بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إشكــال و جوابــــه ( حديث الفداء )

--------------------------------------------------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ، و الصلاة و السلام على نبينا محمد ، و على آله و صحبه ،و من تبعهم بإحسان ، أما بعد :
فقد أخرج الإمام أحمد في "المسند" 4/391، 402، 407، 408، 410، و مسلم في صحيحه ، كتاب : التوبة ، باب : سعة رحمةِ الله على المؤمنين ... ، رقم 2767 : عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله –صلى الله عليه و سلم - : " إذا كان يوم القيامة دَفَعَ الله – عز و جل- إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً ، فيقول : هذا فكاكك من النار " . و في لفظ : " لا يموت رجلٌ مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهودياً أو نصرانياً " . و في لفظ آخرَ : " يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ، و يضعها على اليهود و النصارى " .
و الفكاكُ – بالفتح و الكسر ، و الفتح أفصح و أشهر - هو الخلاص و الفداء .
و أخرج أحمد في "المسند" 4/408 : عن أبي موسى – رضي الله عنه - : أنَّ النبي –صلى الله عليه و سلم – قال : " إنَّ هذه الأمة مرحومة : جَعَل الله عذابها بينها ، فإذا كان يوم القيامة دُفع إلى كل امرئ منهم رجلٌ من أهل الأديان ، فيقال : هذا يكون فداءك من النار " .
و أخرج ابن ماجه في سننه ، كتاب : الزهد ، باب : صفة أمة محمد – صلى الله عليه و سلم - ، رقم 4292 : عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – نحوه .
أما كون اليهودي أو النصراني فداءً للمسلم من النار : فقال القاضي عياض في : " إكمال المعلم بفوائد مسلم " 8/271 : " ... معنى ذلك : أنَّ من استوجب النار لذنوبه من المؤمنين تفضل الله عليه برحمته ، و غفر له ذنوبه ، و عافاه من النار ، و أنَّ من لم يكن أهلاً للعقوبة فهو معافى منها ابتداءً لفضل الله ؛ فإنما يصلاها الأشقى – الذي كذَّب و تولى - ، فهم أهلها ، و عوَضُ هؤلاء الذين هم في النعيم .
فتسميتهم فكاكاً لذلك " . ا . هـ .
و ليس فيما ذَكر – رحمه الله - إيضاحٌ لكون الكافر فداءً للمسلم – كما قال الأبي في : " إكمال إكمال المعلم " 7/169- .
و الأقرب تفسير ذلك بحديث أبي هريرة – رضي الله عنه - أنَّ النبي – صلى الله عليه و سلم – قال : " ما منكم من رجل إلا له منـزلان : منـزل في الجنة ، و منـزل في النار ، فإن مات فدخل النار ورث أهل الجنة منـزله " ، قال : "فذلك قوله : " أولئك هم الوارثون " [المؤمنون: 10] أخرجه ابن ماجه في سننه ، أبواب الزهد ، باب : صفة الجنة ، رقم 4397 ، و صحح إسناده الحافظ ابن حجر في : " فتح الباري " 11/442، و الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ، رقم 2278 ، و حديثِ أبي هريرة – رضي الله عنه - : قال : قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم - : " لا يدخل أحد الجنة إلا أري مقعده من النار – لو أساء - ؛ ليزدد شكراً ، و لا يدخل النار أحد إلا أري مقعده من الجنة – لو أحسن - ؛ ليكون عليه حسرة " أخرجه أحمد في "المسند" 2/514 ، و البخاري في صحيحه ، كتاب : الرقاق ، باب : صفة الجنة و النار ، رقم 6341 .
و بيان ذلك أن يقال : "إن الله – تعالى - جعل للجنة أهلاً ، و للنار أهلاً ، و كل إنسان معرض لدخول الجنة ، و لدخول النار ، فإذا دخل المؤمن الجنة خلفه الكافر في النار ؛ لاستحقاقه ذلك بكفره ، فصار في معنى الفكاك للمؤمن" .
كذا قرره البيهقي في : " شعب الإيمان " 2/269-274، و النووي في : " شرح مسلم " 17/85، و الأبي في : " إكمال إكمال المعلم " 7/169، و السنوسي في : " مكمل إكمـال الإكمـال " 7/168، و القرطبي في : " المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " 7/201، و " التذكرة " ص 151، و المناوي في : " فيض القدير " 1/428 .
و قد علل البخاري هذا الحديث في : " التاريخ الكبير " 1/35، و قال : " ... الخبر عن النبي – صلى الله عليه و سلم - في الشفاعة ، و أنَّ قوماً يعذبون ثم يخرجون من النار : أكثر و أبْيَنُ " ا . هـ .
قال البيهقي في : " شعب الإيمان " 2/273 : " ... و حديث أبي بردة ابن أبي موسى عن أبيه عن النبي – صلى الله عليه و سلم - قد صح عند مسلم بن الحجاج و غيره ، - رحمهم الله - ، ...و وجهه ما ذكرناه ، و ذلك لا ينافي حديث الشفاعة ؛ فإنَّ حديث الفداء – و إن ورد مورد العموم في كل مؤمن - : فيحتمل أنْ يكون المراد به كل مؤمن قد صارت ذنوبه مكفَّرةً بما أصابه من البلايا في حياته...، و حديث الشفاعة يكون فيمن لم تصِرْ ذنوبه مكفَّرةً في حياته ، و يحتمل أنْ يكون هذا القول لهم في حديث الفداء بعد الشفاعة ، و الله أعلم " . ا . هـ .
و انظر : " فتح الباري " 11/405 .
و أما قولـه – صلى الله عليه و سلم - : " و يضعها على اليهود و النصارى " : فقال القرطبي في : " المفهم " 7/201 : " ... أي : أنه يضاعف عليهم عذاب ذنوبهم حتى يكون عذابهم بقدر جرمهم و جُرْم مذنبي المسلمين – لو أخذوا بذلك - ؛ و لـه – تعالى - أنْ يضاعف لمن يشاء العذاب ، و يخففه عن مَنْ يشاء ؛ بحكم إرادته العذاب و مشيئته ؛ إذ لا يسأل عما يفعل و هم يسألون " ا . هـ ، و هذا لا يصح ؛ إذ هو مبنيٌّ على نفي الحِكَم و الأسباب و العلل .
و الأظهر ما قاله النووي في : " شرح مسلم " 17/85 : " ... معناه : أن الله – تعالى - يغفر تلك الذنوب للمسلمين ، و يسقطها عنهم ، و يضع على اليهود و النصارى مثلها بكفرهم و ذنوبهم ، فيدخلهم النار بأعمالهم لا بذنوب المسلمين ، و لابد من هذا التأويل ؛ لقوله تعالى : " و لا تزر وازرة وزر أخرى " [الإسراء:15].
و قولـه : " و يضعها " مجاز ، و المراد : يضع عليهم مثلها بذنوبهم – كما ذكرناه - ، لكن لما أسقط – سبحانه و تعالى - عن المسلمين سيئاتهم ، و أبقى على الكفار سيئاتهم صاروا في معنى من حمِّل إثم الفريقين ؛ لكونهم حملوا الإثم الباقي – و هو إثمهم - " ا . هـ .
و الله ولي التوفيق.....

http://www.alagidah.com/vb/showthread.php?t=994