بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على خير الخلق محمد وآله وصحبه اجمعين
بحثنا في هذه الحلقة يلقي الضوء على مباحث الألفاظٌ ومدلولاتها بصورة نقدية أخذت مباحث الألفاظ حيزاً كبيراً في اللغة وكانت تفرعاتها مشتركة بين علم الكلام من جهة وأصول الفقه من جهة أخرى واستعملت على نطاق واسع في التفسير سواءً كان للنص القرآني أو غيره كشرح الحديث ودراسة متون المرويات ونصوص الصحابة ( رضي الله عنهم ) والتابعينٌ. وقد استعمِلت على نطاقٍ أضيقٍ وبمصطلحات مختلفة في علم البيان أو البلاغة . المبحث الأوّل
دلالـة اللفـظ
في هذا الفرع مباحث فرعية كثيرة جداً ، ولأهل العلم فيها مجادلات واسعة جداً ، وإذا أردنا جمعها فهي ترجع الى أصل واحد ومسألة واحدة . ذلك أن مباحث هذا الفرع هي في الدلالة وطبيعتها من حيث كونها كلّية يمكن تجزئتها أو لا يمكن ؟ وسنوضح المقصود بذلك . ولا يمكن الخوض في تفاصيلهم : ذلك لأنّهم تحدّثوا عن الدلالة بلغة وألفاظ كانت هي الأخرى و أيضا هناك خلط في الأمثال المضروبة للمناقشات فقد كانت تلك الأمثال تحمل في ذاتها نفس المشكلة ، ولهذا فلا يقدر فرد واحد ولا مجموعة أيضاً على تصحيح هذا الكم الهائل من المجادلات إلاّ بمعرفة قضية حقيقية وأساسية يتـمّ بموجبها أبانة الصحيح من السقيم . فمفردة مثل ( الشمس ) لا تحمل عندهم في ذاتها أيّة دلالة ، وإنّ دلالتها تأتي من الاستعمال والاتفاق . وهنا يظهر سؤال آخر عندهم هو : هل تحمل المفردة في النص جميع المعاني التي تستعمل لهذه المفردة ؟ فإنّ المعاني متعدّدة من حيث شموليتها – فالشمس المعلومة ( في السماء ) ، و لكن قد يقول زيد ( جلست في الشمس ) ، ويقصد ضوء الشمس وبالتالي فهو يعني ( جزء ) من المعنى الأشمل ، أو الكلّي . لكننا نلاحظ إغفال أمور أخرى ، ففي مثل هذا البحث توجد ثلاث مشاكل أغفلت :
الأولى : لا يوجد لديهم ( نص ) مفروغ من صحته أصلاً لكي يكون مصدراً للأمثال المضروبة – إذ قد أقول بل أجزم أن القول ( جلست في الشمس ) هو تركيب خاطئ لغوياً – إذ يتوجب مثلاً أن يقول ( جلست متعرضاً للشمس ) و ( عرّضت ثوبي للشمس ليجف ) .. الخ . و معلوم أنه بغير أمثال ( صحيحة ) مفروغ من صحتها لا يمكن استمرار المناقشة . وفي الجملة الجديدة لا مشكلة من هذا النوع .
الثانية : إن النص المفروغ من صحته ( إن وجد ) مثل ( القرآن ) فإنه قد استعمل ولكن بصورة معكوسة . أي أن المباحث استعملت الشواهد والعبارات المشكوك في صحّتها أو التي يجب أن تكون موضع التصحيح اللغوي جنباً إلى جنبٍ مع عبارات القرآن ، ثم استعملت النتائج لفهم النصّ المفروغ من صحّته أي القرآن !!
الثالثة : إنّ موضوع البحث هو دلالة اللفظ في عمومها : هل هي فرديّة أم مركّبة من أجزاء؟ وهل لها أصل محدّد أم يمكن إطلاقها على أشياء أكثر ؟ . في حين أن الشواهد هي ( مركّبات ) من ألفاظٍ عدّةٍ . أي أن أخذ مفردة مثل ( الشمس ) لدراسة دلالتها لا يمكن أن يكون داخل جمل وتراكيب مؤلّفة من وحدات أخرى مع لفظ الشمس لأنّهم إنما يبغون أصلاً فهم دلالة اللفظ مجرّداً من أي تركيب . وبهذا يمكن القول أن مبحث الدلالة ضعيف جداً .
المبحث الثاني
المفرد والمركّب في اللفظ ومدلوله
الأقسام المعتمدة عندهم للعلاقة بين اللفظ ( المفرد والمركب في مدلوله ) وبين المعنى هي أربعة أقسام ، لأن مدلول كلّ لفظ أما مفرد أو مركب وكلاهما أما يدل على معنى أو لا يـدل على معنى وهذه الأقسام هي :
1. مفردٌ دالٌّ على معنىً مفردٍ : كلـفظ : فِعلٌ ، اسم ، كلّمةٌ .
2. مفردٌ دالٌّ على لفظ آخر مركب هو بدوره دالٌّ على معنى مركب مثل : الخبر ، الكلام ، القول . فالخبر مثل زيد كاتب ـ مركَّب من ألفاظ وهي دالّة على معنى مركب من زيد والكتابة أو فعل الكتابة .
3. مفردٌ دالٌّ على لفظٍ مفردٍ آخرٍ ( والآخر غير دال على معنى ) مثل حروف المعجم : ألف ، باء ، ... الخ
4. لفظٌ مفردٌ دالٌّ على لفظٍ آخرٍ مركب والأخير غير دالٍّ كلفظ الهذيان والهذر .. الخ .
نلاحظ في التقسيم عدة مشاكلّ وتناقضات :
الأوّل : إن التقسيم لم يكن مطابقاً للمقدّمات : كلّ مدلول إما مفرد أو مركب من ألفاظ . و هذان هما نوعا اللفظ . و هذان النوعان أما يدل على معنى أو لا يدل فالاحتمالات المتكونة للفظ الأصلي ستة لا أربعة ومنها المفرد الدالّ على مفرد دالّ بدوره على معنى – والمفرد الدالّ على معنى مركب حيث لم يذكرا .
الثاني : إن التقسيم لم يلتزم ظروفاً موحّدة لدراسة الوحدة اللغوية . فلو قال : الفعل – بأل التعريف في النوع الأوّل أسوة بالنوع الثاني ( الخبر ) لكان لهذا الفعل بالمعنى معنىً مركباً – لأن الفعل الحقيقي هو ما لا يعبر عنه إلا بجملة مركبة أو عدة جمل . و من جهة أخرى لو قال ( خبر ) بغير أل التعريف في النوع الثاني لكان المفهوم هو من النوع الأوّل – أي الخبر في النحو ومن غير ذلك كلّه يمكنك نقل المفاهيم من المفرد الى المركب في الأمثال المضروبة – فلفظة ( كلمة ) مثلاً قد تعني خطبة طويلةً أو قصيرةً لا مفردة وهكذا .
إذن تبرز نفس المشكلة المراد وضع حلول لها خلال محاولة الحلّ . إذ يستحيل التخلّص من ( اعتباطية ) التأسيس لمبادئ لغوية تعتقد سلفاً أنها لغة اعتباطية !! و هذا امرٌ منطقيٌ واضحٌ تجاهله أهل العلم. وهذه المناقضة المذهلة وقع فيها جميع علماء اللغة في الغرب والشرق بلا استثناء ، ولكنهم استمروا في تأسيس مبادئ اعتباطية بل أقرّ سوسير بما سماه بـ ( المبدأ الاعتباطي ) .
الثالث : هناك مشاكل أخرى : فمثلاً إن النوع الرابع ( الهذيان ) هو لفظ يدلّ ضمناً على وجود ألفاظ أخرى – قالوا لا يدل على معنى . و هذا غير صحيح لأن الذي لا يدلّ على معنى – إذا سلمنا أن الهذيان خال تماماً من كلّ معنى – هو الجمل والتراكيب لا الوحدات المركبة منها وهي موضوع البحث ؟!! .
وفي النوع الثالث لا تجد اللفظ الثاني في حروف المعجم إلاّ أن يكون المقصود : أ – ب – ج من النظام الكتابي الى نظام صوتي بنطق التسمية هكذا ألف – باء ، جيم . و هذا بالطبع خلاف المنهجية في البحث ولا قيمة له بهذا المعنى .
إذن فالتقسيم متناقض في داخله ولا يؤدي الى نتائج علمية .
و قد ذكر سوسير أن الاعتقاد بأنّ الألفاظ لا قيمة ذاتية لها هو أمر لا يختلف حوله إثنان ، وأما الأصوات فإنّ الاعتقاد بوجود قيمة لها هو ضرب من الخيال وشيء لا يخطر على بال . وهو بهذا لا يختلف عن( ميثـم ) بشيء في نظرته للأصوات إذ اعتبرها غير دالةٍ على شيء ، وكذلك الألفاظ لا تدل على المعاني إلاّ بعد التركيب كما سيأتيك . المبحث الثالث
الدلالات المختلفة للفظ
هذا العنوانمن عندي لنجمع فيه عدة أبحاث لعلماء اللغة كلّها تدور في فلك واحد ، ومن الواضح أن منشأه المترادفات أيضاً ، ولكنهم كثيراً ما كان يعجبهم تفريع أبحاث عديدة لأصلٍ واحدٍ ومشكلةٍ واحدةٍ . فالمشكلة نفسها لا تحسم بحل منطقي ـ أما التفرعات فيحاولون إيجاد حلول لها !! .
ومن تلك المشاكل الفرعية أن اللفظ قد يعطي دلالات مختلفة فما هي الدلالة الحقيقية له من بين تلك الدلالات . مثلاً ( الصلاة ) في قوله تعالى :
 إن الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما  / ( الأحزاب 56 )
فالصلاة من الله ( رحمة ) ومن الملائكة ومن الناس ( استغفار ) . وكقوله تعالى :
 ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم  / (الحج 18 )
فالسجود من الملائكة ( خشوع ) ومن الناس وأمثالهم هو المتصور من وضع الجبهة على الأرض ومن الجمادات هو قسرّية الحركة واحتياجها الى الصانع .
وهذا الأصل دخل أبحاثا فرعية مختلفة ـ مثل اللفظ المشترك هل يستعمل في معانيه على الجمع أم لا ؟ أجاز ذلك الباقلاني والجبائي والقاضي عبد الجبار والشافعي ومنع منه أبو هاشم وأبو الحسن البصري والكرخي وغيرهم .
الملاحظ أن المدخل الى المبحث متناقض منذ البدء في المسألة شأنه شأن جميع تفرعات ( علم اللغة ) .
فأصل البحث هو عن مدلولات ( أو مدلول ) اللفظ ـ ومن ثم التراكيب مجتمعة من ألفاظ وليس اشتراك الألفاظ في المدلول . ولكننا نلاحظهم وكما فعل علماء اللغة في الغرب منذ سوسير يعتبرون الألفاظ الأخرى ـ والتي هي مدلولات المفردة الأولى من معاني اللفظ الأوّل . بمعنىً آخر : أنت تبحث عن معاني الألفاظ ومدلولاتها فاللفظ رقم ( 1 ) مثلاً تعطيه ثلاثة مدلولات . ولكن هذه المدلولات استعملت لإظهارها ثلاثة ألفاظ أخرى ، وهذه الألفاظ هي جزء من أبحاثك يفترض أنّك تبحث عن مدلولاتها أيضاً فهذا العمل لا يقوم به شخص عاقل مطلقاً لأنه إذا كان يؤمن بـ ( المترادفات ) ـ فليؤمن ولكن يتوجب عليه أن يكون منطقياً فيبحث في المرادفات نفسها ولا يبحث عن الدلالة الأصلية أو الفعلية لكلّ لفظ مادام يبدأ فوراً من الأمثلة بتخريبِ وتدمير تلك الدلالة المبحوث عنها ؟!
في المثال السابق وجميع الأمثلة عدة مشاكلّ منهجية :
1. الصلاة من الله ( رحمة ) : هو معنى للصلاة صيغ بلفظ جديد هو ( رحمة ) ـ وهو لفظ يحتاج هو الآخر الى دلالة وبحث كما أشرت . فالبحث لا يفسر ( لغةً إعتباطيةً ) وحسب وإنما اسلوب البحث نفسه اعتباطي الشكل والمضمون .
2. إن هذا التحديد تدمير ( لنظام المترادفات ) حتى حينما يؤمن المرء بها ـ إذ المفروض وجود حدود معينة للمترادفات فتحديد الصلاة من الله على أنها رحمة هو منتهى التعسف بحق ( المترادفات ) .
يمكن للمرء أن يقول : إن الصلاة من الله هي ( لطف ) ، أو ( مودة ) أو ( تأييد ) أو ( عناية ) أو ( ذكر ) ـ كما قال  اذكروني أذكركم  أو أيّة ألفاظ أخرى ذات صلة بالموضوع وما أكثرها . فالتحديد بكونها رحمة هو هتك لمجموعة الألفاظ المشتركة في نفس موضوع ( اللفظ المشترك ) وفتح لامحدود للمترادفات .
وإذا كان النص القرآني أو أي نص آخر ـ هو الغاية والوسيلة في آنٍ واحدٍ لهذا البحث ـ فإنّ عملية التخريب لنفس النص قد بدأت منذ أن ابتدأ البحث . فعلى سبيل المثال نلاحظ غيريَّةً بين الصلاة والرحمة في استعمال ( مركَّب ) واحد من النص القرآني مثل :  أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة / (البقرة 157 ). وهو دليلٌ أكيدٌ على أن الصلاة شيءٌ مختلفٌ عن الرحمةِ .
وكذلك الأمر في معناها أي الصلاة ـ من الملائكة ومن الناس . إذن فالباحث بدأ بتخريب ( النصوص ) كلّها منذ بداية البحث .
3. دخل هذا المبحث الى الفقه التشريعي أيضاً : فاختلفوا في ( مبحث الأوامر) حول القصدية في الأمر :  أقيموا الصلاة  مثلاً ـ هل المقصود تلك العبادة الخاصة التي تتضمن حركات وقراءة معينة أم المعنى الأعم المرتبط بالصلة ؟
4. إذا أخذنا مثال السجود – نلاحظ علاوة على الآية الآنفة – السجود لآدم في آية ( 1 ) – و سجود الظلال في آية ( 2 ) – و غير ذلك كما في آية ( 3 ) و ( 4 ) وتكون الحصيلة أن السجود كلفظ يحل محل ألفاظ أخرى على محورالألفاظ أو ( المعاني ) التي هي ألفاظ على الشكل الآتي :
حركة احترام خشوع انكباب إذعان
فاللفظ ( سجود ) : يقفز كلّ مرة ليحلّ محلّ ( لفظ ) آخر ـ كلّما تغير الفاعل وموضوعه المكتوب أسفل المحور .
فهو من الجمادات إذعان ومن الإنسان الوضع الخاص المعروف ومن الملائكة خشوع .. الخ .
هذه العملية هي عبارة عن ( تقريب للمعاني ) ويقوم بها أدنى الناس معرفة بالأشياء واللغة وهي في النهاية ليست سوى ( جعل ) الألفاظ الأخرى تدل على معاني ( ذهنية ) للفظ ( سجود ) لا غير ـ ودخولها بصورتها البدائية الساذجة في متون الشروح المتعلقة بدلالة اللفظ ـ لا يعني شيئا سوى أن علماء اللغة يرغبون في تأسيس مبادئ ثابتة لهذه الإعتباطية والفهم البدائي للألفاظ والذي يتّسم باللامنطقية والسذاجة .
مثل هذا الرسم وضعته في كتاب اللغة الموحّدة وأمكن التخلّص من هذه المشكلة بالكشف عن معاني الأصوات ، فالتعاقب ( س ـ ج ـ د ) له حركة عامة ويمتلك قيمة أصلية لا تتغير ، وهو ما كان ولن يكون بحركة التعاقبات الأخرى مثل ( خ ـ ش ـ ع ) أو (ا – ن – ك – ب ) … الخ ..
وتؤدي الذوات المختلفة هذه الحركة كلّ بحسب طبيعتها وقدراتها وهذه الحركة مطلقة فلا يمكن أداء ( سجود ) بمعناه المطلق الا من المجموعة كلّها أي الموجودات بأسرها ـ فهي في حالة سجود فعلي مطلق دائماً كمجموع ويمكن للذات ـ حال كونها مختارة وحرة أن تسجد بالصورة المرضية فليس هناك حدود للحركة في التعاقبات الا حدود نفس التعاقب من حيث أن حركته الأصلية محددة بوجوده وهذا شيء عام ينطبق على كلّ تعاقب
وبدلاً من أن نجعل لكلّ ( لفظ ) ألفاظاً أخرى للدلالة على معناه ـ يتوجب بدلاً من ذلك دراسة حركة كلّ لفظ لمعرفة المزيد من نفس الحركة فهذا يؤدي الى معرفة صحيحة للغة والأشياء ويجنبنا العبث بالنظام اللغوي ويقضي على مشاكله جميعاً .
وبالطبع يحتاج هذا الأمر الى معرفة أولية بقيمة الأصوات ومن ثم التعاقبات وقد تـمّ ذلك ـ وبموجبه يمكن تمييز النظام اللغوي المطلق من الكلام عن غيره من الكلام وقد تـمّ اكتشاف أن القرآن هو كذلك فكان ( المنهج اللفظي ) مقدمة أوّلية في محاولة الدخول الى ذلك النظام .
5. إذن يمكن القول أن البحث اللفظي ( الكلاسيكي ) المتعلق باستعمال اللفظ على الجمع هل يجوز أو لا يجوز هو مبحث ساقط عن الاعتبار ومثاله قوله ( يصلّون ) هل المقصود مجموع صلاة هؤلاء لكلّ ذات منهم وكلّ نوع أو غير ذلك ؟ فقول المجوِّزين مثلاً : أن ضمير الجمع في الفعل ( يصلّون ) بمنزلة الضمائر المتعددة المقتضية لأفعال متعدّدة – هو محاولة لتبرير المرادفات على المحور وهو شيء لا يمكن لهم تحقيقه . أما الذين منعوا من ذلك فليس هو بسبب ( قصدية اللغة ) – وإنما هو محاولة للجمع بين الاعتباط و القصدية في آنٍ واحدٍ – وهو عين ما يفعله دي سوسير في علم اللغة العام .
وبالنسبة للتنظير اللغوي في الشرق الإسلامي فهو مخالف للأسس المنطقية في خصائص الجزء والكلّ . فالكلّ هنا اعتباطي كيفما اتفق والجزء قصدي وهو مقلوب المبدأ المنطقي مرتين لا مرة واحدة .
الصورة النهائية للحل القصدي تتوضح بالرسم الآتي المختلف في الاتجاه فقط عن الرسم في كتاب اللغة الموحدة ، وهو رسمٌ لوحدةٍ لغويةٍ واحدةٍ مثل ( سَجَدَ ) لمجرد التوضيح :
سجد سجد سجد سجد
المعنى المطلق
( سجد ) ظلال ملائكة إنسان جماد
المبحث الرابع
التخصيص والإجمال
وهذا المبحث يخص اللفظ المشترك . ذكروا أن اللفظ إذا كان موضوعاً لمعنيين أو اكثر فإن اقترنت به قرينة تخصّص أحد المعاني فهو ذلك المعنى وإن لم تقترن به قرينة من هذا النوع بقي مجملاً . وهنا اكثر من أشكال :
الأوّل : أن القرينة هي لفظ أيضاً ومشكلته في العموم ( الإجمال ) والتخصيص هي نفس مشكلة اللفظ موضوع البحث !! .
وهذا تغافلٌ أو غفلةُ عن الأساس المنطقي للبحث . وهذا التغافل بعينه !!!!
الثاني : إن القرينة مع وضوحها الكافي لا تخرج عن المعنى الذهني أو الاصطلاحي وهي بذلك تقوم بمزيد من الإيهام حول اللفظ موضوع البحث . وستلاحظ في المواضيع اللاحقة أن ( الإيهام ) هدف من أهداف الاعتباطية أيضاً وليس أسلوباً في البحث فقط .
وبسبب هذين الإشكالين المنطقيين فقد تفرّع البحث اللفظي هنا الى فروع رئيسية أربعة بحيث أُدخلت المرادفات والمجاز والكناية والاستعارة وأدوات النفي وعلم المنطق كلّه للتخلص من الالتباسات الواقعةِ بين القرينةِ واللفظ بحيث يمكنك جمعَ مجلداتٍ من كلامهم في هذا المبحث .
وفي النهاية ولكلّ فرع ، كان الخذلانُ واضحاً والفشل ظاهراً حينما تلاحظ عبارات من هذا النوع كما في النصوص الختامية آلاتية :
( فإن كان الراجح من تلك المجازات هو مجاز الحقيقة الراجحة ـ علماً أن الحقيقة الراجحة هنا مجازيه وتخمينية لا غير ـ تعيَّن الحملُ عليه أو مجاز الحقيقة المرجوحة فيقع التعارض بينه وبين مجاز الحقيقة الراجحة لاختصاص كلّ منهما بنوع ترجيح الى أن يظهر مرجّح آخر).
ونعلق على ذلك بالقول : من أين ومتى سيأتي المرجّح الآخر وموضوع البحث هو تركيب لغوي ـ جملة مفيدة هي بين أيدينا ؟؟ .
نص آخر :
( وأما إذا تساوت الحقائق فإن اختلفت مجازاتها بالقرب والبعد منها حمل اللفظ على المجاز الأقرب وإن لم تختلف في القرب والبعد بقي التعارض بينهما متساوياً لتساوي حقائقها الى أن يظهر مرجّح .. ) !!
وهكذا ينتهي الحلّ الاعتباطي الى نتيجةٍ أخيرةٍ بعد البحث والعناء مفادها الانتظارُ الى حين ظهور الحلّ !! .
ومثلُ هذه النتائج متوقعةٌ بصورةٍ حتميةٍ ، يحتمها الأساس المتناقض لمبدأ الحلّ والذي جعل حلّ معضلةِ تخصيص معنى اللفظ في يد لفظٍ آخرٍ ـ كان هو بدوره ينتظر من يخصِّص له معناه !! ـ . وهذا خلاف مبدأهم المنطقي القائلِ ( فاقد الشيء لا يعطيه – أو المفتقر للشيء لا يعطيه ) . وفي الحلقة القادمة سنتناول المجاز وأصنافه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته