رحلوا، نسوك، وجدوا بديلا.. بقيت، تمسكت، عبثا سعيت لتكمل!
أسماء أشرف





ظننت أنك قادر على إعادة كلِّ شيء كما كان... كنت تعتقد أن أمرك يهمُّهم، وأنهم وإن رحلوا سيعودون؛ لأنك تحبهم، ولأن شيئًا منك ما زال عالقًا بقلبهم، ولأن الدنيا جمعتكم قبلًا، ولأن بينكم ذكرى، وإن لم تكن جميعها حسنةً؛ آمنت بأن النهاية لم تأتِ بعدُ!

تفكِّر أنهم راحلون بلا عودة، فيبدأ قلبك بالارتجاف، وعلى إثره يرتجف كلُّ بدنك... ترتجف والشمسُ تقف فوقك علَّها تدفئ نفسك، فتهدأ وتسكن، لكن عبثًا... لا شيء يجدي نفعًا، لا أحد بوسعه انتشالك من خراب عالمك!
عالمك... قبلًا كان هادئًا يحوي دفء الربيع وإزهاره، وجمال برد الشتاء وأمطاره، وبه بعضٌ من صيف حار، وخريف يسقط أوراقه!
ذلك قبل "مجيئهم".

عندما جاؤوا، اضطرب عالمك واهتزَّ... أصابته الزلازل والعواصف، ولكنك بغبائك أحببتها، وبقيت تنتظرها وتسعى لها، يعجبك ذاك الشعور؛ لدرجة أنك لم تلحظ الدمار الذي تحدثه، أو بالأحرى لاحظته لكنك آثرت مُتعتَك المؤقتة التي تشعرها أثناء تلك الكوارث، وتركتها تنمو وتكبر، فأصبحت الزلازل أقوى حيث معها تُخسف الأرض وتنفجر البراكين، وأصبحت العواصف أعاصيرَ ورياحًا عاتية لا تُبقي ولا تذر!

خربت عالمك...
ربما أنت لم تكن تدرك بعدُ أن هذا يدمر عالمك، لم تكن تعي كيف لهذا الإحساس الرائع أن يكون مدمرًا، كنت ترى الدمار وترفضه بقوة، لكن كانت هناك قوة أكبر تربطك بتلك الكوارث... لا تريدك أن تنفك عنها؛ حتى إنك أدمنتها!
عندما دمِّر عالمك، توقَّفَت تلك العواصف!

وسقطتَ أنت في حفر الواقع؛ حيث رأيت كلَّ ما حولك دمِّر، رأيت أزهارك اجتُثت من أماكنها، رأيت مسجدك هُدم، رأيت أحلامك تتساقط فوقك الواحدة تلو الأخرى؛ لتزيدك حسرة فوق حسرة!
خارت قواك، وبات عالمك ينهار، وأنت تقف بلا حيلة تنظر بذهول إلى الدمار من حولك، إلى ما صنعته يداك!

"اهرب"، عليك أن تهرب، ما عاد عالمك قابلًا للإصلاح!
تحاول أن تهرب؟! تقوم وتعْدُو وأنت تتلفت حولك، ولا تصدِّق أن ذلك يحدث، أحقًّا ذلك الشيء الرائع هو مَن فعل ذلك؟!
للحق! إنك تشتاق إليه، تريده أن يعود، أنت لا تصدق... تريد أن تسأله، وتريده أن يخبرك: أنه لم يفعل!
أنت تنهار وتقع، تتخبط في عالمك تائهًا، حائرًا، تتبعك خيبتك وندمك وصدمتك في كل شيء.
"يا ليتني مِتُّ قبل هذا!": صوت ما بداخلك يدعوك للموت...

فجأة تتضح الرؤية، فترى الأيدي التي ظننتها ستؤلمك ممتدة لك تريد مساعدتك، تسعى لها، تريد التشبث بها؛ علك تنجو، لكن هيهات... إنها تختفي يأسًا منك بعد أن بالكاد لاحظتها!
لقد خارت قواك، ما عدت تستطيع الهروب!

إنك خائف وأنت ترى الدمار يعدو نحوك يريد ابتلاعك... تتمالك نفسك، وتُجمع قواك، تركض وتركض، ثم ما تلبث أن تسقط إثر الذكرى... تذكر من أحببت وتركك هائمًا على وجهك مدمرًا عالمك... ترجوه: أنْ ساعدني، لكن صوتك لا يصل!
هأنت تبكي...
تبكي عالمك، تبكي حبَّك، تبكي شوقك، تبكي قلبك الداميَ، تبكيهم... وترثي أحلامك!

تقاتل لتركض وتركض، فتصل وتنجح في الهرب.. تلتفت لتجد الخراب، لم يبقَ شيء سوى الذكرى وغيمة حزن...
الآن لقد انتهى كلُّ شيء.
عليك البدء من جديد في عالم جديد مزهرٍ ربيعُه، وجميلٍ بردُه، وبه بعض من صيف حار، وخريف يسقط أوراقه... يُشبه عالمك، لكنك لا تُشبه من عاش به.