التربية في زمن متسارع



لا شيء يقلق الآباء والأمهات مثل مستقبل الأبناء والبنات، وتختلف نظرة الوالدين لهذا المستقبل وفقاً لطبيعة اهتماماتهما ومخاوفهما التي تسيطر عليهما، والتي يبنونها على ما يشاهدونه من تبدل سريع في أحوال المجتمع، وتسارع الخطوات في كل المجالات.
وتتفاوت هذه النظرة المستقبلية من أسرة إلى أسرة، فهناك من يشغله القلق على المستقبل المادي، وآخرون يشغلهم المستقبل الدراسي، ويتوجس آخرون من المستقبل الوظيفي، ويتخوّف آخرون من التحول الاجتماعي، وغير ذلك من اهتمامات تشكل عقليةٌ تُبَلْوِرُ نظرة الوالدين والأسرة للمستقبل.
هذا التخوّف والقلق مشروع وله مسوّغاته التي قد فهمها جيل الآباء، ولكن لا يقدرها حق قدرها جيل الأبناء، وهذا أمر طبيعي، فالآباء يبنون هذا القلق وفقاً لخبراتهم السابقة والتراكمية في الحياة، بينما يتعامل معها جيل الأبناء بشيء من عدم المبالاة الناتجة عن قلة الخبرة، وهذه الفجوة لا يمكن أن تردمها الكلمات والتحذيرات العابرة أو النصائح المتكررة، وربما لا يدركها الأبناء إلا بعد فوات الأوان. فكيف يمكن تقليص أضرارها وتجاوز أخطارها؟!
إن السبيل الأمثل للتعامل مع هذه المعضلة يمكن اختصاره بكلمة واحدة (التربية).

فالتربية تضمن بعد توفيق الله أن يكون الأبناء على دراية بالمخاطر وكيفية تجاوزها، وتكوِّن التربية سدّاً منيعا من منظومة قيمية تقف في وجه انحراف الأبناء عن جادة الصواب، حتى في ظل غياب الوالدين أو من يقوم مقامهما لأي سبب، وتزرع فيهم الثقة بالمستقبل.
إذا كانت التربية تمثِّل حجر الأساس لمستقبل الأبناء، فمن الأهمية بمكان أن تحظى التربية باهتمامنا، خصوصاً أن الأبناء يتعرضون لسيلٍ من قنوات التربية المتعددة التي تشارك الآباء في تربية أبنائهم، إن لم تكن تملك النصيب الأكبر من المواقف التربوية اليومية التي يتعرضون لها.
المجتمعات الإسلامية بحاجة لمحاضن تربوية تحفظ التوازن بين سيل المؤثرات والمواقف التربوية، وتعين الآباء على مواكبة تسارع التغيرات التي تشغل الأبناء وتزيد الفجوة بين الجيلين؛ مما يساعد على ضعف التربية الأسرية في ظل تعدد قنوات التربية، وتسارع انتقال القيم والظواهر الاجتماعية بين الشعوب والأعراق، بل حتى الديانات المختلفة.
المحاضن التربوية المأمولة يفترض أن يقوم عليها مختصون في التربية، وخبراء في التحولات الاجتماعية ومفكرون يستشرفون المستقبل؛ حتى لا يُصدم المجتمع بعد مدة بجيلٍ منبتّ الصلة بماضيه متنكر لقيمه ومبادئه.
فهل يمكن أن نرى هذه المحاضن التربوية قريباً على هيئة مراكز متخصصة، تنتج وتتبنى مشاريع ومبادرات تربوية، وتحظى بدعم الجهات المعنية بمستقبل الأمة، خصوصاً أن جيل الشباب يمثلون أغلبية السكان في كل المجتمعات الإسلامية تقريباً؟! نأمل ذلك.




اعداد: مؤمنة عبدالرحمن