بسم الله الرحمن الرحيمعنوان الرسالة : " جهود علماء الشافعية في بيان نواقض الإيمان " ؛ للأخت الفاضلة : نادية الهلالي - وفقها الله - ، بإشراف من الشيخ محمد الخميّس - سلمه الله - ، الذي بعث بها إليّ للتعريف بها .
ميزة الرسالة تكمن في بيان مخالفة متأخري الشافعية - إلا من رحم الله - لأوائلهم في " الأصول " ، بدءًا من الشافعي - رحمه الله - . وأنتقي منها هذه الفوائد ، إلى أن يُوفق أحدٌ لطبعها . ( والعناوين الحمراء مني ) ..
نصيحة السمعاني للشافعية :
يقول أحد أئمة الشافعية المعروفين ، وهو الإمام أبو المظفر السمعاني (ت489هـ) في ذلك بعد نقل بعض نصوص الشافعي في ذم الكلام: (فهذا كلام الشافعي في ذم الكلام، والحث على السنة، وهو الإمام الذي لا يُجارى، والفحل الذي لا يُقاوم، فلو جاز الرجوع إليه، وطلب الدين عن طريقه: لكان بالترغيب فيه أولى من الزجر عنه، والندب إليه أولى من النهي عنه؛ فلا ينبغي لأحد أن ينصر مذهبه في الفروع، ثم يرغب عن طريقته في الأصول) .
والكرجي الشافعي مثله :
وقد ألف شيخ الحرمين أبو الحسن محمد بن عبدالملك الكرجي الشافعي وكان من أئمة الشافعية كتاباً بعنوان (الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزاماً لذوي البدع والفضول)، وذكر فيه من كلام الشافعي، ومالك، والثوري، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وسفيان بن عيينة، وعبدالله بن المبارك، والأوزاعي، والليث بن سعد، وإسحاق بن راهوية في أصول السنة وما يُعرف به اعتقادهم، ثم قال: (إن في النقل عن هؤلاء إلزاماً للحجة على كل من ينتحل مذهب إمام يخالفه في العقيدة، فإن أحدهما لا محالة يضلل صاحبه، أو يبدعه، أو يكفره، فانتحال مذهبه مع مخالفته له في العقيدة مستنكر واللهِ شرعاً وطبعاً، فمن قال: أنا شافعي الشرع، أشعري الاعتقاد، قلنا له: هذا من الأضداد، لا بل من الارتداد؛ إذ لم يكن الشافعي أشعري الاعتقاد.. ) .
وقال الكرجي أيضاً: (وكان الشيخ أبو حامد الإسفراييني شديد الإنكار على الباقلاني وأصحاب الكلام.ولم يزل الشافعية يأنفون ويستنكفون أن يُنسبوا إلى الأشعري، ويتبرؤون مما بنى الأشعري مذهبه عليه، وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه...)
وقال: (ومعروف شدة الشيخ أبي حامد على أهل الكلام، حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري...)
وللكرجي قصيدة بائية تسمى (عروس القصائد في شموس العقائد)، شرح فيها اعتقاده واعتقاد السلف، تزيد على مائتي بيت .. ) .
تعليق مهم :
قالت الباحثة ( ص 33 ) :
( والذي ظهر لي من خلال تتبع شيء من تاريخ المذهب الشافعي:
أن بروز الأشعري كأحد المنتسبين إلى هذا المذهب في الفروع، مع ادعائه الدفاع عن منهج الشافعي في الأصول: كان بداية نقطة تحول في هذا المذهب .
إلا أن أئمة الشافعية استطاعوا أن يحتفظوا بالطابع السني لهذا المذهب، المؤسس أصلاً على السنة، والذي ظهر على الساحة أول ما ظهر كمذهب مدافع عن منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والأحكام، ولذلك كان ظهور هذا المذهب وبروزه شجىً في حلوق كثير من أهل البدع، وفي ذلك يقول السجزي: (وظهر بعد ذلك أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي –رحمة الله عليه- وصعب على ناس كثير ظهور مذهب الشافعي؛ لقيامه بالفقه، والحديث، واللغة...)
ومن تمعن في الظروف المحيطة بظهور الإمام الشافعي: ظهرت له دقة كلام السجزي هذا.
استمر تميز المذهب الشافعي بهذه السمة حتى بعد ظهور مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إمام أهل السنة، والذي كان امتداداً لمدرسة الإمام الشافعي في الأصول والفروع، واستمر هذا التميز إلى نهايات القرن الخامس الهجري على الأرجح.
ومن أوضح الأدلة على هذا التميز أمران:
الأمر الأول: قصة تحول الإمام أبي المظفر السمعاني (ت489هـ) من المذهب الحنفي إلى المذهب الشافعي، وقد علل أبو المظفر نفسه تحوله بأن المذهب الشافعي يمثل مدرسة أصحاب الحديث، وألف في ذلك مؤلفات عظيمة النفع، منها: (الانتصار لأصحاب الحديث)، وهو كتاب عظيم في بابه في الرد على المتكلمين، وتأصيل قواعد السنة على أسس متينة، وهو لا يزال في عداد المفقودات، ولكن النقول عنه كثيرة.
وقد قال الذهبي عن أبي المظفر السمعاني: (تعصب لأهل الحديث والسنة والجماعة، وكان شوكاً في أعين المخالفين، وحجة لأهل السنة).
وهذه القصة تدل على أن هذا المذهب كان يمثل مدرسة أهل الحديث، وأنه لم يكن قد اصطبغ ببدع المتكلمين إلى ذلك الوقت.
الأمر الثاني: نصوص كثير من أئمة الشافعية إلى هذه الفترة، الدالة على ما قررته من سنية المذهب ) .
حكم إمام الشافعية ( ابن خزيمة ) في مُنكري صفة العلو :
وقال إمام الأئمة ابن خزيمة رحمه الله (ت311هـ): ( من لم يقر بأن الله على عرشه استوى فوق سماواته، بائن من خلقه: فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا ضُربت عنقه، وألقي على مزبلة لئلا يتأذى بريحه أهل القبلة وأهل الذمة ) .
من أين أُتي متأخرو الشافعية " الأشاعرة " ؟
قال الشيخ الشنقيطي - رحمه الله - :
( والجاهل المفتري الذي يزعم أن ظاهر آيات الصفات لا يليق بالله؛ لأنه كفر وتشبيه: إنما جر إليه ذلك تنجيسُ قلبه بقذر التشبيه بين الخالق والمخلوق، فأداه شؤم التشبيه إلى نفي صفات الله –جل وعلا- وعدم الإيمان بها، مع أنه –جل وعلا- هو الذي وصف بها نفسه، فكان هذا الجاهل مشبِّهاً أولاً، ومعطِّلاً ثانياً، فارتكب ما لا يليق بالله ابتداءً وانتهاءً، ولو كان قلبه عارفاً بالله كما ينبغي، معظماً لله كما ينبغي، طاهراً من أقذار التشبيه: لكان المتبادر عنده، السابق إلى فهمه: أن وصف الله –جل وعلا- بالغٌ من الكمال والجلال ما يقطعُ أوهام علائق المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون قلبه مستعداً للإيمان بصفات الكمال والجلال الثابتة لله في القرآن والسنة الصحيحة، مع التنـزيه التام عن مشابهة صفات الخلق...) .
وقال رحمه الله: ( والواقع في نفس الأمر: أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها المتبادرة منها لكل مسلم راجعَ عقله: هي مخالفة صفات الله لصفات خلقه.
ولابد أن نتساءل هنا فنقول: أليس الظاهر المتبادر مخالفة الخالق للمخلوق في الذات والصفات والأفعال؟
والجواب الذي لا جواب غيره: بلى.
وهل تشابهت صفات الله مع صفات خلقه حتى يُقال إن اللفظ الدال على صفته تعالى ظاهره المتبادر منه تشبيه بصفة الخلق؟
والجواب الذي لا جواب غيره: لا.
فبأي وجهٍ يتصور عاقل أن لفظاً أنزله الله في كتابه .. دالاً على صفةٍ من صفات الله، أثنى بها تعالى على نفسه: يكون ظاهره المتبادر منه مشابهته لصفة الخلق؟ سبحانك هذا بهتان عظيم ) .
اعتراف مهم للرازي :
قال تحت عنوان: "حكاية شبهات مثبتي الجسمية والمكان":
( الشبهة السابعة: إن جميع كتب جميع الأنبياء والرسل –عليهم السلام- مملوءة من كونه في جهة فوق. أما القرآن: فقد جاء في كونه على العرش بصريح اللفظ سبع مرات، وذكر أيضاً: ( وهو القاهر فوق عباده ) ، وقوله: ) إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) ، والألفاظ الدالة على النـزول والتنـزيل كثيرة جداً، والآيات المشتملة على لفظ (إلى) الدالة على انتهاء الغاية خارجة عن الحد، وليس في القرآن البتة لفظ يدل على نفي الجهة.
فلو كان الدين الحق عنده نفي الجهة: لكان من الواجب أن يذكر ذلك مرةً واحدة؛ فلما أثبت الجهة في آياتٍ لا حصر لها، ولا حد لها، ولم يذكر البتة نفي الجهة: علمنا أنه تعالى كان مصراً على إثبات الجهة.
وأما الأخبار المنقولة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلا حصر لها ولا حد.
وأما التوراة: فمملوءة من هذه المعاني.
فهذا يدل على أن الأنبياء والرسل –عليهم السلام- كانوا متفقين على إثبات الجهة لله تعالى.
وليس لقائل أن يقول: إنا نذكر لهذه الألفاظ تأويلاتٍ؛ وذلك: لأن الدين الحق لو كان هو التنـزيه الذي ذكرتموه، لكان من الواجب أن يرد في هذه الكتب الإلهية ما يدل على تقرير هذا الأصل العظيم، وعلى تأكيده بصريح اللفظ، حتى يصير الحق معلوماً، وحينئذ نصرف بقية الألفاظ إلى التأويل؛ ولما لم يرد في شيء من الكتب الإلهية البتة ما يدل على التنـزيه الذي تذكرونه، ورأيناها مملوءة بالألفاظ الدالة على كونه تعالى موجوداً في (الفوق)؛ علمنا: أن مذهب الأنبياء والرسل –عليهم السلام- هو هذا المذهب، وأن الذي تقولونه مخالف لأديانهم ومذاهبهم ) .
هكذا يذكر الرازي هذه الحقيقة ناصعة واضحة، ولكن هل استسلم لها، أم استسلم لبدعه التي قادته إلى إنكار هذه الحقيقة؟ الجواب: إنه آثر الإنكار، وقد جانب الصواب حينما سمى هذه الحقيقة شبهة، فقال جواباً عليها: ( الجواب عن الشبهة السابقة: هو أن الدعوة للخلق إلى الحق يجب أن تكون واقعة على أحسن الوجوه، وأقربها إلى الصلاح. ولما كان التصريح بالتنـزيه مما لا تقبله عقول العوام: لا جرم كان الأولى اشتمال الدعوة على ألفاظ توهم التشبيه، مع التنبيه على كلمات تدل على التنـزيه المطلق !!وفي كلام الرازي أمور كثيرة تحتاج إلى وقفة، ولكن الذي يهمني هنا: أنه اعترف بالحق، وعرضه على أحسن وجه، ولكنه مع ذلك رجح الباطل، فقد اعترف بكون فِطَرِ بني آدم التي سلمت عن أهواء المتكلمين والفلاسفة، وكذلك الملل السماوية كلها: تخالف ما عليه هذه الشرذمة من نفي علو الله تعالى، ووصفه بما يوجب العدم، كما اعترف بأن النصوص المثبتة للعلو تفوق الحصر، وأن ما يخالف ذلك لم يرد في النصوص ولا مرة واحدة ) .
الخاتمةالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
فهذه أهم النتائج التي توصلتُ إليها في البحث، وهي أهم ما تضمنته هذه الرسالة:
•الشافعية هم المنتسبون إلى الإمام الشافعي رحمه الله وهو علم من أعلام السلف، نشأ في وقتٍ كانت فرق أهل البدع تتوالى في الظهور، وأبرز الفرق التي ظهرت في زمنه رحمه الله هي فرقة المتكلمين، وعلى رأسهم المعتزلة.
•أسهم الإمام الشافعي رحمه الله في نشر السنة والذب عنها والرد على أهل البدع عموماً، وعلى أهل الكلام خصوصاً.
•مضى أصحاب الإمام الشافعي الأوائل على منهجه في الرد على المتكلمين وغيرهم من فرق أهل البدع، وكان المذهب الشافعي من المذاهب المتميزة في الحفاظ على السنة والذود عن حياضها، والرد على أهل البدع والزيغ والضلال.
•استمر حال المذهب الشافعي على ذلك إلى أن ظهر أبو الحسن الأشعري (ت324هـ) الذي ينتسب إلى الإمام الشافعي في الفقه وكان من أشهر المتكلمين في وقته، وقد سلك طريقة ابن كلاب في الاعتقاد، التي تحاول التوسط بين مذهب السلف وبين مذهب المعتزلة، وكان لظهور الأشعري أثره السيء على أتباع المذهب الشافعي، حيث بدأ كثيرٌ منهم يقلدون الأشعري في الأصول، مع كونهم ينتسبون إلى الشافعي في الفروع، فاختلطت بذلك بعضُ معالم المذهب الشافعي.
•ازداد الأمرُ سوءاً عند متأخري الشافعية، حيث صرح كثير منهم بأن تعلم علم الكلام واجب على المكلف.
•كما أن المتأخرين قد دخل فيهم التصوف، إضافةً إلى بدع الكلام، فازداد الأمر سوءاً أكثر من الأول، وكثر في الشافعية المتأخرين البدع العلمية والعملية.
•ومع ذلك: فقد بقي في الشافعية من التزم منهج الإمام الشافعية في الأصول والفروع، منددين بمن نسب إليه شيئاً من بدع الكلام وغيره.
•مع كل ما سبق: كان لعلماء الشافعية جهود متميزة في بيان نواقض الإيمان، وهذا الباب هو الذي أبرزته في هذه الرسالة، مع بيان ما قد يكون في مواقفهم من انحراف عن الجادة والصواب.
•نواقض الإيمان هي اعتقادات أو أقوال أو فعال تزيل الإيمان وتقطعه أو تنقصه.
•الصحيح هو ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، وقد قرره كثير من أئمة الشافعية سوى من تأثر بعلم الكلام منهم، فإنهم خالفوا في ذلك.
•ما ذهب إليه المتأخرون من الشافعية من أن الإيمان هو التصديق فقط، أو التصديق مع الإقرار، وأن العمل ليس من الإيمان: لا يمثل مذهب الإمام الشافعي وأئمة أصحابه، وهو من بدع المتكلمين التي تسربت إلى أتباع الأئمة الأربعة، وانتشرت في الآفاق، حتى بدأت تُنسب إلى الأئمة أنفسهم زوراً وبهتاناً.
•بيان نواقض الإيمان والتوحيد هو من تمام توضيح الإيمان والتوحيد، ومن هذا الباب كان عناية العلماء بهذا الباب العظيم.
•أكثر من عُني بالبحث في موضوع نواقض الإيمان هم الحنفية، وقد اعترف بذلك عدد من علماء الشافعية أنفسهم.
•عناية علماء الشافعية ببيان نواقض الإيمان كبير أيضاً، إلا أن اهتمام متقدميهم لم يكن مثل اهتمام متقدمي الحنفية، أما المتأخرون من الشافعية: فعنايتهم بهذا الباب لا يقل عن نظرائهم الحنفية، إن لم يكن يفوقهم.
•بمقارنة منهج الشافعية في هذا الباب مع منهج الحنفية فيه: يتبين أن منهج الشافعية يتسم بالدقة وعدم التسرع في التكفير، وكذلك بضبط الباب بالضوابط المستنبطة من الأدلة الشرعية.
•من مظاهر عنايتهم بهذا الباب: أنهم ألفوا فيه مؤلفات مستقلة، وأوسعها كتاب الهيتمي (الإعلام بقواطع الإسلام)، وقد جمع فيه أقوال المذاهب الأربعة في هذا الباب.
•من أبرز مظاهر عناية الشافعية بذكر نواقض الإيمان هو عنايتهم بهذا الباب في كتب الفقه، فلا يكاد يخلو كتاب من كتبهم الفقهية من ذكر نواقض الإيمان، وهم يذكرون ذلك في كتاب الردة، كغيرهم من أصحاب المذاهب.
•برزت شخصيتان منهم في الباب أكثر من غيرهم، وهما: أبو القاسم عبدالكريم بن محمد الرافعي القزويني (ت 623هـ)، والإمام محيي الدين ابن شرف النووي (ت676هـ) .
•بيانهم لنواقض الإيمان في كتب العقائد والفنون الأخرى لم يكن في التفصيل والبيان كتفصيلهم وبيانهم لها في كتب الفقه، فما ذكروه في كتب الفقه هو المصدر الرئيس لمباحث نواقض الإيمان من حيث الجملة.
•الكفرُ عدم الإيمان، وهو عند كل طائفة يقابل ما فُسِّرَ به الإيمان، والصحيح الذي قرره أئمة السنة وكثير من علماء الشافعية: أنه يكون بالقول والعمل والاعتقاد.
•تأثر كثير من الشافعية المتأخرين بالمتكلمين، فحصروا الكفر على التكذيب القلبي، وهذا لا دليل عليه من الكتاب والسنة، بل الأدلة على خلافه، وهو مذهب جهم في الأصل، إلا أنه اعتمده الأشاعرة والماتريدية أيضاً.
•الكفر ينقسم باعتبارات متنوعةٍ إلى أقسام عديدة، وقد بينتُها في موضعه.
•المكفرات هي: اعتقادات، أو أقوال، أو أعمال تضاد الإسلام أو الإيمان، وهي على ثلاثة أقسام: اعتقادية، وقولية، وفعلية.
•الشرك نوع من أنواع الكفر، وهو أن يجمع مع الله غيره فيما لا يجوز إلا الله، وحقيقته هو ما يضاد توحيد الألوهية، وقد قرره كثير من علماء الشافعية أيضاً، إلا أن المتأخرين منهم قد انحرفوا فيه، واعتقدوا أن حقيقة الشرك هو الشرك في الربوبية، وهذا خطأ لا دليل عليه.
•الشرك ينقسم إلى نوعين: أكبر، وأصغر، وكلاهما ينقسمان إلى أقسام عديدة بينتها في موضعها.
•النفاق كالكفر ينقسم إلى قسمين، وقد استعرضتُ ذلك في موضعه.
•البدعة شرعاً: هي التي أحدثت بعد الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل التقرب إلى الله تعالى، ولم يكن قد فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أمر بها، ولا أقر بها، ولا فعلها الصحابة رضي الله عنهم، ولها أنواع تقدم ذكرها في بابها.
•ذكر بعض الشافعية أن البدعة تنقسم إلى حسنةٍ وسيئة، وهذا خطأ بينه كثير من علماء الشافعية أنفسهم.
•ذكر بعض الشافعية أن البدعة تنقسم إلى أقسام الأحكام الخمسة، وهذا باطل فنّده غيرهم من العلماء.
•كان لعامة علماء الشافعية موقف واضح من طرق أهل البدع والضلال في باب نواقض الإيمان، كالخوارج، والمعتزلة، والمرجئة، والرافضة، وقد تقدم تفصيله في موضعه.
•اجتهدتُ في صياغة قواعد المكفرات عند الشافعية مستوحيةً من أقوالهم وتطبيقاتهم، وهذا وإن كنت لم أسبق إليه من حيث الجملة: إلا أنني اجتهدت فيه قدر المستطاع، وقد وصلت في ذلك إلى نتائج مهمة يجب مراعاتها في هذا الباب.
•باب التكفير خطير جداً لا ينبغي أن يلجه كل من هبَّ ودبّ، ولا ينبغي أن يتكلم فيه إلا العلماء المؤهلون لذلك.
•بين علماء الشافعية أن هناك ضوابط محددة في تكفير المعين لا بد من مراعاتها، كما أن هناك موانع تمنع إطلاق الكفر على المعين، فلا بد من مراعاتها أيضاً.
•بينتُ ما ذكره علماء الشافعية من المكفرات في حقيقة الإيمان ومسماه، وكذلك في أنواع التوحيد الثلاثة، وكذلك في بقية أبواب الإيمان.
•عقدتُ الفصل الأخير –وهو الحادي عشر- لبيان أثر أشهر البدع في بعض المتأخرين من علماء الشافعية، وهي: الإرجاء، والتعطيل، والتصوف، وقد بينت عظم خطر هذه البدع، وعظم أثرها في المتأخرين من علماء الشافعية، وأن الأثر كان –في بعض الأحيان- في الصميم، وأنه أوصل الأمر إلى أن ينقلب الوضع على المتأثرين بهذه البدع، حيث عدّوا بعض ما هو من صميم الإيمان: عدوه من نواقض الإيمان، وهذا يوجب شدة الحذر من البدع، وأن أثرها لا يتوقف عند حد.
•من أوضح آثار الإرجاء والتعطيل: ما قد ساد في المتأخرين من حصر الكفر والإيمان على ما يحصل بالقلب فقط، دون اعتبار بقية المكفرات، كما حصل مثل ذلك في مفهوم الشرك، وقد بينت ذلك في موضعه.
•كما تأثر كثير من المتأخرين منهم بالتصوف ودافعوا عن القائلين بالحلول ووحدة الوجود.
•حاولت التفصيل في بيان أثر هذه البدع على الشافعية؛ لأن هذا من أهم ما يجب بيانه في هذا الباب، حتى يتميز الحق من الباطل، ويكون القارئ على بينة مما قد يدسه أهل البدع من الشافعية وغيرهم في هذا الباب الخطير.
•وأختم هذه الخاتمة باقتراح أتوجه به إلى العلماء عموماً، وإلى المختصين في العقيدة خصوصاً، وهو: أنه يجب إبراز هذا الجانب عند جميع أصحاب المذاهب الأربعة، مع بيان ما تأثروا به من البدع، فهذا يُسهم في إبراز هذا الجانب من ناحية، وفي تنقية تراثهم من ناحية أخرى.
هذا وصلى الله تعالى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميع، والحمد لله رب العالمين ) .