النكت على كتاب (الدليل المغني لشيوخ أبي الحسن الدارقطني)
لأبي الطيب نايف بن صلاح بن علي المنصوري
هذه نكت وتقييدات علقتها على كتاب (الدليل المغني لشيوخ أبي الحسن الدارقطني) لأبي الطيب نايف بن صلاح بن علي المنصوري، طال في بعضها البحث، فأحببت أن أطلع الإخوة الأفاضل عليها، رجاء الانتفاع بها، ومناقشتها، وإيصالها إلى المؤلف حفظه الله وبارك فيه.
وهذا الكتاب له ميزات كثيرة، منها:
1- أنه أول كتاب يجمع شيوخ الدارقطني على سبيل الاستقصاء، وإلا فقد جمع شيوخه في السنن خاصة الأستاذ عبدالله بن ضيف الله الرحيلي، ضمن دراسته الموسعة عن الدارقطني، الموسومة بـ (الإمام أبو الحسن الدارقطني وآثاره العلمية)، على ملاحظات فيه، بينها مؤلف (الدليل المغني) ص 22-25.
2- اهتم المؤلف بكتابين: (رجال الحاكم في المستدرك) و(تراجم رجال الدارقطني في سننه الذين لم يترجم لهم في التقريب ولا في رجال الحاكم)؛ لصلتهما بموضوعه أولا، ولصلته هو بمؤلفهما الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمة الله عليه ومن عمل معه فيهما، فاستفاد منهما، ووقف مع الكتاب الأخير أربع وقفات في المقدمة ص28-30، بين فيها ما ظهر له فيه من أوهام.
3- بين المؤلف عشرات الأخطاء والتصحيفات الواقعة في أسماء شيوخ الدارقطني في مصادر ترجمته، وفي كتبه المطبوعة، خاصة كتاب (السنن).
وأنا هنا لست بصدد سرد الميزات التي حازها هذا الكتاب الفذ، الذي لا يعرف قدره إلا من عايشه، وإنما أردت أن أسجل بعض الملاحظات، منها ما يتمم، ومنها ما يستدرك، ومنها ما ينتقد، وكل ذلك بحسب ما وقفت عليه، دون التفرغ لنقد الكتاب ومراجعته.
وأبدأ بالملاحظات العامة:
1- مع اعتماد المؤلف على تراث الدارقطني الموجود، إلا أنه لم يقف على ثلاثة أشياء منه:
الأول: كتاب (أربعون حديثا من مسند بريد بن عبدالله بن أبي بردة، عن جده أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه)، صرح المؤلف بذلك ص 56، لكن ليس في كتاب الأربعين هذا شيخ لم يترجم له المؤلف، حسب فهرس الشيوخ الذي صنعه المحقق. أما كتاب (الأربعون) الذي ذكره المؤلف بعد هذا، وصرح بأنه لم يقف عليه، فيظهر أنه هو الكتاب السابق، لكن بتحقيق آخر لم ينشر؛ لذا لم يعدّه المؤلف كتابا جديدا، لأنه عد كتب الدارقطني المطبوعة أربعة وعشرين، كما في ص 13.
الثاني: الأجزاء الموجودة من أصل كتاب (الأفراد والغرائب)، وهي خمسة أجزاء مخطوطة، طبع ثلاثة منها سنة 1428، ملحقة بطبعة التدمرية لكتاب (أطراف الغرائب والأفراد)، وذلك بعد تبييض المؤلف كتابه، ويبدو أن المؤلف اكتفى بالرجوع إلى (الأطراف)، مع أن في الأفراد الأصل زيادة فوائد لم يذكرها، ومعلوم أن ابن طاهر في الأطراف يختصر كلام الدارقطني، ويتصرف فيه.
الثالث: تكملة كتاب (العلل) التي لم يطبعها الشيخ محفوظ الرحمن السلفي رحمة الله عليه، وتشمل المجلدين الرابع والخامس من النسخة المصرية، فلم أجد إشارة إليها عند المؤلف، وقد طبعت هذه التكملة (12-16 مع الفهارس) آخر سنة 1427، بتحقيق الشيخ محمد بن صالح الدباسي.
2- يظهر أن المؤلف لم يقف على طبعتين لكتابين من مصادره المهمة:
الأولى: طبعة مؤسسة الرسالة للسنن، وهي طبعة مفيدة معتنى بها، وتوافق غالبا ما في إتحاف المهرة لابن حجر، على أوهام في فهرس الشيوخ في آخرها، وقفت عليها أثناء جردي له، لأني لم أجرد الكتاب كاملا، فهذا يستغرق وقتا طويلا.
الثانية: طبعة الدكتور بشار عواد لتاريخ بغداد، وهي أوفى من الطبعة القديمة، وفيها استدراكات لأسقاط عديدة، ومعلوم أن أغلب شيوخ الدارقطني مترجمون في هذا الكتاب.
3- يظهر من منهج المؤلف أنه لا يستقصي الكتب التي روى فيها الدارقطني عن الشيخ المترجم، وإنما يكتفي ببعضها، فلو روى الدارقطني عن شيخه في خمسة كتب اكتفى منها بواحد أو اثنين، ولعله أراد إثبات أن الدارقطني روى عن هذا الشيخ وحسب، ودلل على ذلك بذكر بعض كتبه. وكنت أطمح أن يسلك المؤلف طريقة الاستيعاب ما أمكن، فيذكر كل ما وقف عليه من رواية الدارقطني عن هذا الشيخ، فيقول: روى عنه الدارقطني في كتاب كذا برقم كذا وكذا، وفي كتاب كذا برقم كذا وكذا... ، بل كنت أود أن يورد شيوخ شيوخ الدارقطني أيضا بأرقام رواياتهم في كتب الدارقطني، على غرار ما فعله الشيخ أكرم بن محمد بن زيادة الفالوجي في (معجم شيوخ الطبري)، ولا يخفى ما في ذلك من الفوائد الجمة لطلاب العلم.
4- لم يعتن المؤلف بروايات الدارقطني في غير كتبه المطبوعة، إلا ما كان في (تاريخ بغداد)، أو نقله ابن طاهر في (أطراف الغرائب والأفراد)، وابن حجر في (لسان الميزان) عن (غرائب مالك) و(الأفراد)، كما صرح بذلك ص 13، ومن المعلوم أن للدارقطني كتبا مفقودة، وعنها نقول مبثوثة في كتب أهل العلم، ككتاب (التصحيف) و(غرائب مالك) و(المدبج)، وروايات متفرقة من كتب أخرى.
5- لم يعتن المؤلف عناية تامة بإيراد التسميات المتنوعة للشيوخ، ومن المعلوم حاجة طلاب العلم إلى استيعاب تلك التسميات، خاصة في الكنى والأبناء، حتى إني أحيانا أكاد أستدرك بعض الشيوخ، ثم أكتشف أنه مترجم في الكتاب بتسمية أخرى. وقد وقفت على جملة من هذا النوع، سأوردها إن شاء الله في محلها.
6- إذا ذكر المؤلف ترجمة بلا رقم[*]، لأن فيها اختصارا في التسمية أو تصحيفا أو خطأ في النسخ؛ لا يعتني بذكر المواضع التي جاءت فيها الترجمة على هذا النحو المختصَر أو المصحف أو الخطأ إلا قليلا، ويكتفي بالإحالة على الصواب فيها.
7- لم يضع فهرسا للألقاب والأنساب. ثم إن فهرسي الكنى والأبناء غير شاملين، وفي الأول خلل في الترتيب ظاهر.
8- لو رتب المؤلف كتابه على الطبقات أو الوفيات لكان أنفع في بيان تفاوت شيوخ الدارقطني، فمنهم عالي الإسناد، ومنهم من هو من أقران الدارقطني، ومنهم الذين أكثر عنهم الدارقطني، ومنهم من لم يرو عنه إلا المرة بعد المرة، وبعد هذا الترتيب يذكر في الترجمة التسميات المتعددة للمترجم أو الأخطاء والتصحيفات التي وقعت في اسمه في الكتب -إن وجدت-، ثم يصنع في آخره فهرسا بأسمائهم على حروف المعجم.
يتبع...