أخي أبا البشير
المشكلة يا أخي مشكلة منهجية، وهي مشكلة عظيمة جدا فلا تستهن بها !
وإذا كنت تقول: ( الترجيح لا بد منه إما باجتهاد وإما بتقليد )، فما الفرق بين الحديث والفقه عندك ؟ ولماذا تركت الاجتهاد في الحديث وانشغلت بالفقه؟!
أليس الأسهل أن تقلد في الفقه أيضا فتريح نفسك من هذا العناء ؟!
وكأني بك بعد عدة سنوات ترجع إلى نفسك وتقول: إن الترجيح في الفقه أيضا طويل الذيل، فلماذا أتعب نفسي؟ فلأقلد في الفقه أيضا حتى أتقن أصول الفقه، أو أصول اللغة، أو غير ذلك !
يا أخي الكريم، العلم مراحل ودرجات كما قلت لك سابقا
هل حفظ القرآن يعتمد على ترجيح مسائل معينة سابقة ؟!
هل حفظ أحاديث الصحيحين يتوقف على ترجيح ؟!
هل حفظ المتون الأساسية في العلوم المختلفة يتوقف على ترجيح ؟!
هل حفظ المعلقات السبع يتوقف على ترجيح ؟!
هل دراسة فتح الباري وشرح النووي يتوقف على ترجيح؟
هل قراءة تفسير الطبري والقرطبي يتوقف على ترجيح ؟!
هل قراءة الكتب المشهورة التي صارت مرجعا لأكثر الناس يتوقف على ترجيح ؟!
الترجيح يا أخي الكريم له أهله، ولا يتأتى إلا بعد عشرات السنين من الجد والاجتهاد والبحث والفحص والطلب والتحري والنظر والتفكر
بعشرٍ يُنال العلم قوت وصحة .......... وحفـظ وفهم ثاقـب في التعلم
وحرص ودرس واغتراب وهمة .......... وطـول زمـان واجتـهاد معلم
والمشكلة أننا ابتُلينا بهذه الفتنة ( فتنة الترجيح ) التي لم نر لها مثيلا عند علمائنا السابقين.
أنت تقول: (حديث ينبني عليه قول فقهي وربما عقدي ... إلخ)
أقول لك يا أخي الكريم:
هل هذا السؤال موجه لك فقط أو لجميع الناس؟ وماذا يفعل عوام الناس في مثل هذه الحالة؟ وهل تظن أن هذا القول الفقهي أو العقدي مبني على هذا الحديث فقط؟ وكيف عرفت ذلك؟ هل أحطت بجميع الأحاديث ؟
والعجيب أنك تظن جواب سؤالك مما يتفق على صحته !!!
بل لا أبعد إن قلت: يتفق على خطئه وبطلانه !
يا أخي الكريم، هذا كلام ساذج يضحكون به علينا، ويخدعوننا بكلام براق لامع، ظاهره فيه الرحمة وباطنة فيه العذاب ! يقولون: (
الاجتهاد واجب، والترجيح لازم، ولا نقلد أحدا، ولا عبرة بقول أحد كائنا من كان، واتبع الحق ولو كنت وحدك ).
وهذه كلمات حق، ولكن يراد بها باطل؛ فليس الباب مفتوحا لكل من هب ودب ليتقيأ لنا أقبح الأفكار وأسمج الأقوال !
ثم يظهر من كلامك في آخر مشاركتك أنك لست مقتنعا بهذه الإجابة التي تظن أنها من المتفق عليه ! حيث قلتَ ( فإذا كنت مكلفا بتعلم الفقه وغيره مما لا يسعني جهله .... حقيقة أنا في حيرة من أمري ! )
هذا بالضبط ما أقوله لك، إنها الحيرة ، والضيعة ، والسير في طريق خاطئ ، فمهما أسرعت في السير فلن تصل؛ لأنك سلكت طريقا خاطئا أصلا منذ البدء !!
الطريق الصحيح يا أخي الكريم أن تُحصِّل ما لا يُختلَف فيه ابتداءً، من حفظ النصوص الشرعية، ومدارسة المتون الأساسية في العلوم المختلفة، فهذه هي آلة الترجيح التي تقول إنها متوفرة لديك !
وهذه الآلة أصلا تحتاج إلى صقل وتثقيف دائمين لا ينتهيان !
فالعلوم الشرعية مترابطة لا يستغني بعضها عن بعض، فلا يصلح الفقه بغير حديث، ولا يصلح الحديث بغير فقه، ولا الفقه والحديث بغير باقي الفنون من أصول ونحو ولغة.
وأسأل الله لي ولك التوفيق والسداد
اللهم لا تجعل ما قلنا علينا وبالا، وارزقنا العمل به، ووفقنا لما تحب وترضى يا أرحم الراحمين !