تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 58

الموضوع: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    Question المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
    أرجو من المشايخ والأساتذة والباحثين أن يُعملوا النظر فيما أعملت، وأن يتأكدوا مما قرأت أو فهمت، وأن يمحصوا ما سأقول.
    جاء في الجزء الأول من "نيل الأوطار"، في مقدمة محققه "محمد صبحي بن حسن حلاق"، في الفصل المخصص لوصف المخطوطات،في معرض وصفه للمخطوط أ، في الصفحة 71 ما يلي:
    "3_ آخر المخطوط: وكان الفراغ في نهار الخميس في اليوم السابع والعشرين من أيام شهر الحجة (1). سنة إحدى عشر ومائة وألف من الهجرة النبوية. على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وكان التأليف بمحروس مدينة صنعاء المحمية بالله."
    وبعدها بأسطر في الصفحة ذاتها مايلي:
    "11_ اسم الناسخ: المؤلف رحمه الله/محمد بن علي الشوكاني/."
    ومما كان معلوما لدي أن الشوكاني وُلِد سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف هجرية (1173 هـ)، وأنه توفي سنة خمسين ومائتين وألف (1250 هـ). أما ما جاء في الفقرة المذكورة أعلاه، فإن مفاده أن عمر الشوكاني 150 سنة على أدنى تقدير!
    لكنني اتهمت عقلي، فراجعت مظان ترجمته لأمحص ما قد يكون التبس عليّ، فاكتشفت أنني ظلمت... ذاكرتي البريئة!
    ثم تذكرت أن الأستاذ " ابن حلاق" مِن ألصقِ الناس بتراث الشوكاني وأكثرهم معايشة له، حتى إنه ليكاد يحتكره. كما أنه أخرج "نيل الأوطار في 16 مجلدا.. فلا يعقل أن يرتكب ذاك الخطأ من قام بهذا الجهد الجبَّار! فقلت في نفسي: لعل الرجل بصر بما لم يبصر به غيره، أو لعله قبض قبضة من أثر الشوكاني، أو لعل نفسه سوَّلت له ذلك فقط.. ولقطع الشك باليقين، رجعت إلى الترجمة التي خصصها "المحقق" للشوكاني في المقدمة نفسها من الكتاب نفسه، وإذا بعيني تقع على التالي:
    "يذكر الشوكاني في ترجمته لنفسه تاريخَ مولده، نقلاً عن خطِّ والدِه فيقول: "ولد – حسبما وَجَد بخط والده – وسط نهار يوم الاثنين، الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة سنة (1173 هـ)، ثلاث وسبعين ومائة وألف" ولا مجالَ للاختلاف في تاريخ مولده بعد هذا النص منه ومن والده." (نيل الأوطار، 1/28)!!!
    وعندئذ، خاب ظني... إذ لم أظفر بالمفاجأة المرجوَّة، وضاع مني اكتشافٌ كان من شأنه أن يقلب وجه تاريخ اليمن وتاريخي أيضا! فالشوكاني الذي أعرفه هو الذي يعرفه "ابن حلاق"، فيما يتعلق بتاريخ ولادته على أقل تقدير.
    ولكن، ما قصة هذا المخطوط الذي فرغ منه الشوكاني سنة 1111 هـ؟ أيُعقل أن يكون فعل ذلك، ثم غاب في "السرداب"، سرداب سني طبعا، ثم وُلِد من جديد سنة 1173 هـ، ونسي ما سطرته يده في "الحياة السابقة"، فأعاد كتابة "نيل الأوطار" وأتمه بعد عام 1209 هـ،كما أشار المحقق إلى ذلك (1/10)؟!(2)
    ممكن! فاليمن السعيد لا يفتأ يأتينا بالعجائب.. أليست ريح تلك البلاد هي التي كلَّمت الحمام لتغريه بالزيارة، كما روى ذلك شوقي؟ أم أن شوقي غير حافظ؟!
    وبينما أنا أهيم في مهمه "مقدمة ابن حلاق"، وهو مهمه "لا نَدٍ ولا حسَن"، إذ بعيني تقع – مرة ثانية! – على صور لبعض الأوراق من المخطوطات التي اعتمد عليها "المحقق". وهنا ازدادت دروب التيه اشتباكا، وازددتُ معها حيرة وارتباكا. فالرجل أدرجها في مقدمته إدراج الواثق، وهذا شأن الموثِّق الصادق!
    ولما كاد اليأس يقهرني، وكدت أصرف النظر عن الموضوع، إذا بعيني تقع -من جديد- على الصفحة 75، فلم ألتقطها وأبقيتها لصيقة بما التقطَتْه؛ بل وتخازرت لعلي أظفر بالمراد. وبعد هنيهة، عادت إليَّ العين رمشاء ترتعش، ونبأتني أن في الصفحة صورة عن إحدى ورقات المخطوط، كُتِبَ تحتها: [الصفحة الأخيرة من المجلد الأول]، وأنها قرأت فيها ما يلي:
    "بقلم جامعه السائل لمغفرة الملك الغفار محمد بن علي بن محمد الشوكاني لطف الله به حامدا الله ومصليا على رسوله وآله وصحبه راجيا من المتطول بالإعانة على البعض أن يعين على البقية وكان البلوغ إلى هذه الغاية في يوم عاشوراء من شهر المحرم سنة ثمان ومائتين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام." (مقدمة المحقق، 1/75)
    وهنا ذهبت بي الحيرة كل مذهب، وكأني إزاء لغز هو من الغيب الأغيب.. أيُعقل أن يكون الشوكاني فرغ من المجلد الثاني والأخير سنة 1111 هـ، ثم تذكر أنه لم ينجز المجلد الأول، فخرج سنة 1175 هـ من سردابه، وظل يكتب مجلد "النيل" الأول إلى غاية عام 1208 هـ؟!
    ممكن! فاليمن السعيد بلد العجائب.. ألم ينتقل عرش ملكته "بلقيس" إلى النبي سليمان (عليه السلام) في لمح البصر، وهو يبعد عنها بآلاف الأميال؟! وأراني – بفضل "ابن حلاق" – غارقا في إحدى عجائبه، لأني لم أحسبها لُجّةً ولم أكشف عن ذراعَيّ...
    ولفرط حيرتي، فكرت أن أرسل أحدا إلى صنعاء ليجيئني منها بنبإٍ يقينٍ، مِنْ قِبَل الشوكاني لا مِن قِبَل الأستاذ "ابن حلاق"، فقد خشيتُ أن يرسِل إليَّ هذا الأخير بهدية لينظر بم يرجع المرسَلون... وبينما أنا غارق في غياهب الشك، إذ بعيني تهمس في أذني: "أنا هدهد العقل، ولا يستقيم العقل إذا لم يصحّ النقل". ثم نقلتني إلى الصفحة 79 من "مقدمة ابن حلاق"، وإذا بي أرى فيها صورة لإحدى ورقات المخطوط، مكتوب تحتها: [الصفحة الأخيرة من المجلد الثاني]. ومن هذه الصفحة، نقلت لي عيني ما يلي:
    "(...) وكان الفراغ في نهار الخميس في اليوم السابع والعشرين من أيام شهر الحجة الحرام سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام" (النيل، 79)
    فنازعتُ عيني في روايتها ولم أصدِّقها.. وإكراما للأستاذ "ابن حلاق"، أرسلت عيني الأخرى وقلت لها: "تبيّني! أن نصيب قوما بجهالة فنصبح على ما فعلنا نادمين!" فعادت مصدّقةً أختها. لكنها أضافت ملاحظة (والعين تلحظ)، تلقيتها بالقبول معتبرا إياها زيادة ثقة، ومفادها أن كلمة "مائتين" مكتوبة بهذا الشكل "مائة ين"؛ وكأن المؤلف كتب سهوا "مائة" ثم استدرك فوصل التاء المربوطة بالياء والنون.
    فقلت في نفسي: سها الشوكاني فأنقص مائة، ووهم "ابن حلاق" فزاد مائة في عمر الأول! والفرق بينهما: أن الأول استدرك، أما الثاني فلم يدرك...
    وهَبْ أن الشوكاني أثبت 1111 هـ تاريخاً لفراغه من تأليف "نيل الأوطار"، هل هذا مبرر لإثباته على علاته دون تعليق أو توضيح، ولوثبت من ألف طريق أن الشوكاني كان جزءاً من الغيب في تلك السنة؟!
    وإذا كان "وهم" كهذا وقع في مقدمة التحقيق، فماذا عن التحقيق نفسه؟
    وإذا كان "المحقق" يخطئ في قراءة مفاتيح المخطوط، ثم لا يشير –من باب الأمانة العلمية- إلى اللبس الذي اعترضه عند القراءة، إن كان هو الذي قرأه؛ فكيف تسنى له تحقيق المخطوط؟ وكيف لنا أن نثق في ضبطه؟
    وكنت من قبل أتساءل: ما الذي جاء بابن الفيحاء إلى صنعاء؟ لكنني الآن، بفضل قصيدة "شوقي"، أدركت الجواب: إنها الريح!
    وها هي ذي الحمامة الحجازية الفطنة تحمّلني رسالة إلى "ابن حلاق" قائلة له:
    هَبْ جنَّةَ الخُلْدِ اليَمَنْ ----- لا شيءَ يعدل الوطنْ!

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    (1): في صورة هذه الصفحة من المخطوط: " شهر الحجة الحرام". وقد أغفل المحقق "الحرام" هنا، ولم يشر إلى الباعث على ذلك، ولعل "الباعث" لم يكن بـ"الحثيث"...
    (2) أي: تاريخ الفراغ منه، لا ما سبق من كلام.


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    1,532

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    و الله إنني لأقرأ العجب العجاب فلا أتعجب منه كما تعجبتُ من هذه العجيبة، فهل تعجبون منه كما تعجبتُ أنا منه أم لم تعجبوا منه كما عجبتُ أنا منه؟

    هل منكم مَن يستطيع إعادة ما قلتُ؟.( ابتسامة )

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يحيى صالح مشاهدة المشاركة
    و الله إنني لأقرأ العجب العجاب فلا أتعجب منه كما تعجبتُ من هذه العجيبة، فهل تعجبون منه كما تعجبتُ أنا منه أم لم تعجبوا منه كما عجبتُ أنا منه؟
    هل منكم مَن يستطيع إعادة ما قلتُ؟.( ابتسامة )
    جزاك الله خيراً، أخي يحيى، عن التفاتتك الباسمة. فقد ظننتُني الوحيد الذي قرأ الموضوع فتعجَّب. (ابتسامة، ليست من قبيل "جزيت عن ابتسام بابتسام"!)

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    59

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    إعجاز عظيم
    وإنجاز كبير
    هنيئنا لك وهنيئا لك
    كل هذه العبارات التهكمية لكي تنال من هذا الشيخ الذي جلس للتحقيق
    هب أنه أخطاء وكلنا ذاك
    وقد يكون البعض لا يرتاح لتحقيقاته ولا يروق له ذلك
    وإذا وجد خطاء نبه للنصيحة لا للتهكم

    رزقني الله وإياك الإخلاص في الدين

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    المملكة العربية السعودية - مدرس بدار الحديث بمكة
    المشاركات
    6,863

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    بارك الله فيك على التنبيه على هذا الخطأ (اليسير) !!
    ولكن.. كما قيل: "تمخَّض الجبل فولد فأرًا".. ألخِطأ في عبارة أومعلومةٍ قد تكون من ذهولٍ أوغفلةٍ بنيت عليها هرمًا كهرم "خفرع" و"خوفو". (ابتسامة)!! وحشدَّت عساكر جملك ودساكر ألفاظك .. هداك الله.
    قد يوجد من ينتقد المحقق (الحلَّاق) في تحقيقاته، ولكن لا بمثل هذه الأخطاء، التي قد تكون من الذهول غالبًا، وليست معيارًا وحيدًا يقاس به عمل المحقِّق.. فليتك تفرَّغت لنقد تحقيقه نقدًا بعيدًا عن هذا التشنُّج والتهويل !!
    مدرّس بدار الحديث بمكة
    أرحب بكم في صفحتي في تويتر:
    adnansafa20@
    وفي صفحتي في الفيس بوك: اضغط على هذا الرابط: عدنان البخاري

  6. #6

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    الشيخ محمد صبحي بن حسن حلاّق، واحد من الذين أسهموا في تحقيق التراث -لاسيما اليمني منه- منذ ما يقارب 20 عاماً، ولايزال يواصل عطاءه بهمة واقتدار. أعطى لمؤلفات الإمام محمد بن علي الشوكاني عناية خاصة بحيث لم تعد له تقريباً مخطوطة لم تحقق، وهو ينشغل حالياً بكتب ومخطوطات الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني.

    قام الشيخ حلاّق بتأليف وتحقيق 260 رسالة وكتاباً مطبوعاً، وله 140 رسالة وكتاباً تحت الطبع، في دور نشر في لبنان والسعودية ومصر والإمارات العربية واليمن

    وعموماً جزاك الله خيراً على الملاحظة وليتك تراسله للتوضيح .
    أبو محمد المصري

  7. #7

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    خطأ بسيط وسهو لا يعرو عن مثله بشر، وما من داعِ للتهويل، والعنوان تحميلٌ للحلاق ما لا يحتمل.
    سامحك الله.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
    أما بعد:
    إخوتي الكرام: الرابية، وعدنان البخاري، وأبو محمد العمري، ومحمد زياد التكلة.
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    لم يكن تأخري عن الإجابة لتمنُّع مني، بل لتمعُّنٍ حسبته ضروريا في فحوى كلامكم ونص ما سأفضي إليكم به من قول.
    ويبدو أن اللغة التي اصطفيتها، أو اصطفتني، لطرق الموضوع لم تفهَم كما أردت لها. لذا، سأَرْقي نفسي من الأديب القابع بين جنبيّ، وأكسر يراع البيان، لأستعير قلما جافّاً من "الأكاديمية"، يمتاز ببرودة أسلوب المتكلمين، وبضحالة قاموس المستشرقين.

    *الملاحظات السبع*

    وهنا لا بد من ملاحظات توضيحية يقتضيها المقام:
    1_ لم أقصد التهكم بالمحقق "محمد صبحي الحلاق"، لا قصداً ولا تصريحا. ولم أكتب بنية "النيل" منه، بل بنية إعادة الاعتبار "للنَّيْل"، وأعني بذلك "نيل الأوطار". ولو أردتم ملخصا لكلامي كله، لأوجزته لكم في جملة واحدة: "الشيخ حلاق لم يكن أهلاً لتحقيق نيل الأوطار". وهذا ليس تهكّماً بالرجل، ولا غمزا، ولا جرحاً لعدالته؛ بل هو حكم ناتج عن قناعة تستند إلى قرائن.
    2_ صدَّر الشيخ "حلاق" تحقيقه ببيتين لأبي حيان التوحيدي هما:
    عِداتي لهم فضلٌ عليَّ ومِنَّةٌ ---- فلا أذْهَبَ الرحمان عنِّي الأعاديَا
    هُمُ بحثوا عن زلَّتي فاجتنبتُها ---- وهمْ نافسوني فاكتسبتُ المعاليا
    ومن المؤكَّد أنه لم يكن يقصدني بهذين البيتين، بل محققا آخر يعرفه هو وبعض خواصه. وكاتب هذه السطور لم يكتب ما كتب بمنطق العداوة ولا من منطلق المنافسة. فمن أنا حتى أخاصم مَن حقق "نيل الأوطار" في 16 مجلّداً ! ومن أنا حتى أنافسه؟ وعلى أية غنيمة؟ ولكن على فرض أنني توصلت إلى حكمي بمنطق العداوة أو المنافسة، فقد دعا الشيخُ الله ألاَّ يُذهبني عنه، لأكون سببا في اكتسابه المزيد من المعالي! فلا يكوننَّ الواحد منكم مَلَكيًّا أكثر من الملِك. الشيخ دعا أمثالي (إن صح أنني منهم) إلى نقد كتابه في ثاني صفحة من كتابه، وأنتم تودُّون حرماني من كرم ضيافته! فالعتب على الشيخ، لا عليّ...
    3_ يدعوني الأخ الفاضل "عدنان البخاري" بكل لطف إلى التفرُّغ لنقد تحقيق الشيخ حلاق قائلا: "فليتك تفرَّغت لنقد تحقيقه نقدًا بعيدًا عن هذا التشنُّج والتهويل!!" وأستسمح الأخ الكريم في أن يعذرني إذا اعتذرت عن تلبية طلبه. فكون الشيخ أصبح "شوكانويا" (على حد تعبير المستعربين من فراخ المستشرقين، كقولهم: "إسلاموي")، لا يعني بالضرورة أنني ملزَم أن أصبح "حلاقويا"! وذلك أنني في نقدي له، لم أنطلق من إشكالية "هل محمد صبحي حلاق محقق جيد أم لا؟"، كما هو ديدن بعصهم في التعامل مع عالَم الفكر؛ بل انطلقت من إشكال: "هل تحقيق نيل الأوطار تحقيق جيد أم لا؟"، بغض النظر عن هوية صاحبه، وشخصه، وإنتاجه الفكري، وتحقيقاته الأخرى، ومكانته عند أتباعه. بل ستعجب (واعجبْ معنا أخي "يحيى صالح" مرة أخرى!) إذا قلت لك إن الإشكال-المنطلق الثاني لم يكن في البال إطلاق. فالبداية كانت لها قصة أخرى، سأذكرها –بإذن الله- فيما بعد...
    ولأكون أكثر وضوحا: هدفي ليس الانتقاص من الرجل، أو طمس مآثره، أو تغييب مناقبه، أو التشهير به، أو بلوغ الشهرة من خلاله. هدفي الوحيد في هذا المقام هو إيضاح ما توصلت إليه من نتائج تتعلق بقيمة تحقيقه لنيل الأوطار، لا غير.
    أمَّا عن "التشنُّج"، فلم أستشعره لا عضويا ولا نفسيا.. اللهم إلا إذا كان لدى الأخ الكريم جهاز "سكانر" حديث، يشخص الأعراض عن بُعد؛ فإنني سأكون له "شاكراً" (وسيكون "محمودا") إذا هو تمكن من أن يكشف لي عن أسباب الحموضة التي "تنتابني" من حين لآخر. وتذكر عبارة "تنتابني" هذه، فإن لها علاقة وثيقة بما نحن بصدد الحديث عنه. (وفي هذا المقام أجدني مضطرا إلى التصريح بأنني أمزح، حتى لا أُفهَم خطأً!)
    وأما "التهويل"، فأرجو أن يتضح للأخ فيما بعد أنني لست من عصبة المهوِّلين.
    4_ ذكر الأخ الفاضل أبو محمد العمري شيئا من فضائل الشيخ في دنيا التحقيق والكتابة. وكاتب هذه السطور لم يتنكّر لذلك، ولا نفاه، ولا حقّر من قيمته. ومع ذلك، أراني ملزَماً أن أقول له: إنّ العبرة ليست بالكثرة، أو التكثُّر، أو التكاثر؛ بل بالجودة والإتقان. وكاتب هذه السطور لم يحكم على الشيخ بأنه لم يُتقن في كل ما كتب، وأنّى له ذلك، فإنتاج محققنا غزير؛ بل إلى خطأين في كتاب بعينه، ورآههما فادحين، واعتبرهما ينسفان مصداقية التحقيق من الأساس. أمّا ما سوى ذلك، فزاد الله الشيخَ مِن فضله، وقيّض له تلاميذ بمثل كفاءته أو يزيدون، ينشرون فضائله ويقررون مناقبه.
    5_ لمست في كلام الأخ "الرابية" صدقا في المنافحة عن الشيخ، ودعوة إلى النصيحة. وهنا لا بد من توضيح مسألة أراها بالغة الأهمية. السجال الفكري غير الجدل المذموم بين الناس. ويفترض في النقد أن يتسم بالموضوعية، وأن يركز على المنتَج بدل المنتِج. وطالَما التزم هذا الضابط (وملازمة الضباط في زماننا منجاة في نظر البعض)، خرج عن دائرة القدح والتشهير؛ لأنه يتسامى عن التشخيص، لتمسكه بالتسديد الذي يراه صاحبه، ولو تبيّن أن هذا الأخير مخطئ فيما ذهب إليه. فإذا اتضح لي مثلا أن سائق حافلة عمومية غير ماهر في قيادته، أو أنه ماهر لكنه لا يعرف الطريق الرابطة بين دمشق وحلب، فأعلمت الركاب بذلك وحذَّرتهم؛ هل أكون آثما؟ أم سيغدو ذلك من واجباتي؟ قِس هذا على ذاك يتضح لك المراد.
    ثم إن تاريخنا الفكري مليء بكتب الردود والردود على الردود، ولم نر العلماء تأففوا من ذلك ولا أدانوه. بل كان ذلك من علامات الحيوية والصحَّة في نشاطهم الفكري، حتى إن أحد المستشرقين نبَّه إلى ذلك في الطبعة الجديدة من "دائرة المعارف الإسلامية" واعتبره فنًّا قائما بذاته يكاد يميِّز بثرائه وإيجابيته الأمّةَ الإسلامية عن غيرها!
    فلْنُعِد الأمور إلى نصابها، ولْنترك العواطف جانبا، ولْيكن ديدننا الأساس هو الإنصاف؛ نقول للمحسن: "أحسنت!"، وللمسيء: "أسأت!" فلا خير فينا إذا لم نقلها، ولا خير فيهم إذا لم يسمعوها منّا...
    6_ أجمعتم على اعتبار الخطإ الذي نبهت إليه خطأ "واحد" و"يسير" و"بسيط" و"سهو"، ناتج "عن ذهول أو غفلة"، "لا يعرو عن مثله بشر". وهنا لا بد من "تشجير" التوضيح وعرضه ضمن عدة فروع:
    أ_ أبشع الأخطاء هي تلك التي ترتكب في ديباجة أي عمل فكري، سواء كان إبداعاً أو تحقيقاً. فالديباجة وجه الكتاب وفاتحة الشهية لقراءته. وإذا لم يعتن بها صاحبها كما يليق، فذلك يعني أن عنايته بالكتاب كانت أقل. وأخطاء المقدمات في التحقيق أبشع، لأن المقترض في المحقق أنه مؤتمن على المخطوط الذي نقله إلى القارئ. فإذا لاحظ هذا الأخير خطأ في قراءة المخطوط منذ الصفحات الأولى، اهتزت الثقة. وعندئذ يجد القارئ نفسه بين ثلاث خيارات: إمّا أن يضع الكتاب جانبا ويرتاح، وإمّا أن يتجاهل ما اكتشفه و"يطنِّش" ويعتمد على الكتاب دون "وجع دماغ"، وإمّا أن يقرأه بعين ناقدة غير واثقة من فهم وضبط محققه. ولكل منّا الخيار بين هذه الأصناف الثلاثة. لكن اعذروني إذا كنت انجذبت إلى الخيار الصعب.
    ب_ لم أشر إلى خطإ واحد، بل إلى خطأين. وأنا أعتبرهما في غاية الأهمية. لماذا؟ الأول، وهو الذي يدور عليه جل المشاركة، يشكك في قدرة المحقق على قراءة المخطوط قراءة سليمة. كما أنه يوحي بأن المحقق لا يراجع ما يكتب، ولو التفتَ إلى فقرات كان قد سطرها قبل صفحات قليلة حول حياة الشوكاني، لانتبه إلى "سهوه". وقد تبيَّن لي عبر قراءتي للتحقيق أن صاحبه يكتب بطريقة شبيهة بالزخّات، وأنه لا يراجع ما كتب ليتأكد هل "زخاته" منسجمة بعضها مع بعض أم لا. وهذا يتضح بجلاء من خلال اضطرابه في المنهج، وكذا في غياب الإحالات على المواطن اللاحقة من الكتاب حيث تنبغي الإحالة عليها.
    والخطأ الثاني، الذي أشرت إليه ولم أركز عليه وأرجأت الإفاضة فيه عمداً، يكمن في هذه الفقرة: "وكان الفراغ في نهار الخميس في اليوم السابع والعشرين من أيام شهر الحجة. سنة إحدى عشر ومائة وألف من الهجرة النبوية. على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وكان التأليف بمحروس مدينة صنعاء المحمية بالله". (1/71) وهو غياب لفظة "الحرام" بعد "أيام شهر الحجة"، كما هي جلية في الصورة التي أثبتها المحقق عن المخطوط "أ" في الصفحة: 79.
    وقد يكون ذلك نتيجة سهو أو غفلة.. لكن مَن يخطئ في هذه، قد يخطئ في أخرى. وسترون أن لهذا الخطإ إخوة وأخوات، بعضهم أشقاء وبعض من الرضاع.
    وقد استوقفني إغفال المحقق لهذه الكلمة. ولو لم تكن عبارة "الحرام" واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، لما عرَّجت عليها؛ لكنها كانت هناك أسفلَ الصفحة، وكأنها تقول لي: "قف! هنا الحرام". فوقفت... ولدي ظنٌّ راجح –وقد يكون ظنّاً آثماً– أنّ الشيخ استغرب أن تكون الجملة على هذا الشكل: "في اليوم السابع والعشرين من أيام شهر الحجة الحرام". وحق له ذلك، فعبارة "شهر الحجة الحرام" غير مألوفة ولا كثيرة الاستعمال. ولكن هل لأنها كذلك، نهملها ونضرب بها عرض الحائط، ولا نشير إليها ولو بالتشكيك في صحتها أو باقتراح لفظة أخرى تشابهها رسماً ويستقيم بها المعنى؟ هل هذا من الأمانة العلمية؟ أتمنى أن يكون ذلك حصل "سهو وغفلة"، لا غير...
    سوى هذا، ما الذي كان على المحقق فعله للتثبت من الكلمة؟ إن أول قاعدة في التحقيق هي أن تنقل النص بأمانة، ولو بدا مخالفا لقواعد اللغة أو مألوف استعمالاتها. بعد ذلك تتأكد من العبارة المبهمة أو الموهمة في المخطوط نفسه، أي تحاكم المخطوط إلى المخطوط، بالنظر إذا كانت العبارة تكررت بقلم المؤلف أم لا. ثم تبحث عن نفس العبارة إذا كانت مستعملة في المصنفات الأخرى للمؤلف. وبعدها تتأكد إذا كانت تلك العبارة مستعملة لدى أبناء عصره، أو مصره، أو المصنفين في الفن الذي يتمحور حوله المخطوط. وبعد هذا كله، إذا تأكدت أنها خطأ بيِّن لا يحتمل الشك، وجب عليك أن تثبتها. وأنت في هذا مخيَّر بين أن تثبتها في المتن وتشير في الهامش إلى أنها كذا جاءت في المخطوط وأن الذي تراه صوابا كذا، أو أن تصوِّبها في المتن وتذكر الأصل في الهامش معلِّلا لاختيارك. والخيار الثاني أحبُّ إلى العلامة شاكر، وهو أحب إليَّ أيضا...
    وأصدقكم القول أنني لم أكلف نفسي مشقة المرور بكل تلك المراحل التي ذكرتها، بل اختصرت الطريق للتأكد من أن "الحرام" في موضعه. فقد تذكرت أن للشوكاني كتابا في التراجم عنوانه "البدر الطالع بمحاسن مَن بعد القرن التاسع"، فقلت في نفسي: من المستبعد ألا يكون من بين مئات التراجم التي أفرد لها الشوكاني هذا المصنف علَم لم يتوفَّ في شهر ذي الحجة! وكذلك كان الأمر، ولكن على غير ما توقعت... ففي آخر "البدر الطالع"، بعد الترجمة المخصصة ليوسف بن يحيى بن الحسين ابن الإمام المؤيد محمد ابن الإمام القاسم الصنعاني ما يلي: "قال المؤلف قدس الله روحه: إلى هنا انتهى الكتاب، في ليلة الأربعاء، ثاني شهر الحجة الحرام، سنة 1213 ثلاث عشرة ومائتين وألف". والمؤلف ليس شخصا آخر سوى... الشوكاني! أي أنها من عبارات المؤلف، مثلها مثل عبارة "بمحروس مدينة صنعاء المحمية بالله"، التي تبدو غريبة على السمع، لكن الشوكاني استعملها في مواضع أخرى من كتبه. ولما تذكرت أن الشيخ حلاق ممن حققوا هذا الكتاب، ازددت عجبا... (ولك أن تتعجب معنا مرة أخرى أخي "يحيى صالح"!).
    جـ_ الخطأ ليس بالهيِّن ولا البسيط. فهو يتعلق بمفاتيح المخطوط: مَن نسخه؟ ومتى فرغ منه؟ وفي أي موضع؟ وما إلى ذلك... وهي بمثابة "الشيفرة" التي تحدد هوية المخطوط، وصحة نسبته إلى مؤلفه، وزمان تأليفه أو نسخه. فإذا أخطأ المحقق في قراءتها، ولو "سهوا"، كان ذلك مؤشرا على ثغرة يعاني منها في الضبط والتدقيق، أو في الفهم والتحقيق، أو في الاثنين معا.
    د_ لا أدعي أنَّ هذين الخطأين أديا إلى قلب حقيقة "نيل الأوطار" أو تحريفه أو تزييفه بشكل كامل؛ لكنهما يظلان مؤشرين يثيران "جهاز استشعار" القارئ اللبيب. وأصدقكم القول أن اكتشافي لهذين الخطأين كان نهاية المطاف، لا بدايته. فلم ألتفت إليهما إلا بعد اكتشافي لكَمٍّ معتبر من الأخطاء "التحقيقية" في الجزء المتعلق بمقدمة الشوكاني لنَيله. ولو كانا خطأين معزولين غريبين في الكتاب، لما أشرت إليهما إطلاقا، ولاعتبرتهما نتيجة سهو من المحقق أو إهمال من الناشر...
    هـ- التنبيه إلى أخطاء الآخرين لا يعني أنني منزَّه عن الأخطاء. لكن ارتكابي لأخطاء لا يعني تنزيه الآخرين عمّا نسبته إليهم من أخطاء. (وهذا مثل سائر، لكن برطانة الأعاجم "الآكاديمية"!)
    7_ أشار الأخ "محمد زياد تكلة" إلى أن "العنوان تحميلٌ للحلاق ما لا يحتمل"، وهو في ذلك مُحقٌّ. فقد انتقيت لازم القول وركزت عليه، لألفت الانتباه إلى صلب المقال. وفي هذا نوع من الإثارة الشريفة، وهي ليست كاذبة على أي وجه من الوجوه.

    والبقية تأتي...

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    المملكة العربية السعودية - مدرس بدار الحديث بمكة
    المشاركات
    6,863

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    بارك الله فيك.. ما أسهل أن تنفي عن نفسك ما ظهر بقولك: لستُ، وما فعلتُ، وما قصدُّتُ.. !! والأمر لا يستدعي ماسحًا ضوئيًّا كما ظننتَ، بل بتأمُّلٍ يسيرٍ لعلَّه يتاح لك في وقتٍ آخر تتغيَّر فيه النفوس والظروف.. وانتقادي وغيري لم يكن لأصل انتقادك؛ بل لأمرٍ آخر يخرج عنه إلى غيره.. وقولك: "ليس -فلانٌ- أهلًا لتحقيق كذا وكذا" مقبولٌ لو دعِّم بالقرائن المقنعة والشواهد البيِّنة، لا بمجرد التهويل ونحوه.
    أعانك الله..
    مدرّس بدار الحديث بمكة
    أرحب بكم في صفحتي في تويتر:
    adnansafa20@
    وفي صفحتي في الفيس بوك: اضغط على هذا الرابط: عدنان البخاري

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    جزاك الله خيرا أخي عدنان على مبادرتك بالجواب.
    وجوابي لك: لا تستعجل، فبقية الكلام آتية، والقرائن كذلك، إذ لم أؤسس كلامي السابق إلا استناداً إليها. وأنا لا أرجئها لانعدامها أو للتشويق لإليها، ولكن الرقانة تأخذ مني وقتا...
    ولا تنسنا من دعائك.

  11. #11

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    أخي الواحدي سلمك الله
    أرعدت وأبرقت وأرغيت وأزبدت لأجل خطأ واحد والبشر لا يسلم من الخطأ!!!
    ثم لما نبهك الفضلاء على أنه يسير لا يستحق كل هذه الهالة لم تقتنع وأردت إثبات أنه خطأ كبير.
    أقول: لو أقبلت على ما ينفعك لكان أبرأ لدينك وأسلم لعرضك.(والإقناع ليس بكثرة الكلام وخير الكلام ما قل ودل ولم يطل فيمل)

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    541

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    حقيقة يكفي في الرجل أنه هو من يحقق الكتب التي يصدرها , وليس عنده فريق عمل أو مجموعة تعمل له

    في وجهة نظري أن هذا الأمر وحده يكفي للتجاوز عن هفوات أي محقق إن كان يلمس منه الإخلاص في عمله , وينبه بلطف على إخطائه بخلاف غيره

    والله الموفق
    لأي خدمة علمية من بلدي الإمارات لا تترد في الطلب
    ahalalquran@hotmail.com
    والله الموفق

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المشاركات
    62

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    أفلا أمهلتم الشيخ حتى يفرغ مما بدأ، وقد أنبأكم أن هذا "أول غيثه"؟؟.. أم أننا صرنا "نشتمُّ" من كل نقد رائحة "التجريح".. فنغضب، ونذب، ونقارع؟؟!

    أما الخطأ يا فضيلة الشيخ -والحق يقال-.. فليس كبيرا كثيرا! ولا يظهر منه سوء قراءة المحقق للمخطوطة، إلا أن يعضده أمثلة أخر.. فلعلكم تفيدوننا

    وأنا أعلم أن الشيخ طارق عوض الله حفظه الله، قد انتقد بشدة نشرة الحلاق.. ولكني لا أعلم موقف المشايخ الكرام مما قال؛ ولعل الشيخ طارق جاز له ما لم يجز لغيره إذ حقق النيل!

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    أتت البقية!

    الحمد لله رب العالمين.
    يبدو أن بعض الإخوة مستعجلون.. ولكن لن يحملني ذلك على انتهاج التسرع مسلكا، ولن يصرفني عن المنهج الذي رسمته سلفا لما أنا بصدده. وإني لأشكر لهم التفاتهم إلى الموضوع، وأتغاضى عن العبارات الجارحة التي أطلقها بعضهم، فهم معذورون. ولعل الذنب ذنبي، لأنني أعرض ملاحظاتي على مراحل، ولم أفرغ بعد الجعبة، وبعضهم لا ينتظر إلا ذاك.
    لكنني أخالفهم الرأي في اعتبار الخطأين من "المعفو عنه". وأصحاب هذا الشأن يدركون ذلك تماما. ولن أكرر ما قلته من قبل، ولكن أضيف التالي:
    عندما يرتكب "محقق" خطأين فاحشين كالمشار إليهما في مقدمة تحقيقه، فإن ذلك بمثابة نزع الثقة من مصداقيته في قراءة المخطوط. وكل تصويب بعد ذلك من طرفه، أو ترجيح، أو اختيار، سيظل محل شك وريبة لدى القارئ إلى أن يرى المخطوط بأم عينيه. وأكتفي في هذا المقام بإيراد مثال واحد ("واحد فقط!" سيقول بعضهم..):
    عندما يعلق المحقق على نص "النيل" التالي، في الصفحة 297 من المجلد السادس: "والحديثان يدلان على أن ساعة الإجابة هي وقت صلاة الجمعة من عند [صعود] الإمام المنبر..." قائلا في الهامش رقم 8: "في المخطوط (أ، ب) (سعوط) وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه" فإنه يعتريني الشك في أن كلمة "سعوط" لا وجود لها في المخطوطين، وإنما توهم المحقق قراءتها كذلك. لماذا؟ لأن المحقق فتح مجال الشك منذ الصفحات الأولى من مقدمته. ولأن سائر المطبوعات، أثبتتها بالدال، ولم يعقب أصحابها على ذلك. ولأن الألف اللينة من لفظة "الإمام" ربما كانت قريبة من "دال" "الصعود" فبدت للمحقق كأنها "طاء". وهناك سبب رابع، أذكره على سبيل التندر، وهو أن نسَّاخ اليمن يتعاطون القات، ولا شأن لهم بالسعوط!
    وبما أننا أثرنا مسألة المنهج، لننتقل الآن إلى صلب الموضوع:
    فيما يتعلق بالتحقيق هناك مبادئ عامة لهذا الفن، هي بمثابة الدعائم التي لا يعتبر العمل تحقيقا من دونها. وبعد ذلك هناك اختيارات والتزامات، يلزم المحقق بها نفسه. والمنهج العلمي يقتضي أن يحترم المحقق التزاماته، سواء كان مصرجا بها في المقدمة أو لا، وألا يتعداها أو يهملها. وإذا اضطر إلى الخروج عنها، فإنه يشير إلى دواعي ذلك في الهامش المناسب.
    والملاحظ على الشيخ "حلاق" أنه لم يلتزم بالخطة التي رسمها لنفسه في مقدمة التحقيق، كما أنه لم يلتزم بالمنهج المتعارف عليه لدى أصحاب هذا الفن؛ وكأنه يجهلها أو يتجاهلها.. وهذا ما سماه بعض فضلاء الباحثين بـ "المنهج الانتقائي". وكنت من قبل أشرت إلى أن المطَّلع على التحقيق بعين ناقدة يتجلى له وكأن الشيخ أنجزه على شكل "إملاءات"، سمَّيتها بـ "الزخَّات"، وأنه لا يحاكم المخطوط إلى المخطوط، بل ولا يقارن الهوامش التي أضافها هو بعضها ببعض. وأكتفي هنا بإيراد مثال واحد (وسيقول بعضهم مرة أخرى: "واحد فقط!"):
    في الصفحة 88 من الجزء الثاني ما يلي:
    "وبعد هذا فلا شك في أولوية استيعاب المسح لجميع الرأس، وصحة أحاديثه ولكن دون الجزم بالوجوب مفاوز [وعقبات] (1)" (ملاحظة: عند النقل عن "حلاق"، ألتزم التشكيل وعلامات الرقم كما وضعها هو)
    في الهامش (1) من الصفحة نفسها: "في "المخطوط" وعقاب ولعل الصواب ما أثبتناه".
    وهنا ملاحظتان ترتبطان ارتباطا وثيقا بالمنهج:
    1_ استغرابه لكلمة "عقبات" أكثر من غريب. لماذا؟ لأنه جاء في مقدمة الشوكاني لشرحه (1/105) ما يلي:
    "وأما في مواطن الجدالِ والخصامِ فقد أخذت فيها بنصيب من إطالة ذيول الكلام؛ لأنها معارك تتبيّن عندها مقادير الفحول، ومفاوزُ لا يقطع شِعابها وعقابها (6) إلا نحاريرُ الأصول". فاللفظة من قاموس الشوكاني، ولا مبرر لاستنكارها واستبدالها بلفظة أخرى، تحكُّماً. ولْنفرض أن المحقق شك في صحتها لغويا، فقد كان يكفيه أن يطلع على أول معجم يقع عليه بصره ليتأكد أنها صواب. هذه واحدة.
    والثانية، وهي الأدهى: جاء في الصفحة نفسها (1/105)، في الهامش رقم: 6، ما يلي: "العقاب: جمع عقبة: وهي مرقى صعب من الجبال. القاموس المحيط ص 130"!! فما الذي جعل المحقق يتقبل "العقاب" (!) هنا ويبرره، ثم يتجنبه ويتحاشاه في موضع آخر؟ وهذا يعني أحد أمرين اثنين، لا ثالث لهما:
    _ إمّا أن الشيخ أنجز تحقيقه على طريقة "الزخات" التي أشرنا أليها، فلم تذكر عينه الشمال ما لاحظته عينه اليمين، ولم يراجع ما كتبه. وهذا أحسنُ الظنِّ به.
    _ وإمّا أنه أوكل التحقيق إلى مجموعة من "عمّال السُّخْرة" في مكاتب التحقيق، واكتفى بالحكم على الأحاديث معتمدا على غيره، وارتضى وضع اسمه وحده على غلاف الكتاب؛ فنتجت عن ذلك مثل هذه الثغرات. وهذا أسوأُ الظن به.
    وفي كلتا الحالتين، هو غير معذور.
    2_ قوله في الهامش رقم (1) من الصفحة 88 في الجزء الثاني: "في "المخطوط" وعقاب..." عبارة غريبة وعجيبة. فما المقصود بـ "المخطوط"؟ وقد وضعه بين مزدوجتين، وكأنه يشير إلى مخطوط معيَّن! هل هو المخطوط (أ)؟ أم (ب)؟ أم (ج)؟ أم مخطوط آخر؟ أم سائر مخطوطات "نيل الأوطار"؟ أم هو "تدليس ثقة"؟!

    وهنا أسجل وقتا مستقطعا، لئلا يطول انتظار بعض المستعجلين، ثم أواصل الحديث بإذن الله...

  15. #15

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    أخي المكرم: هذا هو موضوعك الوحيد في المجلس، وعندي طلب شخصي:
    أرجو أن تصرف طاقتك في مواضيع أخرى أكثر فائدة، وإن شاء الله نرى لك الكثير الطيب.
    بارك الله فيك.

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    البقية...


    * الأحكام التسعة *

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
    بارك الله في الأستاذ "محمد زياد التكلة" على النصيحة، وأعتذر إذا كان بعضهم فهم أن غايتي التهجم أو الانتقاص. وأرجو ألا يحذف هذه المشاركة. كما أصارحه أنني عاتب عليه لاعتبار ما نحن بصدده غير ذي فائدة وهدراً للطاقة. فلو التفت إلى الجدل العقيم الذي يدور حول مواضيع إما مستهلكة، وإما ناشرة للخلاف والشقاق، وإما مستهدفة لجس النبض ورصد التحولات الفكرية لدى الشباب المسلم (كحكم التكفير، والخروج على الحاكم، والموقف من بعض الأنظمة العربية والإسلامية...إلخ) لنظر إلى موضوعنا بعين الرضا. فالموضوع: مناقشة نقدية لكتاب محقق؛ لا أكثر ولا أقل. وهي خدمة مجانية نقدمها للدار التي أشرفت على طبعه. وإذا نشب جدال من بعضنا، فلا ضير في ذلك، طالما نحن ملتزمون بالآداب والإسلامية والاحترام المتبادل.
    واعلم أن عدم إقدامك على حذف الموضوع مفخرة للمنتدى وللمشرفين عليه. ولك مني خالص الدعاء، وفائق الشكر والتقدير على تفهُّمك.
    وأعود إلى الموضوع، وقد كنت بصدد الحديث عن منهج المحقق. وأقرر مجددا أنه يمتاز بالاضطراب، وأنه ليس على سمت واحد، وأنه لم يتقيد بعدد من قواعد التحقيق وإخراج النصوص. وفيما يلي الإيضاحات التالية:
    وقبل ذلك أشير إلى أن معظم الأمثلة التي سأوردها تكاد تنحصر في الجزء المتعلق بمقدمة الشارح وشرح مقدمة المصنف، أي من الصفحة 103 إلى الصفحة 137 من الجزء الأول، وقد فعلت ذلك بغرض الاختصار:
    1_ علامات الرقم (أو الوقف أو التنقيط) وُضعت بشكل عشوائي، حتى إن القارئ ليتساءل أحيانا: ما هو الضابط الذي التزمه المحقق إزاءها. سواء كان ذلك في المتن أو في الهوامش. ومن المعلوم أن هذه العلامات أصبح لها أهمية بالغة في ضبط النصوص، بل صارت عنصرا مهما في فهم النص. وسأكتفي في هذا المقام بمثالين:
    _ في الصفحة (1/111): " وأخرج أيضا ابن حبان عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ : ((كلُّ أمرٍ ذِي بَالٍ لا يُبدأ فيهِ بحمدِ الله فهو أقطَعُ ))، وأخرجه أيضا أبو داود عنه، وكذلك النسائي وابن ماجه، وفي رواية ( أبتر ) بدل ( أقطع )، وله ألفاظٌ أُخَرُ أوردَهَا الحافظ عبدُ القادِرِ الرهاويُّ في الأربعين له، وسيذكر المصنف رحمه الله [تعالى] حديثَ أبي هريرة هذا في باب اشتمالِ الخطبة على حمد الله من أبواب الجمعة". وهي جملة تحولت بفضل علامات الرقم المعتمدة إلى جملة كيلومترية تقطع نفس الفارئ وتشوش ذهنه، مع أنه كان بإمكان المحقق إدماج النقاط كما تقتضيه قواعد الرقم والرسم.
    _ في الهامش رقم (2) من الصفحة (1/104): "الخرِّيت: الماهر (...إلخ) من الطريق. [النهاية في غريب الحديث والأثر: لابن الأثير: (2/19)]" وبعدها في الهامش بسطر، في الهامش رقم (4): "درس الرسم دُرُوسا: عَفَا، القاموس المحيط ص 701". وقبلها في الصفحة (1/103)، في الهامش رقم 5 نجد: "أورده الهيثمي في ((معجم الزوائد)) (8/259)"
    وهذا المثال يجمع عددا من ضروب الاضطراب في علامات الرقم. فلماذا وضع عنوان الكتاب ورقم الصفحة في الهامش "4" بين معقوفتين؟ ولماذا جاء ذكر القاموس المحيط في الهامش 5 بعد فاصلة، لا نقطة؟ ولماذا جاء عَرِيّاً من المزدوجتين أو الظفرين؟ ولماذا لم يُفصل بينه وبين الإحالة على الصفحة؟ ولماذا جاءت الإحالة على "معجم الزائد" في الهامش 5 مخالفة من حيث علامات الرقم للهامشين السابقين؟ ونماذج هذا النوع من الاضطراب في الهوامش لا تحصى ولا تُعَدّ.
    وقد أشار المحقق إلى منهجه في العزو، في الصفحة (1/96) (النقطة: 10)، ولكنه لم يلتزمه إطلاقا؛ بل اكتشفت أنه في ذلك رهينة للمصادر الحديثة التي ينقل عنها!
    2_ يترجم للأعلام بطريقة عشوائية انتقائية. وهو أحيانا يعرِّف بالمعروف المشهور، ويتجاهل الأقل شهرة والمغمور. ومثال ذلك أنه في مقدمة الشارح يعرِّف بالنووي، ويحيل على ترجمة البخاري ومسلم؛ لكنه يهمل مَن هم أقل شهرة. وأحيانا في الصفحة نفسها يترجم لبعض الأعلام ويهمل غيرهم، دون سبب وجيه ظاهر. ومثال ذلك: الصفحة (1/123). حيث ترجم لـ: القعنبي وحرملة بن يحيى وخَلَف بن هشام، وأهمل: إبراهيم بن محمد بن سفيان وأبا زرعة وأبا حاتم والماسرجسي والأخرم؛ مع أنهم متجاورون في حيِّز لا يتجاوز الأسطر الخمس! وقد تتبعت أسماء الأعلام الذين لم يترجم لهم في هذا القسم وحده فوجدت عددهم يتجاوز الثلاثين، عدا المشاهير والذين أحال على مظان ترجمتهم في "سير أعلام النبلاء"؛ ومن بينهم مَن ذُكِر بالكنية فقط أو بالنسبة، وكان ينبغي تحديد هويتهم على أقل تقدير...
    3_ يشير المحقق في مقدمته إلى أنه اعتمد ثلاث مخطوطات، وسماها (أ) و(ب) و(جـ). الأولى بخط الشوكاني نفسه؛ والثانية تم الفراغ منها قبل وفاة الشوكاني بـ 25 سنة. ويبدو أن الشوكاني اطّلع عليها (ومن الوارد أنه اطلع فقط على الحواشي التي وضعها أحد معاصريه على "النيل"). والثالثة هي المخطوطة (جـ) وهي ناقصة كما أشار إلى ذلك المحقق. وقال: "حصلت على المجلد الأول منه فقط من أوله وحتى (كذا!) باب التشهد لسجود السهو بعد السلام" (1/92). وفيما يلي بعض الملاحظات:
    _ لا يشير المحقق إلى وجود مخطوطات أخرى أو عدمه. ولا يشير لماذا أهمل بقية النسخ. وهذه ثغرة منهجية.
    _ لا يذكر المحقق لماذا لم يحصل على بقية النسخة (جـ)؟ هل هي مفقودة؟ أم موجودة ولم يتمكن من حيازتها؟ ولماذا؟
    _ لا يذكر المحقق كيفية استعماله للنسخ الثلاث. هل اتخذ واحدة منها أصلا مثلا؟ أم عاملها بالتساوي ورجَّح؟ وما هي المعايير التي استند إليها في الترجيح عند وجود اختلاف بين النسخ؟ ولم يذكر إذا كان سيشير إلى مواضع الاختلاف بشكل راتب مطرد؟ أم فقط عندما يقتضي المقام ذلك؟ وما إلى ذلك من القواعد المنهجية التي يجب أن يعتمد عليها المحقق في تحقيقه...
    4_ بالنسبة لشكل ألفاظ النص: في كثير من الأحيان يشكل المحقق ما هو واضح ولا يحتاج إلى ذلك، ويُهمل ما يقتضي الشكل لأنه قليل الاستعمال، أو يشتبه على القارئ بعبارات أخرى لها نفس الرسم، أو تعوَّد الناس على نطقه بشكل خاطئ. والأمثلة على ذلك لا تحصى ولا تعد؛ لذا سأتجاوزها ربحاً للوقت. والضابط المنهجي في هذه المسألة هو: إما أن تشكل النص كله (إذا كان الكتاب متنا علميا مثلا أو جامع أحاديث...إلخ)؛ وإما أن تهمِل الشكل كلِّيّاً ولا تثبت منه إلا ما هو مثبَت في المخطوط؛ وإمّا أن تكتفي بشكل ما من شأن رسمه أن يؤدي إلى الالتباس.
    ويشار هنا إلى أن المحقق الذي يلتزم شكل الكتاب، على أيِّ وجه من الوجوه، مسؤول عن أي خطأ يقع في هذا المجال. ومع ذلك هناك نسبة طفيفة من الأخطاء اعتبرها بعضهم من الأخطاء المطبعية المعفو عنها. وفي هذه الحالة، يتوزع دمها بين القبائل: المحقق، والمصحح، والناشر.
    5_ لم يلتزم المحقق بمنهج موحد فيما يتعلق بأولويات المصادر لديه في حال العزو أو شرح الألفاظ أو ترجمة الأعلام. فتراه -مثلاً- في الصفحة نفسها يعتمد في شرح لفظ على "النهاية" لابن الأثير، ثم في الهامش الذي بعده على "القاموس المحيط"، دون أن يكون لذلك سبب وجيه أو ضابط علمي معتبَر. وكذا الأمر بالنسبة بالنسبة لترجمة الأعلام. والأمثلة على ذلك عديدة، يلحظها كل حصيف.
    6_ امتلاك ناصية اللغة التي كُتِب بها المخطوط من أولويات التحقيق، فالتحقيق أساساً هو: ضبط النص. صحيح أن الله منَّ علينا بلغة ثرية، ألفاظها تتجاوز الحصر. لكن على المحقق أن يدقق ويستوثق من كل ما يقرأه. فإذا واجه صعوبة في ضبط كلمة أو توجيه معناها، ولم يجد ما يسعفه في المعاجم المفردة لهذا الشأن، اتجه إلى كتب الغريب، أو دواوين الشعر، أو كتب التراجم، وهكذا... إلى أن يظفر بمبتغاه، أو يشير إلى أن الكلمة وردت هكذا ولم يجد لها معنى يستقيم فيما اطلع عليه من مصادر. إضافة إلى ذلك، ينبغي أن تكون له الدراية الكافية بمصطلحات وتراكيب الفن الذي أُفرِد له المخطوط، ولغة المؤلف، ولغة أهل عصره ومصره. وهذا من اللوازم الضرورية في التحقيق.
    وإذا عدنا إلى المحقق، وجدنا أخطاء بيِّنة في هذا المجال، بعضها ينمُّ عن جهل باستعمال المعاجم العربية. وقد أشرنا إلى تغييره لكلمة "عِقاب" (جمع عقبة) في متن الكتاب وأسباب ذلك، وسنعطي أمثلة أخرى على ذلك توضح المقصود.
    7_ لا يشير المحقق في مقدمته إلى الطبعات السابقة للكتاب، وكأنه هو الوحيد الذي أخرجه إلى الوجود! مع أنه يشير في ثنايا الكتاب إلى بعضها مُـخَطِّئاً! وهذا التجاهل لا يدرى ما سببه؟ وكان بإمكانه ذكر الطبعات السابقة للنيل، والإشارة إلى الثغرات التي تعيبها أو المزايا التي تميزها وما إلى ذلك... ومن المعلوم أن "نيل الأوطار" طُبِع عدة مرات بتحقيقات مختلفة. فأنت عندما تُقدِم على تحقيقه من جديد، لا بد وأن لك سببا وجيها دعاك إلى ذلك؛ وإلا اعتُبِر تحقيقك مجرد نسخة مكررة عن الطبعات الأخرى، لكن محشوة بالهوامش.
    8_ يقول المحقق، في معرض حديثه عن منهجه في التحقيق: "8_ قسمت الكتاب إلى كتب وأبواب" (1/96)
    ومن المعلوم أن "نيل الأوطار" قسمه الشوكاني أحسنَ تقسيم إلى كتب تندرج تحتها أبواب، وأحيانا يقسم الكتاب الواحد ألى مجموعة إبواب متجانسة. وقد بحثت عن "الكتب والأبواب" التي أضافها المحقق إلى الكتاب فأعياني البحث. فإذا عثر أحد الإخوة على شيء من هذه الإضافات فلْيُفِدني به مشكورا.
    ويقول بعد ذلك: "9_ وضعتُ عناوينَ جانبية ضرورية في بعض الأحيان وجعلتها بين قوسين (كذا!) هكذا: [ ]". (1/96). وهذا يحسَب له، وهو اختيار موفَّق لأنه وسيلة مفيدة للطلاب والباحثين، جزاه الله خيراً.
    ويؤاخَذ مع ذلك على إيراده لعناوين كل الأبواب عند فاتحة كل كتاب من كتب "النيل"، وهي إضافة لا معنى لها. بل فعله هذا وما أشبهه، أو فعل الناشر، هو الذي جعل الناس يتهمونه بالحشو والنفخ والتمطيط لأسباب تجارية. ومن المعلوم أن عدد كتب "نيل الأوطار" 46. فلو اعتبرنا أن متوسط عدد الصفحات المضافة إلى كل كتاب 5 صفحات، فإن مجموع الصفحات المضافة حشواً إلى الكتاب، دون احتساب الصفحات البيضاء: 230 صفحة!! ولست أدري كيف لم ينتبه الناشر إلى ذلك؟ ولعله اقتنع بجدوى ذلك علميا، واعتبره خدمة إضافية للكتاب. والمسألة تظل وجهة نظر لا غير...
    9_ وقد أرجأت هذه الملاحظة إلى الأخير، لأنها وجهة نظر، وليست حكماً علميّاً صارماً:
    أورَد الشيخ في مقدمة تحقيقه مشكوراً وثيقةً في غاية الأهمية (1/80)، وهي عبارة عن تعليق من الشوكاني على أحد معاصريه (لم يذكر المحقق اسمه). وكان هذا الأخير أضاف حواشي وتعليقات على "نيل الأوطار". والوثيقة مكتوبة بخط الشوكاني. وهنا ليعذرني الإخوة الأفاضل لأقتح قوساً لا بد منه:
    قال المحقق في الصفحة المشار إليها: "اسم الناسخ: يحيى بن محسن الدلواني- وحسن بن يحيى بن أحمد الكبسي"
    وهنا اعذروني، فإنني لا أفتأ أعجب من شيخنا المحقق. فالحسن بن يحيى بن أحمد الكبسي ليس ناسخ "نيل الأوطار"، بل صاحب الحواشي التي عقب عليها الشوكاني بخط يده. ولأن "يحيى بن محسن الدلواني" معدود في المجاهيل، اعتبرناه الناسخ لمتن "نيل الأوطار". لم يبق إذاً إلا "الكبسي". فمن هو الكبسي؟
    هو: السيد الحسن بن يحيى بن أحمد بن على بن محمد بن أحمد بن القاسم الحمزى الكبسى ثم الصنعانى ولد بصفر سنة 1167 سبع وستين وماية ألف ونشأ بصنعاء، وتوفي بـ "هجرة الكبس" سنة 1138 هـ. قال عنه الشوكاني: "من أعيان علماء العصر المشار اليهم بالتحقيق والاتقان وهو جيد التحرير حسن المباحثة وله رسائل فى مسائل متفرقة متقنة غاية الاتقان". وكان من أقران صاحب "النيل"، وكانت بينهما مراسلات ومباحثات؛ حيث يقول الشوكاني: "وقد رافقنى فى قراءة الكشاف على شيخنا المتقدم فكان يستخرج بفاضل ذهنه فوائد نفيسة". ويضيف: "وكثيرا ما يقع بينى وبينه مباحثات علمية وتحريرات لما يدور منها". ويصفه في موضع آخر بـ "السيد العلامة". وكانت بينهما مراسلات نثراً ونظماً، ومدحه الشوكاني بقوله تتمة لرسالة وجَّهها إليه:
    أعني به الـحَسَنَ بْنَ يحيى مَن غدَا ----- فرْد الزمان وحبْرَه المتبحِّرَا
    السابق الأعلام فهو مقدَّم ----- يومَ الرهان وغيرُه فيه وَرَا
    وقد أوردتُها على ركاكتها، وهي على شاكلة نظم الفقهاء والنحاة...
    فمن كان هذا شأنه، لا يمكن أن يُـحشَر مع طائفة النسَّاخ كما فعل به الشيخ المحقق؛ بل هو على التحقيق صاحب الحواشي التي عقب عليها الشوكاني. ثم أتدرون لماذا لا أثارت هذه المسألة تعجُّبي البالغ؟ والجواب أنّ المعلومات التي أوردتها عن "الحسن بن يحيى الكبسي" استفدتها من مرجع مفيد جدًّا هو: "البدر الطالع". ومَن صاحِب هذا الكتاب؟ الإمام الشوكاني نفسه! ثم أتدرون من حقق هذا الكتاب (فيمن حققه)؟ إنه: الشيخ محمد صبحي حلاق، لا غير!!

    وهنا أغلق القوس، وأعود إلى ما كنت بصدد الحديث عنه، أي: الوثيقة التي أوردتها المحقق في مقدمته. وهي عبارة عن تعقيب من الشوكاني على حواشي واستدراكات وضعها "الحسن بن يحيى الكبسي" (الآن صرنا نعرفه!) على "نيل الأوطار". ومن خلالها نستشف أن حواشي "الكبسي" اتسمت بثلاث مواصفات، فهي: إمّا إيراد للنصوص الكاملة للأصل المطوَّل من "نيل الأوطار" مفضلاً عدم اختصارها خشية الإخلال، ؛ وإما ترجيح لخلاف ما رجحه الشوكاني؛ وإمّا تصويب لنقول الشوكاني عن بعض المصادر، مثل: "فتح الباري" و"التلخيص الحبير".
    وجواب الشوكاني عن الاعتراضات الثلاثة يؤكد أنّ هاجسه كان الاختصار، سواء في الشرح أو في النقول، وأنه اختار هذا النهج وارتضاه، وكان حريصاً كل الحرص على ألاّ يخرج الكتاب عن إطاره الذي توخّاه. وهذا يوصلنا إلى الحديث عن طبيعة طبعة "نيل الأوطار" بتحقيق الشيخ حلاق. فالملاحَظ أنها طلعت علينا بأربعة أضعاف الكتاب الأصل! ولست ممن يرى أن داعي ذلك كان تجاريا أو رغبة في التكسب، كما يحلو لبعض ألسنة السوء أن تردد. فظني أن ذلك جاء نتيجة اختيار اقتنع به المحقق؛ بل لو التزم منهجه بحذافيره لتجاوز الكتاب العشرين جزءاً.
    ولكن، وجهة نظري أنَّ دمج التخريج والتعليق في تحقيق كتب السلف من بدعنا المعاصرة. وهو من البدع المستحسنة في مواضع، المستهجَنة في أخرى. ولمعاجلة المسألة، نطرح على أنفسنا السؤال التالي: ما هو الهدف من التخريج والعزو معاً؟ أليس توثيق نسبة الأقوال إلى أصحابها أو مصادرها؟ إن كان الأمر كذلك، من هو المستفيد من هذا العمل؟ والجواب: إمّا قارئ عادي، أو طالب علم، أو باحث متخصص. والقارئ العادي لا يقرأ "عادةً" الهوامش ولا يحفل بها، وهو مقلِّد حكما في هذا الباب، وبالتالي يكفيه أن تورد له الحكم على الحديث مختصراً. يبقى لدينا إذن طالب العلم والباحث. وهذا يوصل إلى اختياري في هذه المسألة، وهو أن تطبع تخريجات وتوثيقات الكتب مفردةً ولا تدمج مع الكتب المحققة. ومن أراد التوثق من نصوص كتاب ما، اشترى الكتاب الذي تناول ذلك أو الدراسة المتعلقة بالتحقيق. وقد كانت هذه سنة سلفنا من العلماء في التخريج والنقد. أمّا الشروح، فتلك مسألة أخرى؛ وفي هذه الحالة ينبغي أن يسمي تحقيقه شرحاً وألاَّ يلحقه بالكتاب وكأنه جزء منه.
    ولا يظنّنّ ظانٌّ أن فطاحلة المحققين منذ أوائل القرن الماضي كانوا يهملون التوثيق والتخريج والعزو. فقد كانو يفعلون ذلك، وكل محقق مطالَب به، لكنهم كانوا يستعملونه أداةً في التحقيق، ولا يجعلونه منظوراً للقارئ إلا عند الإشارة إلى خطإ المؤلف في العزو أو في النقل أو في الحكم على نصٍّ ما.
    وميلي إلى هذا المنهج راجح، وهو ميل غير ملزِم. فهو على الأقل يخفِّف على القراء تكلفة أسعار الكتب، ويتيح لهم متعة وفائدة اللقاء بالمؤلف وحده، دون وسيط منظور يضطرك إلى خفض البصر كلما رفعته.
    والله ولي التوفيق...
    وسأورد -أخيرا- ملاحظاتي على ما أعتبره من الأخطاء في تحقيق الشيخ محمد صبحي حلاق لنيل الأوطار. وقد فضلت أن أنقل لكم ما تعلق بتحقيقه لمقدمة الشارح فقط، أي من الصفحة 103 إلى غاية الصفحة 137 من الجزء الأول. وهي ملاحظات تقارب الأربعين، وهذا العدد معتبَر في مختبرات التحقيق (غير الفدرالي)..وإلى موعد أتمناه قريب بإذن الله.

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    الدولة
    سياتل..ولاية واشنطن ..
    المشاركات
    977

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    وبعد هذا كله؟
    أنا الشمس في جو العلوم منيرة**ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
    إمام الأندلس المصمودي الظاهري

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    551

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الواحدي مشاهدة المشاركة
    لكنني أخالفهم الرأي في اعتبار الخطأين من "المعفو عنه". وأصحاب هذا الشأن يدركون ذلك تماما. ولن أكرر ما قلته من قبل، ولكن أضيف التالي:
    عندما يرتكب "محقق" خطأين فاحشين كالمشار إليهما في مقدمة تحقيقه، فإن ذلك بمثابة نزع الثقة من مصداقيته في قراءة المخطوط. وكل تصويب بعد ذلك من طرفه، أو ترجيح، أو اختيار، سيظل محل شك وريبة ...
    بارك الله فيكم أخي الواحدي ، الحق يقال : إن طلبة العلم استفادوا جدا مما يخرجه حلاق من محبوس المخطوطات ، وأما انتقادك لأسلوبه في التحقيق وسقطاته ، فهو انتقاد في محله ، ومن تتبع (الفتح الرباني) وجد الكثير من هذا ، وأحيانا بأدنى تأمل يظهر المراد .
    وفي بعض مصنفات حلاق نوع من السرقة أحيانا-أقول: أحيانا ،من باب أبغض بغيضك هونا ما!!!- ، ومن أراد الأمثلة فليراجع كتاب (سرقات حلاق) ، ولا أدري لماذا لم يعرج بعض على الإخوة على هذا ؟!!!! #### حرره المشرف ####
    ومع كل هذا : فالرجل له فضل على طلبة العلم - كما أسلفت- بما أخرجه من نوادر المخطوطات المفيدة جدا ، ولولا الله تعالى ثم حلاق لبقيت رهينة المحبسين!!
    والحمد لله رب العالمين.

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المشاركات
    264

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
    شكرا لكم ... بارك الله فيكم ...
    على هذه المشاركات الطيبة ، لكن ما أود الإلماح إليه هو أن الشيخ محمد صبحي حلاق قد بذل مجهوداً طيباً في تحقيق تراث الإمام الشوكاني لكن هذا لا يمنع من وجود الخطأ والزلل الذي كتب على البشر وغن يسر الله لي سأنقل لكم بعض أخطائه في كتبه فقد تعقبه العديد من طلبة العلم في اليمن منهم الشيخ محمد العبادلي المقطري في كتابه " العلم الخفاق في سرقات محمد صبحي حلاق " وكذا الشيخ حسن بن نور المروعي في مقدمة طبعته لكتاب الدراري المضية شرح الدرر البهية وغيرهما لكن هذان هما من يحضراني الآن فقد أثبتا أن الشيخ محمد حلاق قد اخطئ اخطاءً علمية لاتغتفر لايقع فيها من مارس التحقيق لمدة 20 سنة وأثبتا سرقته لجهود غيره سواءً في التحقيق أو غيره وصاحب الدار أدرى بما فيها وأهل مكة أدرى بشعابها .

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: المحقق حلاق: عمر الشوكاني تجاوز الـ 150 سنة!

    * الإمام الشوكاني... والأخطاء الأربعون! *
    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
    كما سبق أن وَعَدت، ها هو ذا جزء من ملاحظاتي على تحقيق الشيخ حلاق لنيل الأوطار. وقد اخترت من تعقّباتي للتحقيق المذكور حيِّزاً محددا يبدأ من الصفحة 103 وينتهي عند الصفحة 137. ومجموع صفحات هذا القسم 34، لكنها بالطباعة العادية الخالية من حشو الحواشي لا تتجاوز الملزمة الواحدة. ووجود أكثر من 40 خطأ في أقل من ملزمة واحدة من نواقض التحقيق ومبطلاته...

    (1)
    * الصفحة (1/103)
    - في المتن: "(...) وحماها بحُماة صَفَّدوا بسلاسلِ أسانيدِهم الصادقةِ أعناقَ الكذابين، وكَفَاها بكُفاةٍ كفُّوا عنها أكُفَّ غير المتأهلِّين من الـمُنتابينَ (2) الـمُرتابين".
    _ في الهامش رقم 2: "نَتَبَ نتوباً: نَهَدَ ونَتَأَ. القاموس المحيط ص 174".

    وإلى هذا الهامش تعود بداية قصتي مع تحقيق الشيخ "محمد صبحي حلاق" لنيل الأوطار. وأصارحكم أنني عندما قرأت الهامش المذكور ذهلت، ودارت بي الأرض دورة كاملة فانقلب نهار إقبالي على الكتاب ليلا قاتما.. 16 مجلداً، ووعود استمرت لسنوات بتحقيق لا سابق له، وسعر يقارب الخيال... ثم ماذا؟ ثم تقع عيناي –أولَ ما تقعان– على هامش كهذا! 16 مجلداً تبخرت حينئذ، وذهبت هباء منثورا...
    لماذا؟ لأن الهامش يدل على أمرين اثنين:
    1_ أن المحقق لا يحسن استعمال المعاجم، لجهله بِرَدِّ الكلمات إلى جذورها. وهذه إعاقة فاحشة في دنيا التحقيق، لا تُرتَضى لطالب مبتدئ.
    2_ أن المحقق في شرحه لمبهَم الألفاظ، أو غريبها، لا يلتفت إلى السياق، ولا إلى تعدد معاني اللفظ الواحد. فقد واجه كلمة "المنتابين"، وأقنعته مداركه أنها كلمة صعبة تقتضي الشرح، ثم احتار في تحديد جذرها، ثم هداه عقله إلى أن الجذر هو "ن ت ب"، فسارع إلى "القاموس المحيط"، ووضع إصبعه على مادة "ن ت ب"، وراح يستنسخ...
    وأنت لو رددت لفظ "المنتابين" إلى مفرده، وتقيدت بشرح المحقق، لوجدت نفسك أمام "ناهد"، ولأصبحت جملة الشوكاني كالتالي: " وكفاها بكُفاةٍ كَفُّوا عنها أَكُفَّ غير المتأهلِّين من الناهدين (أو النواهد!) المرتابين". ولك أن تتخيل ذلك... ولو التزم المحقق قاعدته وشرح "المرتابين" بالرجوع إلى مادة "ر ت ب"، لأصبح لدينا "الناهدين (أو الناتئين) الراتبين". ولك بعدها أن تفهم الجملة كاملة! وحتى لو سلّمنا جدلاً بأن جذر "انتاب" هو "ن ت ب"، فإن الصواب كان يقتضي أن يقال "الناتبين" لا "المنتابين".
    والحمد لله أنه لم يتعرض بالشرح لكلمة "منتقى" –وهي جزء من عنوان الكتاب المشروح– لأن طريقة رجوعه إلى المعاجم كانت ستوصله حتماً إلى مادة "ن ت ق"! والحمد لله أنه لم يعد إلى "لسان العرب"، إذن لكان أورد قول الشاعر:
    أشْرَفَ ثَدْياها على التَّريبِ ... لم يَعْدُوَا التَّفْلِيكَ في النُّتُوبِ !!
    وبغض النظر عن ذلك، فإنه لمن الغريب حقّاً أن المحقق لم ينتبه إلى أن الشوكاني استعمل لفظة شقيقة للمنتابين في أول كتاب من النيل؛ حيث جاء في "باب جواز ذلك بين البنيان" من مجموع "أبواب أحكام التخلي": "قوله: (إذا أتيتم الغائطَ) هو الموضِعُ المطمَئنُّ من الأرضِ، كانوا ينتابونَه للحاجةِ" (1/335)! إذ لو انتبه لذلك، لسأل نفسه كيف يتلاءم الشرح الذي قدمه للمنتابين في أول صفحة من الكتاب مع دلالة الفعل "انتاب" في هذا الموضع.
    ولو تمهّل وعاد إلى مادة "ن و ب" لارتاح وأراحنا. ومعنى كلام الشوكاني واضح، لا يحتاج إلى شرح، وقد شرح أحد أوجهه في "باب غسل الجمعة" من "أبواب الأغسال المستحبة".
    =====
    (2)
    * الصفحة (1/104)
    _ "وشمَل من دلائل المسائلِ جملةً نافعةً تُفنى دون الظفر بها طِوالَ الأعمار" (1/104)
    ولست أدري لماذا بنى المضارع للمجهول ونصب "طوال"، وما الذي ألجأه إلى ذلك؟! والصواب: "تَفنى دون الظفر بها طوالُ الأعمار". وحتى لو اعتذرنا للمحقق، وتقبلنا الشكل الذي اختاره بكثير من التكلف والتعسف، مستأنسين بقول العرب: "لا أكلِّمه طَوالَ الدهر"، فإن الطاء من كلمة "طوال" مستعمَلةً بهذا المعنى تأتي مفتوحةً لا مكسورة؛ كما أن نائب الفاعل من قوله "تُفنى" بالبناء للمجهول يظل مجهولا، وإذا اعتبرته "جملةً" انقلب المعنى والتبس.

    وفي هذا المقام، لن أكرر ما أشرت إليه في "الأحكام التسعة"؛ لكنني أشير إلى أن مثل هذه الأخطاء يُتجاوَز عنها إذا لم تتكرَّر ولم تتكاثر، وحال التحقيق الذي نحن بصدد الحديث عنه غير ذلك. وستأتي الأمثلة. كما أشير إلى أن اعتناء بعض محققينا بتراثنا الشرعي والثقافي عموماً أقل بكثير من اعتناء بعض الصحف اليومية الغربية بلغة صحفييها. فلماذا نرضى الهوان للغتنا ونُساهم في تهشيم مبادئها، ونحن في عصر فشا فيه اللحن وانتشرت الأخطاء الشائعة، إلى درجة أن بعضهم أصبح يحاول فهم الأحاديث النبوية بلغة "آخر ساعة" و"الشرق الأوسط"؟!
    فالمحقق إمّا ألا يشكل النص، وإمّا أن يتدخّل بالشكل ويتحمّل المسؤولية كاملة.

    (يتبع...)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •