الإنسان كائن متميز عن باقي المخلوقات ؛ خلقه الله عز وجل لا يعلم شيئا، ثم ميزه الله عز وجل بأنه :
- يتعلم ..
- ويفكر ..
- ويُبِين عن نفسه ..
- ويتمم ما بناه السابقون ..
والإنسان؛ إزاءَ كل أمر يقابله في الحياة مما يحتاج إلى قرار؛ تراه يتخذ قراره اعتمادًا على أمرين معا:
- الأول: المعطيات الخاصة بهذا الأمر.
- الثاني: الخبرة العامة التي حصلها طوال حياته.
ولذلك تختلف أفعال الناس في المواقف المتشابهة تبعا لما عند كل منهم من خبرة سابقة، ولهذا يختلف قول العلماء في المسألة الواحدة تبعا لهذه الخبرة أو الملكة، بل يختلف قول العالم الواحد نفسه تبعا لازدياد هذه الخبرة مع الزمن!
ولما كان الإنسان مهما طال عمره لا يمكنه أن يحصل تجارب كافية لكسب الحكمة؛ كانت القراءة من أهم السبل لتلافي هذا النقص في الحكمة، ولذلك يندر جدا أن تجد حكيما لا يقرأ؛ لأن القراءة تجعلك تجمع إلى حكمتك حكمة من سبق، وتضم إلى علمك علم من سلف، وللجاحظ هنا كلام نفيس جدا في فضل الكتاب لا يستغنى عنه، ولكن لن أنقله هنا لطوله.
وإن المرء ليشعر كلما قرأ وازداد علما أنه ازداد بصرًا وتمكن بصيرةً، وما أشبه ذلك بإنسان يترقى كل يوم في مبنى شاهق فيصعد طابقا، فكلما ارتقى واحدًا استطاع أن يرى مساحة أوسع من المدينة، فيتضح له:
- كم كان جاهلا من قبل!
- وكم كان قصير النظر!
- وكم كان غائبا عن كثير من الخير!
- وكم كان بعيدا عن الإصابة.
- وكم كم، وكم كم، ثم كم كم، وكم، وكم .....
فليذكر إخواننا الأفاضل ومشيخنا الأكارم خلاصة الحكمة التي خرجوا بها من جميع الكتب التي قرؤوها في حياتهم.
ومن المفيد هنا أن يذكر القارئ عدد الكتب التي قرأها من الجلدة إلى الجلدة، مع أن هذا ليس مقياسا لتحصيل العلم، ولكنه قد يكون معيارا ولو تقريبيا لمقدار ما حصلته من الحكمة، لا سيما مع تنوع الكتب في الفنون والعلوم.
ذكر أن بعض الأمريكان قرأ نحوا من أربعة آلاف كتاب كاملة! وهذا قدر كبير بالنسبة إلى أهل هذا العصر، وحكي عن بعض الأوربيين أنه قرأ نحو ثلاثة آلاف كتاب، وذكروا عن الشيخ علي الطنطاوي أنه قرأ نحو ثلاثة ملايين صفحة، وهذا لو عد مجلدات كان نحوا من سبعة آلاف!!
وقد قرأت في بعض الصحف المصرية أن العقاد قرأ أربعين ألف كتاب، ولا أحسب هذا إلا وهما من الكاتب أو سوء تقدير.
فليذكر كل منكم تجربته، لعلنا نستفيد، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه.
أخوكم ومحبكم/ أبو مالك العوضي