الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وسلم وبعد
لعل بعض الأخوة اطلع على (كتاب ابو جهل يخرج من الغرب) وهي عبارة عن 6 رسائل بين: مؤلف الكتاب الدكتور الفاضل عبدالودود شلبي .. والأخت مرجريت التي أسلمت بفضل الله ثم بسبب دكتورنا الفاضل ، وكان أن إنتقيت هذه الرسالة الثانية وتصرفت تصرف يسير فيها .. وقد رأيت فيها حقائق مهمة جدا تفيد أحبتي المتخصصين في مجالهم الدعوي .. لعلي أحظى بدعوة طيبة منهم ..
*****
من القاهرة إلى لندن :
الأخت مرجريت ..
لم أفاجأ بعودتك من الولايات المتحدة للإقامة الدائمة في لندن ..
كنت أتوقع هذا بالرغم من إقترانك بأخ أمريكي مسلم .. إن نيويورك مدينة .. مرعبة .. والحياة لا تتفق مع فطرتك النقية الصافية ، ولا مع مشاعرك النبيلة المرهفة ..
هل سمعت بالأخت المسلمة " مريم جميلة " .. لقد قررت الفرار من نيويورك بعد أن أسلمت .. واختارت الإقامة في باكستان بعد أن تزوجت هناك من أخ مسلم ..
وقد اكتشفت أن مشاعرنا متفقة تجاه اسلوب الحياة في الولايات المتحدة ..
لقد زرت معظم أقطار العالم كما تعلمين ياأخت مرجريت .. غير أني أشعر بانقباض داخلي كلما فكرت في زيارة أمريكا .. أو كلما وجهت إلي دعوة منها في أية مناسبة .
أما لماذا هذا النفور والإنقباض فلا أدري .. كما أن الحاسب الآلي لا يستطيع معرفة أسباب الكراهية أو الحب التي يجيش بها صدري .. فالكراهية أو الحب عاطفتان تتسمان بالتمرد .. ولا يستطيع العلم إختراق هذا العالم العجيب في قلب أية واحدة أو أي أحد ... !!!
****
لا أريد أن أتوقف معك طويلا أمام هذه الخاطرة .. فهناك ماهو أهم وأخطر من هذا الحب أو هذه الكراهية ، وهل هناك ما هو أخطر مما يقع بالمسلمين في كل بلد .. ؟
وفي أي مكان يعيش فيه مسلم يؤمن بالله الواحد الأحد .. ؟ وهل هناك ماهو أهم وأخطر من انفراط عقد أمتنا المسلمة .. ومن أخبار المذابح التي تترى أخبارها من كل جهة ، وفي كل دقيقة .. بل في كل لحظة.. !! إن زعماء الغرب .. وكل مفكريه .. وكل ساسته يتكلمون جهارا وعلنا عن الإسلام الخطر .. والإسلام الخوف .. والإسلام الذي يتحفز للإنقضاض على الحضارة .. وعلى أوربا.. وعلى الولايات المتحدة .. بل على العالم كله .. إن حلف " الأطلسي " لن يذهب . وأوربا الموحدة ستنشئ قوة خاصة بها للإنقاض على الإسلام في أي وقت مناسب .. وفي أية بلد ..!!
والذي يحدث في " البوسنة والهرسك " إنما هو اختبار وتجربة لما سوف يحدث في المستقبل .. << كتب هذا الكتاب قبل أحداث 11 سبتمبر2001 بتسعة أعوام..!! >> والأقليات الإسلامية في العالم كله مهددة بهذا المصير الظالم – مالم يثبت العالم الإسلامي أنه موحد حي لم يمت ..!
هل سمعت يا أخت مرجريت بالمرحوم " بإذن الله " محمد أسد ؟ أو " ليوبلد فايس" كما كان يعرف بذلك قبل أن يسلم ..؟
يقول في كتاب له اسمه : ( الإسلام على مفترق الطرق )
" إن الإسلام يعامل من وجهة نظر الغرب كمتهم أو مجرم ، وإذا تعذر عليهم العثور على شهود قبل إصدار الحكم – المحدد سلفا – بالنسبة لهذا البريء المتهم ، عمدوا إلى خطف كلمة من هنا .. وعبارة من هناك ( على طريقة ويل للمصلين ..!!) ثم جمعوها بعد ذلك في نسق محدد .. ثم أصدروا بعد ذلك – أي الحكم المتفق عليه أصلا- وتكون النتيجة صورة مشوهة للإسلام .. والمسلمين .. زورا وزيفا ..
****
إن القانون الدولي لم يكن يعترف بالمسلمين كبشر ..!! و ..( جروسيوس) الذي أطلق عليه اسم ( أبو القانون الدولي ) طالب بعدم معاملة غير المسيحيين .. كمعاملة المسيحيين .. في ساحة القضاء والعدل ..!
وكان هناك قانوني آخر اسمه ( جينتيلس ) أعلن أنه لا يجوز لدولة مسيحية كفرنسا .. أن تعقد معاهدة مع دولة كافرة ..اسمها تركيا ..!!<< المصدر : حافظ غانم /المجتمعات الدولية>>
والناس أعداء ما جهلوا .. وقد كنت أعتقد أن شعوب الغرب على درجة من الوعي ، وأنهم أهل فطنة يميزون بها بين الحقيقة والزيف .. حتى قرأت هذا الكتاب الذي ألفه السياسي " بيتر مانسفيلد" ، وإن ما كتبه هذا الرجل يستحيل تصوره في أي عقل .. يقول هذا الكاتب :
في الأسبوع الأول لتدريسنا في مدرسة ( أرامكو) – أي في بلده - وجهنا بعض الأسئلة إلى الدارسين في هذه المدرسة :
كان السؤال الأول : ماذا تعرف عن محمد ؟
وكان السؤال الثاني : ماذا تعرف عن الإسلام ؟
أتدرين ماذا كانت الإجابة ؟
قال أحدهم : إن النبي محمد هو مؤلف " ألف ليلة وليلة" ..!!
أما بالنسبة للإجابة عن السؤال الثاني فقال أحدهم : إن الإسلام لعبة حظ أشبه بلعبة البريدج ..!!
وقال آخر : الإسلام أنشأته عصابة ( كوكلوكس كلان ) ..!!<< هي عصابة إجرامية تخصصت في اغتيال السود وغير المسيحيين >>
وقال ثالث : الإسلام أنشأته منظمة ماسونية أمريكية ..!!
****
هذه الأكاذبب والخرافات والإفتراءات صناعة أوربية منذ عرفت أوربا .. وقد صاغت الكنيسة هذه الخرافات في صورة " لا هوتية " حتى يكتسب الكذب والغش قداسة يصبح الخروج عليها كفرا ..
هل سمعت بقصة الراهب الذي ألف كتابا سماه ( المصيبة الإسلامية )..!!
يقول الراهب :
إن المسلمين كانوا في غاية الدهاء والمكر .. ففي البلاد التي فتحوها لم يرغموا أحدا على اعتناق الإسلام ، ولم يحاولوا نشر دينهم بالعنف أوالقوة .. فدفع ذلك الناس إلى التقرب منهم للتعرف على دينهم .. ومن هنا جاءت المصيبة الكبرى .. فما يكاد يقترب أحد منهم ويسألهم عن دينهم حتى يعود مسلما ويترك دينه الذي كان عليه سابقا ..!!
الإخاء .. والتسامح .. وترك الناس أحرارا في اختيار ما يشاؤون -((أي: لغير المسلمين)) - من مذاهب .. وفي الإعتقاد والإيمان بالإله الواحد .. كل هذه القيم النبيلة .. تحولت في نظر هذا الراهب إلى مصيبة ..
أما حروب الإبادة لكل شعب يرفض عقيدة هذا الراهب أو عند من يستحيل في رأيه تصور أن يكون الإله ثلاثة في واحد فإن القتل والحرق والصلب يصبح في نظر هذا ( الملتاث) قمة الرحمة والعدل .. وغاية الغايات لأي إنسان يبتغي الخلاص والنجاة فوق هذه الأرض ..!!
لقد كان الكونت هنري كاستري – حاكما للجزائر - .. وكان ممن أعمت الكنيسة أبصارهم وبصائرهم عن الإسلام حتى لا يروا نوره الباهر .. إلا أنه درس الإسلام دراسة متأنية عميقة ، وكتب عنه كتابا قيما يتسم بالصدق والحقيقة ..
وقصة تفكيره في دراسته للإسلام قصة طريفة :
كان من كبار الموظفين بالجزائر ، رغم سنه المبكرة ، وكان يسير ممتطيا صهوة جواده ، ويسير خلفه ثلاثون من فرسان العرب الأقوياء ، فخورا بمركزه ، وكان يملؤه الغرور للمدح الذي يزجيه إليه هؤلاء الذين تحت إمرته .. وفجأة وجدهم يقولون له في شيء من الخشونة ، وفي كثير من الإعتداد بالنفس " لقد حان موعد صلاة العصر" ..!!
ودون أن يستأذونه في الوقوف ترجلوا واصطفوا للصلاة متجهين إلى القبلة ودوت في أرجاء الصحراء كلمة الإسلام الخالدة :
*( الله أكبر )*
شعر الكونت في هذه اللحظة بشيء من المهانة في نفسه وبكثير من الإكبار والإعجاب بهؤلاء الذين لا يبالون به ، ذلك لأنهم إتجهوا إلى الله وحده ، بكل كيانهم ، وبدأ يتساءل :
ما الإسلام ؟ أهو ذلك الدين الذي تصوره الكنيسة في صورة بشعة تنفر منها النفس ، ولا يطمئن إليها الوجدان ..؟ وبدأ يدرس الإسلام ، فتغيرت فكرته عنه ورأى من واجبه أن يعلن ما اهتدى إليه ، فكان كتاب "( الإسلام خواطر وسوانح )" << ترجمه الأستاذ فتحي زغلول >>
وفي هذا الكتاب الطريف : تحدث عن الكثير من جوانب الإسلام سواء أكان ذلك فيما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم ، أم فيما يتعلق بالتعاليم الإسلامية ، وقد تحدث عن أراء مواطنيه ، خصوصا القدماء منهم في صورة من السخرية والتهكم ..
فقد قالوا : ( إن محمدا وضع دينه بادعائه الألوهية ) !!
وقالوا : ( إن محمدا الذي هو عدوالأصنام ومبيد الأوثان ، كان يدعوا الناس لعبادته في صورة وثن من ذهب ) .. وقد بدأ الكونت يسائل نفسه : لماذا هذا التضليل والزيف .. ولحساب من تلجأ الكنيسة إلى هذه الأكاذيب التي لا يقبل بها عقل ..؟!!
***** ا
الأخت مرجريت :
في العام الماضي 1992إحتفلت أمريكا بمرور500عام على اكتشافها ..وإن شئت .ز فقولي على اغتصابها وقتل الملايين من سكانها ..!! واسمحي لي يا أخت مرجريت أن أتوقف قليلا عند هذه المناسبة أي مناسبة إكتشاف أمريكا والإحتفال بهذه المناسبة ..
هل تعلمين أن أول من عرف أمريكا هم المسلمون .. لا الأسيان ولا الأوربييون ..؟!! وقد ظهرت دراسة جديدة للدكتور (تي . إس . أرفنج) << هو أستاذ بجامعة (تنسي ) بالولايات المتحدة الأمريكية>> يقول فيها :
( إن أول من عرف أمريكا واكتشفها إنما هم المسلمون الذين قاموا برحلات إليها .. سواء من قرطبة أو من شمال أفريقيا .. وقد أيد قوله هذا بعدة أدلة هي :
أولا : أنه وجد تشابه بين التقاليد والعادات الإفريقية وبين تقاليد وعادات الهنود الحمر..
ثانيا : وجدت آثار في تسعين موضعا تشتمل على كتابات من لغة قبائل " الماندجو "المسلمة والموجودة في غرب أفريقيا .
ثالثا : العثور على عملات معدنية إسلامية ضربت في سنة 800هجرية في أمريكا الجنوبية .
رابعا : ذكر " أمريكوفسبوشي" الإيطالي والذي اشتق اسم أمريكا من اسمه أنه قابل أثناء رحلته إلى أمريكا سفنا قادمة من أمريكا يقودها رجال مسلمون من جامبيا ..
•قد أشار المسعودي المؤرخ المعروف عن قيام مثل هذه الرحلات عبر بحر الظلمات ( أي المحيط الأطلسي )
•وعندما زار " السلطان موسى مانسي " القاهرة وهو في طريقه إلى الحج ، وكان سلطانا على " مالي " أذاع قصة هذه الرحلات التي قام بها المسلمون إلى أمريكا .. ويقول الدكتور (أرفنج) في نهاية بحثه : إن كل هذه الشواهد والأدلة تؤكد أن المسلمين عرفوا أمريكا قبل أن يكتشفها ( كولمبس ) بحوالي مائة وثمانين سنة .. << انظر الأقليات الإسلامية /سيد عبدالمجيد بكر>>
•نعود مرة ثانية إلى الإحتفال بهذه المناسبة ..
.. في نفس المدن والقرى التي أقيمت فيها حفلات الموسيقى والغناء وجرت فيها الإستعراضات الشعبية بملابس الأسيان التقليدية التي كان يستخدمها جنود كولمبس وأعوانه ، كانت مظاهرات الإحتجاج تملأ الشوارع ، ورايات الحزن والحداد ترفع فوق أسطح المنازل إحياء لذكرى ملايين الهنود الذين قتلهم جنود الإحتلال ، ولذكرى جرائم القتل الجماعي لسكان القارة الأصليين .
فمنذ 500عام وفي فجر يوم 12اكتوبر 1492وصل إلى شواطئ جزر الباهاما (كريستوفر كولمبس ) وأعوانه ، وقاموا بزرع شجرة على شاطئ الجزيرة معلنين ملكيتهم لهذه الأرض التي (بلاصاحب) باسم ملك وملكة أسبانيا ..
وطوال الخمسمائة عام الماضية ، لم يكن هناك سوى تاريخ واحد ، ووجهة نظر واحدة تعكس ( ديمقراطية القوة ) و( عدالة السلطة) التي هي في يد الرجل الأبيض ..
****
يصف رونالد رايت في كتابه القارات المسروقة << طبعة نيويورك 1987>> وهو أكثر الكتب التي تناولت قضية الهنود الحمر توزيعا في الولايات المتحدة وكندا .. – يصف- المذابح التي شملت كافة المدن والقرى التي هبط إليها المحتلون ، فيقول :
إنه بالإضافة إلى عمليات القتل المباشرة والجماعي للملايين من الهنود ، فقد نقل الأوربييون معهم عدة أمراض قضت على أرواح الغالبية من السكان الهنود الذين كان ضحاياهم من ( الموت الأسود) – يقصدبه وباء الطاعون- في أوربا .. وقد استمرت عمليات الإبادة على مدى قرن كامل .. ففي عام 1600م وبعد عشرين موجة من وباء الطاعون إجتاحت القارة الأمريكية هذه الأوبئة وقضتت على أكثر من تسعين مليونا منهم .
وقد كتب " هندي أحمر " من قبيلة " المايا " يصف مأساة قومه : ( كان الخير عميما ، بلا أمراض ، ولا خطايا ، ولا آثام .. كنا جميعا نسير منتصبي القامة ، ثم جاء الأسياد البيض إلى بلادنا فعلمونا الخوف ، وعودونا على الذل ، والنهب ، ملوكهم مزيفون .. طغاة على عروشهم .. نهابون في النهار ، منتهكون في الليل .. إنهم قتلة العالم .. وهم بداية فقرنا .. بداية الأتاوة .. والسلب .. والإستجداء .. والحرب التي لم تنته .. والعذاب السرمدي ..)
****
الأخت مرجريت :
عندما اتصلت أوربا بأفريقيا كان هذا الإتصال مأساة إنسانية عرضت سكان هذه القارة لليل طويل .. خمسة قرون متوالية .. فإن الدول الأوربية نظمت إختطاف هؤلاء المساكين ، واجتلابهم إلى بلادها لتكلفهم بأشق الأعمال .. فلما اكتشفت أمريكا آخر القرن الخامس عشر ، ازداد البلاء بهؤلاء الأفريقيين التعساء ..
وتقول دائرة المعارف البريطانية – ج2- ص 779- :
( إن اصطياد الرقيق من قراهم المحاطة بالإدغال كان يتم بإيقاد النار في الهشيم الذي صنعت منه الحظائر المحيطة بالقرى حتى إذا نفر أهالي القرية إلى الخلاء تصيدهم الإنجليز بما أعدوا لهم من وسائل وشراك ) .. << وقد عرض لهذه المأساة الكاتب الزنجي الأمريكي في كتابه( الجذور) وكتاب ( مالكولم اكس ) والكتابان من تأليف الأمريكي الزنجي الأصل (إليكس هيلي) >>
وعدا من كانوا يموتون من هذا القنص الأدمي في الرحلة إلى الشاطئ الذي ترسوا عليه مراكب الشركة الإنجليزية وغيرها ، كان ثلث الباقين يموتون بسبب تغير الطقس ، ويموت في أثناء الشحن حوالي 4,5%منهم و12% في أثناء الرحلة .. أما من كانوا يموتون في المستعمرات " جاميكاالبريطاني ة " وحدها قد دخلها سنة 1820م مالايقل عن 800 ألف رقيق ، ولم يبق في تلك السنة منهم سوى 340 ألف ..
كان احتكار تجارة الرقيق على سواحل أفريقيا مقصورا على الأسيان ثم انتقل إلى البرتغاليين من عام 1580م إلى 1640م ثم تسابقت الدول الأوربية إلى هذه التجارة بعد ذلك .. وكان التجار البريطانيون يوردون الرقيق إلى المستعمرات الأسبانية .. ومكثت هذه التجارة مدة طويلة في أيدي شركات بريطانية بناء على تأييد حكومة بريطانية لها ، ويقدر ( برايان أوارد) مجموع ما استرقه البريطانيون بأكثر من مليونين .
لقد بلغت تجارة الرقيق أوجها قبل حرب الإستقلال الأمريكية .. وكانت قواعدها في ( ليفربول ، ولندن ، وبريستول ، ولا نكشاير ) .. وكانت الملكة اليزبيث الأولى تشارك فيها ، وقد أعارت التجار بعض أساطيلها ، وكانت شريكة ( لجون هوكنز) أكبر تاجر رقيق في تاريخ العالم ..
وقد رفعته الملكة إلى مرتبة النبلاء ، وجعلت شعاره رقيقا يرفل في السلاسل والقيود ..ومن المفارقات العجيبة أن السفينة التي أعارتها ( الملكة ) لجون هوكنز كانت تسمى (يسوع) وكان مخصصا للإبحاربالرقيق من الموانئ المذكورة إلى مواطن الإستعباد 192سفينة تتسع حمولتها في الرحلة الواحدة لحوالي 4714 عبدا .. وقد طلبت إنجلترا من رجال الدين المسيحي مبررا لهذه التجارة فأسعفوها بنصوص من التوارة التي تبيح الرق عند اليهود ، وبمقتضى هذه الفتوى كان استعباد الزنوج واجبا عند الأوروبيين لأنهم من سلالة يافث بن نوح الذي كتب على ذريته الإسترقاق كما تزعم أسفار العهد القديم ...!!
لم تكن هناك حقوق مقررة يلتزمها الملاك في معاملة هؤلاء الرقيق .. لقد كان العكس هوالواقع تماما ففي 17من مارس عام 1685م صدر قانون بتنظيم أحوال الأرقاء في المستعمرات ، ولكنه بالرغم من ذلك لقي معارضة شديدة من التجار وأصحاب الأراضي التي كان يعمل فيها هؤلاء المساكين التعساء .. ومما جاء في هذا القانون :
(( من اعتدى منهم - الرقيق - على السادة بأقل اعتداء يقتل وإذا سرق يعاقب أشد العقاب .. وإذا أبق العبد قطعت أذناه ورجلاه وكوي بالحديد المحمى .. وإذا هرب للمرة الثانية قتل .. << انظر كتاب الجذور – أليكسي هيلي >>
وكان الإنجليز في ( مستعمرة جمايكا ) يعدمون من هرب أكثر من ستة أشهر .. والسيد إذا قتل عبده أمكن أن يجد مبررا للقتل ويبرأ .. وكانت الجمعيات الإستعمارية لا تهتم بعلاقة السيد بعبده ، وحرمت على الملونين وظائف البيض ، كما حرمت التزواج بينهم ، ومنعت تمكين السود من التعليم .. وفي عهد لويس الرابع عشر كان ينص على احتقار الجنس الأسود مهما كانت منزلته ، وفي الولايات الجنوبية بأمريكا كان الرقيق مهانا جدا ، وإذا تجمع سبعة منهم في الطريق عد ذلك جريمة .. ويجوز للرجل الأبيض إذا مر بهم أن يقبض عليهم ويجلدهم عشرين جلدة .
وقد نص القانون على أن العبيد لا نفس لهم ولا روح .. وليست لهم فطانة ، ولا ذكاء .. ولا إرادة .. وأن الحياة لاتدب إلا في أذرعهم فقط .
وفي سنة 1859م صوتت الجمعية التشريعية في ( اركانزا ) على طرد جميع الملونين من أراضيها ، وأنذرت من لم يفارق الوطن ببيعه في المزاد العلني . . وعندما طالب (إبراهام لنكولن ) بتحرير الأرقاء كان مصيره القتل غيلة وغدرا .. ومشروع الحقوق المدنية الذي وافق عليه الكونجرس الأمريكي قوبل بمعارضة شديدة ولم ينفذ حتى بقوة السلاح .
****
إن اكتشاف أو استيطان أمريكا قام على قتل واسترقاق ما يقرب من مائة مليون من البشر .. إن أوربا متعطشة بفطرتها لإراقةالدماء .. أليست أوربا هذه هي التي قتل من أبنائها أكثر من اثني عشر مليونا على أيدي محاكم التفتيش باسم المسيح !!؟ وأوربا هذه هي التي قتل أكثر من عشرة ملايين من أبنائها في الحرب العالمية الأولى وقتل منها وعلى يديها أكثر من سبعين مليونا في الحرب العالمية الثانية ..!!
إن حوالي ثلاثين مليونا قتلوا منذ إنتهاء الحرب العالميةالثانية وحتى هذا اليوم بسبب تدخل أوربا ومؤامراتها في مختلف أقطار آسيا وأفريقيا ، (أي حولوا عطشهم للدماء لخارج حدودهم .. !! ثم ادعوا أنهم دخلوا عصر السلام والمدنية وحقوق الإنسان )!!
****
أتذكرين ملككم " جيمس الأول "" صاحب الترجمة الشهيرة للكتاب المقدس .. لقد قتل هذا الملك من الإيرلنديين حوالي مليون نسمة .. ونفى حوالي تسعين ألفا مكبلين بالأغلا ل والسلاسل إلى شمال أمريكا << أنظر كتاب ( الإمبريالية الغربية – تأليف مريم جميلة – ترجمة طارق السيد)>> .
وكما حدث للهنود الحمر في أمريكا تكررت المأساة نفسها مع ( شعوب الابوريجنال ) في استراليا .. والشيء المحزن .. أنه لا يزال في هذا العصر من يطلق عليهم لقب " فلاسفة " ومن هؤلاء رجل اسمه ( لونج ) فيلسوف عنصري يقول في كتابه ( تاريخ جامايكا) – إحدى دول البحر الكاريبي - :
إنهم غير خليقين بالحياة .. وإنهم لا يزيدون عن القرود التي تتعلم لتأكل وتشرب .. وأن قيمتهم لا تزيد عن قيمة سلعة تباع في الأسواق ..!!
وهناك قضية مشهورة عرفت بقضية السفينة " زرنج " هذه السفينة شحنت بمجموعة من المخطوفين من شواطيء أفريقيا ..كما رأينا ذلك في قصة " الجذور " التي عرضها التلفزيون في أنحاء العالم .. لقد حدث أن كابتن هذه السفينة وهو في طريق عودته إلى أمريكا أن ألقى في البحر بمائة وثلاثين زنجيا بحجة نقص الماء في السفينة وحين رفعت هذه القضية إلى المحكمة .. وأرجو ألا يخطر ببالك أن رفع الأمر إلى المحكمة كان بسبب إلقائهم في البحر .. ولكن بسبب آخر في منتهى القسوة والهمجية ..
لقد كان تجار الرقيق ينتظرون وصول هذه الشحنة التي دفعوا ثمنها مقدما .. فكيف نقصت هذه الشحنة .. ونقص العدد 130 زنجيا وهم الذين ألقى بهم في البحر .. إن السبب تجاري بحت .. لا صلة له بالشرف ولا بكرامة الإنسان ولا بحقوق هذا الإنسان الأسود الذي لا يعترف به كإنسان ..
ولهذا حكمت المحكمة ببراءة الكابتن من تعمد إتلاف البضاعة ، بل كان عمله هذا ضروريا للحفاظ على بقية الصفقة ..!! إن رجلا اسمه ( منتسكيو) يقول عن السود :
" إنني أعتقد أن الله أحكم من أن يضع روحا .. فضلا عن روح طيبة في جسم حالك أسود .. !؟
إنها الفسفة اليونانية والرومانية واليهودية التي لا تزال تحكم أوربا .. ولا يزال العالم في نظرها ينقسم إلى شعوب مختارة .. وإلى برابرة ..
لقد قتلت الكنيسة أكثر من اثني عشر مليونا ممن يخالفونها الرأي في قضايا إنسانية أو علمية بسيطة .. كما يقول ( برفولت ) في كتاب " بناة الإنسانية " :
وفي الحروب الصليبية التي استمرت حوالي ثلاثة قرون ضد الإسلام والمسلمين ، أبيد الملايين ، ودمرت القرى والمدن ، وهدمت المساجد والمعابد ، وكانت تبقر بطون الحوامل لإخراج الأجنة ثم حرقها بعد ذلك في ضوء الشموع والمشاعل ..!! إن ( شارلمان ) هو الذي فرض المسيحية على ( السكسون ) بحد السيف .. والملك كنوت هو الذي أباد غير المسيحيين في الدنمارك << أنظر كتاب الغزو الثقافي وهم أم حقيقة د. محمد عمارة >>
وجماعة ( إخوان السيف السيف ) هي التي فرضت المسيحية في بروسيا ، والملك ( أولاف ) ذبح كل من رفض إعتناق المسيحية في النرويج .. قطع أيديهم وأرجلهم ونفاهم وشردهم حتى انفردت المسيحية بالبلاد .. وفي روسيا فرض فلاديمير عام 988م المسيحية على كل الروس .. سادة وعبيدا .. أغنياء وقفراء .. ولم يكن ليعترف بتعدد الأديان حتى صدر مرسوم عام 1905م .. << أنظر مجلة التايم العدد15 ابريل 1988م تحت عنوان الله والإنسان في الإتحاد السوفيتي >>
وفي الجبل الأسود – البلقان – قاد الأسقف الحاكم دانيال بيتروفتش عملية ذبح غير المسيحيين بمن فيهم المسلمين ليلة عيد الميلاد عام 1703م ( كما حدث في البوسنة )!! .. وفي المجر أرغم الملك شارل روبرت غير المسيحيين على التنصر أو النفي من البلاد عام 1340م .. وفي أسبانيا – قبل الفتح العربي – كان المجمع السادس في ( طليطلة) قد حرم كل المذاهب غير المذهب الكاثوليكي .. وأقسم الملوك على تنفيذ هذا القانون بالقوة .. وقتل جستنيان الأول ( 527م- 565م) مائتي ألف من القبط حتى اضطر من نجا من القتل إلى الهرب في الصحراء << الدعوة إلى الإسلام تأليف توماس أرنولد >> وفي أنطاكية حدث نفس القهر والإضطهاد لغير المسيحيين ، ولمعتنقي غير مذهب الدولة الرومانية من المسيحيين .. ويذكر ( بريفولت ) أن تقدير المؤرخين للناس الذين قتلتهم المسيحية في انتشارها .. أي في أوربا – يتراوح بين سبعة ملايين كحد أدنى وخمسة عشر مليونا كحد أعلى ..
إن فظاعة هذا العدد تتضح لنا أن عدد سكان أوربا آنذاك كان جزء ضئيلا فقط من سكانها اليوم .. وكان الذين يقومون بتلك العمليات الوحشية يزعمون لأنفسهم أنهم يتقربون إلى الله وينفذون إرادته وعجلون لأعدائه بعض النقمة التي تنتظرهم في الآخرة ..!!
وقد عبرت عن ذلك ملكة إنجلترا الكاثوليكية في القرن السادس عشر حين أعلنت مرة :
بما أن أرواح الكفرة سوف تحرق في جهنم أبدا .. فليس هناك أكثر شرعية من تقليد الإنتقام الإلهي بإحراقهم على الأرض .. (( من كتاب بناة الإنسانية)) .
ومن العجيب أن" البروتستانت " حين قويت شوكتهم لم يكونوا أقل وحشية منهم من الكاثوليك ، لقد قال ( لوثر ) لأتباعه : " من استطاع منكم فليقتل .. فليخنق .. فليذبح سرا أو علانية .. اقتلوا واذبحوا ما طاب لكم .. هؤلاء الفلاحين الثائرين ..<< الإيدلوجية الإنقلابية – نديم البيطار >>
وقد ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية – أخيرا – كتاب اسمه ( أمتنا سوداء .. وبيضاء منفصلتان متعاديتان غير متساويتين ) من تأليف البرفيسور " أندروا هالكر " – استاذ العلوم الساسية بجامعة ( كوبنز ) الأمريكية يقول فيه :
( أنه لا توجد كلمة تشير إلى الإنحطاط والتخلف كما توجد كلمة " نيجرو" في المجتمع الأمريكي .. أن الناس في نظرهم نوعان فقط .. أبيض وأسود ولا يوجد بين اللونين أبدا ..!! وقتبس البرفيسور " هاكر" من مؤلف زنجي أمريكي هو ( جيمس بولدوين ) يقول فيها :
( إن البيض في أمريكا يحتاجون للسود كي يذكرونهم بما أنعم الله عليهم من بياض اللون ..!!) .
وقد قام البرفيسور سالف الذكر بإجراء استفتاء بين طلاب الجامعة التي يدرس فيها حيث وجه إليهم هذا السؤال :
-ماهو التعويض الذي تطالب به الحكومة الأمريكية إذا حدث أن استيقظت من نومك فرأيت لونك وقد تحول فجأة من اللون الأبيض إلى اللون الأسود ؟؟!!
-وكانت معظم الإجابات تقول : ( بأنه لو حدثت هذه الكارثة فإني أطالب الحكومة بدفع مليون دولار سنويا لكل فرد يحدث له هذا التحول ..!!
-ولم يكد ينشر هذا الكتاب سالف الذكر حتى جاءت الأحداث تؤكد كل كلمة فيه .. ففي لوس انجلوس برأت إحدى المحاكم أربعة من ضباط الشرطة الذين اعتدوا على سائق زنجي .. بالرغم من ثبوت الأدلة ضد هؤلاء الضباط ، ووجود فيلم تسجيلي للواقعة .
-* بناء عليها حدث الإنفجار المشهور بعد صدور الحكم في ابريل عام 1992م فقد خرج السود إلى الشوارع يحرقون ويقتلون ويدمرون أي شيء يعترض طريقهم .. مئات من القتلى .. والجرحى .. وألوف من المعتقلين .. وتدخل الجيش الإتحادي وأعلن حالة الطوارئ وانتشار القلاقل ، وامتدادها إلى مختلف الولايات ..
-وللحديث صلة
-نقله بتصرف يسير : محمد الحجي