السهم المارق في الرد على من زعم أن الكتاني سارق (1/2)
المجلس الأول :
عندما كنت أقرأ الكتاب العظيم الفذ المسمى " التراتيب الإدارية " لعبد الحي الكتاني ، وأسجل ما احتوى عليه هذا الكتاب من فوائد ونواد ، وملح .. ، حيث احتوى على فوائد ونوادر قلّ أن تجدها في كتاب آخر .
فهو كتاب يعتني بتسطير الأسس والخطط ، والطرق التي سِير عليها في الدولة الإسلامية في العهد النبوي ـ ، الذي يظهر من خلاله على الحضارة الإسلامية ، مما فيه رد على الذين ينفون أن يكون للإسلام حضارة ، ومدنية تذكر ، فهو دين روحي ، غير صالح للسياسة.
فهو كتاب فيه جملة من المعارف والفوائد والملح تشرئب إلى معرفتها أنفس الطالبين ، وترتاح بمذاكرتها قلوب المتأدبين ..
ولأهمية قراءة هذا الكتاب ، كنت أحث على قراءته ، لاسيما أخواني من طلبة العلم .
ولتقف على أهمية هذا الكتاب انظر كتب فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ـ شفاه الله ، فهو كثير ما ينقل منه ، ويحيل إليه .
وإن كنت اشتقت على ما احتواه هذا السفر المبارك من هذه النوادر والفوائد والملح انظر الرابط التالي ، فقد جمعتها هنالك :
http://majles.alukah.net/showthread.php?pوأنا على هذا الحالة بدأت أسمع مقولة ، بأن هذا الكتاب هو كتاب " الدلالات السمعية " للخزاعي ، وقد سلخه عبد الحي الكتاني ، فهو كتاب يعد من الكتب المسروقة .
فهذه المقولة وللأسف الشديد ، قد ذكرت في بعض الملتقيات العلمية ، فهذا أحدهم يقول : يقول المتخصصون بأن هذا الكتاب هو كتاب الدلالات السمعية للخزاعي وقد سلخه عبد الحي الكتاني بحذافيره ونسبه لنفسه فتفطن لذلك .
ومع هذه التهمة الخاطئة ، يوصي الآخرين بها للحذر . وينسبها إلى المختصين ! .
وآخر يقول : قد سرقه عبد الحي الكتاني كعادته ، ونسبه لنفسه ، فاتبه لذلك .
ومع هذه التهمة التي يترفع عنها المسلم فضلاً عمن ينتسب للعلم ، تجده يشير أن الكتاني ديدنه سرقة كتب وبحوث الغير ثم ينسبها له .
ومع بشاعة هذه المقولة ووضوحها فقد تلقفها البعض بلا تروي ؛ إلا أن المبتدئين في طلب العلم فضلاً على من قطع مشاوراً في الطلب لا تنطلي عليهم مثل هذه الترهات ، والتهم الملفقة ، فهم يعلمون كذب هذه المقولة وجنوحها عن الصراط السوي .
ولهذا لما ذكر هذه المقولة بعض الأخوة هداهم الله في الملتقى المبارك " ملتقى أهل الحديث " قوبلت بالرفض ، وطالب البعض مَنْ ذكر هذه المقولة بتقوى الله ، والابتعاد عن مثل هذا الكلام ، انظر الرابط " ملتقى أهل الحديث منتدى التعريف بالكتب وطبعاتها وتحقيق التراث " .
والعجيب ممن تلقى هذه المقولة بالقبول ، أنه ينسبها إلى أهل الاختصاص ، فبأبسط وأسهل الطرق تستطيع معرفة صواب هذا النتيجة من خطأها ، وذلك بالمقارنة بين الكتابين ، فمن أول وهلة سيعرف بطلانها ، ولهذا سيتعجب البعض عند ذكر الأدلة على بطلانها ـ في المجلس القادم ـ كيف انطلت هذه المقولة على البعض .
وعند التنقيب والبحث عن مصدر هذه المقولة ، وجدت أن الزركلي في " الأعلام " (5/ 5) قال عندما ترجم علي بن محمد بن إبراهيم التملساني المعروف بالخازعي : عالم بالتفسير والحديث، من فقهاء الشافعية له تصانيف منها : " تخريج الدلالات السمعية، على ما كان في عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الحرف " ، اطلع عبد الحي الكتاني على نسخة منه غير تامة ، فأضاف إليها زيادات كثيرة ونسب الكتاب كله إليه، وسماه " التراتيب الإدارية " ط في مجلدين، وعلمت أن ما فات الكتاني من كتاب الخزاعي هو نحو ربعه ثم رأيت هذا الربع في إحدى خزائن تطوان الخاصة ونقلت عنه خزانة الرباط نسخة .
وقال في (6/ 188) عند ترجمة الكتاني له تآليف : منها (التراتيب الإدارية ) استوعب فيه كتاب (تخريج الدلالات السمعية) لأبي الحسن الخزاعي ، وزاد عليه أضعاف فصوله ، وقد فاته الإطلاع على جزء منه في نحو ربعه .
لكن عندما نطبق على هذا الكلام من الزركلي بدائيات التحقيق ، والتأكد من هذا الزعم ، سرعان ما يتهاوى ، ونجد أن الصواب ليس حليفه ، وأن واقع الكتابين عند المقارنة ، وقراءة مقدمة " التراتيب الإدارية " سيظهر بطلانه ، ولقد قمت بذلك بنفس ، مع أنّه في قرارة نفسي بطلانها ، لظهور ذلك من خلال قراءة كتاب الكتاني وحده ، إلا أن مثل هذه النتائج لا بد من ذكر البراهين والأدلة المادية لاختلاف أفهام الناس ، ولكي يطمئن قلب القارئ على نزاهة الكتاني من هذه التهمة .
وقبل ذكر هذه الأدلة والبراهين ؛ مقدمة لابد منها ، وهي أن من عُرف عنه العلم الشرعي ، وعدُ من عداد العلماء الصادقين ؛ فالأصل فيه النزاهة والأمانة والصدق ، وأنه بعيد كل البعد عن كل ما يقدح ويخدش هذه المنزلة والمكانة ، وينافيها ؛ إلا أن يثبت بدليل ما يجرحه ، وينافي هذا الأصل .
قال ابن عبد البر في " التمهيد" (1/ 28 ) : وكل حامل علم معروف العناية به ، فهو عدل محمول في أمره أبداً على العدالة حتى تتبين جرحته في حاله ، أو في كثرة غلطه لقوله صلى الله عليه وسلم : " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله "(1) .
وقال النووي في كتابه " تهذيب الأسماء واللغات " (1/ 21) : قال في الحديث " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين".
وهذا إخبار منه - صلى الله عليه وسلم - بصيانة العلم وحفظه وعدالة ناقليه ، وأن الله تعالى يوفق له في كل عصر خلفاء من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف وما بعده فلا يضيع ، وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر، وهكذا وقع ولله الحمد ، وهذا من أعلام النبوة ، ولا يضر مع هذا كون بعض الفساق يعرف شيئًا من العلم ، فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أن غيرهم لا يعرف شيئًا منه ، والله أعلم.
وقال ابن القيم على هذا الحديث : العبد يكون من حملة العلم ، فهو عدل بنص الكتاب والسنة . " الطرق الحكمية " ( ص 244 ) .
وقال ـ أيضاً ـ في " الصواعق المرسلة " (4/ 1343 ) : لمحدثون والفقهاء هؤلاء يروون أحاديث الشرع ، وينفون الكذب عن النقل ، ويحمون النقل عن الاختلاف ، والغلط وهؤلاء ينفون عن الأخبار تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، وهؤلاء هم الذين عدلهم النبي بقوله : " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله " فهم العدول على سائر الطوائف فقبل قولهم على الناس ولا يقبل قول الناس عليهم والخارج عن هؤلاء وإن خفقت بنوده وكثرت جموعه وسعى حتى ضرب له الدرهم والدينار وخطب باسمه على رؤوس المنابر لا تكون أموره إلا على المغالطة والمجالسة لأنه كالخارج على الملك الذي دانت له الرعايا ونفذ حكمه في البلاد فالخارج عليه لا يزال خائفا مستوحشا يخشى من أن يقابله الملك بقتال...........
وإيذاء هؤلاء العلماء إيذاءٌ لأولياء الله الصالحين ، ومن عاد ولياً لله فقد آذنه الله بالحرب ، فعن أبي هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في الحديث القدسي " من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب " أخرجه البخاري ، وغيره .
وأعظم إيذاء للعلماء اتهامهم بأمور يترفع عنها المسلم العامي كالسرقة ، والاختلاس ، والاعتداء على حقوق الغير .....
وغير خاف علينا كلام ابن عساكر الدمشقي في التحذير من لحوم العلماء : اعلم يا أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ؛ لأن الوقعية فيهم بما هم منه براءٌ أمره عظيم ، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم والاختلاف على من اختاره الله منهم لنشر العلم خلق ذميم . انظر " تبين كذب المفتري " (28) .
وبعد هذه العُجالة نتقل إلى ذكر هذه الأدلة والبراهين على بطلان تهمة الكتاني بسرقة كتابه " التراتيب الإدارية " ؛ دفاعاً عن أحد علماء الإسلام في المجلس القادم ـ إن شاء الله ـ .
رسم تعريف بالكتابين :
1) ـ اسم الكتاب " تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية " وهو المتقدم في التأليف
أبو الحسن علي بن محمد المعروف بالخزاعي التلمساني
المتوفى سنه 789هـ أندلسي الاصل
الأعلام للزركلي (5/ 6)
وصف عام للكتاب : طبع في مجلد واحد فاخر محقق أشرف على تحقيقه لجنة إحياء التراث الإسلامي التابعة لوزارة الأوقاف في مصر ، وعدد صفحاته مع الفهارس (880) مرتباً ترتيباً فائقاً بحرف كبير
2 ) اسم الكتاب " كتاب التراتيب الإدارية ، والعمالات والصناعات والمتاجر والحالة العلمية التي كانت على عهد تأسيس المدنية الإسلامية في المدينة المنورة العلية " اسم المؤلف : عبد الحي بن شمس محمد الحسني الإدريسي المعروف بعبد الحي الكتاني الفاسي
الأعلام للزركلي (6/ 188) . وصف عام للكتاب : طبع في مجلدين بخط صغير ومتقارب الأسطر ، وهي طبعة رديئة كثيرة الأخطاء ، ولم يذكر عليه الطابع ، وعدد صفحاته ( 948 صفحة )
=================
1ـ هذا الحديث حوله كلام طويل من حيث صحته ، وضعفه ، وكذا معنى الحديث هل هو إخبار ، أو أمر . ليس هذا موضعه ، لعله يكون هناك مناسبة آخر ليتيسر الكلام عنه