( عدد دور القرآن التي أُغلقت منذ العشر الأواخر من شهر رمضان لحد الآن 60 داراً )
أمانة عالة وشذوذ مجلس
الحمدلله ناصر عِباده المستضعفين ، وصلى الله وسلم على الصادق الأمين ، محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وأصحابه البررة الغر الميامين ، ومن اقتفى أثرهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين ، وبعد:
لقد فوجئ العاملون في حقل الدعوة إلى الله تعالي في العالم بالحملة الظالمة التي بدأها المجلس العلمي في المغرب على العالِم الرباني الشيخ الدكتور محمد بن عبد الرحمن المغراوي والتي كانت مقدمة لإغلاق مؤسساته التعليمية والدعوية حيث اتهموا فضيلته بالشذوذ والإنحراف في قوله بجواز تزويج الآباء بناتهم الغير البالغات بضوابط شرعية. والحقيقة المرة أن هذا الهجوم على الشيخ هو طعن في الشريعة وعدالتها ، باعتبار أن هذا الحكم ليس فتوى شاذة للشيخ ، وإنما هو حكم شرعي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة ، ولم يخالف فيه أحد من علماء مذاهب أهل السنة المعروفة بما فيهم المالكية التي يتبجح هذا المجلس بالانتماء إليهم ، والعجيب من أمر هذا المجلس أنه لم يقف عند حد الاعتراض على تزوبج غير البالغات ، وإنما تجاوز إلى منع زواج البالغات قبل سن الثامنة عشر ، وهذا مخالف للشرع القويم والمنطق السليم والفطرة الإنسانية ، ويفتح باب الفتنة بين الجنسين على مصراعيه ، حيث من المعلوم فطريا أن الشهوة تثور لدى الجنسين قبل هذا السن بسنوات طويلة ، وسد باب الزواج الشرعي قبل هذا السن للقادرين ماديا وجسديا يعني تمهيد الطريق للإنحراف السلوكي والأخلاقي. والذين سنوا هذا القانون في بلادهم من غير المسلمين يُدركون هذه الحقيقة ولكنهم لا يُمانعون من ارتكاب الفاحشة وممارسة الرذيلة بين الجنسين إذا كان بالتراضي ، بينما الإسلام يحرم ذلك ويجرم الفاعلين، ففي الصحيحين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) فعلق الزواج بالقدرة وليس بالسن . ومثل هذا الحكم الشرعي الثابت بنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة لا تمتلك أي جهة سياسية أو دينية حق العبث فيه وإجماعها على تغييره لا يكسبه أي شرعية عند الله تعالى، بل يدخل تحت قوله تعالى {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ } ، ويشمله قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ألا وإن كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ) رواه مسلم .
وإذا كانت مجتمعاتنا اليوم تعانى من انحراف بعض الآباء في تطبيق هذا الحكم الشرعي واستغلاله بطريقة خاطئة كتزويج صغيرات السن ممن بلغ من الكبر عتيا لأغراض مادية فإن من حق المحاكم الشرعية التدخل وحماية حقوق البنات وتأديب هؤلاء الآباء وفق الشريعة الإسلامية ، كما أن ارتفاع نسب الطلاق في العالم الإسلامي لا يرجع إلى تزويج البالغات دون سن الثامنة عشر ، وإنما إلى كثرة الفساد الأخلاقي الذي تروج له كثير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وشيوع الاختلاط المستهتر وانتشاره بين الجنسين في المؤسسات التعليمية والثقافية وأماكن العمل ، وقد رأينا في الأيام الماضية ما صنعته بعض المسلسلات التركية الهابطة التي عرضتها بعض الفضائيات العربية والتي تقوم على الإباحية المطلقة والترويج للفاحشة والرذيلة والتهوين من شأنها ، فكم أفسدت من نفوس وكم شتت من أسر وكم تسببت في حالات طلاق كثيرة من المحيط إلى الخليج. فإذا أراد القائمون على شؤون المسلمين الحد من التشتت الأسري والانهيار الخلقي فليبدأوا بإصلاح المؤسسات الإعلامية والثقافية والتربوية على ضوء الكتاب والسنة لتبدأ مسيرة الإصلاح الحقيقية في المجتمعات الإسلامية وليس بإغلاق المؤسسات والجمعيات الدعوية والتربوية الإيمانية وإفساح المجال لفلول الشيوعيين وشراذم العلمانية بالعبث بأحكام الشريعة الإسلامية والقفز فوق ثوابتها فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخلل والإضطراب. قال تعالى: { َأنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }، أما الشيخ المغراوي -حفظه الله- فما عهدناه إلا عالما ربانيا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ملتزما بهدي الكتاب معتصما بالسنة النبوية مقتفيا أثر سلف هذه الأمة من خير القرون ، ويستحق من المسلمين كل حب وتقدير واحترام ، قال تعالى: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } ، وقال عليه الصلاة والسلام: ( ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه ). وعلى المجلس العلمي أن يثوب إلى رشده ويتوب إلى ربه ويعلن إعتذاره الصريح عما بدر منه من اساءات اتجاه فضيلة الشيخ المغراوي.
ونتمنى أن تكون هذه المحنة حافزا لهذا العالم الجليل على مزيد من الصبر والثبات والصدع بالحق. وفي الختام لا يسعني إلا أن أدعوا الله تعالى أن يوفق حكام المسلمين للعمل بشريعته وإقامة العدل بين شعوبهم وأن يهدي علمائنا سواء السبيل ويثبتهم على الحق المبين. قال تعالى { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا }.
كتبه الشيخ أبو عبادة فواز جنيد
الخميس 10 شوال 1429
09 أكتوبر 2008
لاهاي - هولندا