي إلى البحث الكلي، ومن البناء على الجزئيات إلى البناء على الكليات، فالنظر إلى المسألة الفرعية كأصل وغض الطرف عن نظيراتها يكشف جانباً من الحكم فقط، وما لم يعرف الفقيه أبعاد تلك المسألة الجزئية وحيثياتها قد يكون حكمه مختلاً أو متناقضاً مع قضايا كلية أقرتها الشريعة الإسلامية، من هنا تأتي أهمية استحضار كليات الشريعة عند إصدار أي حكم جزئي حتى لو كان فيه نصاً، فنصوص السنة ليست مطلقة دائماً، فقد يكون لها ظروف تكشف عنها نصوص أخرى تبين علة الحكم وشروطه وأبعاده.
    فعلى سبيل المثال ذكر ابن عاشور في كتابه المقاصد اثني عشر حالاً من أحوال الرسول (صلى الله عليه وسلم) يصدر عنها قوله أو فعله، وهي: " التشريع والفتوى والقضاء والإمارة والهدي والصلح والإشارة على المستشير والنصيحة وتكميل النفوس وتعليم الحقائق العالية والتأديب والتجرد عن الإرشاد" وضرب أمثلة من السنة لكل حل من هذه الأحوال، ولا ينبني على كل هذه الأحوال تشريع وأحكام.
    كما أن هناك الكثير من قواعد التشريع التي يمكن من خلالها التمييز بين الحكم المشرع لذاته ابتداء وبين الحكم المعلل والمرتبط بظروف اقتضته فيدور معها، ومن أمثلة ذلك ما درج عليه الفقهاء من "التفريق بين الأوصاف المقصودة للتشريع وبين الأوصاف المقارنة لها التي لا يتعلق بها غرض الشارع"، فاكتشاف نوع الوصف قد يغير الحكم أو يمهد سبيله إلى القناعة والتطبيق، أما التعمية على المسألة وإنكار الإشكال فيها أو طرح التساؤل حولها سيجعلها في إطار الشكوك والحيرة لدى المسلم، وقد يدرج المسلمون على ذلك قروناً دون أن يتنبه إلى خلفية الحكم وأبعاده، وهذه هي مسؤولية الاجتهاد المعاصر أن يبحث في تلك المسائل التي يبدو الحكم فيها مثار قلق رغم الالتزام به .
    ولئلا يبقى الكلام نظرياً وعاماً أضرب مثلاً واقعياً من خلال مسألة يصل الحكم فيها إلى درجة لعن الفاعل، وهي شائعة بين المسلمين إلى درجة كبيرة، وهي مضمون ما ورد في صحيح مسلم عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:"لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله"، فالحكم المأخوذ من هذا الحديث هو تحريم أنواع من التجمل كوصل الشعر وتفريق الأسنان وإزالة الشعر من الوجه والوشم، وفعل كل ذلك للغير، وترتبط الحكمة في تحريم ما ذكر بأنه تغيير لخلق الله.
    والتساؤل الذي يدور في الأذهان أليس التجمل للزوج وبين المحارم من المباحات بل المندوبات، فلم حرمت هذه الأنواع من التجمل؟ وإن كانت علة التحريم هي كونها تغيير خلق الله فكيف تكون إزالة الشعر تغييراً لخلق الله وقد أمر الشارع بإزالة الشعر من أماكن أخرى؟ بل كيف لا يكون الختان تغييراً للخلق وتكون إزالة الشعر من الوجه أو وصل شعر الرأس أو الرسم على البشرة من تغيير الخلق؟
    هذه التساؤلات مشروعة بل أساسية في تمحيص مناط التحريم وتحديد مفهوم تغيير الخلق الذي ارتبط به الحكم، ولم يقف أي من الفقهاء عند هذه التساؤلات قبل العلامة ابن عاشور الذي تساءل هذه التساؤلات ومحص دلالة النص، يقول في تفسيره (التحرير والتنوير) عند قوله تعالى: (وَلَأُضِلَّنَّ ُمْ ولأمَنِّيَنَّهُ مْ ولآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنّ َ ءَاذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُم ْ فَلَيُغَيِّرُنّ َ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِيناً) [النساء:119]، :"وليس من تغيير خلق الله التصرف في المخلوقات بما أذن الله فيه ولا ما يدخل في معنى الحسن؛ فإن الختان من تغيير خلق الله ولكنه لفوائد صحية وكذلك حلق الشعر لفائدة دفع بعض الأضرار وتقليم الأظفار لفائدة تيسير العمل بالأيدي وكذلك ثقب الآذان للنساء لوضع الأقراط والتزين. وأما ما ورد في السنة من لعن الواصلات والمتنمصات والمتفلجات للحسن فمما أشكل تأويله. وأحسب تأويله أن الغرض منه النهي عن سمات كانت تعد من سمات العواهر في ذلك العهد أو من سمات المشركات وإلا فلو فرضنا هذه منهياً عنها لما بلغ النهي إلى حد لعن فاعلات ذلك. وملاك الأمر أن تغيير خلق الله إنما يكون إثماً إذا كان فيه حظ من طاعة الشيطان بأن يجعل علامة لنحلة شيطانية كما هو سياق الآية واتصال الحديث بها".
    ويزيد الأمر توضيحاً في كتابه مقاصد الشريعة بأن "تلك الأحوال كانت في العرب أمارات رقة حصانة المرأة، فالنهي عنها نهي عن الباعث عليها أو عن التعرض لهتك العرض بسببها" (مقاصد الشريعة، ص 96 ، الطبعة الأولى - تونس) ، ويقول: "وأنا أجزم بأن ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان كذلك ورد عنه إنما أردا به ما كان من ذلك شعاراً لرقة عفاف نساء معلومات" (مقاصد الشريعة، ص 111-112) فهو يستند بذلك إلى ما عليه الفقهاء من التفريق بين الأوصاف المقصودة للتشريع وبين الأوصاف المقارنة لها التي لا يتعلق بها غرض الشارع، وهذا الرأي نموذج من تفعيله مقاصد الشريعة في استنباط الأحكام والانتقال من القياس على الفروع إلى الاعتماد على كليات التشريع.
    فمحاولة ابن عاشور في فهم النص لم تكن تنكراً له أو تشكيكاً في صحته إنما هي غوص في أعماقه وتطبيق قواعد الأصول في تحديد مناط الحكم المأخوذ منه، وآل اجتهاده إلى ربط الحكم بقرائن واضحة، فزال الحكم بزوالها، وقد يعود بعودتها، وقد يقاس على أصله الكلي نماذج أخرى من التجمل لم تكن موجودة فتُحرم لكونها قد تحقق فيها مناط ما حرم في الحديث.
    ومن لم يدرك من السطحيين هذا البعد في فهم الحديث يظن أن اجتهاد ابن عاشور جاء في مورد النص، أو أنه أعرض عن الأخذ بنص صريح، بينما واقع الحال يؤكد أنه – إن صحت رؤيته – هو الذي أعمل الحديث حينما فهمه بدقة وعمل بمناطه، والآخرون شوهوا الحكم وابتعدوا عن الصواب في الفهم من حيث لا يشعرون، وقد أنكر النبي (صلى الله عليه وسلم) على أصحابه تعميمهم حكماً أصدره وكانت القرائن تدل على كونه مرتبطاً بحدث أو ظرف أو مشكلة خاصة، كنهيه مرة عن ادخار لحوم الأضاحي فظن الناس أنما هو نهي عام ولم ينتبهوا إلى الباعث على هذا النهي، وفي العام القادم صحح لهم تصورهم للحكم مبيناً أن نهيه إنما كان من أجل الدَّافة (قوم قَدِموا المدينة عند الأضْحَى فنَهاهم عن ادِّخار لُحوم الأضاحي لِيُفُرِّقوها ويتصدَّقوا بها فيَنْتفِع أولئك القادمون بها)، ومن هنا تبرز أهمية العناية بأسباب ورود الأحاديث وظروف عصر الرسول وأحوال الناس فيه، وتحديد طبيعة أقوال النبي (صلى الله عليه وسلم) وما يكون منها تشريعاً مطلقاً أو مقيداً أو معللاً أو ظرفياً أو لا يكون تشريعاً أصلاً، والبحث في هذه الاحتمالات مجال خصب لدارسي الفقه، ويمكن لتطبيقه أن يقدم إضافات في فهم كثير من القضايا والأحكام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: تفعيل المقاصد في فهم النصوص وتعقل الأحكام

    الحمد لله وحده ..
    أما بعد، ففي هذا المقال مغالطات كثيرة، ينبغي التنبيه عليها، والله المستعان..
    يقول الدكتور حللي: "يقع كثير من المفتين وعلماء الشريعة في حرج عند بيان حكم بعض المسائل التي لا يقدرون على فلسفة حكمها والإقناع به لاسيما عندما تكون المسألة مما يقبل التعليل من الأحكام، أو قد نص على علتها لكن لا تبدو هذه العلة مستساغة في ظاهرها لتناقضها مع نظائر أخرى في التشريع، وغالباً ما يتم اللجوء إلى الإقناع بالحكم من منطلق التعبد أو النص على العلة وتبرير ما قد يبدو مخالفاً، مع مقدمات أخرى تحذر من إعمال العقل فيما فيه نص، وهكذا يسري الحكم ويلتزم به المسلمون تعبداً من غير قناعة وراحة نفسية وإن أبدوا خلاف ذلك، فيما تعرض شريحة واسعة من المسلمين عن الالتزام بهذا النمط من المسائل تقصيراً أو أنهم ممن يعمل عقله فلا يطبق من الدين إلا ما يقتنع به."
    قلت غفر الله له، هذه دعوى واضحة للمسلمين لتقديم عقولهم على أحكام الدين، فكأنما يهمس في أذن القارئ ويقول له: "لا تخضع لحكم شرعي صغر أو كبر حتى تكون فاهما "لعلته" والحكمة منها، والمقصد بل المقاصد التي يجري ذلك الحكم في تيارها، مقتنعا بذلك تمام الاقتناع، وان أفتاك به أكبر أهل العلم، وان كان مما جرى عليه عمل الأمة بلا مخالف على طول تاريخها من زمان الصحابة الى يوم الناس هذا!"!! وتأمل عبارة "راحة نفسية"! فسبحان الله! هل بالمشاعر والأحاسيس والميول النفسية يتحكم الخلق في أحكام ربهم، أم بالكتاب والسنة والدليل بفهم السلف رضي الله عنهم؟؟؟ أين هذا من قول الملك الحكيم: ((فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)) [النساء : 65]؟؟ أفإن سقنا اليه أمثال هذه النصوص ووعظنا الناس بضرورة الامتثال لأوامر الله والاقرار بأنها الخير كل الخير وان لم يفهموا الغاية منها والحكمة فيها، قوبلنا بكراهته لتلك "المقدمات الأخرى التي تحذر من إعمال العقل فيما فيه نص" وكلامه العاطفي العقلاني غير المنضبط فيما وصفه بأنه ضرورة "عصرية" لم يلتفت اليها المتقدمون؟؟؟
    ويقول: "فيما تعرض شريحة واسعة من المسلمين عن الالتزام بهذا النمط من المسائل تقصيراً أو أنهم ممن يعمل عقله فلا يطبق من الدين إلا ما يقتنع به." قلت اسمح لي يا دكتور أن أصدمك وأقرر لك حقيقة لعلك غفلت عنها، ألا وهي أن هذا النمط الذي أشرت اليه هنا، اسمه في شرع الله "من اتخذ الهه هواه"، وهذا لو جئته بملئ الأرض أدلة على بطلان فهمه فلن تراه الا مقدما عقله متبعا اياه الى طريق الهلكة، نسأل الله العافية! فهل أصبح المفتون والعلماء الآن مطالبون بالبحث عن سبل عصرية جديدة لاقناع هؤلاء المرضى المفتونين المهزومين - والذين لم يخل منهم عصر من عصور الأمة بالمناسبة على اختلاف صورة الفتنة التي افتتن بها كل جيل منهم - بأن أحكام دينهم هي الحق وهي الخير المحض المطلق الذي لا مرية فيه، مهما كثر ما لا يفهمون خكمته منها والغاية من تشريعه؟؟؟
    هذا ما يقرره اذ يقول: "أما المسؤولية الأكبر فتقع على المعنيين بهذه المسائل والمفتين فيها، فأن يكون النص صحيحاً وصريحاً في تحريم مسألة معينة أمر ليس موضعاً للنقاش هنا، إنما التساؤل كيف يمكن أن نفهم هذا النص وهذا التحريم،"
    قلت يا دكتور غفر الله لنا ولك، لا تخلط بين مقام رد الشبهات عند أصحابها من أي طائفة كانوا، وبين مقام الاستباط الفقهي للأحكام وعللها!
    فقوله: "ضمن ما يسمى مقاصد الشريعة وكلياتها وقواعدها، والتي ينبغي أن تكون مدخل الفقيه المعاصر في فهم الحكم وإصدار الفتوى وبيان الحكمة التشريعية في المسألة"
    هذا يجعلنا - وبصورة تلقائية - نتساءل: لماذا ينبغي أن يكون مدخل الفقيه المعاصر بالذات؟ ولماذا لم يكن - بحسب دعواك - مدخلا للفقيه المتقدم في القرون الماضية؟ فان قلت لأن التقليد قد عم وطم وابتليت به الأمة لقرون طويلة، قلنا نعم ولكن لا يمنع من أنه لم يخل زمان من فقهاء مجددين مجتهدين غير مقلدين وان قلوا .. وعلى أي حال فان شئت فارجع بنا الى ما قبل قرون التقليد، ارجع الى عصر الأئمة المتبوعين، واسألهم هل غفلوا - كما تدعي - عن مقاصد الشرع؟ وما هو الفرق بين زماننا وزمانهم والذي أصبح ينبغي على فقهائنا أن يغيروا مدخل النظر في أصول الفقه وأصول الأحكام بسببه؟؟؟ انها تماما كالدعوى لوضع تفسير "عصري" للقرءان، يستبدله الناس بتفاسير التراث!! لماذا؟ تجد الجواب المعلب الجاهز، المنسوج من عبارات منمقة فاتنة لن يصمد قائلها أمامك طرفة عين لو أوقفته على حقيقة كل لفظة منها، يخرج هكذا: "لأن الزمان غير الزمان، والعقول غير العقول، والظروف العامة التي يعيشها الناس في زماننا بخلاف الظروف العامة التي عاشها الذين سبقونا .... الخ!" فان رجت تستوضح منه حقيقة هذه الفروق وطبيعة تأثيرها على القواعد الكلية في دين الله وعن المسائل الفرعية التي يرى هو وأمثاله أنها لم تعد أحكامها تتوافق مع العصر الذي نحن فيه، وجدته لا يخرج لك الا هراءا وكلاما لا يقول به من عنده أدنى ضبط لقواعد الشريعة المحكمة، وللفرق بين الثوابت المجمع عليها والتي تواترت أدلتها، وبين المسائل التي تتفرع عليها ويختلف الاجتهاد في ذلك التفريع نفسه لا في تلك الأصول المتواترة!!
    وتأمل اذ يقول: "أو قد نص على علتها لكن لا تبدو هذه العلة مستساغة في ظاهرها لتناقضها مع نظائر أخرى في التشريع" قلت هذا سوء اصطلاح واضح من الكاتب! ذلك أن اطلاقنا لعبارة "نص عليها" دون قيد، لا يفهم منها الا أن النص عليها جاء في نصوص الوحي، لا في اجتهادات أهل العلم وكتب الفقهاء! فحاصل ذلك أن ينسب الرجل - بقلة تدقيقه الاصطلاحي فيما يكتب - التناقض الى الشريعة نفسها، ما بين ما هو منصوص عليه - هكذا - من العلل، وغيره مما هو مستقر في أحكام شرعية أخرى نظيرة له!!
    ويمضي في كلام مجمل لا اشكال فيه ان حسن تطبيقه، حتى يأتي الى قوله: "أما التعمية على المسألة وإنكار الإشكال فيها أو طرح التساؤل حولها سيجعلها في إطار الشكوك والحيرة لدى المسلم، وقد يدرج المسلمون على ذلك قروناً دون أن يتنبه إلى خلفية الحكم وأبعاده، وهذه هي مسؤولية الاجتهاد المعاصر أن يبحث في تلك المسائل التي يبدو الحكم فيها مثار قلق رغم الالتزام به ."
    فتأمل كيف يعمم ولا يقرر الفرق الضروري بين ما درج عليه المسلمون قرونا لأنه محل اجماع قولي وعملي ولا نزاع فيه في القرون الفاضلة وما تلاها، فلا يسوغ أن يستحدث فيه نزاع تحت أي مسمً أو تبرير أيا كان، وبين ما درج عليه المسلمون جهلا وتقليدا دون تأمل في أدلته ومناطات الحكم فيه، وهو الأمر الذي يذم به العامة الجهلاء ومن كان في حكمهم من المتسبين الى العلم الغارقين في التقليد المذموم، أما المجتهد الضابط لآلته على أصولها المتفق عليها، الفاهم لمقاصد التشريع الذي لا تحركه أهواء نفسه، فهذا لا يخشى عليه من الانجراف في تيارات التقليد وان صارت الدنيا كلها من حوله تقلد كالعميان! فقوله "المسائل التي يبدو الالتزام بها مثار قلق رغم الالتزام بها" هذا قول مجمل شديد الفساد، ولا يقال بأن الاجتهاد المعاصر سيؤدي بالمسلمين الى فهم صحيح لم يكن ليقع مثله عند المجتهدين ممن تقدموا عليهم من القرون الماضية، لأن هذا تجهيل لقرون الأمة ينزه عن القول بمثله من له اشتغال بالعلوم الشرعية!
    وهكذا هم "المقاصديون" .. تنكشف "مقاصدهم" وغاياتهم بمجرد أن يخلعوا عنهم لباس الكلام النظري المرسل ويبدأوا في ضرب الأمثلة!!!
    يقول الدكتور:
    "ولئلا يبقى الكلام نظرياً وعاماً أضرب مثلاً واقعياً من خلال مسألة يصل الحكم فيها إلى درجة لعن الفاعل، وهي شائعة بين المسلمين إلى درجة كبيرة، وهي مضمون ما ورد في صحيح مسلم عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:"لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله"، فالحكم المأخوذ من هذا الحديث هو تحريم أنواع من التجمل كوصل الشعر وتفريق الأسنان وإزالة الشعر من الوجه والوشم، وفعل كل ذلك للغير، وترتبط الحكمة في تحريم ما ذكر بأنه تغيير لخلق الله.
    والتساؤل الذي يدور في الأذهان أليس التجمل للزوج وبين المحارم من المباحات بل المندوبات، فلم حرمت هذه الأنواع من التجمل؟ وإن كانت علة التحريم هي كونها تغيير خلق الله فكيف تكون إزالة الشعر تغييراً لخلق الله وقد أمر الشارع بإزالة الشعر من أماكن أخرى؟ بل كيف لا يكون الختان تغييراً للخلق وتكون إزالة الشعر من الوجه أو وصل شعر الرأس أو الرسم على البشرة من تغيير الخلق؟"


    قلت أيها الدكتور، نجيبك بحول الله وقوته جوابا يزيل الشبهة من نفسك، ويعينك على قبول الخضوع للأحكام الشرعية التي لا نزاع فيها من القرون الأولى والى يوم الناس هذا!!!
    فنقول بحول الله: نعم، النمص تغيير لخلق الله، وكذا الاستحداد ونتف الابط والختان.. هذا تغيير وذاك تغيير، والأول منهي عنه وهو من الكبائر، بينما الثاني مندوب اليه ومن سنن الفطرة! وخرق الأذن للقرط مسكوت عنه، فهو صورة ثالثة وحكم ثالث! وواجب المسلم الذي صدق في تسليم قلبه لله ألا يأتيه نهي الا التزم به وان لم يفهم علته أو حكمه! ومع ذلك وحتى يقتنع عبدة عقولهم - هداهم الله جميعا -، نقول أن من حكمة الله تعالى أن يبتلي الانسان في جسده بأعمال يتنوع فيها الحكم ما بين النهي والاباحة والاستحباب بل والوجوب! هذا من جملة مقاصد الابتلاء بالتشريع .. وهو مقصد لا يكاد يبصره المقاصديون هؤلاء! فلهذه الحكمة خلق الله في جسد الانسان أشياء تؤذي صاحبها لو تركها دون عناية بها، ليبتليه بالأمر بتعاهدها من نفسه.. وفيما عدا هذه الأمور - أعني صور التغيير المنهي عنها والمباحة والمندوبة والتي جاء النص عليها - فان الأصل ابقاء خلقة الانسان على أصلها، - كما يفهم من النصوص كذلك - وعلى رأس الخلقة يأتي الوجه، والذي هو صورة الانسان، فالعبث فيه يغير صورة الانسان التي لها حرمتها الخاصة، وهو أشد تحريما من غيره (وهي من العلل التي تؤخذ أيضا من تحريم حلق اللحية والمساس بها، وصيانة الوجه عموما)، فعليه يفهم أن كل تغيير للخلقة بخلاف ما أمر به الشارع فانه ممنوع!
    وبهذا لا يكون هناك اشكال عند العقلاء! فمن أكرمه الله بالقدرة على تحقيق هذا الفهم ونحوه دون العدوان على النصوص بدعوى أن دلالات تلك الأحكام ليست ملزمة وأن نظر الناظر "المعاصر" في الكليات "المعاصرة" قد يورث لها فهما جديدا، من سلم من ذلك وتجرد من الهوى، فانه يتمكن من ربط الجزئيات بالكليات ربطا صحيحا، ولا يرى تنافرا ولا تناقضا يحمله على فتح الباب "للمعاصرين" ليدخلوا الى أصول الفقه بشبهاتهم ونقص عقولهم وضعف أفهامهم ليفسدوا الدين، فيوقفوا أحكاما جزئية قد تكون محل اجماع ولم يخالف فيها أحد في طول تاريخ الأمة وعرضه، بدعوى أنها تتعارض مع كليات الشريعة، والواقع أنها لم تتعارض الا مع رأسه السقيم وفهمه العليل، ولا حول ولا قوة الا بالله! فاللهم احفظ جناب الدين من عبث العابثين والعصرانيين! آمين..
    وتأمل قول الدكتور هداه الله: "هذه التساؤلات مشروعة بل أساسية في تمحيص مناط التحريم وتحديد مفهوم تغيير الخلق الذي ارتبط به الحكم"
    قلنا هنا خلط واضح بين استخراج العلة والتي هي مناط التحريم، والتي يدور الحكم معها وجودا وعدما، وبين فهم الحكمة والمقصد من ذلك الحكم وعلته .. وهذا الخلط الخطير حقيقة يتسبب في اجتراء كثير من الأقزام على الأحكام الجزئية تعطيلا وابطالا بدعوى أن علتها - والتي هي في الحقيقة ليست علتها وانما فهم الرجل للحكمة والمقصد من الحكم - قد زالت أو لم تعد كما فهمها الأولون!!! فالى الله المشتكى!
    ونقول ولنفرض أني لم أوفق الى جواب على هذه التساؤلات التي يصفها الكاتب هنا بأنها "أساسية" - وهذا اللفظ خطأ لغة، والصواب: أساس - فكان ماذا؟ أمتنع عن العمل بالحكم حتى أجد الجواب الذي يقتنع به عقلي؟؟
    أما هذا التأويل لعلة النهي عن الوشم والنمص وغيره الذي جاء في هذا النقل: "وأحسب تأويله أن الغرض منه النهي عن سمات كانت تعد من سمات العواهر في ذلك العهد أو من سمات المشركات وإلا فلو فرضنا هذه منهياً عنها لما بلغ النهي إلى حد لعن فاعلات ذلك" = هذا مردود لأنه قيد للنص العام لا يثبت بدليل صحيح ولم يقل به أحد من السلف، ولو كان الأمر مناطه منع التشبه بالفاجرات والعاهرات، لوجدنا النص عليه في فهم السلف والأئمة، ولأفتى منهم من أفتى في الأمصار المترامية وفي الأعصار التي تلت زمان الوحي = بجواز الوشم والنمص والفلج لانتفاء العلة عندهم، وهي تميز العاهرات بمثل هذا الفعل كما يدعي قائله، فهذا لم يكن، ولم يثبت لهذه العلة دليل، فكيف يرد بها ما اتفقت عليه الأمة والتي معلوم أنها لا تجمع على ضلالة؟؟؟
    وأنا أعجب حقيقة من هذه الثقة التي يتكلم بها ابن عاشور في قوله: "وأنا أجزم بأن ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان كذلك ورد عنه إنما أردا به ما كان من ذلك شعاراً لرقة عفاف نساء معلومات" .. فمن أين له بهذا الجزم؟ هلا أثارة من دليل معتبر يرقى للاستدلال به في تقييد عموم نهي عظيم، الواقع فيه داخل في لعنة الله؟
    ثم يدلف الكاتب الى اتهام من يخالفون هذا الفهم وهذه الطريقة في التعامل مع النصوص بالسطحية وكذا، ويضرب المثل على ضرورة فهم العلل من الأحكام بحديث لا نخالفه فيما فهم منه بحال من الأحوال! ولكن السؤال هو: هلا نظرتم قبل التعامل بهذه الطريقة مع أحكام الشرع، في حال السلف من تلك الأحكام وما اذا كانت محل اتفاق أو اجماع أو لا، وما اذا كان لكم سلف في تلك القضايا القديمة التي وعاها السلف ولم يخرج الحق - بالضرورة - عن أقوالهم فيها، والتي لم يتركوا فيها محل قدم لغيرهم ممن جاء بعدهم؟؟ هذه هي المشكلة! أن هذا المنهج نحن نقول به ونقره ونقبله بشرط ألا يهدم ما بناه الأولون، ولا يأتي بقول خارق لأقوالهم خارج عليها، غير مسبوق اليه!! والا فتجهيل السابقين واخراج الحق عن جملة أقوالهم وعما جرى به عمل المسلمين جميعا لقرون طويلة، بدعوى أن علة كثير من الأحكام كانت خافية عليهم جميعا حتى جاء ابن عاشور وغيره فاكتشفوها بعد بضعة عشر قرنا من الزمان، فأعادوا بها توجيه النصوص والأحكام، فهذا باطل مردود لا نقبله ولا نقول به بحال، والله أعلى وأعلم، والحمد لله رب العالمين.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: تفعيل المقاصد في فهم النصوص وتعقل الأحكام

    وراجعوا مشكورين - غير مأمورين - هذا المقال:
    http://majles.alukah.net/showthread.php?t=19037
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •