تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: سجع الكهان ,, للشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي - رحمه الله -

  1. #1

    افتراضي سجع الكهان ,, للشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي - رحمه الله -

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    سجع الكهان


    هذه فصول، إن لا تكنْ فيها روح الكاهن ففيها من الكاهن سجْعُه، و إن لا يَجُلْ في جوانبها صَدَى الكهانة ففيها من ذلك الصدى رَجْعه؛ فيها الزمزمة المفصحة، و التعمية المبصرة، و فيها التقريع و التبكيت، و فيها السخرية و التنكيت، و فيها الإشارة اللَّامحة، و فيها اللفظة الجامحة، و فيها العسل للأبرار، و ما أقلَّهم، و فيها اللسع للفجار، و ما أكثرَهم، فلعلها تهزُّ من أبناء العروبة جامدًا، أو تؤزُّ منهم خامدًا، فنجني شيئاً من ثمرة النية، و نغيِّر أواخر هذه الأسماء المبنيَّة.
    و في هذه الفصول من لبوس الألفاظ ما يَعُدُّه المتخلفون من كتابنا غريبًا، و ما غرابته في أذواقهم، إلا كغربة الأعلاق النفيسة في أسواقهم؛ و لو حفِظوه ووَعَوْا معانيه و أقروه في مواضعه من كلامهم، و أحسنوا إجراءه في ألسنتهم و أقلامهم - لأحيَوه فحيوا به، ولأصبح مأنوسًا لا غريبًا، و أصبحوا به من لغتهم قريبًا؛ و لكن أعياهم الإحسان، فعفّروا في وجوه الحسان، و عجزوا في جني الثمرة عن الهصْر، فرضُوا من اللغة بما يباع في " سوق العصر" (1)
    منشئ الفصول ********
    " نحن الكهان، أفراس رهان. منّا السابق المصلى، و منّا الآبق المولى. كنّا إرهاصًا للنبوة، و دليلًا للضعف إلى القوة، فلما جاء الحق، و حيص (2) الشق - اندحرنا و انجحرنا، فلما عادت الكسرويّة إلى شرائعها، و القيصريّة إلى ذرائعها، آن أن نعودَ إلى الإنذار، و نصرخ في وجوههم: حذارِ حذارِ، إن بطش الله لشديد،و إن الحرير قد يفلّ الحديد".
    كاهن قديم. ***********
    " الكاهن، لا يُدارى و لا يداهن، كلامه رمز، ليس فيه لمز. عاذ غيره بالتصريح فعاد بالتجريح؛ و لاذ هو بالكهانة، فأمِن المهانة. كان... فكان الزّاجرَ الرّادِع، للفاجر الخادع، و كان... فكان نذير السارق و المارق، و الخاتل و القاتل، و المحتال و المغتال، و القاذف و الحاذف، و المبتهر و المبتئر (3) . تجف قلوبهم إذا نوفروا إليه، و تجفّ لهَوَاتهم إذا وقفوا بين يديه، لاستتارهم بالعيب، و استهتارهم بالغيب، فلما جاء " محمد " بالحق فاء الناس إلى ضمائرهم، و حكموا هدَيه في سرائرهم، و ردُّوا الغيب إلى عالمه فاستراحوا؛ و لكنهم اليوم عادوا إلى الجاهليَّة، و تقلّبوا في أرحام حنظليّة و أصلاب باهليّة، فماذا نصنع ؟ أنتقدّم منذرين، أم نتأخّر معتذرين ؟ بل نُحي الاسم، و نُميت- كما أمات الإسلام- الرسم" .
    كاهن عصري. *************
    " كلام الكاهن ليس بالواهي و لا الواهن، كأنما وخزه الماء، أو لمستْه السماء، ففيه من الماء إيراق ، و فيه من السماء إشراق. شارف مكامنَ الغيوب و لَمَّا .... وورد معين العربية فورد جمًّا. عمر صحائف من ديوان العرب ، و كان من شعرهم كالكرب من القَرَب (4) ، بل كان هو الشعر في أول أدواره، و كان قارعَ باب البيان و فارعَ أسواره...اصطنع الكهان السجع ليروقوا السامع و يروعُوه، و ليسهل على الناس فيحفظوه و يَعُوه. و لهم في حوْك الكلام مقامات حِسان، أخذ منها ابن دريد و الهمذاني في تلك المقامات الحسان. سبقوا في السجع فما سبقتهم إلا الحمائم، و أخذوه طبعًا فما لحقهم فيه صنعًا إلا " بعض ذوي العمائم" . و ما عدا هذا من الأسجاع، فهي غُصص تتبَعُها أوجاع".
    كاهن أديب. ****************
    لا أقسم بذات الحفيف، و الجناح الخفيف، المشارفة في جوّها للكفيف(5) و بالسر المودع في التجاويف و التلافيف، و بالمغيرات صبحًا عليها التجَافيف، و المغيرين على الحق كالعاهر ابن العفيف (6) . و بالسابغات و السوابغ من الدروع و الجلابيب , و بالآخذين أمس من تلّ أبيب بالتلابيب ، و بالبحر و السفينة ، و الحبر و " الدفينة" (7) ، إن أبا الطيب المتنبي لمَن موالينا، و ممن تلقّى الكهانةَ عن أوالينا ، و إنه ما دُعي بالمتنبي (8) إلا لأنه كان شاعراً كاهناً، ليناقض النبي الذي لم يكن كاهنا و لا شاعراً ، و قد نُفِيا عن النبي مجتمعيْن، فثبتا في المتنبي مجتمعيْن، و إن كثيراً من شعره كهانةٌ ملتفِّعة بالشعر , يُوطّيها في جُمل، و يُغطيِّها بممدوح أو جَمَل ، و ستظهَر أخباؤها ، و تُعلم أنباؤها ... و إن قوله: وقعتْ على الأردنِّ منه بليّةٌ ، هو من الكهانة الكاهنة , ( بالحالة الراهنة) . قالوا أراد أسداً قانصًا ، و قلنا أراد رجلا ناقصًا. قالوا: أراد كلبًا ، روع قلْبًا، و مزَّق خِلبًا ، و أوسع المهج سلبًا، و قدم ضراغمة غُلبًا، أوطنها غابات غُلبًا و ذاد عنها أشاوس غُلْبا , قلنا : إنما أراد رجلا ركب صعباً ، و باع شعباً ، و عقَّ لؤيّاً و كعْباً، و سلك بنو أبيه شِعباً، و سلك وحده شِعبًا، و خذلهم في الجلى فملأ القلوب رعباً، و اشتفَّ صُبابة المال، فلم يدع لبائس حلسا و لا لبائسة قَعْباً.. لم يُرد أسداً خادراً ، و إنما أراد رجلا سادراً ، يظهر في زمن نحس، و يبيع ضفّتي الأردن بثمن بخس، و أين ليث عفَّره بدر بسوط، من شخص كفَّره صدْرٌ بنوط.
    أيتها البُحيرة (9) ، مالك في حيرة ؟ لقد شهدت لبدر بن عمّار بالفتوة، فهل تشهدين لأبي الطيب بالنبوة ؟ ... و حدّثي الولي يا ( ولية )، أيهما كان عليك بلية، ذاك الذي وردك زائراً ، أم هذا الذي وردك خائراً ؟ إنهما لا يستويان ، ذاك أسد غاب، رِزقُه في الناب ، و هذا حلف وِجار، رزقه على الجار ، ذاك يعيش على فرائسه ، و هذا يعيش على فضلات سائسه ، ذاك رمز إقدام ، و هذا موطئ أقدام، ذاك ورد الفرات زئيرُه ، و هذا جاوز الفراتَ تزويره ، ذاك مشغول البال بتربية الأشبال، و هذا مشغول ... بعُرْس الغول .
    أيها الصاعد في العقبة ، المجاحش عن خيط الرقبة ، البائع لجار السوء صقَبه ، لا يكن صوتُك الصيت ، و لو أحييت البحر الميت .
    أيها الخاذل للغزَّى (10) ، ما أنت لهاشم ... إنما أنت لعبد العزّى ، أغضبت سَراة الحيّ ، و أزعجت الميت منهم و الحيّ ، من لؤيِّ إلى أبي نُمَيّ . فويحَك ، أما تخاف أن تهلك ، يوم يقال: يا محمد إنه ليس من أهلك .
    كاهن الحي.
    ـــــــــــــــ ــــــــ
    • نشرت في العدد69 من جريدة ( البصائر) ، 28 فيفري سنة 1949
    1. سوق العصر عند العامة هو السوق الذي تُباع فيه الأشياء القديمة المستعملة ( الخردة و الأسقاط ).
    2. حيص خيط ، و منه المثل: أن دواء الشق أن يحاص.
    3. الابتهار ادعاء الفاجر الفجور كاذبا، و الابتئار ادعاؤه صادقا.
    4. حبل يشد في عراقي القربة.
    5. السماء لأنها مكفوفة.
    6. ابن العفيف التلمساني، له نزعات شاذة في الاعتقاد.
    7. طعام معروف عند اليهود.
    8. بدر بن عمار الذي قتل الأسد.
    9. المراد بحيرة طبرية.
    10. جمع غاز.

  2. #2

    افتراضي رد: سجع الكهان ,, للشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي - رحمه الله -

    سجع الكهان (2)
    أليّة بتربة الكواهن ، ما حازم في أمره كواهن .
    ويلٌ للعرب، من حبل قد اضطرب، و شرٍّ قد حلّ و لا أقول قد اقترب . قُسم الويْل، على العميم و الخُويل . فويل للعرب من ملوكهم ، وويل للعجم من سلوكهم ، وويل للروم من صعلوكهم ، جنتْ على الأصفر ناره ، و على الأبيض ديناره ، و على الأسود فدامته و اغتراره ، و على العربي ركْبُه البطيّ، و لسانه النبَطي.
    ما أكثر الملوك و أهونَ العنا ، و ما أكثر السيوف و أقلَّ الغَنا ، سيوف كالدراهم الزيوف ، هذه لا تُقني ، و تلك لا تُغني ، و نعيذ العروبة بالله من ملك لا يدفع، و سيفٍ لا يقطع. أحاجيكم ، و لا أناجيكم ، مملكة في أفحوص ، و عاصمة ليس لها ( فحوص) ، و دولة بلا صولة ، و خزينة من أصفار و خزانة بلا أسفار ، و كراسي بلا قوائم و عرش بلا دعائم... عرش كعش الحمامة ، عود من غرَب (1) و عود من ثُمامة .
    قد لصَّه (2) قعيده في هيعه *** و ناله بالبيع لا بالبيعه
    و سيوف مجرَّبة ، تخيّرن من يوم " تُرَبَة"، و جيش درّبه الغير، و جرّبه إلا في الخير، و بطانة مدّ بها الشيطان أشْطاتَه، و حاشية كالماشية، و أسماء بلا مسمَّيات، و مجازات لا حقائق لها، و ( مجازات ) كلها حقائق، و ملك يأتمر و لا يحجُ و لا يعتمر، يَحسُن فيه التمثيل بملك ( التمثيل ) . بكت الجلالة منه كما بكى الخز من روح (3)، و ضاق صدرها بسرّه و شرّه و من لها بالبوح ؟ عشِقها يافعاً، و التمس لوصلها شافعًا، فكان الشافعُ عدوّ وطنه و قومه، و ظالمُ أمسه و يومه، فأين يقع هذا من أرض الله ؟
    فإن عرفتموه فسلوه من ملكه، بعد ما لاكه و علَكه ، و في خرت الإبرة سلكه ؟ و من صيَّره غرابَ بين ، و جالب حَيْن ؟ و من أعجم تعريبه، و أحكم على الشر تدريبَه ؟
    أنشد ابن خلكان في القرن السادس هذا البيت :
    كسِنَّور عبد الله بيع درهم *** صغيرًا فلما شبَّ بيع بقيراط
    و قال : إنّ عبد الله هذا لم يعرف أحد من هو ؟ فمن لقي ابن خلكان فليخبره أنّ كاهن الحي عرف عبد الله صاحب السنور...
    أيها العربي: الحق سافر، و العدو كافر، و القوي ظافر، فعلام تنافر خصمك إلى خُنافر ؟(4) و يلك إن المنافرة لا تكون إلا في المشكوك، و إن الحق تحميه السيوف لا الصكوك، وويحك إن منافرة الكهنة إلى الكهنة ، بالخيبة مرتهنة، مجلس الأمن مخيف ، و الراضي بحكمه ووضعه ذو عقل سخيف ، إنهم ليسوا من شكلِك ، و إنهم متفقون على أكلك .
    كاهن الحي
    ـــــــــــــــ ـــ
    • نشرت في العدد 70 من جريدة ( البصائر ) 7 مارس سنة 1949
    1. الغرب و الثمام: عودان رخوان.
    2. لصه: سرقه، و منه اللص.
    3. روح بن زنباع المقول فيه: بكى الخز من روح و أنكر جسمه.
    4. خنافر بن التوأم الحميري ، كان كاهناً في حمير ، ثم أسلم على يد معاذ بن جبل، و أخباره مع صاحبه شصار مبسوطة في كتب الدب و كتب الرجال .

  3. #3

    افتراضي رد: سجع الكهان ,, للشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي - رحمه الله -

    سجع الكهان (3)
    أيها الأعارب، هل فيكم بقايا من حرب أو من محارب ؟ (1) دبّت بينكم العقارب، وأنتم أقارب، فتكدّرت المشارب، و تقوَّضت المضارب(2). و كهُمت المضارب (3). و غاب المسدِّد في الرأي و المقارب، و لم تُغنِ النذر و المثلات و التجارب، إن لدُهاة المغارب يداً خفيّة المسارب، قرأوكم سطورًا لا رجالاً، و عرفوكم بطاءً عن الجُلَّى لا عِجالاً، و حفظوكم شعراً بلا رويّ، و فكرًا بلا رويَّة فأخذوكم ارتجالاً، و خالوكم على البعد أعمالاً، فوجودكم على القرب أقوالاً، و حسبوكم عُمَدًا في التركيب الأمميّ فألفوكم مفاعيلَ و أحوالا، فأعربوكم إعراب الفَضَلات، و عاملوكم معاملة المهملات، وراضوكم على المهانة حتى ذل جانبكم،ووطِّئت مناكبكم، فأصبحوا لا يُبالون برضاكم لأنه لا ينفَع، و لا يأبَهُون لسخطكم لأنه لا يضرّ. إن الغضبة لا تعقُبها وثبة، هي غضبة الذليل العاجز، و لو افترَّت كلُّ بارقة منكم عن صاعقة، لما حمِد شائموها القَطر، إن غضبة العاجز لا تُبكي و لا تُنكي. تشتعِل في الحنايا و لا تهدم الحنايا، تحرق صاحبها و لا تُحرق الناس، و تلك هي غضبتكم حين تغضبون.
    إن للغرب فيكم مطايا ذللاً، و لرائده منكم أدلَّة أذلة، هم أصل البلاء و العلّة، قادكم بسلوك من الأمراء و الملوك، فقادوكم إلى الهاوية، فانزعوا المقادة , من هؤلاء القادة , تُفلحوا، و لن تُفلحوا و لن تصلحوا ما دام يلقاكم بوسيط واحد ، فتلقَوْنه بسبعة سفراء، و يلقاكم برأي جميع، فتلقونه بسبعة آراء، و يلقاكم بكتيبة ملمومة، فتلقونه بشراذمَ شتّى... و يتحداكم نذيُره بإنجيل واحد، فتعارضونه بيوحنّا و لوقا و متّى...
    لن تفلِحوا و لن تَصلحوا إلا إذا رجع أمركم إلى الشعب، و أجمع الشعب على رأي واحد، و اتفق الرأي على نظام واحد، و تمخّض النظام بدستور واحد، و ملك واحد، فإن قلتم: إن هذا عسير، فعيشوا عيشة الأسير, أو موتوا ميتة الحسير، شبر في الحياة و قبر في الممات.
    جاءتكم النُذُر تترى، و المعجزات شفعًا ووترًا، و قامت عليكم الحجّة من ثلاثين حجة، فتغافلتم أوّلاً، و تخاذلتم أخيرًا، و ضاعت العروبة بين التغافل و التخاذل.
    إن الفارق بين لفظَي العرب و الغرب نقطة، و فيها كل السر و فيها كل الشر.
    وقف الغرب بالباب فلم تتحرّكوا، ثم أنشب الظفر و الناب فلم تستدركوا، ثم دسّ أنفه في التراب فوجد رائحة الزيت، ثم طلب الوقوف بالأعتاب فوطّأتم له أكناف البيت.
    إن الزيت إدام، ازدحمت عليه الأقدام، فحرمه الجبان و حازه المقدام، و كان حظكم منه حظ الطبّاخ الصائم: زَهَماً في اليد و رائحة في الأنف؛ فيا أرض ابلعي زيتَكِ، و أَحْيِ ميتك، و إلا خرّب ( أبرهةُ) الغرب بيتَ الله و بيتَكِ.
    ألا إن الغرب جاهد في أن يلحق بلفظ السبع منكم حرفين فإذا هو ( سبعون )، و أن يزيد في عدد السبع من ملوككم فإذا هو سبعون.
    أيها العرب: ما أضيَعَ حكمة الأسلاف عندكم. لقد أبقوا لكم من وحي السماء و حكمة الحكماء، ما لا يُبليه التراب، و لا تُنسيه الأحقاب، و ما لو عملتم به لسدتم الكون أئمة، و قُدْتُم الكائنات بالأزِمّة، و لفللتم السيوف بالآراء، و دحضتم الآراء بالسيوف؛ و لكنكم أضعتم التراث بتشاكس الورّاث، و إذا كان الوارث غير همّام و لا حارث، غارت العين الفوّارة، و قحلت الأرض الغوّارة:
    ورثنا المجد عن آباء صدق *** أسأنا في ديارهم الصنيعا
    إذا البيتُ الرفيع تعاورتْه *** بُناة السوء أوشك أن يضيعا

    أيها العرب: أطعتم الكبراء فأضلُّوكم، و خضعتم للأمراء فأذلّوكم، حتى لِنتم للعاجم، و دِنْتم للأعاجم، و حتى ألقيتم بالمقاود، لمن سمّاهم أجدادُكم رقاب المزاود؛ فويحكم: أغنيٌّ و يقترض، و محجوج و يعترض ؟ عزّ الداء و غاب الآسي... لم يأسُ جراحَكم ألف " دكتور" فهل يأسوها " ديكتاتور" ؟...
    وضع الأجداد العقال للرجل فنقلتْه الأحفاد إلى الرأس، و عدلوا به من الأباعر إلى الناس، و ما بين النقل و النقل ، ضاع العقل... و التصريف للألفاظ كالتصرّف في الأموال فيه القصدُ و السرَف.
    كاهن الحن.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
    • نشرت في العدد 71 من جريدة " البصائر" 14 مارس سنة 1949
    1. حرب و محارب: قبيلتان من العرب.
    2. تقوّضت المضارب: المضارب الخيام.
    3. كهمت المضارب: كهمت كلت ،و المضرب: ما يُضرب به من السيف و المضارب جمعه.

  4. #4

    افتراضي رد: سجع الكهان ,, للشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي - رحمه الله -

    سجع الكهان (4)
    أخنى الزمن على اليمن *** أبدلها صــابًا بــمن ٍ(1)
    جيش الشقـا لها كـمـن *** مهـزولـة على السِّـمـن
    مغـصوبة بلا ثـمـن *** دستورها : لا تـفـهـمن
    لا تـقرأن لا تعـلَـمن *** سلْ سِيـفـها(2) أنت لمن؟
    سلْ سَيـفها بيد مـن ؟ *** أغْـرِبَـة عـلى دمـن
    لا نـاصر لا مـؤتـمن *** عُد للحـمى يا ابن اليـمن
    جُدْ بالدمـاء غيـر مَن *** إن لم تـذد عـنها فـمن ؟
    *******
    يا ذا جـدَن (3) أيْنَت (4) عـدن ؟ *** روح جنـتْ على البـدن
    فـهو الحـوا (5) و هي الـفدن *** شـر الـملا لـها سَـدَن
    قـرن البـلا فـيها شَدَن *** يا نـائـياً لا تـبـعدن
    يا وانـيًا لا تـقـعدن *** يا سـاهـياً لا تـرقـدن
    يا خـامـلاً لا تـزهـدن *** و لا تـغب بـل اشـهـدن
    و لا تُـدِن ما لم تَـدَن *** لا تـعتـصر في غير دن
    تـبـغي الهُدى على الهـدن (6 *** تـخـشى الـردى فـلـتخلدن
    ********
    يا بلاد الأذواء (7)، لا أقول : وُقيت الأسواء، و لا أقول : سُقيت الأنواء ، و لكن أقول : ثكلت الأبناء ، يا مطارح الأبناء (8)، فكل أدوائك من أبنائك ، و إذا كان الولد سخنة عين و مجلبة عزّ و شين ، فالثكل فيه نعمة لا رزية، و العقم به فضل و مزية .
    سموك السعيدة فشقيت بمن ولدت ، و ما سعدوا و لا سعدت , فأين أنت اليوم ممن كنت سعيدة بهم , و كانوا سعداء بك ؟ أين أنت من سعد العشيرة و حماة الأهل و الجيرة ؟ أين أنت من حِمْير و أشياعهم و تبّع و أتباعهم ؟ أين ؟ لا أين....
    أما ظفار ، فقد حالفت عهدها الإخفار ، و خالف ظلامها الإسفار. و أما حضرموت ، فقد ساورها الموت ، و جاورها الخسران و الفوت ، و حاورها النجيُّ فما سمع لها صوت ، و أما صنعا ، فما أحسن بنوها صنعاً ، قد أصبحتْ خرقاء، و عطلت من طوق الورقاء، و عقمت أن تتمخض عن ألمعيّة ( زرقاء)، ما حاكت في عبقريّ الأزمنة و لا وشتْ، و طار الناس فما حبتْ و لا مشت .
    انعكست الخصائص و غلبت النقائص، و أعوز الجوَّ الطائر حين أعوز البحر الغائص .
    *********
    أيها العامد إلى غامد (9)، و الدافع إلى يافع (10)، هلاّ وقفت بالأطلال ، من عبد كلال(11)، و هبطت التلاع، من ذي كلاع (12)، فهتفت بالرفات ، من الأموات ، علَّهم يسمعون فيهطعون ، قل- و خلاك ذَمّ – قد دُخلت الدار من جميع الأقطار، فهل من المقاول الصيد، حارس بالوصيد، إن الصائد قيد صيد، و إن الشاعر قد أخلى(13)، فلا بديع في البيت و لا بيت في القصيد .
    كذب الرعد ، و أخلف الوعد ، و أورد الإبلَ سعد ، فضاع ( قبل ) و لم يُحفظ ( بعد) . فكأنّ امرؤ القيس أورى زندَه ، و استعرض مستقبل بني أبيه من كندة ، فقال : ودع عنك نهباً صيحَ في حجراته، و ها هي ذي مواطن قومه نهب مقسَّم، و قد كذبت المخايل مَن توسّم .
    سل سبأ ، هل جاءها النبأ ، و قل صدق المثل (14) فيك مرتين ، و أعاد التاريخ نفسه كرتين ، لقد سار أعقابكم في الزمن الحثيث سيرةً وانية ، فبادروا في الجيل الحديث بيدَةً ثانية .
    نادِ-مُسمِعاً- في الجمع الراشد ، من بكيل و حاشد (15)، فإن أصاخوا إصاخة الناشد، فقل : دهمكم السيل , فلكم الويل، هذه آثار أسلافكم مجفوّة و هذه قدورهم الراسيات مكفوّة، و هذه الرقاع , من البقاع , غير مُلْتامة و لا مرفُوَّة ، طمست السوافي ، ما خلّدت القوافي، و هفت الهوافي , بالقوادم و الخوافي، و فرَست العوافي (16) ما نامت عنه العيون الغوافي (17)، ماتت الأذواء و عاشت الأذواد، و ذهبت الأقيال ( 18) و بقيت الأقياد .
    إن الزمان الذي جرَّ إلى جُرْهُم، و خثا على خثعم ، قبل أن يأتيهم بنذير ، أو يبلوهم بتحذير، قد جاءهم من الغرّة بعذير : أما اليمانُون فلهم من الإسلام محجّة ، و عليهم من زمانهم ألف حجّة ، فهم كثمود ، حين لاح لهم من البرهان عمود ، فضلّوا، أو كقوم هُود ، حين أخذت عليهم العهود ، فزلّوا .
    كاهن الحي
    ـــــــــــــــ ــ
    • نشرت في العدد 72 من جريدة ( البصائر) 21 مارس سنة 1949.
    1. الصاب: مر، و المن قرين السلوى في القرآن.
    2. سِيف البحر بكسر السين ساحله، و السيف الثاني واحد السيوف و هو معروف.
    3. ذو جدن من أذواء اليمن.
    4. أينت: لغة فصيحة في أين الاستفهامية.
    5. الحواء: أبيات حقيرةـ و الفدن: القصر.
    6. الهدن : جمع هدنة، و حياة الهدنة مضلة.
    7. الأذواء: أمراء اليمن في القديم ، جمع ذو .
    8. الأبناء: طائفة من الفرس استوطنوا اليمن.
    9. غامد: قبيلة يمنية.
    10. يافع: كذلك، ثم أطلق على موطن باليمن.
    11. عبد كلال: أبو قبيلة يمنية.
    12. ذو كلاع: من أذواء اليمن.
    13. أخلى الشاعر إذا كان شعره ليس فيه معنى جيد.
    14. المثل هو: تفرّقوا أيدي سبا.
    15. بكيل و حاشد: قبيلتان باليمن ما زال اسمهما محفوظا.
    16. عوافي الطير و السباع هي المفترسات منها.
    17. الغوافي: النائمة.
    18. الأقيال: الملوك من عرف اليمن القديم.

  5. #5

    افتراضي رد: سجع الكهان ,, للشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي - رحمه الله -

    سجع الكهان (5)
    و العتاق الضمر، و العقبان و الحمَّر(1)، و الهامة و دُمرَّ(2)، و الزامر إذا زمّر، و الخادع و ما دمّر، و العامر إذا عمّر،و الشمّري إذا شمّر، و من حبس الجيوش جمَّر، و من دخل ظَفار فحمَّر(3)، إن للظماء مآرب , في ماء مارب(4)، إنها تلوب , على مطلوب، كوَّنه الحيا , فكوّن به الحياة ، فلا تجد إلا السراب و الخراب و الغراب .
    يا عاد، أودى دَرِم (5)، فما عاد، و يا سبأ، هل كنت من سيل العرم على مِيعاد ؟ أغنى أسلافك عن ماء مأرب ، ماء يثرب ، و بردَّ أحشاءهم ماءُ برَدَى ، و اتخذ أبناء قَيْلَة في ظلال النخيل مَقيلا، و اتخذت غسَّان منه (6) إلى جنان الشام سبيلا، فماذا أغنى أخلافك اليوم ؟ إنهم عُراة ، بالسَّراة ، و ظماء بلا ماء ، و رعية لراعٍ غير ترعية (7)، حطّمهم رعاة البر ، فأصبحوا خوَلاً لرعاة البحر ، حفَّ مارب و روافده ، فخرب اليمن و محافده .
    يا أخلاف لم يسبق مخلاف ، بنيتم السد , و أحكمتم للثغور السد، و أحسنتم لأواخي الأخوّة الشدّ، و جددتم للأبناء ما بناه الجدّ . هلا وجهتم العناية , إلى هذه الآية . ( لقد كان لسبأفي مساكنهم آية ؟ إنها-و أبيكم- عبرة العبر، في وصْل المبتدأ بالخبر، أين الجنتان عن يمين و شمال ؟ و أين البلدة الطيبة ؟ إنها اليوم رمال , و أين القرى الظاهرة , و العمارة المتكاثرة ؟ إنها اليوم قفار، و أين تقدير السير بالأميال ، لتيسير الاتصال ؟ إنها اليومَ مجاهل , يضلّ فيها القطا ، و يقطع فيها من المطايا المطا (8). أجدبت الخمط و الأثل ، فضلا عن الكرم و النخل .
    أعرض أسلافكم عن هدى الله فباعد بين أسفارهم ، و جعلهم أحاديث ، و مزقهم كل ممزق . و أعرضتم عن سنن الله فباعد بين قلوبكم ، و كنتم أهون عليه من أن يُسَيَّر فيكم حديث ، أو يسطَّر في شأنكم قصص ، أولئك أخذوا على قوّة ، فالأحاديث عنها تملأ المسامع ، و تهز المجامع ، و أنتم أخذتم على ضعف و انحلال ، فالحديث عنكم لا يُثير عزة ، و لا ينير السبيل إلى قدوة .
    لو بذل الكُهَّان ، ما عزّ و ما هان ، في أن يأتوا بمثل قوله : ( فجعلناهم أحاديث ) لما حصّلوا ، و لو رقوا إلى سماء البلاغة بسلّم و كان فيهم العض (9) و الملهَم و المكلم ، لما وصلوا ؛ جلّ كلام الله ، و قلّ كلام الكاهن .
    **************
    يا أسلاف ، ورّثتم الحكمة و سيّرتم الأمثال و الفِقَر، و عمرتم من التاريخ صحائف بالمحامد ، و شغلتم القرون بالحديث عنكم ، و شدتم الباقيات للحضارة ، و زيّنتم الحياة بالقوة و البأس الشديد ، و سبقتم العالم إلى موارد العزة في الدنيا ، ووفقتم في نصف هذه الكرة تحكمون و تتحكّمون ، و تصلون شرقَها بغربها و تقسمون ، فبدتم و ما بادت آثاركم و لا أخباركم .
    و يا أخلاف ، ماذا صنعتم ؟ و بماذا اقتنعتم ؟ هذه آثار سلفكم، عرف الغريب مواقعها ، و جهلتم مواضعها ، فهل النسب مدخول ؟ أو الانتساب غير منخول ؟ و يلكم ! إن الألوان , على الدلالة أعوان ، سوّد بنو العباس لسؤددهم ، و بيّض العلويون لطهارتهم ، و خضّر العبيديون لدعواهم و دِعايتهم ، و زرّقتم (10) ... لماذا ؟ .....
    كاهن الحي.
    ـــــــــــــــ
    • نشرت في العدد 74 من جريدة " البصائر" 4 أفريل سنة 1949
    1. نوع من الطير.
    2. منتزهان بظاهر دمشق.
    3. صار حميريا ، و هو مثل.
    4. مأرب: سد أثري في اليمن ، و قصته في القرآن.
    5. مثل، و درم رجل في عاد غاب و لم يرجع، و أودى هلك.
    6. الضمير إلى غسان ، لأنه في الأصل اسم ماء نزلوا عليه.
    7. الترعية، بالكسر و التخفيف: الذي يحسن الرعي.
    8. المطا: المظهر.
    9. العض: العالم الخبير، و العضام زيد بن الكيس و دغفل أعلما العرب بالنسب.
    10. لبستم الزرقة، و بدو اليمن يعشقون هذا اللون.

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    151

    افتراضي رد: سجع الكهان ,, للشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي - رحمه الله -

    ما هذا - هداك الله - ؟؟!!

    الم يجد كاتب هذه السطور من يتشبه بهم غير الكهان ؟؟!!

    ألم تكن له في أساليب الأدب و طرقه - و ما أكثرها - مندوحة عن هذا الفعل ؟؟!!

  7. #7

    افتراضي رد: سجع الكهان ,, للشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي - رحمه الله -

    سجع الكهان ( 6)
    أقسم بالذيب الأطلس ، و الثعبان الأملس ، إن المتجرَ بالأحرار لَمُفلِّس ، و إن العاقل بين الأشرار لَمُبلس ، و إن العربيَّ لزنيم إذا بقي في المجلس (1) ، ذهب العز الأقعس ، و حلّ الجد الأتعس ، و نزل من غِيَر الزمان ما أنسى النسيب في الكثيب الأوعس ، و التشبيب بالثغر الألعس .
    أيها الهائمون في البيد ، النائمون على الذل المبيد ، الراضون بعيشة العبيد , على البرير و الهبيد (2) لن تزالوا كذلك أبد الأبيد ، لا عمر لُبَدِ أو لبِيد ، حتى تعملوا بقول الشاعر : و مَن ، و مَن ، فهو دين كل زمن (3).
    كتب الله أن الصداقة مطويّة على العداوة ، و أن الحضارة متصلة الطرفين بالبداوة ، و أن في الإنسان جبلة من الحيوان ، مازال في النزوع إلى أصلها غيرَ وان ، و أن الضعيف طعام للقوي ، و أن الرشيد في أبناء آدم مجرور بالغوي ، و أن من لم تُبسط يدك لتقتله بسط يده لقَتْلك ، و أن من قصرت في ختله جدّ في ختلك .
    ****************
    ثارٌ للغرب في فلسطين ، لم تنبُت عليه شجرة من يقطين ، و شياطين تنزو للإغراء إثر شياطين ، و يوم في أعناقكم بيوم حطّين ، تنسيه غريزة الماء و الطين ، فتذكره نُعرة الجنس و الدين ، أنسيتم يوم تنادوا مُصْبِحين ، و تعادوا مسلّحين ، و تداعوا مصطلحين ، و تعاووا من كل حدب ، و تهاووا من كل صبب ، ذؤبان , تقدمها رهبان ، و غِربان تظلِّلها صلبان ، بنفوس من الحقد ثائرة ، و قلوب بالبغضاء فائرة , تنازعكم إرث الإسلام ، و معراج نبي السلام ؟ أنسيتم ما فعله صلاح الدين ؟ بالمعتدين ؟ إن نسيتم أمسكم فهم له ذاكرون ، و إن كفرتم بيومكم فهم له شاكرون , أين كنتم يوم أعطوا العهود لليهود ؟ أم أين كنتم يوم جاءوكم بالفهود في المهود ؟ أم أين كنتم يوم آمنوا بإسحاقَ و كفروا بهود ؟كلّ ذلك وقع و أنتم شهود ، و لكنهم كانوا أيقاظا و أنتم رقود ، أمعنوا في الاستعداد و أمعنتم في الرُّقاد ، اعتمدوا على العلم و ( الريال ) و اعتمدتم على الجهل و الخيال ، جاؤوكم بصف واحد كملمومة الصخر ، و جئتموهم بصفوف متخاذلة ، جاءُوكم على قلب رجل واحد ، و جئتموهم بقلوب متنافرة ، قادَهم إلى الظفر قائد واحد و رأيٌ جميع ، و قادكم إلى العار قوّاد متشاكسون و رأيٌ شتيت ، ما أضاع السيادة إلا توزيع القيادة ، اجتمعوا و افترقتم ، فسَلِموا و احترقتم .
    تالله ما ضاعت فلسطين اليوم ، و لكنها ضاعت يوم وُعدوا بها ، فركنوا إلى العمل، و ركنتم إلى الكلام ، بل ضاعت قبل ذلك بقرون ، منذ نبت قرن صهيون ، فتماريتم بالنذر ، و لم تأخذوا الحذَر .
    لا تقولوا إن شرّ دين ، ما جرّ التشريد للمتشرّدين ، فإن شرًّا منه عقلكم الذي جرّ العار للعرب أجمعين ، و كرّ بالخزي على جميع المسلمين .
    ***********************
    جاء النصر , من مصر ، فلماذا تخلَّفت البصرة عن النصرة ؟ قلب وجَف , بالنَجف ، بعد ما رقأ الدمُ و جفّ ، و آخَرُ خفق بالمنتفق ، بعد مغيب الشفق , و افتراق الرّفق ، ما أغنى الخفوق من قلب الشَّقوق ، و ما أجدى الوجيف , بعد ما سدَّ الباب و أجيف (4).
    أيها العرب: بعضكم أبرار ، و جلكم أشرار ، و كلكم أغرار ...
    كاهن الحي .
    ـــــــــــــــ ــ
    • نشرت في العدد 75 من جريدة " البصائر" ، 11 أفريل سنة 1949.
    1. مجلس الأمم المتحدة على الباطل.
    2. البرير: ثمر الأراك، و الهبيد: حب الحنظل.
    3. إشارة إلى قول زهير في معلقته: و من لم يذد عن حوضه بسلاحه... الأبيات.
    4. أجيف الباب: أغلق مصراعاه.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •