تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 32

الموضوع: التعامُلُ مع المبتدِعِ (تصحيحٌ لـمُمَـارساتِنا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة وفهم السلف

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    412

    افتراضي التعامُلُ مع المبتدِعِ (تصحيحٌ لـمُمَـارساتِنا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة وفهم السلف

    التعامُلُ مع المبتدِعِ
    بين رَدِّ بدعته ومُرَاعاةِ حُقوقِ إسلامِه
    (تصحيحٌ لـمُمَـارساتِنا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة وفهم السلف)

    د. الشريف حاتم العوني 20/3/1428
    08/04/2007



    الحمد لله ذي الجلال، والصلاة والسلام على الرسول وأزواجه والآل.
    أما بعد:
    فأهل البدع وأصحاب الفسق طائفتان مخالفتان لأهل الحق.
    وسوف أخص مقالي بإحدى الطائفتين, وهم المبتدعة, لغموض شأنها, ولقلّة التأصيل فيها.
    ولا شك أن لأهل البدع تقسيماتٍ عديدة، تختلف باختلاف مناط التقسيم.لكنَّ أهمَّ تقسيماتهم: ما يتعلق بالـحُكم عليهم إسلامًا وكفرًا، وإيمانًا وفسقًا؛ لأن هذا التقسيم هو الذي ستُبنَى عليه أحكامٌ كثيرةٌ فيما يتعلّق بحكم المبتدع في الدنيا، وحكمه في الآخرة أيضًا .
    والحكم على المبتدع بالإسلام أو الكفر, وبالإيمان أو الفسق, مرجعه إلى أمرين: إلى النظرِ في البدعة نفسها، والنظرِ في حال المبتدع نفسه.
    وبـيان ذلك: أن البدعةَ إمـا أن تـكون بدعةً كُـفْريـةً، أو غيرَ كُـفريـةٍ.والبد ـة الكُـفريـة: إما أن تكون مناقضةً لصريح دلالة الشهادتين(1), فهذه يُكَفَّرُ أصحابها على التعيين، ولا نعذرهم في أحكامنا عليهم بجهلٍ أو تأوّلٍ أو شُبْهةٍ.أو أن تكون البدعةُ الكُفريةُ غيرَ مناقضةٍ لصريح دلالة الشهادتين, لكنها تُعارِضُ أمرًا مقطوعًا به في الدين, وهذه يُمكنُ الإعذارُ فيها بالأعذار التي مرجعها إلى الجهل أوالخطأ، لكن إن أُقيمت الحجة على أصحابها (إقامةً صحيحة) فحينئذٍ يُمكن لأهل العلم تكفيرُهم(2).وإما أن تكون بدعتُهم بدعةً غيرَ كفريةٍ أصلاً, وهي التي لا تعارض أمرًا مقطوعًا به في الدين، فهذه لا يُكفَّرُ بها أحدٌ .. لا المتأوِّل ولا المعاند، لكنه قد يُفَسَّقُ إذا أُقيمت الحجة عليه، فتبيَّن إصراره وعنادُه .
    فهذه ثلاثة أقسام للبدعة، مع بيان أحوال أصحابها إيمانًا وفسقًا وكفرًا .
    وسأخصُّ هذا المقال بالمبتدع المسلم، وهو من كانت بدعته غيرَ كُفرية أصلاً، أو من كانت بدعتُه كفريةً، لكنها لا تناقِضُ دلالةَ الشهادتين، ولذلك يُعذر فيها بالجهل والخطأ، قبل إقامة الحجة الصحيحة عليه(3).
    فهؤلاء: تستحق بِدَعُهم التشديدَ في ردّها، والحرصَ على استيفاءِ بيانِ بطلانها، بكل ما من شأنه أن يحقق مصلحة قَمْعِ هذا الرأي الذي يُحرّف حقائقَ الدين؛ إذْ في كُلِّ بدعةٍ تحريفٌ لحقائق الدين، بحسب غلظها أو خفّتها(4).فيجب أن تُرَدَّ تلك البدع، بكل قوّة ووضوح، دون مداراة أو مجاملة (ما أمكن ذلك)، وبالوسائل الشرعية الممكنة جميعها.
    لكن هذا التشديدَ والغِلَظَ يخصّ البدعةَ نفسَها والرأي المبتدعَ عينَه، دون قائله وصاحبه، والذي هو غالبًا من المتأوّلين، الذين الأصل فيهم الإعذارُ بالجهل والشُّبَهِ الصارفةِ عن الحق.وتأوّلُ المبتدع (الذي يُعذَرُ معه عندنا في الظاهر) يستوجب أن يكون الأصلُ عدمَ التشديدِ عليه، بل ينبغي أن يكون إعذارُهُ واضحًا في تعاملنا معه، من جهة الرفق به وعدم تنفيره بالغلظة عن الحق وأهل الحق.ولا يصحُّ أن نُـقَرِّرَ إعذارَه، ثمّ نُغْفِلُ تقريرَنا هذا في منهج تعاملِنا معه.بل لا ننسى أن المبتدع قد يكون مأجورًا في بدعته (لا عليها)، ومن جهتين: من جهة أنه اجتهدَ فـأخـطأ، ومن جهة أنه قد يكون دَاعِـيْـهِ إلى البدعـة حُـبَّ الله تعالى وحبَّ رسولـه -صلى الله عليه وسلم-، كما قال شيخ الإسلام ابن تيميّة عمن يقيم بدعةَ المولد، وأنه يؤجر على محبّته للنبي (صلى الله عليه وسلم)، لا على بدعتـــه(5).
    بل الذي ينبغي علينا أن لا نَغْفُلَ عنه أبدًا تجاه المبتدع الذي لم يَـكْفُرْ، أي الذي لم يخرج عن الإسلام، أنّ حقوقَ المسلم على المسلم (التي بيّنتها نصوصُ الوحيين) تشمله، وله فيها ما لغيره من جميع المسلمين، سواء أفسّقْناهُ ببدعته(6)، أو كان عدلًا عندنا.فللمبتدع على السُّنّي أن يُوَفِّـيَهُ حقَّهُ الإسلاميَّ العامّ، الذي ألزمت النصوصُ به كلَّ مسلمٍ لكلِّ مسلمٍ لم يخرج عن الإسلام.ولا يجوز على السُّنّي أن يَنْتَقِصَ المبتدعَ حقًّا أوجبه اللهُ تعالى له بالآراء وحظوظ النفس أوبالـمُعَاداةِ والـمُباغضةِ غيرِ المنضبطة بالشرع(7)؛ إلا إذا كان للمبتدع إفسادٌ, فيُـنْـتَـقَصُ من حقوقه بقدْرِ ما يدفع إفسادَهُ(8)، دون تجاوُزٍ ولا اعتداءٍ على هذا القَدْر!!
    وهذا يعني أن عقوبة المبتدع حُكْمٌ مَصْلَحِيٌّ، ليس هو بالحكم الثابت في حقّ كل مبتدع. وإذا قلنا عن حُكمٍ ما: إنه مصلحي، فهذا يعني أنه لا يُشرَعُ العمل به إلا إذا علمنا أنه سيؤدّي إلى مصالحه، وإلا فلا يُشرَعُ العملُ به.ويعني أيضًا أنه لا يحق لكل أحد أن يقرِّر مشروعيته، ولكنّ تقريرَ ذلك محصورٌ في أهل العدل والتحرير من أهل العلم .
    وخلاصة ذلك: أن عقوبةَ المبتدع خلافُ الأصل الذي نرجع إليه عند عدم العلم بحصولِ المصلحةِ المرجوّةِ من العقوبة، وهذا الأصلُ المرجوعُ إليه حينها هو: أنه مسلمٌ، له ما للمسلمين من الحقوق.كما نَخْلُصُ من ذلك أيضًا: بأن مشروعيةَ عقوبةِ المبتدع تختلفُ من شخصٍ إلى شخص، ومن حالٍ إلى حال، وأن هذه العقوبة أيضًا مَظِنّةُ اختلافٍ بين أهل العلم: فهذا يرى عقوبةَ مبتدعٍ معيّنٍ لتحقُّقِ المصلحة منها عنده، والآخر لا يرى عقوبته لعدم تحقُّقِ المصلحة منها عنده، فلا يسوغُ الإنكار على أحدهما قبل أن نُثبِتَ له خطأه.
    وأما من ظن أن البدعة وحدها تستوجبُ عقوبةَ صاحبِها مطلقًا، فأباح لنفسه أن ينتقص من حقوق المسلم المبتدِعِ ما شاء من حقوقِهِ الثابتةِ له بالإسلام، فقد أخطأ خطأً بيِّـنًا, وأوشك أن يستوجب عقوبةَ خالقِه على ظُلمه واعتدائه .
    وسأضرب هنا مَـثَلًا بأحد أظهر الحقوق التي يُظَـنُّ أنها مُـنْـتَـقَصَةٌ من الحقوق الإسلاميّة للمبتدع ، ألا وهو تحريم هجر المسلم فوق ثلاثة أيام، لقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاثِ ليالٍ، يلتقيان فَـيُـعْرِضُ هذا ويُعرضُ هذا، وخيرُهما الذي يبدأ صاحبَه بالسلام»(9).
    فقد تعارضتِ الأقوالُ والمذاهبُ المنسوبةُ إلى السلف في هجر المبتدع، فلا يصحُّ بعد هذا التعارُضِ أن أنقلَها دون تحرير.
    ومن أهمّ ما أُذكِّرُ به لتحرير مذاهب السلف في مسألة هجر المبتدع: ما سنثبته قريبا (إن شاء الله) من أن المسلمين من أهل البدع عند السلف مقبولو الشهادةِ والرواية، وهذا يدل على أنهم عدولٌ عندهم، فلا يصح أن أُقَرّر هذا الأصل عن السلف ثم أنقضُه بقولٍ أنسبُه إليهم، بأن أدّعي أن حكمَ التعامل مع المبتدع عندهم هو هجرُه مطلقًا؛ لأن هذا يُناقضُ ما دلَّ عليه موقفُ السلف الذي قرَّرَ أن من أهل البدع مَن يكون عدلا مؤمنًا عندهم، بدليل قبولهم شهادةَ أهلِ البدع وروايتِهم، ويعارضُ (قبل ذلك) حُكمَ السلف (وحُكمَنا) لأهل البدع بالإسلامِ، ويعارضُ أيضًا إعذارَهم بالتأوّل.
    وقد تأتي عباراتٌ عن السلف في هذا الباب قد يظنها بعضُنا متناقضة، وقد يكون التناقُضُ في فهمنا لها، لا في تلك العبارات! فيعمد بعضُنا إلى انتقاء ما يريد، وترك ما لا يريد، لا لعدم اطلاعه على ما لا يرتضيه، ولا لكونه قد وجّهَ ما لا يرتضيه توجيها سائغا على ما وَفْقِ ما يرتضيه، ولكنه أغفله وتَعَامَى عنه لأنه لا يرتضيه فقط!!
    ومن أمثلة ما جاء عن أئمة السنة الذين اختَلفَ النقلُ عنهم في شأن هجر المبتدع: ما جاء عن الإمامِ أحمد (عليه رحمة ُالله) (10).فلا يصحُّ أن أنتقي من أقواله ما أهوى دون ما لا أهوى، ولا أن أنسب إليه مذهبًا بناءً على قولٍ دون موازنته ببقية أقواله.
    وممن حرّر مذهب الإمام أحمد في شأن هجر المبتدع: شيخُ الإسلام ابن تيمية، حيث ذهب هو أولاً إلى أن هجرَ المبتدعِ خاضعٌ حُكمُه للمصلحة(11)، بل قال (رحمه الله): « وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين: في قوّتهم وضعفهم، وقلّتهم وكثرتهم؛ فإن المقصودَ به زَجْرُ المهجورِ وتأديبُـهُ, ورجوعُ العامة عن مِثْلِ حاله.فإن كانت المصلحة في ذلك راجحةً، بحيث يُفضي هجرُهُ إلى ضعف الشرّ وخِفْيتِه، كان مشروعًا.وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشرّ، والهاجرُ ضعيفٌ، بحيث يكون مفسدةُ ذلك راجحةً على مصلحته، لم يُشرع الهجر؛ بل يكون التأليفُ لبعض الناس أنفعَ من الهجر، والهجرُ لبعض الناس أنفعَ من التأليف ...(ثم استدلّ لذلك، إلى أن قال وجواب الأئمة كأحمدَ وغيرِه في هذا الباب مبنيٌّ على هذا الأصل.ولهذا كان يُفرِّقُ بين الأماكنِ التي كثُرت فيها البدع ,كما كَثُرَ القَدَرُ في البصرة, والتجهُّم(12) بخراسان، والتشيُّعُ بالكوفة، وبين ما ليس كذلك ...» (13) .
    وتحريرُ ابنِ تيمية لمذهبه هذا، و الذي نسبه إلى أئمة الإسلام قاطبةً، وإلى الإمام أحمد خاصةً، مرجِّحًا فيه أن مشروعيةَ هجرِ المبتدع ترجعُ إلى المصلحة = تحريرٌ يجعل هجرَ المبتدع كهجر السُّنّي سواءً بسواء؛ لأن هجرَ السُّني أيضًا قد يجوز أو يجبُ لمصلحة دينيةٍ؛ والأصل في هجرهما عدم الجواز؛ لعموم النصِّ الناهي عن هجر المسلم فوق ثلاث؛ إلا إذا دعت مصلحةٌ دينيةٌ ظاهرةٌ إليه .
    ومثالٌ آخر للحقوق التي يُظَنُّ أنها مُنـتَقَصةٌ من الحقِّ الإسلاميِّ العامِّ للمبتدع، بسبب الفهم القاصر لبعض عبارات السلف: ما يُمكنُ أن نفهمه من عبارةٍ للإمام مالكٍ (رحمه الله)، أنه قال عن القدرية: « لا يُصلَّى عليهم، ولا يُسلَّم على أهل القدر، ولا على أهل الأهواء جميعهم، ولا يُصلَّى خلفَهم، ولا تُـقْـبَلُ شهادتهم ».ولكن انظر كيف فَهِمَ العلماءُ هذه العبارة، فقد فسَّرها الإمامُ المُحرِّرُ أبو عمر ابن عبد البرّ بما يراه حريًّا بمذهب الإمام مالك، فقال: « أما قوله: لا يُصَلَّى خلفهم، فإن الإمامة يُتخيَّرُ لها أهلُ الكمال في الدين من أهل التلاوة والفقه، هذا في الإمام الراتب(14).وأما قوله: لا يُصَلَّى عليهم، فإنه يريد لا يُصلِّي عليهم أئمةُ الدين وأهلُ العلم؛ لأن ذلك زجرٌ لهم وخزيٌ؛ لابتداعهم، رجاءَ أن ينتهوا عن مذهبهم، وكذلك تركُ ابتداءِ السلام عليهم.وأما أن تُتركَ الصلاةُ عليهم جُملةً إذا ماتوا, فلا، بل السنةُ الـمُجْتَمَعُ عليها أن يُصلَّى على كل من قال: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، مبتدعًا كان، أو مرتكبًا للكبائر(15). ولا أعلم أحدًا من فقهاء الأمصار أئمةِ الفتوى يقول في ذلك بقول مالك.وقد ذكرنا أقاويلَ العلماء في قبول شهاداتهم، في كتاب الشهادات، وأن مالكًا شذَّ عنهم في ذلك؛ إلا أحمد بن حنبل، قال: ما تُعجبني شهادة الجهمية ولا الرافضة ولا القدرية، قال إسحاق: وكذلك كل صاحب بدعة(16) ...» (17).
    ويحق لابن عبد البر أن يتأوَّل عبارات الإمام مالكٍ، لا لكونه عالـمًا بمذهبه فقط، ولا لكون ظاهر مقالته خطأً جليًّا يُنزّهُ الإمامُ عن مثله، ولا لكونه قولا شاذًّا عن مذاهب العلماء (حسب تعبير ابن عبد البر)، بل لكونه يعارضُ أقوالاً ومواقفَ أخرى للإمام مالك! من مثل قوله، وقد سُئل: «كيف رويتَ عن داود بن الحصين، وثور بن زيد، وغيرهم، وكانوا يُرمون بالقدر؟ فقال: إنهم كانوا لأن يخرُّوا من السماء إلى الأرض أسهل عليهم من أن يكذبوا »(18).
    فما ذكره الإمام مالك من ذلك التشديدِ على أهل البدع إنما هو تأديبٌ لهم، فلا يُشرَعُ إلا إذا ظن العلماءُ المحرّرون (لا كل أحد) أن ذلك التشديدَ سيُؤدّبهم ويردعهم، أو كان لهم إفسادٌ لا يُدفَعُ إلا بتلك العقوبات التي يُحدِّدُها العلماءُ وحدهم أيضًا.وهذا يعني أن تلك العقوبات ليست هي الأصل في التعامل مع أهل البدع، إلا إذا كانت مؤدّيةً لمصالحِها, وأنهم في ذلك كالمسلم العاصي تمامًا، فلا يُـختَصُّ أهلُ البدع بتلك الأحكام! وإنما خصّهم مالكٌ وغيره من السلف بالذكر أحيانًا؛ لأن تأوُّلَ المبتدعِ وصلاحَه قد يُظَنُّ معه أن إيقاع ذلك التعزيرِ به غيرُ جائز مطلقًا .
    وهذا هو صريحُ تقريرِ شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا، حيث قال: « والتعزير لمن ظهر منه تركُ الواجبات وفعل المحرّمات، كتارك الصلاة والتظاهُرِ بالمظالم والفواحش، والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدع.وهذا حقيقة قول السلف والأئمة: إن الدُّعاة إلى البدع لا تُقبل شهادتهم، ولا يُصلَّى خلفهم، ولا يؤخذ عنهم العلم، ولا يُناكَحون.فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا؛ ولهذا فرّقوا بين الداعية وغير الداعية(19)؛ لأن الداعية أظهر المنكرات، فاستحقّ العقوبة، بخلاف الكاتم، فإنه ليس شرًّا من المنافقين الذين كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يقبَلُ علانيتهم، ويكِلُ سرائرَهم إلى الله ...» (20)، ثم صرّحَ عَقِبَ هذا الكلام أن مناطَ ذلك راجعٌ إلى المصلحة المترتِّبة عليه، في كلامه المنقول آنفًا عن الهجر .
    وبسبب أمثال تلك العبارات التي تحتاج إلى تريّثٍ وعلمٍ لفهمها، وتحتاج آحادُها إلى عرضٍ على الكتاب والسنة، جاء الخطأ في تعاملنا مع المبتدع.وتَرسَّ َ هذا الخطأُ أيضًا بسبب الخلط بين أمرين: أمرِ خطورةِ البدعة على الدين, وأمرِ منهجِ التعامل مع صاحب البدعة، الذي نُقرِّرُ أن الأصلَ فيه التأوّلُ الذي يُعذَرُ صاحبُه ويُؤجَر؛ وما كان ينبغي أن نخلط بين هذين الأمرين!!
    ولا شك أنّ الانفصالَ التّامَّ بين البدعةِ و المتلبِّسِ بها غيرُ مُمكنٍ وغيرُ صحيح؛ ولذلك إذا انضمّت إلى البدعة دعوةٌ إليها، ومعاداةٌ لأهل السنة المخالفين للبدعة = استحقّ هذا الداعي من التشديد عليه بقدر ما يدفع إفسادَه، مع اعتقادنا (وثبوت هذا الاعتقاد) أنه قد يكون معذورًا مأجورًا في واقع الحال؛ لتأوّله وللشُّبَهِ التي عنده.فدَفْعُ الإفسادِ شيءٌ، وحُكمُ صاحبِهِ من جهة الإعذار شيءٌ آخر .
    وهذا التقرير (أعود فأقول): إنه يعني أن التشديدَ مع أهل البدع خلافُ الأصل فيهم (وهذا أوّلاً)، (وثانيًا): أنّ التشديدَ معهم ينبغي أن يكون بالقَدْرِ الذي نظنّ أنه سيُصلحه(21) أو يدفع إفسادَه، دون مجاوزة هذا الحدّ؛ لأنه ما زال مسلمًا.وإذا كان صاحبَ تَدَيُّنٍ وتعظيمٍ لحرمات الدين مع بدعته، فهذا يستحق من هذه الجهة ما يستحقُّهُ المؤمنون من الإكرام وحفظ الحقوق.(وثالثاً): أن الموازنة بين: صلاح المبتدع وعصيانه (من غير وجه البدعة)، وبدعتِه غلظةً وخِفّةً، ودرجة إعذاره(22)، وإن كان له إفسادٌ ببدعته (دعوةً أو قتالًا عليها) أو ليس له إفساد ببدعته = فالموازنة بين هذه الأمور الأربعة، مع ما يثبتُ للمبتدع غير المكفَّر (أي المسلم) من حق الإسلام العام، هي الوسيلة الدقيقة والعميقة والعادلة لمعرفة منهج التعامل مع صاحب البدعة المعيَّن.وهذا مما لا يستطيع تنزيلَه على الأعيان جميعُ الناس، بل لا يقدر على تحقيقه إلا العلماءُ الراسخون المحرِّرون .
    وهذا شيخُ الإسلام ابن تيمية يقرِّرُ ذلك فيقول :« وإذا اجتمع في الرجل الواحد: خيرٌ وشرٌّ، وفجورٌ وطاعةٌ ومعصيةٌ، وسنةٌ وبدعةٌ = استحقَّ من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحقَّ من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر.فيجتمع في الشخص الواحد موجباتُ الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا.وهذا كاللصِّ الفقير: تُقطَعُ يدُهُ، ويُعطَى من بيت المال ما يكفيه.هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهلُ السنة والجماعة، وخالفهم الخوارجُ والمعتزلةُ ومن وافقهم، فلم يجعلوا الناسَ: إلا مستحقًّا للثواب فقط، وإلا مستحقًّا للعقاب فقط ...» (23).
    وبذلك يتضح أن تصوّرنا بأن منهج التعامل مع المبتدعة والبدع منهجٌ واحد خطأٌ كبير في التصوُّرِ، ويخالف ما كان عليه السلف:
    فانظر تعظيمَهم لبعض من تلبّس ببدعة، إذا كان فيه من العلم والإيمان ما يغلب فسادَ بدعته: كقتادة بن دعامة القدري.
    وانظر تفريقهم بين الداعية وغير الداعية، وبين المعاند والمتأوّل.
    هل تظنّ أن السلف والأئمة كانوا يقدّمون كبار الفساق وناشري الفجور والفواحش والزنا والربا غير المتلبّسين ببدعة على أولئك الجلّة من العلماء الذين ضلّوا فابتدعوا، كقتادة القدري، وعبد الرزاق الشيعي، وعُبيد الله بن موسى العبسي الرافضي، وأبي معاوية الضرير رأس المرجئة وداعيتهم، والعزّ ابن عبد السلام الأشعري, وغيرهم ممن وُصفوا ببدعة، وربما وُصفوا بغلوٍّ فيها، أو دعوةٍ إليها، ومع ذلك .. لا تكاد ترى (بعدما وُصِفوا به من البدعة وحالِـهم معها) في ترجماتهم إلا ما يدل على إجلال الأئمة لهم، وحفاوتهم بهم وبعلومهم، أو على حُكمهم عليهم بالعدالة والثقةِ، وأنهم من المعظِّمين لـحُـرُمات الدّين، مما جَوَّزَ للأئمة قَبولَ رواياتهم عن النبي –صلى الله عليه وسلم- ، وأوجبَ قَبول شهاداتهم في القضاء أيضًا؛ لأنهم رَأَوْا فيهم من مراقبة الله تعالى ومن إجلال مقام الوقوف أمامه سبحانه ما يحجزهم عن الكذب على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ، و يمنعهم عن شهادة الزور .
    والله إن من يُقَدّمُ كبارَ الفُسّاق بوصفهم أنهم من طائفتنا: (أهل السنة)، لمجرّد أنهم لم يتلبّسوا ببدعة، مع عظيم إجرامِهم، على أولئك الـجِلّةِ من أهل العلم والصلاح والجهاد، لمجرّد أنهم اجتهدوا فأخطـؤوا وابتدعوا، بإخراجهم عن طائـفتنا: ( ليسوا من أهل السنة) = إنه لظالم لنفسه مبين!
    وتالله إن تقسيمًا يقع جرّاءَه ذلك الظلمُ .. ليس من دين الله تعالى!!
    فإمّا أنه تقسيمٌ كان يُطبَّق على حسب التعامل الشرعي المشروح آنفاً، وحينها يكون تقسيمًا اعتباريًّا، المقصودُ منه التأكيدُ على خطورة البدعة، وخطورة الاغترار بصلاح صاحبها في تسويق بدعته.. إلى هنا فقط، دونما يمارسه بعضُنا من التقديم المطلق للفاسق من أهل السنّة (!!) على المبتدع، ودون أن يؤدي ذلك الوصفُ إلى الإلغاء المطلق لحقوقٍ واجبةٍ لذلك المبتدع المسلم، ودون أن يُنسي تقريرُ ذلك التقسيمِ وطولُ استعماله أنه يجبُ أن تُراعَى فيه مصالحُه ومفاسدُه .
    وإما أن تقول: إنه تقسيمٌ شرعيٌّ ثابت، يقتضي تقديمَ الفجرة الأشقياء ممن لم يتلبَّس ببدعة، على البررة الأتقياء ممن تلبّس ببدعة !! بحجّة أنّ السلف درجوا عليه، وبزعم أنه من الدين !!!
    لكن هذا الإصرار على الباطل يقدح في السلف والدين، لظلمه وجوره!!!
    ولا شك أن الصواب هو الاحتمال الأول، وهو أن هذا التقسيم مصلحيٌّ اعتباري، فيخضع تطبيقُه واستعماله لمصالحه ومفاسده، وإذا أُحسنَ استخدامُه فقط.
    ولكي تعلم أن تقسيم الأمة إلى سُني وبِدعي تقسيمٌ اعتباريٌّ مصلحيّ، عليك أن تتأمّلَ الأوصافَ الشرعيةَ التي أَنزلتِ العِبَادَ منازلهم من الدين، وأن تنظر في المبتدع: أيُّ الأوصاف منها وَصْفُه؟ وفي أيِّ منازلها وضعتْـهُ الشريعةُ؟
    ولا يخفى أن الشريعة قد أنزلت المخاطَبين بالشرع على أربعة منازل فقط، ليس إلا هي، وهي منزلة: المسلم المؤمن, والمسلم الفاسق، والمنافق، والكافر المشرك.والوصفان الأولان يشملهما وصف الإسلام، والوصفان الأخيران يشملهما وصف الكفر.فالمكلَّف ن كلُّهم: إما مسلمٌ (عدلاً كان، أو فاسقًا)، وإمّا كافرٌ (منافقًا كان أو معلنًا بكفره).هذه هي منازل الناس التي لا يخرجون عنها، والتي رتّبتِ الشريعةُ عليها أحكامًا .
    وهنا أسألك :في أيِّ منزلة يقع المبتدعُ عندك؟ هل المبتدع عدلٌ مؤمنٌ؟ أم أنه مسلمٌ فاسق؟ أم أنه منافقٌ زنديقٌ؟ أم أنه كافرٌ خارجٌ من الملّة؟ فإنك (إن كنتَ من أهل العلم, أو نظرتَ في أحكامهم على المبتدعة) ستقول: إن المبتدع لا يـصحُّ أن يُنزَّل مطلقًا في أحد تلك الـمنازل الشرعية، لأنه قد يـكـون مـؤمنا عـدلا (ولـذلك قـبلوا شـــــــــهـادت ـه(24) وقبلوا روايته أيضًا (25)، وقد يكون فاسقا (إذا أتى ما يُفَسَّقُ به غيرُهُ من المعاصي سوى البدعة ، أو إذا كانت بدعته مُفسِّقةً وأُقيمت الحُجّةُ عليه فأصرّ عليها)، وقد يكون منافقًا (إذا أبطن الكفر)، وقد يكون كافرًا (إذا ارتدّ عن الدين، كأن تكون بدعتُه كُفْريةً، وأُقيمت الحُجّةُ عليه، فأصرَّ على بدعته).فتبيّنَ بذلك أن المبتدعَ ليس مساويًا لواحدٍ من تلك الأوصاف الشرعية الأربعة، فخرج بذلك عنها جميعِها. بل تبيّنَ أن المبتدع من هذه الجهة كمن أظهر السنةَ وعدمَ التلبُّسِ بالبدعة, من جهة أنه قد يكون مؤمنًا، أومسلما فاسقًا، أومنافقًا، وقد يكفر.والسبب في ذلك أن المبتدع متأوّلٌ، والتأوُّلُ ما دام غيرَ مُضادٍّ للشهادتين فالأصلُ فيه الإعذارُ وعدمُ اللومِ والمؤاخذةِ عليه: ظاهرًا وباطنًا، وفي الدنيا والآخرة .
    المهم أنه قد ظهر لك أن وَصْفَ (المبتدع) ليس منزلةً من المنازل الشرعية الأربعة، وأن الابتداعَ قد تُرافقه العدالةُ الدينية, وقد تتخلّفُ العدالةُ عن المبتدع المتأوّل لا من جهة البدعة التي تأوّلها، ولكنها تتخلّفُ عنه بمعاصٍ يقترفها أو نفاقٍ أو كُفرٍ، أو إذا ثبت عنادُه في بدعته وعدم تأوّله فيها.فلا يصح أن يُنزَّلَ المبتدعُ عندنا منزلةً بين المنزلتين (بين الإيمان والفسق)، ولا دون الفسق وفوق الكفر (ليكون منزلةً أخرى بين منزلتين) (26)؛ لعدم وجود منزلةٍ بين المنزلتين عند أهل السنة. فضلًا عن أن نُـفَسِّقَهُ مطلقًا، أو نكفّره مطلقًا !! هذا كله مخالفٌ لحكم الشرع في المبتدع، مخالفٌ لمواقف أئمة الإسلام فيه.
    فكيف نتوهّمُ بعد ذلك (أو نُوهِم): أن المبتدع شرٌّ في نفسه وعند ربه عزّ وجل ببدعته مطلقا من الفاسق الذي ينشر الخنا والفواحش لأنه لم يتلبّس ببدعة؟!! نعم .. لقد وقع هذا التوهُّم عندما قلنا عن المبتدع: إنه ليس من أهل السنة، فجعلناه بذلك خارجًا عن طائفتنا ؟!! في حين أننا قلنا عن ذلك الفاجر: إنه من أهل السنة (فاسق سُنّي)، فأدخلناه في طائفتنا ؟!! لا والله ! لا يكون المؤمنُ التقيُّ (كقتادة والعزّ ابن عبد السلام) إلا من طائفة المؤمنين (والله حسيبهما), ولا يكون الفاجرُ الشقيُّ إلا من طائفة الفجرة الفاسقين !!!
    وانظر ماذا قال الخليفةُ الراشدُ علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) عمن كفّروه هو وكلَّ المؤمنين في زمنه ممن لم يدخل في بدعتهم، وهم الخوارج الذين قد جاء فيهم من النصوص وفي التحذير من بدعتهم ما لم يجئ في غيرهم.فقد صحَّ عنه (رضي الله عنه) أنه سُئل عنهم : «أمشركون هم؟ قال: من الشرك فرّوا.قيل فمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا.قيل: فما هم ؟قال: قومٌ بغوا علينا، فقاتلناهم»(27).
    فعلّق شيخُ الإسلام ابن تيميّة على جواب علي (رضي الله عنه) بقوله :« فقد صرّحَ عليٌّ (رضي الله عنه) بأنهم مؤمنون، ليسوا كفارا، ولامنافقين»(28).
    وقال يعقوب بن يوسف المطوّعي (وهو أحد تلامذة أحمد الثقات الأثبات): «كان عبد الرحمن بن صالح الأزدي رافضيًّا، وكان يغشى أحمد بن حنبل، فيقرّبه ويدنيه. فقيل له: يا أبا عبد الله، عبد الرحمن رافضي، فقال: سبحان الله! رجلٌ أحب قومًا من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) نقول له: لا تحبهم؟!! هو ثقة».
    ولمّا أنكر خلف بن سالم على يحيى بن معين ذهابَه إلى هذا الراوي (عبدالرحمن بن صالح الأزدي)، قال له ابن معين: «اغْرُبْ، لا صلّى الله عليك ! عنده والله سبعون حديثًا، ما سمعت منها شيئًا ». وقال عنه ابن معين مّرّةً أخرى: « ثقةٌ صدوقٌ شيعيٌّ، لأن يخرَّ من السماء أحبُّ إليه من أن يكذب في نصفِ حرفٍ » (29).
    وقال أبو داود للإمام أحمد: «لنا أقارب بخراسان يرون الإرجاء، فنكتب إلى خراسان نقرئهم السلام؟ قال: سبحان الله ! لمَ لا تقرئهم؟! قلتُ: نكلّمهم؟ قال: نعم، إلا أن يكون داعيًا، ويخاصم فيه»(30).
    وقال ابن حبان في كتابه (الثقات) عن جعفر بن سليمان الضُّبَعي: «كان يُبغضُ الشيخين (ثم أسند) عن جرير بن يزيد بن هارون، قال: بعثني أبي إلى جعفر بن سليمان، فقلتُ له: بلغنا أنك تسبُّ أبا بكر وعمر، قال: أمّا السبّ فلا، ولكنّ البُغضَ ما شئتَ ! قال: وإذا هو رافضيّ مثل الحمار(31).(ثم قال ابن حبان وكان جعفر بن سليمان من الثقات المتقنين في الروايات، غير أنه كان ينتحلُ الميلَ إلى أهل البيت، ولم يكن بداعيةٍ إلى مذهبه.وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلافٌ أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعةٌ ولم يكن يدعو إليها أنّ الاحتجاج بأخباره جائز(32).فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره، ولهذه العلة ما تركوا حديثَ جماعةٍ ممن كانوا ينتحلون البدع ويدعون إليها، وإن كانوا ثقاتًا، واحتججنا بأقوامٍ ثقات انتحالُهم كانتحالهم سواء، غير أنهم لم يكونوا يدعون إلى ما ينتحلون.وانتحال العبد بينه وبين ربِّه، إن شاء عذّبه وإن شاء عفا عنه، وعلينا قبول الروايات عنهم إذا كانوا ثقاتا »(33).
    ووصف الإمام أبو داود أحدَ الرواة وهو عمرو بن ثابت بأنه كان رجُلَ سوء، وأنه كان يقول: «لما مات النبي –صلى الله عليه وسلم- كفر الناس إلا خمسة »، وجعل أبو داود يذمه، ثم قال: «المشؤوم ليس يشبه حديثُه أحاديثَ الشيعة [ يعني أن أحاديثه مستقيمة]» (34).
    الخلاصة:
    1- يجب أن نفرّق بين البدعة وصاحبها: فالبدعة نُشَدّد في بيان منافاتها للشريعة، ونبذل غاية الجهد في إبطالها، ولا تبرأ الذّممُ بغير ذلك. وأما المبتدع فَـيُـتعامل معه على أنه مسلم، ومادام مسلمًا فله الحق العامّ للمسلم على المسلم، ولا نخرج عن هذا الأصل إلا بقدر ما يدفع إفسادَه أو يستوجبه استصلاحُه، دون تجاوز هذا الحدّ، ومع حفظ باقي حقوقه.وقد قال شيخُ الإسلام ابن تيمية: «فالرادُّ على أهل البدع مجاهدٌ، والمجاهدُ قد يكون عدلاً في سياسته، وقد لا يكون.وقد يكون فيه فُجُورٌ ...» (35)، فما كلّ ردٍّ على أهل البدع يُـحْمَدُ صاحبُه؛ إلا أن يكون متقيِّدًا بقيود الشريعة .
    ولا يصحُّ مع حُكمنا على المبتدع بأنه مسلم، بل أنه معذور في تأوّله (كما هو الأصل)، أن نَحْرِمَهُ من حقوقٍ جاءت النصوص بإثباتها له، هي حقوق المسلم على المسلم, ثم نُعارضها بفهمٍ سقيمٍ وانتقاءٍ ظالمٍ من أقوال السلف أو أفعالهم !!
    2- أن الـمبتدع قد يكون أقرب إلينا وأحب، بل قد يستحق من الإجلال والإكرام، ما لا يستحقّه السنّي الفاسق؛ فإن البدعة والفسق كليهما خلافُ المنهجِ النبويِّ وخلاف السنّة، فلا يصح أنْ أُقدّمَ الفاسق (بوصفه أنه سني) مطلقاً على صاحب البدعة بإخراجه عن دائرة أهل السنة (بوصفه أنه بدعي).
    فالتقديم والتأخير بين صاحب البدعة والفاسق يجب أن يكون مبنيًّا على مقدار ما عند كل واحدٍ منهما من الخير والشرّ. ومن الخطأ المنتشر بيننا تصوُّرُ أن شرَّ المبتدع مطلقاً أعظم من شر الفاسق(36)!!
    وإذا كانت البدعةُ تحرِّفُ حقائقَ الدين، فإن المعاصيَ والانغماسَ في الفسوق يؤدّي إلى الجهل بحقائق الدين، ليؤدّي ذلك إلى إعراضٍ عن حقائقه، إعراضٍ قد يصل إلى درجة الكفر، كما قال أحدُ الزهاد وكثيرٌ من العلماء: المعاصي بريدُ الكفر؛ فلا فرقَ كبيرًا (من هذه الجهة) بين المعاصي والبدع!! خاصة في زمننا، عندما أصبح نَشْرُ الفساد العملي أقوى وأظهر من نشر الفساد الاعتقادي، وبصورة أبشع من كل مراحل التاريخ السابقة، وعلى وجه مرتبطٍ بمَحْوِ حضارتنا الإسلامية، من خلال إحلال القِيَمِ الغربيّة محلَّها. أعود فأقول: لم يَعُدْ هناك وجهٌ لتقديم خطورة البدعة مطلقًا على المعاصي المُمَنْـهَجَةِ المُهدَّفة في زماننا خاصّة, فلا يصحُّ أن يكونَ موقفُنا من أهل المعاصي (وهم معاندون مُسْتَخِفّون بالحرمات) أخفّ من موقفنا من صاحب البدعة، كما يستلزمه وَصْفُ الفاسق غير المتلبِّس ببدعة عندنا: أنه سُني، والمبتدع بأنه: ليس منا: ليس من أهل السنة(37)!
    فإلى متى نغلو في إسقاط حقوق أصحابِ البدع المسلمين، ونَـنْسَى أن إسلامَهم قد جمعنا بهم على دينٍ واحد (ماداموا مسلمين)، وأن اختلافَهم معنا لم يُخرجْهم عن أن يكونوا مِنّا، في الدنيا والآخرة، وأنهم مثلُنا في عدم حِرْمانهم من رحمة الله وفي أنهم غيرُ مخلّدين في النار، وأنهم بذلك يستحقّون من حقوق الأُلفة والأُخوّة في الدنيا بقدر ما اجتمعنا معهم فيه من أجلِّ وأعظمِ أمورِ الآخرة!!! فكيف إذا كنّا في مواجهة خَصْمٍ ليس منّا ولا منهم، خصمٍ لا يُريدُنا ولا يريدُهم، فيأكل هذا الخصمُ بعضَنا ببعض!!!
    يا معشرَ أهل السنة: قولوا الحق، ورُدّوا على الباطل؛ لكن لا تَسْلُبُوا مسلمًا حقَّه الإسلاميَّ العام، ولا تقدّموا من يستهينُ بحرمات الله على من يعظّمها، ولو ضلّ فابتدع، ما دام معذورًا مأجورًا؛ أفنقدّم المأزور على المأجور "أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين َ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ" [القلم:35-36].
    يا معشر أتباع السلف: ليس من منهج السلف تقديمُ ناشرٍ للخنا والزنا والربا؛ لأنه غير متلبِّسٍ ببدعة، على عالم فاضل عابد مجاهد؛ لأنه تلبّس ببدعة؛ لأنّ شرّ الثاني ليس مطلقاً أعظمُ من شرّ الأول، بل ربما لم يكن بينهما تقارب. وإلا فهل يستطيع أحدٌ أن يقدّم بعض من أقام بيوت الخنا والربا من كبار الفُسّاق في زماننا على العز ابن عبد السلام أو تقيِّ الدين السبكي أو الباقلاني أو الأشعري لمذهبهم العقدي؟!!!
    إن كنّا لا نُحسن استخدامَ تقسيم الناس إلى سُنّي وبدعي، إلا على ذلك الوجه الظالم الجائر، الذي ليس من منهج السلف، فخيرٌ لنا أن لا نستخدمه.وقد بيّنتُ آنفًا أن استخدامه المصلحي مبنيٌّ على أمرين:
    التشديد في التنفير من البدعة نفسها، وأن لا يُتَشَدَّد مع صاحبها إلا بقدر ما يدفع إفسادَه، مع حفظ ما لا يُهدَرُ من حقوقه، وأن لا يقودنا هذا التقسيمُ إلى تقديم صاحب الشرّ الأعظم (كمَرَدَةِ الفُسّاق) على صاحب الشر الأخف (كالعالم الصالح المبتدع)، وكما لم يُلْغِ فسقُ الفاسق حقَّهُ الإسلاميَّ العامّ إلغاءً مطلقاً، فكذلك لا يُلغي الابتداعُ حقَّ المبتدعِ المسلمِ في الحقِّ الإسلاميِّ العامِّ الإلغاءَ المطلقَ .
    وأرجو أن يقرأ المسلمون (علماءَ ودعاةً وعمومَ المسلمين) هذا النداء بعمق وتعقّل، وأن يعلموا أنه نداء محبّ شفيق، ومن عاش مع السنّة حتى جاوز الأربعين، لكنّنا نمرّ بمرحلةٍ خطيرة، تستوجب المحاسبة والنقد وتصحيح المسار، وتستلزم إقامة العدل، الذي لا قوام لأمّةٍ بدونه، وإن ظَلَمَنا المخالفون لنا، فإن الظلم لا يُدفع إلا بالعدل، كما لا يُدفع الباطلُ إلا بالحق(38)!! ولا يعني ذلك عدمَ دفْعِ الظُّلم ومُصاولتِهِ، لأن العدل هو: ردُّ المظالم، والانتصافُ للمظلوم والانتصارُ له، والأخذ على يد الظالم وردعُه، لكن دون تجاوز حدِّ العدل.وهذا حُكم السُّني والبِدعي، من ظَلَمَ منهما أو ظُلِمَ .
    والله هو المستغاث، وإليه الملجأ في نصر هذه الأمّة.
    اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك (صلى الله عليه وسلم) وعبادك الصالحين .
    والله أعلم.
    والحمد لله على ما لا أُحصيه من نعمته، والصلاة والسلام على محمد وأزواجه وذريته.



    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) فالناقضُ الذي لا إعذارَ معه أبدًا هو الناقضُ الصريحُ للدلالة اللغوية التي تُفهَمُ من الشهادتين , لا للوازمهما. ودلالة الشهادتين اللغوية الصريحة مما لا ينبغي الخلافُ فيه , فكذلك يجبُ أن يكونَ ناقضُها الصريحُ: مما لا ينبغي أن يُختَلَفَ فيه.
    فناقضُ (لا إله إلا الله) الصريح , هو: إنكار وجود الخالق , أو جَعْلُ غيرِ الله إلـهًا , أو ادعاءُ إلـهٍ مع الله ؛ لأن هذا هو المناقِضُ للدلالة اللغوية لها , فناقضُ دلالةِ الإثبات: هو نَفْيُ الـمُثْـبَتِ , أو استبدالُ الـمُثْـبَتِ بغيره , وأما ناقضُ دلالةِ النفي: فهو إثبات الشَّريك لله تعالى.
    وناقضُ (أن محمدًا رسولُ الله) الصريح , هو: تكذيبه –صلى الله عليه وسلم- في شيء مما جاء به , أو اعتقاد أنه لا طاعة له , أو بُغضُه –صلى الله عليه وسلم- ؛ لأن مقتضى الإيمان بالرسالة هو: التصديقُ بجميع ما جاء به الرسولُ, واعتقادُ استحقاقه للطاعة المطلقة , ومحبتُه على ما هدانا الله به من الخيرات وأنقذنا من الشرور .
    (2) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا: « وهكذا الأقوال التي يُكَفَّرُ قائلها , قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق , وقد تكون عنده ولم تثبت , أو لم يتمكَّن من فهمها , وقد يكون عرضت له شُبُهات يعذره الله بها.فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحقّ , وأخطأ , فإن الله يغفر له خطأَه كائنًا ما كان ! سواء كان في المسائل النظرية , أو العملية.هذا الذي عليه أصحابُ النبي –صلى الله عليه وسلم- وجماهيرُ أئمة الإسلام.وما قَسَّموا المسائل إلى أصولٍ يُكفَّرُ بإنكارها , ومسائلَ فروعٍ لا يُكَفَّرُ بإنكارها ...» , مجموع الفتاوى (23/346).ونحوه فيها (19/206- 227). فشيخ الإسلام هنا يُقرِّرُ أن المبتدعةَ أصحابَ المقالاتِ الكُفريةِ (فضلًا عمن هم أقرب إلى الحق) ليسو فقط ممن لا يستحقّون التكفير قبل أمورٍ ثلاثة: بلوغ الحجة , وفهمِها , وإزالةِ عوارض الشبهة عنهم , بل صَرَّحَ أنهم مؤمنون ! مغفورٌ ذلك الخطأُ الكُفْريُّ منهم !! بسبب إعذارهم بالجهل والتأول والشُّبَه .
    ومع تقرير ابن تيمية لذلك , فقد قرّر هو وغيره من علماء المسلمين تكفيرَ طوائف من المنتسبين للإسلام (كالقرامطة وغيرهم), ممن ناقضوا صريحَ دلالةِ الشهادتين , من غير إعذارٍ ولا توقُّفٍ لمعرفة ما عندهم من الشُّبه والجهالات.(فانظر مجموع الفتاوى 28/553 وحاشية ابن عابدين 4/244) .
    فالنقل الأول عن شيخ الإسلام يدلُّ على وجود بدعٍ كفريةٍ وبدع غير كفرية , وهو ظاهر , لكني أذكره لمن لا يطمئنّ قلبه إلا بأمثاله.وأما التقرير الثاني المذكور بعده عن شيخ الإسلام وعن غيره من العلماء فيدل على وجود بدع لا يُعذر فيها أحدٌ بأيِّ عذر.وهذه هي الأقسام الثلاثة للبدعة التي ذكرتها في الأصل , قد قرّرها العلماء من قبل.
    (3) فكل الذي أريده من القارئ أن يقصر نظره في هذا المقال على المبتدع الذي يوافقني في كونه مازال مسلمًا عندي وعنده , مع كونه مبتدعًا عندي وعنده أيضًا.
    (4) وكونُ البدعة تحريفًا لحقائق الدين هو أخشى ما يُخشى منها، وهو وجهُ الخطر الأعظم والخوف الأشدِّ منها.
    (5) اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (2/123) .
    (6) المبتدع لكونه متأوّلًا لا يُفسَّق بمجرّد البدعة , إلا إذا قام الدليل الصحيح بعدم إعذاره بالتأوّل , كأن تُقام عليه الحجّة , وتُزالَ عنه الشُّبْـهةُ في بدعةٍ مُفسِّقَةٍ , فَيَـثْبُتَ عندنا عِنادُه ثبوتًا ندينُ الله تعالى به .
    ومن أطلق من أهل السنة القول بتفسيق مبتدع , وأردنا حملَ إطلاقه على موافقة الصواب: فإما أنه يخصُّ ذلك المبتدعَ المعيّن ؛ لقيام موجِبِ تفسيقه عند العالم.أو أنه أراد بالفسق معناه اللغوي , وهو الخروج عن تعاليم الشريعة , بغضِّ النظر عن كونه آثمـًا في بدعته أم معذورًا فيها , وبغضِّ النظر عن كونه معظّـمًا للحُرُمات أو ليس معظِّـمًا لها , مع أن الفاسق في الاصطلاح لا يُطلقُ على غير الآثم ولا على المعظِّمِ للحرمات , وإنما يُطلقُ على الآثم بفعله للمحظور لعدم إعذاره فيه , ولا يوصَفُ بكونه فاسقًا إلا أن يكون مستهينًا بالـحُرُمات عند مَن وصفه بذلك.
    وهذا كقول ابن القيّم الصريح فيه: «الفاسقُ باعتقاده: إذا كان متحفِّظًا في دينه، فإن شهادته مقبولة , وإن حكمنا بفسقه , كأهل البدع والأهواء الذين لا نُكَفِّرهم , كالرافضة , والخوارج , والمعتزلة , ونحوهم , هذا منصوصُ الأئمة ...» , الطُّـرُق الحُكمية لابن القيم (1/461) .فهنا أطلق ابنُ القيم الفسقَ على المتحفِّظ في الدين , وليس هذا هو الفاسقَ في الاصطلاح.
    (7) وهذا كالذي كان قد نبّهَ عليه شيخُ الإسلام ابن تيمية , عندما تكلّم عن ضوابط هجر المبتدع , ومتى تُشرع , ثم قال بعد ذلك: « وإذا عُرِفَ هذا , فالـهَجْرَةُ الشرعية: هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسولُه –صلى الله عليه وسلم-, فالطاعةُ لا بُدّ أن تكون خالصةً لله صوابًا.فمن هجر لهوًى في نفسه , أو هجر هجرًا غيرَ مأمورٍ به , كان خارجًا عن هذا.وما أكثر ما تفعلُ النفوسُ ما تهواه، ظانّةً أنها تفعله طاعةً لله !! ».مجموع الفتاوى (28/207) .
    (8) ويدخل في(دفع إفساده): استصلاحُه هو وعودته إلى الحق .
    (9) أخرجه البخاري (رقم6077, 6237) , ومسلم (رقم2560) .
    (10) انظر اختلاف النقول عن الإمام أحمد في ذلك في الآداب الشرعية لابن مفلح (1/229-236 , 237-239)
    (11) كما نقل ذلك عنه ابنُ مفلح في الآداب الشرعية (1/ 233) .
    (12) في المصدر (والتنجيم) , والظاهر أنه تصحيف , صوابه ما أثبتّه , وانظر مجموع الفتاوى (20/301) .
    (13) مجموع الفتاوى (28/206-207).وانظر كلامًا نحوه في المسوّدة لآل تيمية (1/524-528) .
    (14) فهنا يحمل ابنُ عبد البرّ عبارةَ الإمامِ مالكٍ على أن اختيارَ الإمامِ الراتبِ للإمامة يجب أن يُحرَصَ فيه أن يكون على أحسن الأوصاف, لا أنّ الصلاةَ خلف أهل البدع لا تجوز ؛ فإن القاعدة عند عامة أهل السنة في ذلك معلومة , وهي: أن كلَّ من صحّت صلاتُه لنفسه فقد صحّت لغيره ؛ وحينئذٍ نقول: المسلمُ المبتدعُ لا يكون مسلمًا إلا أن تكون صلاتُه صحيحةً لنفسه.وانظر لذلك شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (2/569-570) .
    ولـمّا كان قولُ الإمام مالكٍ لا يصحُّ في هذا الأصل إلا أن يكون هو قولَ المحقّقين من أهلِ السنة ؛ لأنه من أكبر أئمة السنة , كان ذلك صارفًا صحيحًا (لا يُشَكُّ في صحّته) نَصْرِفُ به عبارته عن ظاهرها !! خاصةً مع صارفٍ آخر: وهو بقية أقواله التي تُعارضُ هذا القول , والذي سيأتي أحدها في أصل المقال بعد قليل .
    وقد عقد الإمامُ البخاري بابًا في صحيحه (باب إمامة المفتون والمبتدع ) , ثم بدأ بنقلٍ علّقه جازمًا عن الحسن البصري (وهو صحيح عنه , كما تراه في تغليق التعليق 2/292-293) , أنه قال:«صلِّ , وعليه بدعته » , ثم أسند إلى عُبيد الله بن عدي بن الخِيار: « أنه دخل على عثمان بن عفان (رضي الله عنه) وهو محصورٌ , فقال: إنك إمامُ عامةٍ , ونزل بك ما نرى , ويُصلِّي لنا إمامُ فتنةٍ , ونتحرّج؟ فقال: الصلاة أحسنُ ما يعمل الناسُ , فإذا أحسنَ الناسُ فأحسِنْ , وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم ».(فتح الباري 2/188 رقم695).
    (15) وهنا يُقرّر ابن عبد البرّ: أن بعض عقوبات المبتدع المعيّن إذا رأى العالمُ مشروعيّتها لما تحققه من المصالح , فإنها قد تُشرعُ وتجوزُ للعالم وحده , دون بقية المسلمين , فلا يجوز ذلك لهم .
    وهذا تقريرٌ صحيح في نفسه ؛ لأنّ بعضَ العقوبات لا يجوز أن يمارسها المسلمون كلُّهم ضدَّ المبتدع: إما لكون ذلك محرّمًا في الشرع أصلاً , كالصلاة على المبتدع المسلم التي لا يجوز أن يتركها المسلمون كلهم (كما قال ابن عبد البر) , وإما لأن عوامَّ المسلمين لن يستطيع أغلبُهم الوقوفَ ببعضِ العقوبات عند حدِّها المشروع , وسيُبالغون فيها حتى تخرجَ عن حدّها الجائز إلى الحدّ المحرّم .
    وهنا أذكّر العلماءَ بواجبهم تجاه العامة في شأن ما يرونه من عقوباتٍ يقرّرون مشروعيتها تجاه أحد المبتدعة: بأن يُراعوا عَجْزَ أغلب العوام عن تقديرها قدرَها , وعن فَهْمِ المقصود منها , وأنها قد لا تستوجب تكفيرًا , وربما أنها لا تستوجب تفسيقًا أيضًا !!
    (16) عبارة الإمامين أحمد وإسحاق جاءت في سؤالات الكوسج لهما (رقم2913) , قال الكوسج: «قلت: كان ابن أبي ليلى يجيز شهادة صاحب الهوى , إذا كان فيهم عدلًا , لا يستحلّ شهادة الزور؟ قال [أي أحمد]: ما يُعجبني شهادة الجهمية والرافضة والقدرية والـمُغْلِيَة.
    قال إسحاق: كما قال , وكذلك كل صاحب بدعة يدعو إليها ».
    وقوله (المغلية): أي الغُلاة .
    (17) الاستذكار لابن عبد البر (26/103-104).
    (18) التهذيب لابن حجر (2/32) .
    (19) التفريق بين الداعية وغير الداعية يدلُّ على أن العقوبة ليست بسبب البدعة التي يشترك فيها الاثنان ( الداعية وغير الداعية) , وإنما لمصلحة عدم نشر البدعة.وتعليق تلك العقوبات بالمصالح يجعلها منوطةً بها , فلا تكون مشروعةً إلا إذا كانت محقِّقةً لها , وأن تقديرها يختلف من حالٍ إلى حال.
    (20) مجموع الفتاوى (28/205) .
    (21) القناعات والعقائد لا تتبدّل إلا بالإقناع العقلي والأدلة , وأما محاولة تغيير العقائد بمجرّد الترغيب أو الترهيب وحدهما فإنه لا يُجدي شيئًا.ولذلك فالأصل أن لا نلجأ إلى عقوبةٍ أو إغراءٍ لتغيير القناعات ؛ بل غالبًا ما تكون نتائجُ ذلك عكسيةً.أما أن يُلجأ إلى الترغيب والترهيب مع الإثباتات العقلية والأدلة الصحيحة , فهذا هو المنهج الصحيح , كما مع المؤلفة قلوبهم.والترغيب والإحسان هو الأعظم أثرًا في الغالب والأنجع لمن أراد الإقناع , وما أبعد الإقناع عمن أرادها من خلال العقوبة !
    ولذلك قُعِّدَ للجدل أن يكون بالأحسن من الأقوال "وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" [النحل :125] "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ" [العنكبوت:46].ولا يُلجَأُ إلى العقوبة إلا في أضيق الحدود , كما لو ظهرتْ أدلةُ العنادِ والاستكبارِ من المخالِف ورأينا المصلحة في عقوبته , أو اتّضحتْ براهينُ إعراضِه عن سماعِ ما يجب عليه الإنصاتُ إليه .
    (22) حيث إن درجة الإعذار تختلف بسبب جهاتٍ عِدّة :(1) من جهة ظهور أدلة الحق في نفسها أو خفاء أدلته (2) ومن جهة كثرة شُبَهِ الباطل وقوتها أو قِلّتها وضعفها (3) ومن جهة كون بلد المبتدع ومجتمعه على السنة أم على البدعة , فلا يكون من ابتدع في خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في الإعذار كمن نشأ في زمننا في بلد لا تكاد تعرف فيه أحدًا من أهـل السنة (4) ومن جـهة قوة ذكـاء المبتدع أو ضعف فهمه , فليس الذي تُلبِّسُ عليه أدنى شبهة ؛ لغبائه (وإن كان ما زال في حيّز التكليف), كمن لا تنطلي عليه الأُغلوطات ؛ لفرط ذكائه.
    وهذه الأعذار تُـبَـيِّنُ لك الخطأَ الكبيرَ الذي وقع فيه من كفَّرَ الملايين من أهل الشهادتين بأعيانهم!!! بشُبهة أن الحجة قد قامت عليهم جميعِهم !!! أما كان يكفيه العُذرُ الأخيرُ منها (وهو الرابع) , ليعلم مقدارَ ما أفرط فيه مقالُه , ولكي يُدرك عظيمَ تجاوزِه في التصوُّرِ للواقعِ المشاهَدِ !!! فكما أن الـحُكم على كافرٍ بالإسلام بغير تثبّتٍ من دخوله فيه خطأٌ كبيرٌ , فأكبر منه:إخراجُ مسلمٍ إلى الكفر! وأكبر وأخطر: إخراجُ العددِ من المسلمين !! فكيف بملايين المسلمين!!!
    ولا يجوز أن نُصَغِّر الخطأ إذا صدر من أحدنا , ونُعظِّمه إذا صدر من غيرنا !!
    (23) مجموع الفتاوى (28/209).وجاء في المطبوع :« لا مستحقا» هكذا على النفي في الجملتين الأخيرتين , وهوخطأ ظاهر , صوابه بالاستثناء .
    (24) وهذا ما قرّره الإمام الشافعي في كتابه الأم في باب (ما تجوز به شهادة أهل الأهواء).(7/509-511).
    وهذا هو مذهب عامة الفقهاء , وفي بيان ذلك يقول ابن عبد البر: « اتفق ابن أبي ليلى , وابن شُبرمة , وأبو حنيفة , والشافعي , وأصحابهما , والثوري , والحسن بن يحيى , وعثمان البتّي , وداود , والطبري , وسائرُ من تكلّم في الفقه ؛ إلا مالكا وطائفة من أصحابه , على قبول شهادة أهل البدع: القدريةِ وغيرهم , إذا كانوا عدولا , ولا يستحلّون الزور , ولا يشهد بعضُهم على تصديق بعضٍ في خبره ويمينه , كما تصنع الخطّابية ...(ثم قال كلُّ مَن يُـجيز شهادتَهم لا يرى استتابتَهم ولا عَرْضَهم على السيف » , الاستذكار لابن عبد البر (26/104).وانظر أيضًا اختلاف العلماء لمحمد بن نصر المروزي (286-287).
    وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم إلى أن موقف الإمام مالك والإمام أحمد في ردِّ شهادة أهل الأهواء ليس مبنيّا على التأثيم والتكذيب , وإنما هو من باب الزجر والتأديب لردعهم ولمنع بدعهم من الانتشار.انظر مجموع الفتاوى (13/125) , والطرق الحكمية لابن القيم (1/461-466). والذي يقطع بصحة هذا البيان: أن الإمامين مالكا وأحمدَ لم يتركا الروايةَ عن أهل البدع مطلقًا , ولو كانت البدعةُ عندهما مفسِّقةً لتركا الرواية عنهم ؛ لإجماع الأئمة على ترك رواية الفاسق .
    (25) وهذا هو الراجح , والذي اتفق عليه المحدثون من أئمة النقد (رُغم دعاوى الاختلاف المحكيّة عنهم): أن روايةَ من لم يُقدح فيه بغير البدعة مقبولةٌ , بشرطين: أن لا يكون ممن أُقيمت الحجةعليه فثبت عِنادُهُ , وأن لا يروي حديثا منكرا من مثله يؤيّد به بدعته , فيُـرَدُّ حديثُه حينها للظِنّة.وقد بينتُ ذلك باختصار في شرحي المطبوع لموقظة الذهبي.
    (26) وإن صحّ على تجوُّزٍ أن يُقالَ عن البدعة نفسها (لا عن المبتدع): «هي أصغر من الكُفر , وأكبر من الفسق» , كما في الكُلِّـيّات للكَفَوِيّ (243).لكنها عبارةٌ تحتاج بيانًا , فلا يصح إطلاقُها هكذا !
    (27) أخرجه ابن أبي شيبة (رقم39097) , ومحمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة (رقم591 ,592 ,593) , وغيرهما .
    (28) منهاج السنة النبوية (5/244) .
    (29) تاريخ بغداد للخطيب: (10/261-263)، وتهذيب التهذيب:(6/197-198).
    (30) مسائل أبي داود للإمام أحمد (276) .
    (31) ليس هذا الشتم من منهج النبي –صلى الله عليه وسلم- , وكيف يكون المسلم الثقة مثل الحمار !!!
    (32) التفريق بين الداعية وغير الداعية يدل على أن مناط ترك الرواية ليس هو انعدام الثقة بنقل الداعية ؛ لأن الداعية وغير الداعية مشتركان في البدعة التي هي الطعن , ولذلك ما زال الداعية عند ابن حبان ثقةً كما قال :«وإن كانوا ثقاتا».وإنما سببُ تركِ رواية الداعية هو الهجر والتأديب , ولكي لا تكون الرواية عنه سببا في الترويج لبدعته.وهذا ما صرّحَ به ابن حبان في مقدمة صحيحه , حيث ذكر مسألة الرواية عن أهل البدع , وضرب لهم مثلًا بالمرجئة والرافضة , وفرّق بين الداعية وغير الداعية , ثم قال :« فإن الداعي إلى مذهبه والذابَّ عنه حتى يصير إمامًا فيه , وإن كان ثقةً , ثم روينا عنه , جعلنا للاتباع لمذهبه طريقًا , وسوّغنا للمتعلِّمِ الاعتمادَ عليه وعلى قوله , فالاحتياطُ تركُ رواية الأئمة الدعاة منهم ...».الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان لابن بَلَبَان (1/160).
    (33) الثقات لابن حبان (6/140-141) .
    (34) سؤالات أبي عبيد الآجُرّي لأبي داود (رقم591) .
    (35) مجموع الفتاوى (4/13) .
    (36) وقد ذكر هذا الأمرَ شيخُ الإسلام ابنُ تيميّة , حيث قال :« وجنسُ البدع (وإن كان شرًّا) لكنّ الفجورَ شرٌّ من وجه آخر ؛ وذلك أن الفاجر المؤمن لا يجعل الفجور شرّا من الوجه الذي هو حرام محض, لكن مقرونًا باعتقاده لتحريمه , وتلك حسنة ٌ في أصل الاعتقاد. وأما المبتدعُ فلا بُدّ أن تشتمل بدعته على حقّ وباطلٍ , ولكن يعتقد أن باطلَها حقٌّ أيضًا , ففيه من الحُسْنِ ما ليس في الفجور , ومن السيئ ما ليس في الفجور , وكذلك العكس ». الاستقامة لابن تيمية(1/ 455)
    وبكلام ابن تيمية هذا (الذي يدل على صحته النظرُ الشرعيُّ في المسألة) ينبغي أن نفهم كلامه الآخر في الموازنة بين البدع وأهلها والمعاصي وأهلها, كقوله في مجموع الفتاوى (28/470) «ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أن هذه البدع المغلّظة شرٌّ من الذنوب التي يعتقدُ أصحابُها أنها ذنوب» , وكقوله فيه (20/103): « أن أهل البدع شرٌّ من أهل المعاصي الشهوانية , بالسنة والإجماع ».فبكلام ابن تيمية الأول يتّضح أن الإطلاق هنا غيرُ مرادٍ عنده , وكيف يريد الإطلاق؟! وهو نفسُه يرى قبولَ شهادةِ أهل البدع , دون أهل الفسوق !! كما سبق عزو ذلك إليه. كما أن شيخ الإسلام نفسه يقرّر أن المبتدع هو والعاصي سواء في اجتماع موجبات الإكرام وضدّها فيه , وأنه لا يُطلَـقُ القولُ فيه بموجبات الإكرام أو الإهانة , ولكن بحسب ما فيه من خيرٍ وشر , وسبق نقلُ كلامه في ذلك.
    ولا ننسى المواقفَ العملية لشيخ الإسلام مع خصومه من أهل البدع , وفيهم الغُلاة في بدعتهم , من ثنائه الخاص على آحادهم (كتقي الدين السبكي) , والشفاعة فيهم (كما فعل مع البكري),والعفو عنهم بعد قُدرته عليهم , حتى كان يقول للسلطان الذي يستشيره في قتلهم (وهم رؤوس أهل البدع في زمنه) , بعدما مدحهم عنده وأثنى عليهم وشكرهم :« إن هؤلاء لو ذهبوا , لم تجد مثلهم في دولتك!!», فكان يقول أحدُهم :«ما رأينا أتقى من ابن تيميّة ! سعينا في دمه , فلما قدر علينا عفا عنا ».فانظر العقود الدرية لابن عبد الهادي (187) , والجامع لسيرة شيخ الإسلام (260-261, 478-479, 606-607) .
    وهكذا لا ينبغي أن ننتقي من كلام العالم ما نريدُ أن نتقَوَّى به على رأينا , دون تحقيق رأيه فيه من عموم مواطنه.ولعلّي لو لم أذكر هذين النقلين عن ابن تيمية لظن بعضُهم أنهما يَرُدّان على تقريري لمذهبه فيه , ولذلك أحببت بيانَ أن فهمهما لا يصحُّ أن يكون بانتقائيـّةِ وفَهْمِ أهلِ الجهالة!!
    ومن هذا الباب كلامٌ في مواطن عديدة لابن تيمية (كالذي في مجموع الفتاوى 11/468-471) , يجب أن يُفهمَ بكامل سياقه , وبعرضه على أقواله الأخرى , والأهم من ذلك أن يُعرَضَ على الكتاب والسنة.ولولا حرصي على الاختصار لنقلتُ ما قد يشتبه (كالنقل المشار إليه) , لأبيِّنه.ولولا احتمال ادّعاء ذهاب نقلٍ عليَّ يؤثر في نتيجة هذا المقال , لأعرضتُ عن تلك الإشارة اكتفاءً بإنصاف الباحث عن الحق !! كما أنه (في هذا السياق نفسه) يجب أن نراعي احتمالَ تغيُّرِ اجتهاد الإمام , كما كان قد نقل الإمام الذهبي عن أبي الحسن الأشعري أنه أشْهَدَ على نفسه بأنه لا يُكفِّر أحدًا من أهل القبلة , ثم قال الذهبي: «قلتُ: وبنحو هذا أدين , وكذلك كان شيخُنا ابنُ تيمية في أواخر أيامه , يقول: أنا لا أكفِّرُ أحدا من الأمة , ويقول: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: {لا يحافظُ على الوضوء إلا مؤمن} , فمن لازَمَ الصلوات بوضوء فهو مسلم » , سير أعلام النبلاء (15/88).
    ولن يتأخّرَ الـمُزايِدُون غيرَهم على الحميّة السُّنِّـيّة (بلا إنصاف) عن هذه الساحة , ولو بالكذب ! فيروي أحدهم أن الإمامَ مالكًا قال: «لو أن رجلا ركب الكبائر كلها (!!!), بعد أن لا يُشرك بالله, ثم تخلّى من هذه الأهواء والبدع (وذكر كلاما) دخل الجنّة ».أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/325) , من رواية أحد أجلاد الكذابين , وهوالنضر بن سلمة شاذان المروزي (لسان الميزان: رقم 8140) .
    ومثله في البُعد عن العلم والإنصاف: ما رُوي عن الإمام أحمد (وحاشاه منه) أنه قال: « قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة , وقبور أهل البدعة من الزُّهاد حفرة.فُسّاق أهل السنة أولياء الله , وزُهّاد أهل البدعة أعداءُ الله ».أسنده القاضي أبو الحسين ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (2/12).ومثل هذا الكلام لا يقوله عالم !! بل يتورّع عما دونه في الغُلُوِّ والـمُجازفة عوامُّ المسلمين !!! ولو لم يكن في هذه العبارة إلا إغراءُ أهلِ السنة بارتكاب الكبائر لكفاها سوءًا !! وانظر سياق ابن القيم لهذه العبارة مساقَ الذمّ لها, وأنه لا يشفع لها طِيبُ مقصدها , ولايُحسِّنها أن مُنطلقَها (وهو بيانُ وجهِ تقديمِ البدعة على المعصية في الخطورة) منطلقٌ صحيح , وذلك في إعلام الموقّعين (3/329).
    (37) ولا يكاد يُوجَدُ وَجْهٌ يُظنّ معه أن البدعة أعظم ضررًا من الفسق مطلقاً، إلا وفيه ما ينقض ذلك الإطلاق.وقد بيّنتُ ذلك في أصل المقال في أظهر وجهٍ يُظَنُّ معه هذا الظن , وهو: أن البدعة تحريفٌ لحقائق الدين، دون الفسق.فالمعاصي تؤدي إلى الإعراض عن حقائق الدين , وهذا الإعراض قد يصل إلى حدّ الكفر .
    وقد يُقال أيضاً: إنّ البدعة يبقى ضررها حتى بعد موت أصحابها، بخلاف الفسق.أقول: لئن تنزّلتُ في قبول ذلك في تاريخنا الغابر، فماذا تقول في العصر الحاضر، حين أصبح للفسق مدارسُ ومناهجُ ومؤلفاتٌ وبرامج، تدوم وتعمُّ بشرورها، حتى بعد موت أصحابها ؟!!
    (38) جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 257): « فصل: في حظر حبس أهل البدع لبدعتهم: قال المرُّوذي: سألت أبا عبدالله [أحمد بن حنبل] عن قوم من أهل البدع يتعرّضون ويُكَفِّرون؟ قال: لا تتعرّضوا لهم.قلتُ: وأي شيء تكرهُ من أن يُـحْبَسوا ؟! قال: لهم والِداتٌ وأخوات. قلتُ:فإنهم قد حبسوا رجلا وظلموه , وقد سألوني أن أتكلّم في أمره حتى يخرج؟ قال: إن كان يُحبس منهم أحدٌ , فلا ».فما أعدل أهل السنة وما أرحمهم !!! هذا كلام أحمد في الذين يتعرّضون لنا بالأذى والتكفير , أنه لا يُسعى في سَجْنهم لمجرّد بدعتهم ؛ لما يُـخشى من تجاوزِ الوُلاةِ في عقوبتهم قَدْرَها المشروع !!!

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    211

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن تبع سنته وهداه أما بعد,

    قال عليه الصلاة والسلام: " أُذَكِّرُكُمُ اللّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي. أُذَكِّرُكُمُ اللّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي. أُذَكِّرُكُمُ اللّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي " صحيح مسلم

    فمحبة آل البيت الطيبين الموحدين الأشراف طاعة لنبينا صلى الله عليه وسلم وبالتالي فهي عبادة نتقرب بها إلى ربنا جل في علاه.
    فإن كان للمسلم على أخيه المسلم حقوق فلآل البيت الأطهار حق زائد لاتصال نسبهم الشريف بخير البرية وسيد البشرية محمد بن عبد الله صلى عليه الله وسلم تسليماً كثيراً.

    ومن هذه الحقوق النصيحة في الدين وخصوصاً والمخطئ من سلالة صاحب الدين المبلغ عن رب العالمين.
    فقد كتب الشيخ الدكتور الشريف حاتم العوني عفا الله عنه وبالغ في الجواب عن الواجب تجاه المعاملة مع المبتدعين وقد جانبه الصواب والى الله المرجع والمآب.

    والمشكلة أن الدكتور الشريف عفا الله عنه أتبع منهج " اعتقد ثم استدل " وهذا الذي ساقه إلى سيء القول ومن ذلك:
    1- تقرير الدكتور العجيب بأن البدعة يرد عليها وتبين للناس وينفر عنها أما المبتدع فلا يشدد عليه!!
    2- سوء فهمه لمسألة الهجر فوق الثلاث.
    3- إتهامه لغيره بأنهم يأخذون من كلام الائمة ما يوافق تصوراتهم وهو يفعل عين هذا الفعل المستنكر!!
    4- عدم تنقيحه مناط مسألة من هو المبتدع المقصود بالهجر والتنفير عن مجالسه وأقواله.
    5- استماتته عفا الله عنه في المساواة بين البدع والمعاصي وتلميحه بأن فتن الشهوات أخطر على الدين من فتن الشبهات وهذا خلاف ما أستقر عليه أهل السنة قديماً وحديثاً.
    6- إيهامه القارئ بأن قبول السلف رواية المبتدع دليل على عدم جواز هجره.

    وهذا شروع في البيان وعلى الله التكلان:
    قال الشيخ الدكتور الشريف عفا الله عنه:
    هل تظنّ أن السلف والأئمة كانوا يقدّمون كبار الفساق وناشري الفجور والفواحش والزنا والربا غير المتلبّسين ببدعة على أولئك الجلّة من العلماء الذين ضلّوا فابتدعوا، كقتادة القدري، وعبد الرزاق الشيعي، وعُبيد الله بن موسى العبسي الرافضي، وأبي معاوية الضرير رأس المرجئة وداعيتهم، والعزّ ابن عبد السلام الأشعري, وغيرهم ممن وُصفوا ببدعة.أهـ

    أقول:
    لا أدري أهي غفلة من الدكتور الشريف أو تغافل عندما يزج بأسماء هولاء الأعلام وكأن الداعين من علماء الدعوة السلفية لهجر المبتدعة قديماً وحديثاً كانوا يدعون لهجر كل من تلبس ببدعة وهو من هو في ميدان من ميادين العلم!!

    فهذه دعوى لا تطابق الواقع يا حضرة الشريف الدكتور , فلا بد لك إن كنت منصفاً في بحثك أن تحرر من هو المبتدع الذي قال فيه بعض السلف1 : آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد.

    ومن هنا حصل الخلل في المقال ,

    فذهب الشريف الدكتور يقول:
    يا معشر أتباع السلف: ليس من منهج السلف تقديمُ ناشرٍ للخنا والزنا والربا؛ لأنه غير متلبِّسٍ ببدعة، على عالم فاضل عابد مجاهد؛ لأنه تلبّس ببدعة؛ لأنّ شرّ الثاني ليس مطلقاً أعظمُ من شرّ الأول، بل ربما لم يكن بينهما تقارب. وإلا فهل يستطيع أحدٌ أن يقدّم بعض من أقام بيوت الخنا والربا من كبار الفُسّاق في زماننا على العز ابن عبد السلام أو تقيِّ الدين السبكي أو الباقلاني أو الأشعري لمذهبهم العقدي؟!!!.أهـ

    أقول:
    معاذ الله إن كان يقول هذا عاقل فضلاً عن عالم من علماء الدعوة السلفية قديماً وحديثاً , فهذا سوء فهم من الدكتور الشريف أو تهويل ليس له رواج عند من يعرف حقيقة الأمر!!

    ولتصحيح هذا الخطأ أقول بأن السلف وكلامهم المُذهّب في البدع وأهلها لا يقع على من خدم الدين وعاش لنشر سنة سيد المرسلين ثم وقع في هفوة بل هفوات مغمورات في بحور الحسنات والله حسيب الجميع , فهولاء يُرّد على بدعهم وتُبين أخطاءهم مع حفظ مكانتهم وما بذلوه في خدمة السنة.

    ولكن هناك من هو جدير بأن يقع عليه كلام السلف الصالحين في التحذير والتنفير من البدع وأهلها مطلقاً وهم كل جماعة أو مبتدع فارقوا السنة وأهلها ببدعتهم ووالوا وعادوا عليها من أمثال عمرو بن عبيد وغيلان وابن عربي والحلاج وابن الفجاءة وأتباعهم من المتقدمين ومن المتأخرين والخميني والكوثري ومحمد علوي مالكي وأتباعهم ومن سار على فكرهم.

    فلا بد من التفريق بين من إقام البدعة ودعى الناس إليها وضلل وكفر من خالفه فيها وبين من وقع في بدعة متأولاً وغير داعي لها أو منافحاً عنها وهذا هو العدل الذي عليه أهل السنة.

    يقول الشريف الدكتور عفا الله عنه:
    ومن الخطأ المنتشر بيننا تصوُّرُ أن شرَّ المبتدع مطلقاً أعظم من شر الفاسق.أهـ
    ثم علق في الحاشية برقم 36 بما مضمونه أن لشيخ الإسلام في كتاب الإستقامة كلام أذا جمعناه مع كلامه المشهور عنه بأن شر المبتدع مطلقاً أعظم من شر الفاسق يتضح لنا بأن الإطلاق غير مراد!!؟
    وعلل الشريف الدكتور بقوله: وكيف يريد الإطلاق؟! وهو نفسُه يرى قبولَ شهادةِ أهل البدع , دون أهل الفسوق !!


    أقول والله المستعان:
    قال شيخ الإسلام في الإستقامة 2: وكان السلف يحذرون من هذين النوعين من المبتدع في دينه والفاجر في دنياه كل من هذين النوعين وإن لم يكن كفرا محضا فهذا من الذنوب والسيئات التي تقع من أهل القبلة.
    وجنس البدع وإن كان شرا لكن الفجور شر من وجه آخر وذلك أن الفاجر المؤمن لا يجعل الفجور شرا من الوجه الآخر الذي هو حرام محض لكن مقرونا بأعتقاده لتحريمه وتلك حسنة في أصل الاعتقاد وأما المبتدع فلا بد ان تشتمل بدعته على حق وباطل لكن يعتقد ان باطلها حق أيضا ففيه من الحسن ما ليس في الفجور ومن السئ ما ليس في الفجور وكذلك بالعكس
    فمن خلص من الشهوات المحرمة والشهوات المبتدعة وجبت له الجنة وهذه هي الثلاثة الكلام المنهى عنه والطعام المنهى عنه والنكاح المنهى عنه فإذا اقترن بهذه الكبائر استحلالها كان ذلك أمرا فكيف إذا جعلت طاعة وقربة وعقلا ودينا.أهـ المقصود

    فهذا كلام ابن تيمية في الإستقامة الذي جعله الشريف الدكتور معارضاً لقول شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (28/470) «ولهذا اتفق أئمة الإسلام على أن هذه البدع المغلّظة شرٌّ من الذنوب التي يعتقدُ أصحابُها أنها ذنوب» , وكقوله فيه (20/103): « أن أهل البدع شرٌّ من أهل المعاصي الشهوانية , بالسنة والإجماع».

    فهل يا منصفين كلام شيخ الإسلام في الإستقامة يصلح معارضاً لما نقله شيخ الإسلام نفسه من الإتفاق بل والسنة والإجماع بأن أهل البدع شرَّ من أهل المعاصي!!؟

    ولمساعدة المنصفين على الجواب أسوق الأدلة من السنة الشريفة على صحة الإجماع المنقول من شيخ الإسلام على أن البدع وأهلها شر من المعاصي وأهلها:
    أخرج البخاري في صحيحه 3 عن عمرَ بن الخَطاب أن رجلاً كان على عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يُلقبُ حِماراً وكان يُضحكُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد جَلدَهُ في الشراب، فأُتيَ به يوماً فأمرَ به فجُلدَ، فقال رجلٌ منَ القوم: اللهمَّ العَنْهُ، ما أكثرَ ما يؤتى به! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا تَلعَنوهُ، فو الله ما علمتُ إلا أنه يحبُّ الله ورسوله».

    وروى مالك في موطأه 4 عن زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ ،؛ أَنَّ رَجُلاً اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله . فَدَعَا لَهُ رَسُولُ الله بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ. فَقَالَ: «فَوْقَ هٰذَا» فَأُتِيَ بِسَوطٍ جَدِيدٍ، لَمْ تُقْطَعْ ثَمَرَتُهُ فَقَالَ: «دَونَ هٰذَا» فَأتِيَ بِسَوطٍ قَدْ رُكِبَ بِهِ وَلاَنَ. فَأَمَرَ به رَسُولُ الله فَجُلِدَ. ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ. قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ الله. مَنْ أَصَابَ مِنْ هٰذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئاً، فَلَيَسْتَتِرِ بِسِتْرِ الله. فَإنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَناَ صَفْحَتَهُ، نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ الله». ووصله الحاكم في مستدركه وقال على شرط الشيخين.

    وأخرج البخاري في صحيحه5 عن أنسَ بن مالكٍ رضيَ الله عنه يقول: «جاء ثلاثةُ رَهْطٍ إلى بيوتِ أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم يسألونَ عن عبادةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأَنهم تَقالُّوها، فقالوا: وأينَ نحنُ منَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قد غَفر اللهُ لهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ وماتأخَّر. قال أحدُهم: أما أنا فأنا أصلِّي الليلَ أبداً. وقال آخر: أنا أصومُ الدهرَ ولا أُفطر. وقال آخر: أنا أعتزِلُ النساء فلا أتزوَّجُ أبداً. فجاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتُم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما واللهِ إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصومُ وأُفطر، وأصلِّي وأرقُد، وأتزوجُ النساء، فمن رغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مني».متفق عليه

    من ما تقدم تعرف يا عبد الله بأن النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه نهى أصحابه أن يلعنوا صاحبهم السكران وأرشد الزاني لما يدرأ عنه الحد بأن يستر نفسه أذا ابتلي بشيء من هذه المعاصي لعلمه عليه الصلاة والسلام بأن الشيطان لا يفتر بأن يوقع المسلم في الشهوة فالنفس مجبولة عليها إلا من كمل إيمانه وعافاه الله من هذه القاذورات فكان النبي عليه الصلاة والسلام نعم المعلم لصاحب المعصية ولمن أنكر عليه بأن لا يتعدى في إنكاره.

    والعكس بالعكس فعندما يأتي بعض الرجال الصالحين فيتحروا عمل خير العابدين صلى الله عليه وسلم , فيرغبوا في الزيادة على السنة بإجتهاد منهم يروموا منه مرضاة ربهم , وفيهم المتبتل الصالح عثمان بن مظعون رضي الله عنه وأرضاه.
    فينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وينسب فعلهم بأنه مفارقة للسنة وأنهم ليسوا منه عليه الصلاة والسلام إن رغبوا عن سنته.
    فالفاسق يقال له أستتر بستر الله ويقال لمن يلعنه لا تلعنه , أما الرجل الصالح المتبتل الراغب في زيادة العمل فيقال له من رغب عن سنتي فليس مني!!

    بهذا تفهم ما قاله البربهاري 6 رحمه الله:
    إذا رأيت الرجل رديء الطريق والمذهب فاسقا فاجرا صاحب معاص ظالما وهو من أهل السنة فاصحبه واجلس معه فإنه ليس تضرك معصيته وإذا رأيت الرجل عابدا مجتهدا متقشفا محترفا بالعبادة صاحب هوى فلا تجلس معه ولا تسمع كلامه ولا تمشي معه في طريق فإني لا آمن أن تستحلي طريقه فتهلك معه.
    رأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى فقال: [يا بني من أين خرجت قال
    من عند عمرو بن عبيد قال يا بني لأن أراك خرجت من بيت هيتي أحب إلي من أن أراك خرجت من بيت فلان وفلان ولأن تلقى الله زانيا سارقا خائنا أحب إلي من أن تلقاه بقول أهل الأهواء].
    أفلا تعلم أن يونس قد علم أن الهيتي لا يضل ابنه عن دينه وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفره.أهـ كلام البربهاري

    يقول الشريف الدكتور عفا الله عنه:
    إن المبتدع لا يـصحُّ أن يُنزَّل مطلقًا في أحد تلك الـمنازل الشرعية، لأنه قد يـكـون مـؤمنا عـدلا ولـذلك قـبلوا شهادته وقبلوا روايته أيضًا، وقد يكون فاسقا.أهـ

    أقول:
    لم يكن قبول السلف شهادة و رواية أهل البدع قبولاً مطلقاً , ولا يجوز أن نسمي المبتدع بأنه عدل بشكل مطلق , فالتعديل لهم إنما فيما يروونه أو يشهادوا به وليس في كل شهادة أو كل رواية ومثال ذلك أن البخاري وهو البخاري 7روى للخارجي عمران بن حطان الذي مدح الهالك ابن ملجم قاتل علي بن ابي طالب رضي الله عنه!!
    فهولاء الخوارج قد جرحهم الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام فكيف يكونوا عدولاً من بعد هذا الجرح النبوي؟

    يقول الحافظ ابن حجر 8 رحمه الله:
    وينبغي ان يقيد قولنا بقبول رواية المبتدع إذا كان صدوقا ولم يكن داعية بشرط ان لا يكون الحديث الذي يحدث به مما يعضد بدعته ويشيدها فانا لا نأمن حينئذ عليه غلبة الهوى والله الموفق.أهـ

    فلا يجوز للشريف الدكتور عفا الله عنه أن يطلق القول بعدالة المبتدع الذي تقبل روايته فالبدعة في ذاتها مسقطه للعدالة , ولا يعضد قوله رواية بعض الائمة عنهم , لأن من روى عنهم من الائمة ذو بصيرة بما يقبلونه وبما يردونه , بل هناك من الائمة من لا يقبل للمبتدعة رواية مثل الإمام مالك , وهناك من لا يرضى أن يحدثهم مطلقاً كزائدة بن قدامة فيما رواه عنه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي والسامع .9

    وقال الدكتور الشريف عفا الله عنه:
    وسأضرب هنا مَـثَلًا بأحد أظهر الحقوق التي يُظَـنُّ أنها مُـنْـتَـقَصَةٌ من الحقوق الإسلاميّة للمبتدع ، ألا وهو تحريم هجر المسلم فوق ثلاثة أيام، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم-: «لا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاثِ ليالٍ، يلتقيان فَـيُـعْرِضُ هذا ويُعرضُ هذا، وخيرُهما الذي يبدأ صاحبَه بالسلام».أهـ

    أقول:
    جاء في الصحيحين بأن النبي عليه الصلاة والسلام جميع زوجاته شهراً كاملاً وكذلك هجر الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك.
    قال الحافظ في الفتح10 : وفيه ترك السلام على من أذنب، وجواز هجره أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق الثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيا.أهـ

    وعن عبدِ الله بن مُغفَّلٍ أنه رأى رجلاً يَخذف فقال له: «لا تخذفْ، فإِنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف ـ أو كان يَكرهُ الخَذف ـ وقال: إنهُ لا يُصادُ به صَيدٌ ولا يُنكأُ به عَدوٌّ، ولكنَّها قد تَكسِرُ السنَّ، وتفقأ العين. ثمَّ رآهُ بعد ذلك يخذِفُ فقال له: أُحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخَذفِ ـ أو كرهَ الخَذف ـ وأنت تخذِف؟ لا أكلِّمك كذا وكذا».صحيح البخاري11
    قال الحافظ ابن حجر 12: وفي الحديث جواز هجران من خالف السنة وترك كلامه، ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث فإنه يتعلق بمن هجر لحظ نفسه.أهـ

    قلت: ومن هذا الباب يكون هجر أهل البدع كما فعل ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع صبيغ بن عسل رحمه الله.

    وقال الدكتور الشريف عفا الله عنه:
    وقد تأتي عباراتٌ عن السلف في هذا الباب قد يظنها بعضُنا متناقضة، وقد يكون التناقُضُ في فهمنا لها، لا في تلك العبارات! فيعمد بعضُنا إلى انتقاء ما يريد، وترك ما لا يريد، لا لعدم اطلاعه على ما لا يرتضيه، ولا لكونه قد وجّهَ ما لا يرتضيه توجيها سائغا على ما وَفْقِ ما يرتضيه، ولكنه أغفله وتَعَامَى عنه لأنه لا يرتضيه فقط!!أهـ

    أقول: هذا عين ما فعلته يا دكتور وللأسف , فقد تغافلت عن الأقوال المأثورة المتواترة عن السلف والخلف في قبح البدع وسوء مآلها والتنفير عن مجالسة أهلها وإنها هدم للدين فلا يسوغ السكوت عمن يُحدثها ومثال ذلك ما فعلته تجاه أقوال الأئمة مالك واحمد وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتوجيهها توجيهاً مخل بمقصودهم رحمهم الله.

    وسأورد لك أيها القارئ الفطِّن من فعل شيخ الإسلام ما يؤكد قوله رحمه الله في أن أهل البدع يجب أن يجاهدوا ويحذر منهم وينفر من مجالستهم وطرائقهم وذلك يكون بالسنان من قبل ولاة الأمر من الأمراء وباللسان وهذا هو واجب اهل العلم وهم الشق الثاني من معنى وأولي الأمر منكم .
    جاء في مجموع الفتاوى 13 القصة العظيمة لشيخ الإسلام في مناظرته للبطائحية الرفاعية وهم فرقة مبتدعة فأنكر عليهم ابو العباس بدعتهم وحذر الناس منهم حتى وصل بهم الأمر للأمير فأشتكوا ابن تيمية عند الأمير فتمت المناظرة , وبعد أن أقتنع الأمير بكلام شيخ الإسلام في هولاء المبتدعة فسأل الأمير ابن تيمية في الواجب تجاه هولاء المبتدعة قائلاً:فبأي شيء تبطل هذه الأحوال.
    فقلت – ابن تيمية القائل -: بهذه السياط الشرعية. فأعجب الأمير وضحك، وقال: أي والله! فقال شيخ الإسلام: بالسياط الشرعية، تبطل هذه الأحوال الشيطانية، كما قد جرى مثل ذلك لغير واحد، ومن لم يجب إلى الدين بالسياط الشرعية فبالسيوف المحمدية. وأمسكت سيف الأمير وقلت – لازال المتكلم ابن تيمية -: هذا نائب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلامه، وهذا السيف سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن خرج عن كتاب الله وسنة رسوله ضربناه بسيف الله، وأعاد الأمير هذا الكلام، وأخذ بعضهم يقول: فاليهود والنصارى يُقرُّون ولا نقر نحن؟ فقلت: اليهود والنصارى يقرون بالجزية على دينهم المكتوم في دورهم، والمبتدع لا يقر على بدعته، فافحموا لذلك.أهـ

    الشاهد هنا وهو استنكار هولاء المبتدعة من إقرار أهل الكتاب من أهل الذمة والمعاهدين على دينهم وعدم إقرار أهل السنة لهم على بدعتهم.
    فقال ابوالعباس رحمه الله: اليهود والنصارى يقرون بالجزية على دينهم المكتوم في دورهم، والمبتدع لا يقر على بدعته، فافحموا لذلك.

    وأما قول شيخ الإسلام 14: وإذا اجتمع في الرجل الواحد: خيرٌ وشرٌّ، وفجورٌ وطاعةٌ ومعصيةٌ، وسنةٌ وبدعةٌ = استحقَّ من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحقَّ من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر فيجتمع في الشخص الواحد موجباتُ الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا.وهذا كاللصِّ الفقير: تُقطَعُ يدُهُ، ويُعطَى من بيت المال ما يكفيه.أهـ

    فهذا النص منه رحمه الله حق وصدق فإن كان الكافر لا يكون شر محض فالمسلم من باب أولى , لكن يخطئ من يجعل هذا النص من شيخ الإسلام ناسخاً أو معارضاً لما تقرر من منهج السلف تجاه أهل البدع , بل أن ابن تيمية في أخر هذا الكلام ضرب مثلاً للسارق ولم يجعل المثل في صاحب بدعة فتنبه.
    وأيضاً نقول أن المؤمن مأمور بالعدل والإنصاف مع من يقاتلهم من الكفار فكيف بمن لازال على دين الإسلام , فكما أن قتال الكفار لم يمنع إقامة العدل لهم , كذلك هجر المبتدع وذمه والتنفير عنه لا يمنع من استيفاء حقوقه من قِبَل المؤمن الهاجر ولا يهتدي إلى هذا الأصل إلا من كان صادقاً في القيام بهذا وهذا وسلفنا الصالح خير من قام بهذا وهذا.

    يقول الدكتور الشريف عفا الله عنه:
    أن التشديدَ مع أهل البدع خلافُ الأصل فيهم (وهذا أوّلاً)، (وثانيًا): أنّ التشديدَ معهم ينبغي أن يكون بالقَدْرِ الذي نظنّ أنه سيُصلحه أو يدفع إفسادَه، دون مجاوزة هذا الحدّ؛ لأنه ما زال مسلمًا.وإذا كان صاحبَ تَدَيُّنٍ وتعظيمٍ لحرمات الدين مع بدعته، فهذا يستحق من هذه الجهة ما يستحقُّهُ المؤمنون من الإكرام وحفظ الحقوق.أهـ

    أقول:
    لو قمنا برد هذا الكلام الى السنة المطهرة وفعل الصحابة المهديين والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم اجمعين , لما وجدنا ما يشهد له أو يعضده بل هناك من السنن ما يخالف هذا التقرير الباطل من الدكتور الشريف عفا الله عنه ومن ذلك إنكار النبي عليه الصلاة والسلام على خيار الصحابة الرهبانية التي عزم على فعلها وشدد عليه الصلاة والسلام عليهم حتى قال من رغب عن سنتي فليس مني.
    ومن ذلك فعل عمر مع صبيغ حتى روى ابن حجر 15 في ترجمه صبيغ أنه ضُرب مائة سوط فلما برئ دعاه فضربه مائة أخرى ثم حمله على قتب وكتب إلى أبي موسى حرم على الناس مجالسته وفي رواية وكتب إلينا عمر لا تجالسوه قال فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا.

    فالأصل في أهل البدع قوله عليه الصلاة والسلام: " من رغب عن سنتي فليس مني " فمن كان ذا قدرة من الأمراء بأن يفعل بهم مثل ما فعل عمر رضي الله عنه فهو واجب عليه وهذا في حال قوة أهل السنة وأما إن كان حال أهل السنة الضعف والقلة كما كان حال شيخ الإسلام في بعض فترات حياته فيجب جهادهم بالعلم والقلم ولا يسقط هذا بحال عن أهل العلم العاملين وذلك لقوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ }[البقرة:159]

    وأخيراً قول الدكتور الشريف:
    وبذلك يتضح أن تصوّرنا بأن منهج التعامل مع المبتدعة والبدع منهجٌ واحد خطأٌ كبير في التصوُّرِ، ويخالف ما كان عليه السلف فانظر تعظيمَهم لبعض من تلبّس ببدعة، إذا كان فيه من العلم والإيمان ما يغلب فسادَ بدعته: كقتادة بن دعامة القدري وانظر تفريقهم بين الداعية وغير الداعية، وبين المعاند والمتأوّل.أهـ

    أقول:
    الأصل في منهج السلف تجاه أهل الأهواء والبدع معلوم منثور في كتب السنة , وأما المستثنى من ذلك فلا يجوز أن نجعله أصلاً وحكماً عاماً تجاه جميع أهل البدع.
    فكل بدعة ضلالة ويجب ردها وإن كان صاحبها من يكون في العلم والعمل , مع حفظ مكانة أهل العلم والفضل الذابين عن السنة والداعين لها والمحكمين لها في جميع أقوالهم وأفعالهم.

    والمشكلة اليوم 16هي أن بعض الفضلاء يشكل عليهم هذا المنهج السلفي الحق في التعامل مع أهل البدع والأهواء وذلك لكثرة البدع والأهواء اليوم فمن أراد أن يطبق هذا الحق يجد نفسه غريباً فيؤثر السلامة – في ظنه – وخصوصاً أن البدع اليوم يحدثها أناس من بني جلدتنا بل وبعضهم إخوان لنا وجيران فيستعصى على البعض أن يطبق منهج السلف في مثل هولاء من ذوي القربى وكأن الموالاة والمعادة قائمة على هذه القرابة وليست على الحق!!
    ومثال ذلك الليبرالية لا شك أنها بدعة خصوصا أذا كان الداعي لها ممن يتلبس لباس الدين ومن يدعي لها هم بعض إخواننا في داخل هذه البلاد الموحدة ومع ذلك لا يجرؤ إلا القليل بالمنادة بتطبيق منهج السلف في هجرهم والتنفير عن دعوتهم المخالفة للكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة.

    فدولتنا والحمد لله دولة سلفية قائمة على التوحيد والسنة بمنهج سلف الامة مع بعض التقصير والسنة فيها عزيزة مقارنة بما حولها من البلدان ولله الحمد والمنة فالواجب على دعاة السنة الصدع بالدعوة وتحذير الناس من كل ما يخالف السنة المطهرة سواء صغرت البدعة أو كبرت والله إنكم لمسئولون أمام الله يا من تنتسبون للسنة وتتهاون مع أهل البدعة اللهم أشهد.

    وختاماً أقول سائلاً ربي العزيز الحميد بأن يغفر لنا وللدكتور خطأنا وعمدنا وكل ذلك عندنا وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا إجتنابه , والله أعلم

    وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين
    كتبه
    ابن عقيل غفر الله له ولوالديه
    3 ربيع الثاني 1428 هـ
    =============================
    1- شرح السنة للبربهاري ص129 ط دار الصميعي.
    2- الإستقامة ص321-322 ط دار الفضيلة
    3- صحيح البخاري – كتاب الحدود (6623)
    4- الموطأ – كتاب الحدود (1521)
    5- صحيح البخاري كتاب النكاح (4943) صحيح مسلم كتاب النكاح(3751)
    6- شرح السنة ص114 ط دار الصميعي
    7- صحيح البخاري كتاب اللباس – باب نقض الصور (5815)
    8- مقدمة لسان الميزان لابن حجر العسقلاني رحمه الله
    9- الجامع لأخلاق الراوي والسامع (1\333) ط مكتبة المعارف
    10- فتح الباري (8\156) ط دار السلام
    11- صحيح البخاري كتاب الذبائح والصيد – باب الخذف والبندقة (5353)
    12- فتح الباري (9\753) ط دار السلام
    13- مجموع الفتاوى (11\470)
    14- مجموع الفتاوى (28\209)
    15- أنظر ترجمة صبيغ بن عسل في الإصابة
    16- ويستغرب الناظر اليوم في الساحة الإسلامية مدى السقوط العجيب ممن كان في أقصى اليمين دفاعاً عن الدين بزعمه ومنكراً كل ما يخالفه بل وكان يصل به الأمر التشنيع على كل صغيرة وكبيرة في المجتمع متجاهلاً الحكمة في ذلك وهو اليوم مداهناً لأهل البدع بل مزكياً لهم داعياً للأخذ عنهم بل ويزاورهم في عقر دارهم والله المستعان!!
    وهذا مصداق قول ابن سرين رحمه الله لما قيل له أرايت فلان قد عاد عن رأيه - المخالف للسنة - قال ابن سيرين: أنظر الى ماذا يتحول!؟

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي

    لا شك أن فيه بعض كلام الشيخ حاتم غلطا، وقد أحسن الأخ ابن عقيل في مجمل ما ذكر.
    وإن كان المقال بحاجة إلى رد أوضح وتحرير لرأي السلف وطريقتهم ، يسر الله من يتولى ذلك نصحا لدين الله ولعباده .
    وفي مقال الشريف تهويل في المقارنة وعدم تحرير للمسألة ونفَس العاطفة فيه أقوى من نفس التحقيق .
    وبالنسبة لرواية المبتدع فمن أحسن من تكلم عليه العلامة المعلمي في التنكيل 1/42-52 .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

    جزاكم اللهُ خيرًا عن تعقيباتكم العلميّة ؛

    ووفّق اللهُ الشّيخ الكريم حاتمًا العونيّ لكل خير ،
    وعفا عن زلاته .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي

    ولا أنسى أخانا الكريم عبد الله :
    حفظكم اللهُ تعالى وبارك فيكم .

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    359

    افتراضي

    الحمد لله معز الإسلام بنصره

    للعبد الفقير مع هذه المقالة وقفات

    الوقفة الأولى في مسألة تفضيل الفاسق على المبتدع أو العكس

    فنقول هل يقر الشريف معنا أن البدعة شر من المعصية ؟
    قطعاً نعم
    فبناءً عليه يكون الأصل في المبتدع أنه شر من الفاسق

    وعندما نقول أنه شر من الفاسق ، لا يعني أننا نجزم أن الفاسق افضل عند الله ، فهذا اختصاص إلهي إذ أننا لا نطلع على الأعمال القلبية
    ولكن المقصود أن الفاسق أقل شراً من المبتدع
    فلو كان لك جارٌ فاسق وآخر مبتدع ، لكانت مجالستك للفاسق هي أخف الضررين
    الوقفة الثانية مع قول الشريف (( وإذا كانت البدعةُ تحرِّفُ حقائقَ الدين، فإن المعاصيَ والانغماسَ في الفسوق يؤدّي إلى الجهل بحقائق الدين، ليؤدّي ذلك إلى إعراضٍ عن حقائقه، إعراضٍ قد يصل إلى درجة الكفر، كما قال أحدُ الزهاد وكثيرٌ من العلماء: المعاصي بريدُ الكفر؛ فلا فرقَ كبيرًا (من هذه الجهة) بين المعاصي والبدع!! خاصة في زمننا ))

    لا فرق كبير بين المعاصي والبدع ؟!!!

    يا للعجب
    اين الشريف من قول النبي صلى الله عليه وسلم (( وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ))
    ولنتبع مع الشريف أسلوبه في إلغاء القواعد بالشواذ عنها
    ونقول هناك الكثير من الفساق يحافظون على الصلوات ويبتعدون عن الشركيات والبدع
    ثم إن كثيراً من البدع هي الكفر بعينه وليست بريد الكفر

    كمثل تجويز الإستغاثة بالأموات ،وتعطيل الصفات ، وإنكار الرؤية ، ودعوى علم الأنبياء الغيب وغيرها _ وهذا لا يعني تكفير أصحابها فتنبه _
    ولا ننكر أن كثيراً من الفساق يقعون في الشركيات والبدع ولكن ذلك هو نتاج علماء السوء من أهل البدع

    الوقفة الثالثة مع قول الشريف (( فلا يصحُّ أن يكونَ موقفُنا من أهل المعاصي (وهم معاندون مُسْتَخِفّون بالحرمات))

    هكذا يجعل جميع الفساق معاندين !!!!!!!! مستخفين بالحرمات وهذا أخذٌ بلازم الفعل
    وماذا عن أهل البدع ؟
    الذين جاء ذمهم في النصوص عامةً ، انظر على سبيل المثال حديث الإفتراق (( كلها في النار إلا واحدة ))

    (( كلها في النار )) تأمل هذه

    وتأمل حديث (( تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ))

    أليس هذا ذمٌ لأهل البدع عموماً ، فلو كنا على منهج الشريف لجعلناهم جميعاً معاندين أو الأصل فيهم العناد ، خصوصاً في عصورٍ كانت السيادة فيها لأهل السنة ، ولجعلنا ذلك في علما أهل البدع قبل غيرهم لأن العلم مظنة تمييز بين الحق والباطل

    ولكننا أهل إنصاف واعتدال

    ثم ما هي أعظم نتيجة للجهل بالحقائق الدينية ؟

    الجواب : الشرك ولم يقل أحدٌ أن الفاسق الواقع في الشرك خير من المبتدع

    ثم تأتي البدع فيكون فاسقاً بالمعاصي ومبتدعاً في نفس الوقت

    وبناءً تكون مقارنة الشريف واقعة بين علماء أهل البدع وفساقهم

    ولا علاقة لهذا بمحل النزاع

    وللوقفات بقية

  7. #7

    افتراضي

    (لا شك أن فيه بعض كلام الشيخ حاتم غلطا، وقد أحسن الأخ ابن عقيل في مجمل ما ذكر.
    وإن كان المقال بحاجة إلى رد أوضح وتحرير لرأي السلف وطريقتهم ، يسر الله من يتولى ذلك نصحا لدين الله ولعباده .
    وفي مقال الشريف تهويل في المقارنة وعدم تحرير للمسألة ونفَس العاطفة فيه أقوى من نفس التحقيق) .. لا مزيد .
    وقد كنت من أول ما قرأت المقالة عزمت على التعقيب المفصل ودعوت الله أن يكفيني غيري حتى لا يسبق إلى البعض سوء ظن بأني مترصد للدكتور الشريف عفا الله عنه ووفقه لكل خير .. ثم رأيت تعقيباتكم ففرحت ..

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    211

    افتراضي

    الإخوان الأعزاء
    عبدالرحمن السديس
    سلمان أبو زيد
    عبد الله الخليفي
    أبو عمر الكناني

    جزاكم الله خيراً على نصرة الحق

  9. #9

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ما ذكره الشيخ الدكتور حاتم في مقاصد بحثه الرئيسة هو عين الصواب ، وإن كان مشحوناً متوتراً ؛ فانطبق عليه المثل الدارج : (طيَّر صيدته في عجاجته) .

    فهو لم يعدُ عن رأي شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ فتأملوا كلام شيخ الإسلام رحمه الله .
    فالهجر والمقاطعة ليست مقصودة لذاتها ، وإنما هي وسيلة إن تحققت الغاية منها شُرعت ، وإلا عدنا وجوباً إلى أصل حرمة المسلم في عرضه .
    شكراً لكم وشكر آخر للشيخ الشريف .

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: التعامُلُ مع المبتدِعِ (تصحيحٌ لـمُمَـارساتِنا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة وفهم ا

    مع ما أكنه من احترام وتقدير لرأي الإخوة ، وبقطع النظر عن كلام الشريف حاتم ، إلا أنني منذ زمن وأنا أرى الخلل يتسع في التعامل مع المخالف ، مبتدعاً أو كافراً أصلياً ، ومعالجة الخلل ليس باستقبال هؤلاء بالأحضان وإقرارهم على حالهم بقدر ما نحن محتاجون إليه - كطلبة علم على وجه الخصوص - من استيعاب المخالف بدلاً من هجره ، ذلك أن الهجر والقطيعة والمعاداة ليست الأصل في المعالجة ، بل هي أمر تالٍ لمحاولات الإحسان والإرشاد والتعليم والحوار ، كل ذلك بدافع الرحمة والإبانة ، وليس المشرك الأصلي أولى بهذا من المبتدع.

  11. #11

    افتراضي رد: التعامُلُ مع المبتدِعِ (تصحيحٌ لـمُمَـارساتِنا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة وفهم ا

    تشبيه:
    الأصل في جسم الإنسان ألا يقطع منه جزء، حفاظا عليه وإكراما له. لكن إذا أصابته علة فتاكة في إحدى الجهات وجب بترها بأقل خسارة ممكنة!
    ولا يصلح لهذا الأمر إلا الطبيب الجراح الماهر الحادق المتقن المتخصص، ولا يرضى عنه بديلا.
    طلب:
    يرجى من الاخوة الذين أشاروا إلى ضرورة التحرير والتوضيح أن يتحفونا بما في جعبتهم.
    ختاما:
    الواقع المعاش في هذه الأيام يشهد لقبح عواقب الهجر (التعسفي)، فقد أصبح كثير من أهل الخير يحجمون عن التقدم لنفع الناس خوفا على كرامتهم من الأذى، بسبب من تصدوا لتقويم الخلق ـ زعموا ـ
    كلام النبي يُحتَجُ به، وكلام غيره يُحتَجُ له
    صلى الله عليه وسلم
    ليس كل ما نُسِبَ للنبي صلى الله عليه وسلم صحت نسبته، وليس كل ما صحت نسبته صح فهمه، وليس كل ما صح فهمه صح وضعه في موضعه.

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    211

    افتراضي رد: التعامُلُ مع المبتدِعِ (تصحيحٌ لـمُمَـارساتِنا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة وفهم ا

    يقول الأخوان
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله بن عبدالرحمن مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ما ذكره الشيخ الدكتور حاتم في مقاصد بحثه الرئيسة هو عين الصواب ، وإن كان مشحوناً متوتراً ؛ فانطبق عليه المثل الدارج : (طيَّر صيدته في عجاجته) .
    فهو لم يعدُ عن رأي شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ فتأملوا كلام شيخ الإسلام رحمه الله .
    فالهجر والمقاطعة ليست مقصودة لذاتها ، وإنما هي وسيلة إن تحققت الغاية منها شُرعت ، وإلا عدنا وجوباً إلى أصل حرمة المسلم في عرضه .
    شكراً لكم وشكر آخر للشيخ الشريف .
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الشهري مشاهدة المشاركة
    مع ما أكنه من احترام وتقدير لرأي الإخوة ، وبقطع النظر عن كلام الشريف حاتم ، إلا أنني منذ زمن وأنا أرى الخلل يتسع في التعامل مع المخالف ، مبتدعاً أو كافراً أصلياً ، ومعالجة الخلل ليس باستقبال هؤلاء بالأحضان وإقرارهم على حالهم بقدر ما نحن محتاجون إليه - كطلبة علم على وجه الخصوص - من استيعاب المخالف بدلاً من هجره ، ذلك أن الهجر والقطيعة والمعاداة ليست الأصل في المعالجة ، بل هي أمر تالٍ لمحاولات الإحسان والإرشاد والتعليم والحوار ، كل ذلك بدافع الرحمة والإبانة ، وليس المشرك الأصلي أولى بهذا من المبتدع.
    وحاصل كلامهما بأن الهجر ليس هو الأصل في التعامل مع المبتدعة حسب ما فهمته من ما تقدم
    فالرجاء الإطلاع على هذا الرابط لعل فيه فائدة لهما
    http://majles.alukah.net/showthread.php?t=2645
    والله الموفق

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: التعامُلُ مع المبتدِعِ (تصحيحٌ لـمُمَـارساتِنا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة وفهم ا

    جزاك الله خيرا. ولا أراك نقلتني إلا إلى مقال قد انتقى آثار القطع و الهجر مطلقاً ، وهذا الانتقاء سهل وفائدته على أرض الواقع بحسب الحال والظرف ، المقال نقل كلام بعض السلف - رحمهم الله - ومع ذلك يؤخذ من كلامهم ويرد عليهم. وسياق حديثي واضح وهو يقضي بأن هجر وقطع و معاداة المبتدع لا يكون إلا بعد الحوار والتبيان والإرشاد ، فالأصل الأصيل في دعوة القرآن ورسالة الإسلام البداءة بالتعليم و التبيين والإصلاح وإقامة الحجة بالتي هي أحسن. ولو كان الأصل على الدوام الهجر و الانعزال فبأي اعتبار يصل البيان إلى قلوب أهل الشبه ؟ فلم يأمر الله تعالى موسى باجتناب فرعون قبل أن يأمره بأن يقول له قولاً لينا ، ومنهج ابن تيمية نموذجي في ذلك ، فقد كان كثير اللقاء بهم محاوراً و مناظراً مع حسن خلق وأدب ، ثم يكون الهجر بعد ذلك بحسب ضراوة ومعاندة الخصم ، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُون)). فبدأ بالمحاجّة ثم جاء الهجر آخراً ، ولو كان الأصل الهجر والمقاطعة لكان هو المطلوب بمجرد العلم بكون الآخر مخالفا.
    =========================
    حادثة شخصية : أعمل مع مبتدع في مقر عملي ، شيعي جلد ، ولكن هجره الآخرون بمجرد العلم بحاله. أما أنا فآثرت مجالسته رغبة في ردّه ولو عن بعض ما هو فيه ، ولا يكاد يمر يوم إلا ويحصل النقاش حول الصحابة رضي الله عنهم ، وعقيدة الاثنا عشرية ، ومصادر الفريقين ، ومسألة الإمامة ، وجعلت صدري متسعاً للإجابة عن سؤالاته على الدوام ، وكنت أثير أكثر القضايا خطراً وحساسية : لعن الصحابة ، والقول بنقص القرآن ، القول في عِرض عائشة رضي الله عنها ، القول بكفر أهل السنة ، التقية ، وبالتدرج و الحوار ما زال يطلع الرجل كل يوم على خوار مذهبه ، وينكشف له ضعف حجتهم ، وضلالهم الذي لا يقف أمام قوة الأدلة الصريحة ، والحمد لله ، وشهدت ما قاله الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام فيما أخرجه الخلال بإسناده ، قال: "ما رأيت أضعف حجة ولا أحمق من الرافضة" [1].
    ==============================
    [1] كتاب السنة ، ص499 .

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: التعامُلُ مع المبتدِعِ (تصحيحٌ لـمُمَـارساتِنا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة وفهم ا

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الخليفي مشاهدة المشاركة
    وللوقفات بقية
    وهذه تتمة لبعض الوقفات التي كتبها أخونا الشيخ عبد الله جزاه الله خيرا
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الخليفي مشاهدة المشاركة
    الوقفة الرابعة مع قول الشريف (( وانظر ماذا قال الخليفةُ الراشدُ علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) عمن كفّروه هو وكلَّ المؤمنين في زمنه ممن لم يدخل في بدعتهم، وهم الخوارج الذين قد جاء فيهم من النصوص وفي التحذير من بدعتهم ما لم يجئ في غيرهم.فقد صحَّ عنه (رضي الله عنه) أنه سُئل عنهم : «أمشركون هم؟ قال: من الشرك فرّوا.قيل فمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا.قيل: فما هم ؟قال: قومٌ بغوا علينا، فقاتلناهم»(27).
    فعلّق شيخُ الإسلام ابن تيميّة على جواب علي (رضي الله عنه) بقوله :« فقد صرّحَ عليٌّ (رضي الله عنه) بأنهم مؤمنون، ليسوا كفارا، ولامنافقين» ))

    قلت هناك فرق واضح بين توقير المبتدع وتفضيله على الفاسق والحكم عليه بعدم الكفر والإستدلال على ذلك

    والفاسق أيضاً لا يكفر بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حكم قال في حمارة أنه (( يحب الله ورسوله)) مع ما صدر منه

    ثم ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج (( شر قتلى تحت أديم السماء ))

    تأمل (( شر قتلى ))

    مع أنهم لم يكفروا على مذهب الشريف وليسوا فساقاً ومع ذلك (( شر قتلى ))

    وقال (( هم كلاب النار ))

    أم أن هذا الحديث ليس متسقاً مع منهج النبي صلى الله عليه وسلم في عدم تشبيه المسلمين الثقات بالحيوانات _ على زعم الشريف _

    ولماذا يترك الشريف الأحاديث في ذم الخوارج ولا يذكرها بل يشير إليها إشارة فقط ؟

    أليس هذا من الإجتزاء ؟

    وليست هذه أول مرة يفعل فيها الشريف هذا الفعل ال........

    فقد فعل ذلك في كتابه المرسل الخفي عند كلامه على بن زيد بن جدعان وقد كان يسعى لتقوية حالة فأشار إلى أقوال مضعفيه مجرد إشارة ولم يتعرض لنقلها تفصيلياً وإما نقل ما استطاع الإجابة عليه

    فإن فيها ما هو تضعيف لرواية علي بن زيد بن جدعان عن الحسن وهي التي سعى الشريف جاهداً لتقويتها وإثبات أن لها حكماً خاصاً

    قال عبد الله بن أحمد سئل أبي سمع الحسن من سراقة فقال لا هذا علي بن زيد يعني يرويه كأنه لم يقنع به

    ومنها ما هو جرحٌ شديد

    كمثل قول أحمد ((ليس بشيء )) وكذلك قال نقل عن يحيى بن معين

    ومنها ما هو جرحٌ مفسر

    كمثل قول ابن خزيمة (( لا أحتج به لسوء حفظه ))

    وقول حماد بن زيد ثنا علي بن زيد وكان يقلب الأحاديث وفي رواية كان يحدثنا اليوم بالحديث ثم يحدثنا غدا فكأنه ليس ذلك

    وقول ابن حبان يهم ويخطئ فكثر ذلك منه فاستحق الترك وقال غيره أنكر ما روى ما حدث به حماد بن سلمة عنه عن أبي نضرة عن أبي سعيد رفعه إذا رأيتم معاوية على هذه الأعواد فاقتلوه

    ومنها في فيه تنصيصٌ على اختلاطه الذي نص عليه تلميذه شعبة وتابعه عليه ابن قانع

    هذا كله في تهذيب التهذيب

    الوقفة الخامسة مع قول الشريف (( ولا يصحُّ مع حُكمنا على المبتدع بأنه مسلم، بل أنه معذور في تأوّله (كما هو الأصل) ))

    هذه من كيسك فمن أين لك أن الأصل في المبتدع التأول والنصوص جاءت في ذمهم عموماً وعهدنا قريب بنصوص ذم الخوارج

    وقد كان السلف يذمون المبتدعة الذين لم يدركوهم ولو كانوا يجعلون الأصل التأويل لما فعلوا

    فقد قال ابن معين في خالد القسري رجل سوءٍ يقع في علي

    الوقفة الخامسة مع نقله الشريف عن يعقوب بن يوسف المطوّعي (وهو أحد تلامذة أحمد الثقات الأثبات): «كان عبد الرحمن بن صالح الأزدي رافضيًّا، وكان يغشى أحمد بن حنبل، فيقرّبه ويدنيه. فقيل له: يا أبا عبد الله، عبد الرحمن رافضي، فقال: سبحان الله! رجلٌ أحب قومًا من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) نقول له: لا تحبهم؟!! هو ثقة».
    ولمّا أنكر خلف بن سالم على يحيى بن معين ذهابَه إلى هذا الراوي (عبدالرحمن بن صالح الأزدي)، قال له ابن معين: «اغْرُبْ، لا صلّى الله عليك ! عنده والله سبعون حديثًا، ما سمعت منها شيئًا ». وقال عنه ابن معين مّرّةً أخرى: « ثقةٌ صدوقٌ شيعيٌّ، لأن يخرَّ من السماء أحبُّ إليه من أن يكذب في نصفِ حرفٍ »

    والجواب أن الشريف قد ذكر أنه يجب علينا ألا نأخذ من كلام العالم ما نؤيد به رأينا فقط

    وعملاً بما أرشد إليه ننقل عن أحمد نصاً آخراً في هذه المسألة _ وهو لم يعمل _

    قال الخلال في (( السنة )) ( 659 ) : أخبرني محمد بن أبي هارون ، ومحمد بن جعفر ، أن أبا الحارث حدثهم قال : وجهنا رقعة إلى أبي عبدالله ، ما تقول رحمك الله فيمن قال : لا أقول : إن معاوية كاتب الوحي ، ولا أقول إنه خال المؤمنين ، فإنه أخذها بالسيف غصباً ؟ قال أبو عبدالله : هذا قول سوء ردئ ، يجانبون هؤلاء القوم ولا يجالسون ، ونبين أمرهم للناس . وسنده صحيح

    فما بالك بمن يطعن في الشيخين

    وأما النص الذي نقله الشريف فأنا في شكٍ من صحته إذ أن في سنده محمد بن موسى الخلال الدولابي لم أقف على ترجمته فمن وقف عليها فليفدنا

    ويمكن حملها على أن الإمام أحمد لم يرَ من الرجل رفضاً وإنما رأى منه تعظيم لبعض أهل البيت فقط

    وإلا فالجواب المنطقي على كلامه هو أننا لا ننهاه عن حب أهل البيت وإنما ننهاه عن سبه للسلف

    وفتوى الإمام أحمد فيمن يسب الشيخين معروفة

    وأما عن المبتدع فهي ضرورة من أجل الحفاظ على السنة وقد انقرض ذاك الزمان

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: التعامُلُ مع المبتدِعِ (تصحيحٌ لـمُمَـارساتِنا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة وفهم ا

    ومن أحسن من أعطى الموضوع حقه من المعاصرين الشيخ بكر أبو زيد ـ حفظه الله ـ في كتابه هجر المبتدع .

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    211

    افتراضي رد: التعامُلُ مع المبتدِعِ (تصحيحٌ لـمُمَـارساتِنا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة وفهم ا

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الشهري مشاهدة المشاركة
    وسياق حديثي واضح وهو يقضي بأن هجر وقطع و معاداة المبتدع لا يكون إلا بعد الحوار والتبيان والإرشاد ، فالأصل الأصيل في دعوة القرآن ورسالة الإسلام البداءة بالتعليم و التبيين والإصلاح وإقامة الحجة بالتي هي أحسن.
    يا أخي وفقك الله وكأنك تنسبنا الى القول بالهجر لكل من خالف السنة دون بيان أو حوار!!؟
    وهذا تجني على إخوانك
    فالكلام بارك الله فيك على مبتدع قد تقرر حاله وعرف خدنه ويدعو إلى بدعته ويوالي ويعادي عليها
    وليس الكلام على عوام الناس
    فالظن بك التفريق بين هذا وهذا

    ومع هذا فعوام المبتدعة لا يحل مخالطتهم ومؤاكلتهم مطلقاً ولو كان لأجل الدعوة

    فالواجب عليك دعوة هذا المبتدع العامي بدون أن تواده فيغتر بك عوام أهل السنة فيفعلوا مثلك وفيوالون هذا المبتدع العامي وهو مقيم على بدعته بل ربما كان باغضاً للسنة وأهلها!!؟

    فأحذر يا عبد الله

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: التعامُلُ مع المبتدِعِ (تصحيحٌ لـمُمَـارساتِنا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة وفهم ا

    يا أخي وفقك الله وكأنك تنسبنا الى القول بالهجر لكل من خالف السنة دون بيان أو حوار!!؟
    وهذا تجني على إخوانك
    هذه قراءتك لنص كلامي.

    فالكلام بارك الله فيك على مبتدع قد تقرر حاله وعرف خدنه ويدعو إلى بدعته ويوالي ويعادي عليها
    وليس الكلام على عوام الناس
    فالظن بك التفريق بين هذا وهذا
    حتى من عرف حاله ، لم َ نيئس من دعوته ومحاجته ونحن في موقع قوة لكوننا أهل الحق إن شاء الله ؟ و "منهاج السنة" خير مثال.
    ثم كيف تحصل الدعوة لا أقول بدون "مؤاكلة" - فهذه من كيسك - ولكن بدون احتكاك ومعاشرة ومواجهة. عن طريق "الشات" ربما !

    ومع هذا فعوام المبتدعة لا يحل مخالطتهم ومؤاكلتهم مطلقاً ولو كان لأجل الدعوة
    هذا الكلام فيه نظر ، ولو فصلت في الأمر لخرجت من هذا الإطلاق الذي ما فتئت تصر عليه.

    فالواجب عليك دعوة هذا المبتدع العامي بدون أن تواده فيغتر بك عوام أهل السنة فيفعلوا مثلك وفيوالون هذا المبتدع العامي وهو مقيم على بدعته بل ربما كان باغضاً للسنة وأهلها!!؟
    أربأ بك أن تعتقد التلازم بين "الدعوة" و "الموادة" ! ، روى البخاري عن أبي الدرداء أنه قال (إنا لنكشر فى وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم) ، ولا يخفى عليك أن التكشير هنا هو الابتسام أو الضحك ، ومع ذلك لا يلزم من هذه المخالطة المودة القلبية ، كما ترى.

    فأحذر يا عبد الله.
    على العين والرأس.

  18. #18

    افتراضي رد: التعامُلُ مع المبتدِعِ (تصحيحٌ لـمُمَـارساتِنا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة وفهم ا

    هذه فائدة احتفظت بها، أيام اشتعال فتنة التبديع ـ ولله الحمد الفتنة قد خمدت وتحول هواة هذا الفن من الطويلبة إلى أضحوكة الناس ـ
    هذا الكلام عبارة عن رد للشيخ الطيباوي على القوم، رأيت من الفائدة نشر قسم منها، تفضلوا وبالله التوفيق.
    توطئة:
    يحرص بعض الشيوخ الأفاضل على بيان منهج أهل السنة و الجماعة و توضيحه للمسلمين في عصر غلب عليه الابتداع و مخالفة منهج الأوائل من هذه الأمة، ولكن كلام هؤلاء المشائخ إن لم يقيد ويكرر بشكل مستمر يسيء فهمه بعض الأتباع، ومن قل نصيبه من الفطنة و البحث، فبينما نتوخى من تعريف الناس بهذا المنهج و محاولة تعميمه قطع الطريق أمام البدع و الفتن، و المفاسد التي تتصيد الأبرياء من أبناء هذه الأمة، نجد أنفسنا نتيجة سوء فهم هذا المنهج و سوء تطبيقه، نعين على انتشار البدعة و نسهل لها الطريق، و نفسح لها المجال لتنمو وتقوى وتخاطب الناس و توصل إليهم شبهاتها، ولا أحد يعارضها و يواجهها بالحجة و البيان ، لأنه فهم من هذا المنهج المقاطعة و المنابذة و الهجر بإطلاق ودون تفصيل
    فتجد هؤلاء الأتباع لا يميزون بين الرؤوس المطاعين من المبتدعة ، و بين الأتباع العاديين من العوام و سائر المسلمين، فينزل حكم أهل السنة على رؤوس البدعة على غالبية المسلمين ، لأن غالبيتهم إما أشعري أو صوفي أو طرقي أو تبليغي أو إخواني و غير ذلك ، فتجده في الأخير قد هجر الأمة برمتها و أغلق على نفسه في هامش المجتمع لا يحاور أحدا ولو كان غلاما عمره 15 سنة، لأنه عنده مبتدع يجب هجره وعدم مخاطبته و مجالسته و غير ذلك
    فيعامله كما عامل أهل السنة الجعد بن درهم، و الجهم بن صفوان ،و الحلاج، و ابن عربي، و الغزالي و غيرهم،وفي هذا تجن على المسلمين وظلم لهم و إعانتهم على البقاء في البدعة
    فإذا كان التابع للمبتدع يعتقد أن شيخه من كبار أهل السنة ،و أننا نحن مجسمة و خوارج و متخلفون و مبتدعون وظاهرية و حرفية،و أدعياء وغير ذلك، ويرى الأمة كأنها أطبقت على ذلك، فالعلماء في البلدان الإسلامية،و الأئمة في المساجد كلهم مخالفون لأهل السنة، و يجد طائفته كبيرة و عريضة ومنتشرة في العالم، ولها كتبها ومجلتها وقنواتها التلفزيونية، و علماء في التفسير و الحديث و الفقه و أصوله و الاعتقاد ،ولها جامعات و معاهد ، و أمثاله كثر ماذا يضره إذا هجرناه و قاطعناه؟
    لا شك أننا سنريحه منا ،ومن انتقاداتنا، ومن تأنيب ضميره عندما نحسسه بأنه يخالف رسول الله صلى الله عليه و سلم، و يخالف أئمة السنة الذين يُشبِه عليه شيوخه بادعائهم إلى انفسهم
    لاشك أن الاعتقاد بأن هجر مثل هذا يضره و يغيضه و يميته كدما شعور باطل عقلا وواقعا
    وعليه وجب إفهام أتباع أهل السنة بحقيقة منهج أهل السنة، وبضوابطه و مقاصده حتى لا يصدق عليهم المثل عندنا: جاء يسعى فودر[أضاع] تسع،أو جاء ليكحل لها فأعماها
    فهذه محاولة متواضعة مني تسلط الضوء على بعض المقاصد الشرعية في هذه المسألة، ففيها محاولة الإجابة عن عدة إشكالات منها:
    1 ـ هل منهج المقاطعة و الهجر و عدم المجالسة و المخاطبة و المناكحة يطبق على أئمة المبتدعين و رؤوسهم و المطاعين فيهم وحدهم أم نطبقه كذلك على أتباعهم كل أتباعهم؟
    2 ـ هل نهي السلف الصالح عن النظر في كتب المبتدعة في علم الكلام يتناول كذلك كتبهم في الفقه و أصوله و الحديث و علومه و غير ذلك من العلوم الشرعية خاصة إذا خلت من بدعهم؟
    3 ـ هل هذا المنهج من باب سد الذرائع، ووسيلة لصد الضرر عن المسلمين، فهو معلق على الغاية منه و يزول بزوالها أم أنه أصل بحيث لا تنكح أخت المبتدع و بناته، ولا ينظر في كتبه ولا يجالس و لا يخاطب في جميع الأحوال و بدون استثناء؟
    القواعد العلمية:
    المسلم الحريص على إنزال الناس منازلهم ، الحريص على تحقيق المصالح الشرعية دون مفسدة راجحة عليها، يعلم أن القواعد الشرعية في معاملة المبتدع والفاسق ، سواء في الحدود أو العقوبات أو التعزيرات و ما إلى ذلك ، يجب المحافظة على فعلها، فإنها إنما شرعت لتحفظ الشريعة، ولكنه يعلم في نفس الوقت أنه يجب كذلك المحافظة على قدرها و محلها و حالها ، بحيث لا يتعدى شيء من شروطها ولا أحكامها ،فإن دم المسلم وعرضه و شرفه و كرامته وحرمته عظيمة فيجب مراعاته بكل ما أمكن"
    وقد فطر الله عقول عباده على استقباح وضع العقوبة و الانتقام في موضع الرحمة و الإحسان ، فإذا وضع العقوبة موضع ذلك استنكرته فطرهم وعقولهم أشد الاستنكار و استهجنته أعظم الاستهجان، وكذلك وضع الإحسان و الإكرام موضع العقوبة و الإنتقام
    فيجب التأني و الصبر في الدعوة إلى الله ، و أن لا يعجل بالعقوبة و الدعاء على العصاة و المبتدعين، بل يصبر ولا يلجأ إلى العقوبة حتى يستنفذ كل الطرق الشرعية، و يصير قادرا على عقوبتهم وردعهم
    فالبدء يكون بتعظيم شعائر الله ،و تعليم شرائعه،و جهاد أعدائه بالحجة و البيان ببصيرة في الدين تقتضي وضع الرهبة في مكانها و الرغبة في مكانها ، وهنا تكمن القوة على الدعوة إلى الله على بصيرة ، فالداعي يدرك بالبصيرة الحق و مواطن التشابه و الاختلاف ووجوه الترجيح بين المصالح و المفاسد، و بالقوة يتمكن من تبليغ الحق و تنفيذه و الدعوة إليه بكل السبل المشروعة، والله تعالى لم يترك دينه هملا تتقاذفه الأهواء و الرغبات و النزوات، وتقرره الشبهات و الشهوات،بل قد نصب أعلام الحق في كل مكان وفي كل حين ترد إلى الدين التائه و الزائغ، وترد عنه الشواذ ، قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ :"إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا من أوليائه يذب عنها و ينطق بعلاماتها فاغتنموا حضور تلك المواطن و توكلوا على الله"
    ولذلك لا يكفي أبدا إثبات القاعدة الشرعية و إطلاقها مجردة من كل قيد و شرط ،فيعم المنكر بها لأنها وضعت في غير موضعها ، ذكر الذهبي في " سير أعلام النبلاء"{88/15} وهو يتحدث عن التكفير ووجوب الاحتياط في إطلاقه على المسلم:" قلت : و بنحو هذا أدين و كذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول : أنا لا أكفر أحدا من الأمة ، ويقول قال النبي صلى الله عليه و سلم :" لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ، فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم"
    ولم أكن أظن ولا كان يدور في خلدي أنه يمكن دفع التكفير بهذا الحديث، الذي لم يكن يخرج عندي من فقه الطهارة ،ولم أتوقع يوما أن يحتج به في الأسماء و الحكام
    فإذا كانت السنة لا تقوى ـ كما هو مشاهد اليوم في غالب البلدان الإسلامية ـ على توصيل خطابها الدعوى إلا بجهد جهيد ولم تُركز قواعدها التأسيسية في كثير من المجتمعات، فالأحرى بنا أولا توطيد قواعد السنة و تثبيت دعائمها،و رد الشارد عنها بالدعوة و الحكمة و التأليف، ثم إذا قدرت على رده وهو راغم فعلت
    وهذا سلوك منا لطريق استقراء المذاهب للنظر أيها أقرب إلى القصد و التوسط فنأخذ به، فإن النظر في مآلات الأفعال مقصود شرعا، فكل فعل واجب أو مباح آل إلى ما لم يقصد الشرع، أو آل إلى تعطيل أصل أهم منه فيجب الانكفاف عنه إلى حين يعلم تحقق المقصد الشرعي منه، وفي هذا يدخل كما قال علماء الأصول{الشاطبي في الموافقات}: قاعدة الذرائع [التي منها هجر المبتدع]، وقاعدة مراعاة الخلاف، وقاعدة الاستحسان، وقاعدة الحيل المشروعة، وقاعدة المعاريض، و قاعدة إقامة المصالح الشرعية و إن عرض في طريقها بعض المناكير
    هذا ما سنحاول الإجابة عنه بجمع المتماثلات من نصوص الأئمة، فنذكر المطلق من نصوصهم ونقيده بالمقيد مع توجيهه بحيث لا يظهر التناقض من نقل النصين ، و إن كان بعض الأفاضل قد ذكر طرفا كافيا من نصوص الأئمة و ذكر ما يقيدها و يخصصها، إلا أن عدم التصريح بمجال العمل بالمطلق ومجال العمل بالمقيد ولد إشكالا في فهم كلامهم
    الاتفاق المعتبر يكون في الكليات:
    و إن كان من الناس من يأبى إلا الخصومة و العداوة، و قد يظن صديقه عدوا و عدوه صديقا إذا فقد القدرة على التمييز ، فحاله ترك العلم و أهله إلى رأيه وهواه ،وهوى الجاهل السب و الشتم و الوقيعة في الناس ،و إن سمى ذلك الجرح و التعديل ،وكذلك هواه القطع في المشتبه و الغلو في الانتصار،فإن عارضه أحدهم فزع إلى أهل العلم يستمد منهم العون و لم يستعد للعلم قبل ذلك، و لجأ إلى أقوال أهل العلم ينتقي منها ما يعجبه، ولم يتعلم قبل ذلك كيف ينظر فيها ، فيصير مثله مثل حاطب الليل يجمع ما وقعت يداه عليه ،حتى إذا بان الصبح و بلجت أنواره و جد في حزمته مالا يباع و لا ينتفع به عند أهل العلم ولا في القبر ، بل قد يجد حية رقطاء أو عقرب سوداء تلدغه أو تلدغ غيره
    ونحن يهمنا موافقة إخواننا في المنهج و مناصرتهم على أهل الباطل قل باطلهم أو كثر ، و شد أزرهم و معاونتهم ،ولكن على الحق، و إن بدا هذا الحق لقصور أفها منا و فساد تصورنا أن فيه وهنا لمنهجنا أو تضعيفا لجماعتنا،فإن الحق كيف أدير حق ، و لا يقود الحق إلى باطل بحال ، قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه :" لا تشرك به شيئا وزل مع القرآن حيث زال، ومن جاءك بالحق،فاقبل منه و إن كان بعيدا بغيضا، ومن جاءك بالباطل فاردده عليه و إن كان قريبا حبيبا"{شرح السنة للبغوي:199/1}
    فيجب أن يعرف الإخوة الأفاضل ـ وفقهم الله لكل خير ـ أننا موافقون لهم في كليات المسألة و إن اختلفنا في بعض جزئياتها من حيث الإعمال في الزمان و المكان؛ و الموافقة في كليات قضية ما يعني الموافقة في أصولها، و بالأصول تضبط المناهج، فإن الناظر في المسائل الشرعية إما ناظر في قواعدها الأصلية أو في جزئياتها الفرعية
    و ما أوصله الدليل في فروع المسألة هو الحكم في حق الناظر، و قد يلوح الخلاف إذا كان احدنا ناظرا في جزئي القضية، و كان الآخر ناظرا في كلياتها بالاستقراء و التعامل و الاستبصار0
    وعليه، فالاختلاف في جزئي قضية مع الاتفاق على كلياتها يكون داخلا في باب التعارض و الترجيح لقيام الاحتمالات المرجوحة عند أحدهما و عدمها عند الآخر آو العكس0
    ومن وافقك على كليات قضية معينة فقد أعانك عليها أشد الإعانة، و بالتالي صار الاختلاف في تحقيق مناطها الأمر فيه سهل، فإن اتفقتما فذلك حسن، و إلا فلا حرج لاتفاقكما على كلياتها 0
    فإن الخلاف إن كان لفظيا لم يكن ذلك منافيا لاتفاقنا من جهة المعنى، و إن كان النزاع معنويا فهو أيضا قسمان: أحدهما: اختلاف تنوع بأن يكون هؤلاء يثبتون شيئا لا ننفيه نحن، أو نحن ننفي شيئا لا يثبته هؤلاء الأفاضل، فهذا أيضا ليس باختلاف معلوم، إلا إذا كان كل منا يدفع ما يقوله الآخر من الحق، فإذا كان أحدنا يثبت حقا و الآخر ينفي باطلا ،كان على كل منا أن يوافق الآخر0
    فإن بعض الناس قد لا ينتبه إلى ما نريد إثباته في هذا المقال و انه لا ينفي ما قرره بعض الأفاضل و يظن المقالتين متناقضتين، ولا يدري أننا نقيد الإطلاقات ولا ننفيها، ونخصص العام ولا ننفيه 00
    و الوقوف على جزئيات قضية الهجر دون النظر أولا في كلياتها ،كما فعل الإمام احمد و ابن تيمية في رسالته" الهجر الشرعي
    "، ومعرفة مناطها يقود دائما إلى إنزال النصوص على غير وقائعها، فيتخلف المقصد الشرعي و تفوت المصالح الشرعية 0
    و قد ذكر شيخ الإسلام في " المنهاج"{65/1} قاعدة جامعة ، يمكن من خلالها ضبط هذه المسألة بشكل فعال دون غلو أو تفريط ، قال :" المقصود دعوة الخلق إلى طاعة الله بأقوم طريق فيستعمل الرغبة حيث تكون أصلح و الرهبة حيث تكون أصلح، ومن عرف هذا تبين له أن من رد الشهادة و الرواية مطلقا من أهل البدع المتأولين فقوله ضعيف، فإن السلف قد دخلوا بالتأويل في أنواع عظيمة ، ومن جعل المظهرين للبدعة أئمة في العلم و الشهادة لا ينكر عليهم بهجر ولا ردع، فقوله ضعيف أيضا ، وكذلك من صلى خلف المظهر للبدع و الفجور من غير إنكار عليه ولا استبدال به من هو خير منه مع القدرة على ذلك فقوله ضعيف، وهذا يستلزم إقرار المنكر الذي يبغضه الله ورسوله مع القدرة على إنكاره وهذا لا يجوز0"
    فهذا هو المنهج السلفي الذي نريد تقريره وضع الرهبة في مكانها ووضع الرغبة في مكانها، ووقف ذلك على القدرة0
    و إذا كان من الإنصاف أن نقول: إذا كان من الخطأ اعتبار جزئيات الشريعة دون كلياتها، فإن إهمال الجزئيات بالإعراض لا بالترجيح ،كما يفعل من أزال من قاموسه لفظ البدعة أو صار يطلقه على من يخالفه، ولا يطلقه على غيره و إن كان مبتدعا هو كذلك خطأ فادح، ولكن الذي حرصت عليه في هذا المقال أن نجعل الحكم تابعا للدليل،و لا نجعل الدليل تابعا للحكم0
    بمعنى لا نحكم على المبتدع أو الرجل أو الطائفة بحكم مطلق ثم نتطلب لذلك الدليل، فإن العالم متى نظر في دليل على مسألة احتاج إلى البحث عن أمور كثيرة، لا يستقيم إعمال الدليل دونها، و النظر في عمل السلف الصالح من حيث المقاصد معين و مبين لمجملها0
    أقول هذا لأن الاعتماد على عمل السلف الصالح دون اعتبار الفوارق و المقاصد يؤدي حتما إلى التعارض والاختلاف في فهم كلامهم، ولذلك لا تجد فرقة من الفرق إلا و لها أدلة على مذهبها هي من جنس ظواهر الأدلة، و لذلك وجب على الناظر في الدليل الشرعي مراعاة مافهمه السلف الصالح و ما كانوا عليه في العمل بهذا الدليل، فتعرف لماذا ناظروا فلانا و امتنعوا عن مناظرة الآخر؟ ، و لماذا في الزمن المعين أو في ذاك المكان كانوا يدفعون بالتي هي أحسن وفي مكان آخر كانوا يعاقبون و يهجرون؟، لماذا في ظروف معينة رووا عن القدرية و الشيعة و المرجئة وفي ظروف أخرى امتنعوا ؟ أو لماذا رووا عن القدرية و المرجئة و بعض المعتزلة و امتنع بعضهم عن الرواية عن أصحاب الرأي مع اتفاق جميعهم على أن الرأي دون القدر و الإرجاء؟، لماذا فرقوا بين الداعية و غير الداعية؟ ، لماذا فرقوا في المجالسة بين المخاصم وغير المخاصم و غير ذلك من فوارق؟
    فهذا المنهج في التحري هو أحرى بالصواب و أقوم في العلم و العمل0
    فلا يجب أن نخشى من الحق لأن بعض من لا نحب قد قال به، فإن الحق حق كله و الباطل باطل كله، ونحن ندعو إلى الحق كله وهو يدعو إلى بعضه، وهذا وجه الفرق بيننا و بين مخالفنا، نحن نأخذ بالسنة كلها سنة العقائد و سنة الأحكام وهو يأخذ ببعضها0
    منهج أهل السنة في تقرير الأدلة:
    و المؤسف أن بعض إخواننا ممن حاورناهم وناقشناهم يحرس على مذهب أهل السنة و الجماعة في المسائل ،ولا يحرص عليه في الدلائل، فيحاول أن يقرر مذهبهم بطريقة بدعية، ولا يتنبه إلى ذلك، أو يأخذ بقول بعضهم ويزعم أنه الإجماع و الاتفاق و غير ذلك0
    ولا غرابة أن يثور هؤلاء علينا، ولا غرابة أن تنتهي الأمور إلى العراك و الشجار و قلة الأخلاق، فإن الساحة مملوءة برؤوس جهال يصدون الناس عن سبيل الله و يبغونها عوجا، يتكلمون بغيرعلم ولا إنصاف، يغمطون الناس حقهم،إذا خالفتهم قامت قائمتهم ، فثاروا ولجلجوا و حد لجوا ثم انكمشوا
    فليس معهم قيراط معرفة، ولا فلس من علم صحيح، ليس معهم من الحجج و الأدلة إلا أنهم جالسوا فلانا و سمعوا علانا يقول 000000
    فمثلهم و مثلي كمثل رجل تأهب للعراك ليدفع عن أصحابه، فإذا بأصحابه يمسكونه بحجة كفه، وهو يتلقى الضربات ممن أراد الاعتداء عليهم، فكان معهم على منوال من قال: عدو عاقل خير من صديق جاهل 0
    المهم أن نوضح لإخواننا منهج أهل السنة و الجماعة في تقرير الأدلة و ترتيبها إشارة منا إلى وجوب تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة، و التي قد يظن بعضهم أن في الغلو فيها و التشدد صيانة للسنة و إخمادا للبدعة، وهي في الحقيقة مما يوهن السنة و يقوي البدعة، فحتى لا نصب الزيت على النار نقول:
    قال الله عز وجل:{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله و رسوله و اتقوا الله إن الله سميع عليم}"الحجرات"0
    قال شيخ الإسلام في تفسير هذه الآية: أي لا تتخذوا موقفا قبل أن تعرفوا حكم الله و رسوله فيه، إذا اعتقدنا مقالة أو مذهبا ثم ذهبنا نبحث عما يؤيدها من أقوال أهل العلم، فننقل من كلامهم ما يوافق شعورنا و اعتقادنا القبلي، ونترك من كلامهم ما لا يتوافق معه، وهو في الموضوع نفسه، نكون قد تقدمنا بين يدي الله ورسوله و بالتالي وقعنا في عدة محظورات:
    1 ـ التزوير ولو لم نقصده، إذ الأمانة العلمية تقتضي نقل الدليل الدال على المطلوب و الجواب على ما يخالفه، وهذا معنى قول بعض السلف: أهل السنة يكتبون مالهم و ما عليهم، و أهل الأهواء يكتبون مالهم ولا يكتبون ما عليهم، و إلا كان قولنا ناقصا غير تام، و الشعور بالعلم خلاف الشعور بالجهل، ومن لم يتم أدلته لا يشعر بالعلم، ولا بسكون قضيته في نفسه، لأن مبتغاه العلم و الاطمئنان إليه، فالشعور بالعلم يقتضي تكميل الأدلة و النقل، ومن وجد أقوالا تخالف أقواله وهي لأهل العلم الذين ينقل عنهم، ثم يغفل نقلها وهي مع تلك التي نقلها بجانبها، فيأخذ ما يوافق مذهبه و يترك الأخرى بجانبها، فهذا صاحب هوى ينتقي من كلام أهل العلم ما يوافق كلامه و يترك ما يخالفه، و إن كان بسبب آخر فهو غافل عن تمام الدليل0
    2 ـ فإن وقع في مثل هذا بسبب اعتقاد الرجحان و لغفلة يذهل بسببها عن علمه فهو غافل، و إن تعمد ترك الجواب عن أدلة المخالف من أهل السنة الذين يعتمد عليهم فقد قل نصيبه من تقوى القلوب، فالحق عنده ما يعتقده لا ما قامت الأدلة عليه 0
    3 ـ الذين يقلدونه في مذهبه من أصحابه و رفقائه إدا وجدوا عند غيره خاصة إن كان من خصومه و أعدائه النقل مستوفيا عن أهل العلم، وفيه مالم يذكره هو، فإما يقودهم ذلك إلى البغي و العدوان محبة له و تقليدا له، و إما ينفروا منه ومن طريقته و يقبلوا على طريق خصمه، ويكون هو السبب لأنه لم يحصنهم بالعلم وتركهم عرضة للشبهات تتخطفهم، ولو وفى النقل و أعطى الأدلة حقها من النظر و طرد أصوله لأغلق باب الشبهات عن العوام، فترك الرد القويم والاكتفاء بالتحذير قد لا ينفع أحيانا0
    كتب بعض الأفاضل في هده المسألة و انتحى كل منهم ناحية موافقة لمنهجه و طريقته، ومنهم من أكثر من إيراد مقالات السلف و عبارات لهم حملها مالم تحتمل أو ميعها من جوهرها، وهنا يكمن الإشكال فإنه إدا نظر القاريء في كتبهم ظن أن دلك هو مذهب السلف الصالح و الحقيقة غيرذلك.
    و كما قال شيخ الإسلام يعمد بعضهم إلى كلام الأئمة الذي أطلقوه على سؤال معين أو عن شخص معين، فيعممه ويحكم بأن مذهبهم الهجر مطلقا و عدم النظر في كتبهم مطلقا و غير ذلك قال:" وكثير من أجوبة الإمام احمد و غيره من الأئمة خرج على سؤال سائل قد علم المسؤول حاله أو خرج خطابا لمعين قد علم حاله، فيكون بمنزلة قضايا الأعيان الصادرة عن الرسول صلى الله عليه و سلم إنما يثبت حكما في نظيرها، فإن أقواما جعلوا ذلك عاما فاستعملوا من الهجر و الإنكار مالم يؤمروا به فلا يجب ولا يستحب وربما تركوا به واجبات آو مستحبات و فعلوا به محرمات"
    المدخل:
    ثبوت النص لا يعني ثبوت العمل به:
    من المعلوم أن هجر المبتدع وعدم مجالسته وعدم النظر في كتبه وغير ذلك،هو من باب العقوبة لكف ضرره على المسلمين و على نفسه، وهذا مذهب أهل السنة و الجماعة قاطبة، وليس تقرير هذا المذهب و بيانه للناس هو المشكل، فيأخذ بعض الناس في نقل كل ما يقع تحت أيديهم من نقول عن السلف الصالح لتقريره، بل المشكلة في تنزيله على الوقائع تحقيقا لمصلحة تشريع هذا الحكم، فالنص بحد ذاته لا يستلزم نقله و إثبات صحته العمل به مباشرة بإطلاق، ودون اعتبار لحكمة هذا النص0
    فالنص الصحيح قد تعارضه نصوص أخرى أقوى منه تقيده أو تحدد مجال العمل به مكانا وزمانا،
    بالفرق بين دليل مشروعية الحكم و بين دليل وقوع الحكم ، الأول نثبته من الكتاب و السنة بينما الثاني يكون بالعلم بسبب الحكم و شرطه وموانعه، فلإن قلنا: هجر المبتدع وعقوبته ثابت بالنص و الإجماع، يبقى إثبات تحقق علته و سببه وعدم فوات شرطه و انتفاء الموانع، وكما قال شيخ الإسلام في "منهاج السنة" لو فرضنا أن النبي صلى الله عليه و سلم نص على خلافة رجل ما بعد وفاته ثم لما أرادنا أن ننصب هذا الرجل تطبيقا لهذا النص عارضه آخرون من أهل الشوكة، وعرفنا أنه ستكون فتنة و قتال و سفك للدماء كان المطلوب منا شرعا تنصيب من تجتمع عليه الأمة ولو لم ينص عليه النبي صلى الله عليه و سلم، و ليس هذا تعطيلا لنص النبي صلى الله عليه و سلم، بل العمل بما هو أقوى و أوجب و اوكد من النصوص الأخرى، التي تستوجب حفظ دماء المسلمين و جمع كلمتهم0
    قال ابن تيمية في " المنهاج"{553/1}:" و النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أمته بما سيكون و ما يقع بعده من التفرق، فإذا نص لأمته على إمامة شخص يعلم أنهم لا يولونه، بل يعدلون عنه و يولون غيره يحصل لهم بولايته مقاصد الولاية، و أنه إذا أفضت النوبة إلى المنصوص حصل من سفك دماء الأمة مالم يحصل قبل ذلك ولم يحصل من مقاصد الولاية ما حصل بغير المنصوص، كان الواجب العدول عن المنصوص"
    و الواجب هنا هو الواجب الشرعي، فها هنا واجبان يتدافعان أحدهما أكبر من الآخر وهو واجب حفظ دماء الأمة و ووحدتها على واجب تولية المنصوص عليه.
    فموجب الترجيح هنا هو الواقع و المتاح الممكن، و لذلك يقرر علماء الإسلام و فقهاؤه أن التكليف مرهون بالممكن من العلم و الممكن من القدرة.
    فهجر المبتدع و مجالسته و علمه من باب العقوبة، و العقوبة تكون من القوي و ليس من المستضعف فالسنة تعاقب إذا كانت هي الحاكمة لا يحق لها إلا معاقبة المبتدع بالطريقة المتطابقة وبدعته، إما بهجر كلامه ومجالسته، و إما بضربه و حبسه، و إما بقتله إذا كانت بدعته كفرا غليظا، فالضرب كما فعل عمر مع صبيغ، و القتل كما فعل المسلمون مع الجعد بن درهم، وجهم بن صفوان، و غيلان القدري وغيرهم، وعليه فإن نقل النصوص عن السلف الصالح في الفترات التي كانت فيها السنة ظاهرة معلومة للمسلمين قوية، و الأمراء سنيون يأخذون بنصائح الأئمة و غير ذلك، و محاولة تطبيقها و السنة غير معروفة عند الناس، غير ظاهرة و أهلها مقموعين إنزال لهذه النصوص في غير محلها، و قتل للسنة و تضييق عليها، ففي حين هي بحاجة إلى الانتشار، و أن تعرف الناس بنفسها و تظهر نضيق عليها بعزلها عنهم0
    ولكن قبل تفصيل هذه النصوص و المنقولات عن الأئمة وتوضيح وجه الخطأ في تطبيقها لابأس بذكر بعض المقاصد الشرعية العظيمة فإنها معينة على فهم الموضوع، فنقول:
    الفرق بين الواجب المقدور عليه و الواجب غير المقدور عليه:
    1 ـ يجب على السلفيين التفريق بين الواجب المقدور عليه والواجب غير المقدور عليه، فلا شك أن هجر المبتدع و عقوبته واجب شرعي لا شك في ذلك، ولكن واجب تحصيل القوة، و الدعوة إلى الله، و تبليغ الناس الحجة، و نشر التوحيد و السنة أوكد من واجب عقوبة المبتدع، فإن تعارضا بسبب ضعف أهل السنة، وجب تقديم واجب الدعوة إلى الله و رسوله على وجوب العقوبة، فاعتبار حال القوة و حال الضعف أصل عند أهل السنة، فالإمام احمد لما قيل له:" من قال القرآن مخلوق؟قال: الحق به كل بلية، قال إسحاق: فيظهر العداوة لهم أم يداريهم؟ قال: أهل خراسان لا يقوون بهم" نقله ابن تيمية عن الخلال في "كتاب السنة" 0
    و ابن تيمية قعد أصلا مهما جدا دل عليه القرآن بصراحة، وواجب تقديمه على قول كل واحد من دون الله و رسوله، فقال:" فالصبر مأمور به مطلقا، و أما العفو و الصفح فإنه جعل له غاية وهو أن يأتي الله بأمره، فلما أتى بأمره بتمكين الرسول و نصره صار قادرا على إلزامهم بالمعروف و منعهم من المنكر، صار يجب عليه العمل باليد في ذلك ما كان عاجزا عنه، وهو مأمور بالصبر في ذلك كما كان مأمورا بالصبر أولا" استنادا إلى قوله تعالى:ٍ{فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره }
    فالسنة إذا كانت ضعيفة في الزمان و المكان فعليها الصفح و الصبر، و إذا كانت قوية في الزمان و المكان فعليها العقوبة و الهجر و تغيير منكر البدعة باليد 0
    فهل في مقدور أهل السنة اليوم الدعوة إلى منهجهم، و تعريفه للناس ،و إظهاره لجمهور المسلمين مع منهج الهجر: المجالسة و المناظرة والاستفادة من بعض كتب المبتدعة في مجال الحديث و الفقه و أصول الفقه؟، أم أنهم بحاجة إليها ولو بعضهم أو في بعض البلدان،ولا يقوون على معاقبة المبتدعة لأنهم قلة مستضعفة خرج القضاء و الولايات و منصب الفتوى و إمامة المساجد من أيديهم؟ ، فغير ممكن أن يهجر بعض الناس مئات الآلاف في مدينتهم؟ 0
    فمن الأصول الكلية كما قال شيخ الإسلام في " المجموع"{304/20}:" إن المعجوز عنه في الشرع ساقط الوجوب، و أن المضطر إليه بلا معصية غير محظور، فلم يوجب الله ما يعجز عنه العبد[ كمعاقبة المبتدع]، ولم يحرم ما يضطر إليه العبد[ كالتعلم منهم و النظر في بعض كتبهم]"0
    و السنة اليوم غير ظاهرة في أغلب بلدان المسلمين، غير معروفة للمسلمين، و أهلها ضعاف مستضعفين ليس بأيديهم شيء لا المساجد و لا القنوات الإعلامية، و الجامعات الدينية، ولا مجالس الفتوى، و لا الحكام هم من أهل السنة، عاجزة حتى عن الاجتماع، فإذا قلنا: لا يناظر المبتدع إلا أمام الحاكم كما ورد عن بعض علماء السلف، أمكن هذا أمام معاوية وعبد الملك بن مروان و هارون الرشيد و المتوكل وغيرهم ممن كانوا يسمعون من أئمة السنة، و قد ناظر أئمة السنة الجهمية أمام المأمون ولم ينصفهم وكذلك أمام المعتصم، بل عذبهم و قتلهم و سجنهم لأنه كان جهميا، ولكن لما ناظروا أمام المتوكل وكان سنيا أظهر السنة و أخمد البدعة، فأمام المعتصم لم يكن الإمام احمد يقول كما نقل الأئمة عنه:"لا تولي فلانا القضاء لأنه جهمي وفيه ضرر على المسلمين"، لان المعتصم لم يكن ليسمع له، و لكن لما طلب منه المتوكل ذلك قام به و سجل قائمة الذين لا يجب توليتهم القضاء، فعندما كان ضعيفا ناظر و سجل و كتب ولم يعاقب لأنه كان ضعيفا، ولما قويت شوكته بمجيء المتوكل ترك مناظرتهم وشرع في معاقبتهم بالفتوى :بسجن بعضهم، وعدم تولية بعضهم و هجر آخرين كما صح عنه، قال شيخ الإسلام مبينا أصل التفريق بين معاملة السنة للبدعة حين تكون السنة قوية ومعاملتها لها حين تكون ضعيفة:" ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع كما كثر القدر في البصرة و التنجيم بخراسان و التشيع بالكوفة و بين ما ليس كذلك، و يفرق بين الأئمة المطاعين و غيرهم و إذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه، ولذلك ذكر الخلال في " كتاب السنة" عن إسحاق انه سأل الإمام احمد:" من قال : القرآن مخلوق؟ قال : ألحق به كل بلية ، قلت : فيظهر العداوة لهم أم يداريهم ؟ قال : أهل خراسان لا يقوون بهم "
    فهذا الإمام أحمد يعتبر قوة السنة و ضعفها فيما يخص معاقبة المبتدعة بالهجر و إظهار العداوة، ومثل هذه النقول التي توضح مقاصد الشرع ومقاصد الأئمة هي التي يجب نقلها، فإنها تمثل الأصول، أما النقول المطلقة من القيود الشرعية فيجب ضبطها بمثل هذه النقول0
    وكون الإمام احمد اعتبر هذا الأصل أمر ظاهر كما بيناه ، قال شيخ الإسلام في " المجموع"{119/28}:" وهذا الجواب منه مع قوله في القدرية لو تركنا الرواية عن القدرية لتركناها عن أكثر أهل البصرة ومع ما كان يعاملهم به في المحنة من الدفع بالتي هي أحسن ومخاطبتهم بالحجج يفسر ما في كلامه و أفعاله من هجرهم و النهي عن مجالستهم و مكالمتهم"
    وهذا الأصل يدل عليه العقل الفطري ،فإن الإنسان في حال ضعفه وكونه مستضعفا كما كان الصحابة في مكة له تصرف ،و في حال قوته له تصرف آخر ،فإن العقوبة بالهجر و غير ذلك وهو ضعيف سيجلب له من المفاسد ما هو أعظم من مفسدة ترك الهجر ،بل هذا الأصل بالإضافة إلى كون السنة دلت عليه، فقد دل عليه قبل ذلك القرآن، قال تعالى:{ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا و اصفحوا حتى يأتي الله بأمره}"البقرة"0
    فالصبر مأمور به مطلقا و أما العفو و الصفح فإنه جعل له غاية وهو أن يأتي الله بأمره، فلما أتى بأمره بتمكين الرسول و نصره صار قادرا على إلزامهم بالمعروف و منعهم من المنكر، صار يجب عليه العمل باليد في ذلك ما كان عاجزا عنه وهو مأمور بالصبر في ذلك كما كان مأمورا بالصبر أولا"
    فالقاعدة: انه إذا تعذر إقامة الواجبات من العلم، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و الدعوة إلى الله إلا بترك هجر المبتدعة ووجوب مخاطبتهم و مجالستهم ،وفي هذا مضرة دون مضرة ترك هذه الواجبات، كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيرا من العكس0
    فالمسلم يختلف حاله بحسب قدرته و عجزه ، بحسب المصلحة و المفسدة ، فإن كان مستضعفا الأمر ليس بيديه، أو أن الغالبية لا تطيعه و لا تأبه به فالواجب عليه الصفح والعفو ، و إن كان قادرا كأن يكون في بلد السنة فيه معززة و قوية، و الأمر فيه بيد أهل السنة ، صار يلزمه التغيير بحسب قدرته 0
    فهذا أصل يجب التنبه إليه، وهو الذي ذكره ابن تيمية استنادا إلى القرآن، و إن كان السياق في الكفار إلا أن الآية ذكرتهم على أنهم يريدون تغيير الدين، وهو ما يسعى إليه المبتدع فالمناسبة قوية جدا0
    كذلك ما ينقل عنه: من رفضه مقابلة داود الظاهري، و غلقه الباب في وجه بعض المبتدعة، و عدم رده السلام على بعضهم هو وغيره من السلف، على العاقل أن ينزل هذا الكلام منزلته ولا يتجن على الأئمة فإذا كان شيوخ السنة بهذه المثابة من القوة، ورهبة المبتدعة منهم وتوددهم في الدخول عليهم، ومجالستهم وحرصهم على مدارتهم وغير ذلك، فهذا يعني أن السنة قوية حاكمة، وفي مثل هذه الحال لا يجوز إلا ما فعله الأئمة،وهو هذه العقوبات، ولكن اليوم من من المبتدعة يتودد لشيوخ السنة، ويريد الدخول عليهم، ويطلب جاه أبنائهم و أصحابهم لمجالستهم حتى نستشهد بمثل هذه الأقوال و النقول؟
    فهل علمتم مبتدعا فعل مثل هذا مع الشيخ الألباني أو ابن باز أو غيرهم؟
    النظر في كتب المبتدعة:
    أما النظر في كتب المبتدعة، فإن الاحتجاج بالنقول عن السلف بإطلاق فيه نوع تقصير، فإن السلف فرقوا بين الداعية و غير الداعية، و هذا يعني عدم التشييخ، و عدم التشييخ من العقوبة، أما إذا كان أهل السنة بحاجة إلى علم المبتدع ولو كان داعية ،فإن مصلحة تحصيل هذا العلم مقدمة على ضرر تشييخه لان تحصيل العلم واجب أصلي، و عدم تشييخه من باب العقوبات لا من باب الأصول ، وقد يحصل هذا في البلدان التي يقل فيها علماء السنة في شتى التخصصات، ومعلوم أن غالب الجامعات في الدول الإسلامية القائمون عليها مبتدعة ومن كبار الدعاة، كالبوطي و القرضاوي و الطنطاوي و غيرهم وفي هذه الجامعات يدرس كثير من أهل السنة، فواجب تحصيل العلم مقدم على واجب هجر هؤلاء المبتدعة
    و لتوضيح هذه القضية وهي كون المعجوز عنه ساقط الوجوب حتى تتوفر القدرة و الاستطاعة نقول:
    في مسألة التفريق بين الداعية و غير الداعية ، و الحاجة إلى الداعية في بعض الأمكنة أو الأزمنة تأتي مسألة "مالا يتأتى له فعل الحسنة الراجحة {طلب العلم} إلى بسيئة دونها في العقاب{ تشييخ المبتدع}، فهذه المسألة لها صورتان:
    1 ـ إن مالا يتم الواجب أو المستحب إلا به فهو واجب أو مستحب، ثم إن كان مفسدته دون تلك المصلحة لم يكن محظورا ،كأكل الميتة للمضطر ، والتعلم من المبتدع للمضطر هو من هذا الباب، ونحو ذلك من الأمور المحظورة التي تبيحها الحاجات كلبس الحرير في البرد، ومجالسة المبتدع لنصحه وكشفه أمام أتباعه و غير ذلك ، فما بالك بمجالسة أتباع المبتدعة ،فإن الناس لما نظروا في نصوص أئمة السنة وهي تتكلم عن أمثال طلق بن حبيب، و عمر و بن عبيد ، و الكرابيسي و غيرهم لم ينزلوها إلا على البسطاء و العوام، فهجروا المسلمين كلهم لأنك لو نظرت إلى المجتمع المسلم في مصر أو الجزائر أو سوريا لوجدت الناس فيه من الأشاعرة و الطرقية ،والصوفية، و الإخوانيين ،و التبليغيين، وغير ذلك، فانتهى الأمر إلى هجر كل المسلمين،ومعلوم شرعا أن هؤلاء لا يصح تسميتهم أئمة الضلال أو دعاة البدعة و غير ذلك، فهذا مالم يفهمه الأتباع أنزلوه على الناس برمتهم، فوجدوا أنفسهم في عزلة تامة، لا يقدرون على تبليغ ولو كلمة من الحق، و قد بدؤا الناس بهذا العداء0 ولم يميزوا بين الرؤوس و الأتباع0
    وجوب التمييز بين رؤوس البدعة و أتباعهم"
    إن الخلل الموجود حاليا في عرض منهج أهل السنة و الجماعة في معاملة المبتدع يشكل خطورة كبيرة على الدين ، فتفريق السلف بين المبتدع الداعية و غير الداعية لم يأت اعتباطا ،بل أصول الشريعة يدل عليه، ولتوضيح هذه النقطة حتى لا يقع منا الظلم على عوام المسلمين نبحث هذه النقطة بشيء من التفصيل:
    جاء في " كشف القناع"{420/6}:" إن تفسيق المقلد بالبدعة التي يكفر بها الداعية قول المجد، واختار الموفق عدم تكفير الداعية المجتهد في رسالته إلى صاحب التلخيص لقول أحمد للمعتصم :يا أمير المؤمنين"
    فهذا القول و إن كان مرجوحا ضعيفا أقصد قول المجد ابن تيمية، ومع ذلك فيه توضيح شديد بوجوب التفريق بين الداعية و بين من يقلده في بدعته ، فإذا كفر الداعية لم يلحق التكفير المقلد بل فسقه فقط، وهذا في بدعة غليظة فما بالك فيماهو دونها0؟
    و معلوم أن غالب الأئمة يصحح إيمان المقلد إلا بعض الأشاعرة و المعتزلة ممن أوجب النظر على كل أحد،فإذا كان المقلد يجوز أن يكون مقلده مصيبا و يجوز أن يكون مخطئا، وهو لا يعلم أمصيب هو أم مخطىء، فكيف نحمله مالم يتوقف عليه علمه، أليس هذا ظلما له و تكليفه مالا يطاق0؟
    ألا من يرحم عوام المسلمين ولا يكلفهم مالم يكلفهم به الله ، قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ في " السيل الجرار"{103/1}:" مسكين مسكين المقلد ماذا جرى عليه من هذه الآراء التي تشعبت طرائقها و خفيت دقائقها و حقائقها اللهم غفرا0"
    فإذا لم يفهم المقلد نفس الحجة، فكيف يفهم أنها أرجح من غيرها؟
    و الكلام في التقليد في شيئين في كونه حقا أو باطلا من جهة الدلالة وفي كونه مشروعا من جهة الحكم، فالتقليد و الإتباع الذي ذمه الله هو اتباع الهوى إما للعادة و النسب و إما للرآسة، وقد بين الله أن الواجب الإعراض عن هذا التقليد إلى اتباع ما انزل الله على رسله فإنهم حجة الله التي اعذر بها إلى خلقه0
    ولكن هنا يجب التفريق بين المقلد من أهل العلم من المفتين و القضاة من أتباع الأئمة، و بين المقلد الصرف الذي هو العامي،فالمقلد الأول يغلب على ظنه إصابة إمامه المجتهد ، كما يغلب على ظنه صدق المخبر ،فهذا المقلد متى أصر على قول إمامه الذي ليس معه حجة وترك القول الذي وضحت حجته لمجرد عادة و اتباع هوى فهذا مذموم0
    و لكن المقلد الصرف هو:" الذي لم يتأهل للنظر في قواعد إمامه و الترجيح بين الأقوال "إعانة الطالبين"{217/4}0 وقد لا يعرف أسماء علماء مذهبه0
    قال في "الإنصاف للمر داوي"{254/2}:" المعلن بالبدعة هو المظهر لها ضد الإسرار كالمتكلم بها و الداعي إليها و المناظر عليها ، وهكذا فسره المصنف و الشارح و غيرهما ، و قال القاضي : المعلن بالبدعة من يعتقدها بدليل و ضده من يعتقدها تقليدا ، وقال: المقلد لا يكفر ولا يفسق0"
    قلت : هذا الحق الذي لا مرية فيه ، ولعل قول ابن القيم الأتي فيصل النزاع ـ أزال الله عنه كل غم وهم كما أزاله عنا بعلمه ورحمته و إنصافه ، قال في " الطرق الحكمية"{255/1}:"أحدها: الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى و حكمه حكم المستضعفين من الرجال و النساء، والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا0
    القسم الثاني: المتمكن من السؤال و طلب الهداية و معرفة الحق ولكن يترك ذلك اشتغالا بدنياه ورياسته ولذته و معاشه و غير ذلك، فهذا مفرط مستحق للوعيد آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات فإن غلب ما فيه من البدعة و الهوى على ما فيه من السنة والهدى ردت شهادته و عن غلب ما فيه من السنة و الهدى قبلت شهادته0
    القسم الثالث: أن يسأل و يطلب و يتبين له الهدى و يتركه تقليدا و تعصبا أو بغضا أو معاداة لأصحابه ، فهذا أقل درجاته أن يكون فاسقا و تكفيره محل اجتهاد و تحصيل ، فإن كان معلنا داعية ردت شهادته و فتاويه و أحكامه مع القدرة على ذلك ، ولم تقبل له شهادة ولا فتوى ولا حكم إلا ثم الضرورة كحال غلبة هؤلاء و استيلائهم، وكون القضاة و المفتين و الشهود منهم ففي رد شهادتهم و أحكامهم إذ ذاك فساد كثير ولا يمكن ذلك فتقبل ضرورة0"
    اعتبار الجهل في الحكم على المبتدع:
    وهذا نقل آخر عن الإمام أحمد :" نقل ابن هانيء في الصلاة خلف من يقدم عليا على أبي بكر و عمر رضي الله عنهم،:" إن كان جاهلا لا علم له أرجوا أن لا يكون به بأس0"الإنصاف للمرداوي"{48/12}0
    فالحمد لله الذي نجانا من الظلم وهو خير المنزلين، اللهم أنزلنا على الحق واجعلنا ممن ينزل الناس عليه0
    فلو تم ضبط الكلام و تحديده مع تسمية المبتدعة، و بيان هذه الأمور، وبيان مجال العمل بها، و التفريق بين السعودية و غيرها من البلدان، لأمكن الاستفادة من هذا المنهج بهجر رؤوس البدع، و عدم تعطيل الدعوة إلى الله ، أما و الأمر لم يتم فإن السلفيين الذين هم على هذا المنهج أصبحوا يعانون حصارا شديدا من المبتدعة، وقد تركوا الدعوة رأسا، فليس منهم من يدعو إلى السنة إلا في النادر، و إذا دعا إليها فإن خطابه لا يتجاوز من يحسن الظن به، أما البقية الباقية من المسلمين فينفرون من أشرطة شيوخه و كتبهم كما ينفر هو وأصحابه من أشرطة وكتب شيوخهم0
    و إن كان واجبا دعوة الأتباع و تعليمهم و تحصينهم،فإن واجب الدعوة إلى الله و رسوله هو بالدرجة الأولى دعوة غير السنيين و المبتدعين و المخالفين و الزائغين و التائهين، ولكل منهم منهج في المخاطبة واضح0
    إن علينا أن ننظر إلى المبتدع كما كان النبي صلى الله عليه و سلم ينظر لمن أسلم، يقول:" الحمد لله الذي أنجاه من النار"0
    ـ إن كثيرا من أهل السنة الغيورين على السنة يستشعر سوء الفعل { مجالسة المبتدع أو عيادته أو النظر في كتابه إن كان رأسا في بدعته}، و لا ينظر إلى الحاجة المعارضة له ، و التي يحصل بها من ثواب الحسنة ما يربي على ذلك ، بحيث يصير المحظور مندرجا في المحبوب أو يصير مباحا، إذا لم يعارضه إلا مجرد الحاجة ، فالحسنات التي تحصل من دعوة أتباع المبتدعة إلى السنة لا يمكن قياسها مع مضرة مجالستهم ومخاطبتهم ، كما أن من الأمور المباحة بل و المأمور بها إيجابا أو استحبابا ما يعارضها مفسدة راجحة تجعلها محرمة أو مرجوحة كالصيام للمريض ، وكالطهارة بالماء لمن يخاف عليه الموت ، فهجر السني الضعيف للمسلمين لأنهم يتبعون ويحسنون الظن ببعض رؤوس البدعة، وتركه العلم في الجامعات لان أساتذتها مبتدعة هو بهذه المنزلة ،و إن كان حلالا واجبا[هجر المبتدعة] فإنه يضره و يفوت عليه ما هو اوكد من ذلك0
    قال شيخ الإسلام في " المنهاج"{527/4}:"ففي الجملة أهل السنة يجتهدون في طاعة الله و رسوله بحسب الإمكان، كما قال تعالى:{ فاتقوا الله ما استطعتم}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"، ويعلمون أن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه و سلم بصلاح العباد في المعاش و المعاد ، و انه أمر بالصلاح و نهى عن الفساد ، فإذا كان الفعل فيه صلاح و فساد رجحوا الراجح منهما ، فإذا كان صلاحه أكثر من فساده رجحوا فعله ، و إن كان فساده أكثر من صلاحه رجحوا تركه، فإن الله تعالى بعث رسوله صلى الله عليه و سلم بتحصيل المصالح و تكميلها و تعطيل المفاسد و تقليلها0"
    تطبيقات هذا الأصل:
    "وعلى هذا الأصل ينبني جواز العدول أحيانا عن بعض سنة الخلفاء كما يجوز ترك بعض واجبات الشريعة و ارتكاب بعض محظوراتها للضرورة ، وذلك فيما إدا وقع العجز عن بعض سنتهم أو وقعت الضرورة إلى بعض ما نهوا عنه، بأن تكون الواجبات المقصودة بالإمارة لا تقوم إلا بما مضرته أقل"
    فهكذا مسألة ترك هجر المبتدع و العدول إلى التأليف في بعض الأزمنة و الأمكنة لا يخالف فيها إلا أهل البدع أو الجهل و الظلم من العوام المقلدين0
    الصورة الثانية :
    من لا يتأتى له فعل الحسنة الراجحة إلا بمفسدة مرجوحة:
    "إذا كان يمكن فعل الحسنات بلا سيئة،لكن بمشقة لا تطيعه نفسه عليها أو بكراهة من طبعه بحيث لا تطيعه نفسه إلى فعل تلك الحسنات الكبار المأمور بها إيجابا أو استحبابا، إن لم يبذل لنفسه ما تحبه من بعض الأمور المنهى عنها، التي إثمها دون منفعة الحسنة ، فهذا القسم واقع كثيرا في أهل الإمارة و السياسة و الجهاد و أهل العلم و القضاء و الكلام و العبادة و التصوف وفي العامة، مثل من لا تطيعه نفسه إلى القيام بمصالح الإمارة من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و إقامة الحدود وامن السبل و جهاد العدو، وقسمة المال ـ إلا بحظوظ منها عنها، من الاستئثار ببعض المال و الرياسة على الناس، والمحاباة في القسم، وغير ذلك من الشهوات، وكذلك في الجهاد لا تطيعه نفسه على الجهاد إلا بنوع من التهور ، وفي العلم لا تطيعه نفسه على تحقيق علم الفقه، و أصول الدين إلا بنوع من المنهى عنه ، من الرأي و الكلام، ولا تطيعه نفسه على تحقيق علم العبادة المشروعة و المعروفة المأمور بها إلا بنوع رهبانية {000}فالتحقيق أن الحسنات حسنات و السيئات سيئات، وهم خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا، و حكم الشريعة أنهم لا يؤذن لهم فيما فعلوه من السيئات و لا يؤمرون به ، و لا يجعل حظ أنفسهم عذرا لهم في فعلهم، إذا لم تكن الشريعة عذرتهم ، لكن يؤمرون بما فعلوه من الحسنات و يحضون على ذلك ، ويرغبون فيه ، و إن علم أنهم لا يفعلونه إلا بالسيئات المرجوحة ، كما يؤمر الأمراء بالجهاد و إن علم أنهم لا يجاهدون إلا بنوع من الظلم الذي تقل مفسدته بالنسبة إلى مصلحة الجهاد0
    ثم إذا علم أنهم إذا نهوا عن تلك السيئات تركوا الحسنات الراجحة الواجبة لم ينهوا عنها، لما في النهي عنها من مفسدة ترك الحسنات الواجبة ، إلا أن يمكن الجمع بين الأمرين، فيفعل حينئذ تمام الواجب، كما كان عمر بن الخطاب يستعمل من فيه فجور لرجحان المصلحة في عمله، ثم يزيل فجوره بقوته و عدله0
    و يكون ترك النهي عنها حينئذ مثل ترك الإنكار باليد إذا كان فيه مفسدة راجحة على مفسدة المنكر ، فإذا كان النهي مستلزما في القضية المعينة لترك المعروف الراجح كان بمنزلة أن يكون مستلزما لفعل المنكر الراجح، كمن أسلم على ألا يصلي إلا صلتين كما هو مأثور عن بعض من أسلم على عهد النبي صلى الله عليه و سلم أو أسلم بعض الملوك المسلطين وهو يشرب الخمر، أو يفعل بعض المحرمات ولو نهي عن ذلك ارتد عن الإسلام0
    ففرق بين ترك العالم أو الأمير لنهي بعض الناس عن الشيء إذا كان في النهي مفسدة راجحة ، وبين إذنه في فعله، وهذا يختلف باختلاف الأحوال، ففي حال أخرى يجب إظهار النهي، إما لبيان التحريم و اعتقاده و الخوف من فعله أو لرجاء الترك أو لإقامة الحجة بحسب الأحوال[ فمذهب أهل السنة في هجر المبتدعين و التحذير منهم يجب إظهاره حتى يصير معلوما عند المسلمين ولا يعني ذلك تطبيقه بحذافيره و قد تخلفت الشروط و قامت موانع]، ولهذا تنوع حال النبي صلى الله عليه و سلم في أمره و نهيه و جهاده و عفوه ، و إقامته الحدود و غلظته ورحمته"{المجموع19/35}بتصرف0
    فهذه قاعدة شرعية كلية تعم العلماء و الأمراء، الأفعال و الأقوال تبين متى يسقط الواجب أو يصير فعله منهيا عنه، و كيف العمل عند تعارض الواجبات وغير ذلك 0
    وهي تبين كيف نتعامل مع المبتدع في حال القوة و في حال الضعف، و كيف نرجح بين المصالح0
    كلام النبي يُحتَجُ به، وكلام غيره يُحتَجُ له
    صلى الله عليه وسلم
    ليس كل ما نُسِبَ للنبي صلى الله عليه وسلم صحت نسبته، وليس كل ما صحت نسبته صح فهمه، وليس كل ما صح فهمه صح وضعه في موضعه.

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    211

    افتراضي رد: التعامُلُ مع المبتدِعِ (تصحيحٌ لـمُمَـارساتِنا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة وفهم ا

    جزاك الله خيراً يا ابو هارون
    فهذا بحث طيب إن شاء الله
    فيه إثبات أن الأصل في هجر المبتدع أنه واجب
    ويختلف التطبيق حسب حالات:
    1- حال المبتدع من حيث أنه داعية لبدعته أو مستتر بها.
    2- مراعاة الزمان والمكان.
    3- حال الهاجر من أهل السنة من حيث القوة والمنعة أو الضعف.

    فمن خلال هذه الحالات يصح أن نقول بأنه تراعى المصالح والمفاسد في هجر المبتدع لما تقدم من الحالات الثلاث وربما غيرها , ولا يصح أن نقول بأن الهجر يقوم على المصالح والمفاسد بل هجر المبتدعة هو مصلحة محضة ولكن يختلف حسب الحالات المتقدمة.

    وبهذا يعرف أخي عبد الله الشهري وكل من ينازع في هذا بأن الدعوة لا تتعارض مع الهجر الشرعي , والله أعلم

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    1,184

    افتراضي رد: التعامُلُ مع المبتدِعِ (تصحيحٌ لـمُمَـارساتِنا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة وفهم ا

    جزاكم الله خيرا وبارك فيكم....وبذلك أيضاً نعلم عدم صحة "الإطلاق" بعدم المخالطة والمؤاكلة وغير ذلك ، مادام أن الأمر يختلف باختلاف الظروف والأحوال و المخاطبين.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •