فوائد ونوادر وملح من كتاب " تهذيب الأسماء واللغات " للإمام النووي
(1/2)
المجلس الأول :
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..... أما بعد :
ومما لا شك فيه أن من العلماء الأعلام الإمام محي الدين أبي زكريا النووي ، الذي سمعته شرقت وغربت ، وبعدت وقربت .
قال السيوطي : أثنى عليه الموافق والمخالف وقبل كلامه النائي والآلف وشاع ثناؤه الحسن بين المذاهب . ونشرت له راية مجد تخفق في المشارق والمغارب من سلك منهاجه أيقن بروضة قطوفها دانية ، ومن تتبع آثاره فهو مع الصالحين في رياض عيونها جارية ، ومن لزم أذكاره ومهذب أخلاقه فالخير فيه مجموع ، ومن أستقى من بحره ظفر بأروى وأصفى ينبوع فيه ثبت الله أركان المذهب والقواعد وبين معمات الشرع والمقاصد فطابت منه المصادر والموارد وعذبت مناهله للصادر والوارد .
فهذا العَلم رزقت مصنفاته القبول بين أوساط الناس قرناً بعد قرن عالمهم وعامهم حتى طالت بكتبه الركبان . فهو إما نهب مدى الآفاق ذكره وحلو اسمه وذكر تصنيفه وعلمه .
مَنْ منا لا يعرف كتابه " رياض الصالحين " الذي قل إمام من أئمة المساجد في مشارق الأرض ومغاربها إلا وقد قرأه على المصلين ، حتى أنه ذُكر عن فضيلة الشيخ محمد العثيمين ـ رحمه الله ـ أنه تمنى أن يكون له كتاب مثل هذا الكتاب من حيث القبول والنفع .
وما ذاك إلا لحسن نية النووي وصدقه .
ومن كتبه الفذة التي جمعت بين الأصالة والتحقيق ، والجودة والابتكار ، وبين الاختصار والإلمام ، وجمعت طارف كل فضل وتليده ، مما يدل على تبحره في علوم شتى بدأ بعلم الحديث ورجالته ، وانتهاء بعلم الفقه وأصوله مروراً بعلم اللغة ومشتقاته .
وليس على الله بمستنكر أن يجمع العلم في واحد
وهذا المصنف التي سوف نبحر بين طياته للنهل من علمه مما فتح الله عليه ، هو " تهذيب الأسماء واللغات ".
فقد سطر فيه من ملح ونكت ، ونوادر علوم شتى : علم اللغة والتراجم والأنساب ، وغيرها .
فعند تسطيره لترجمة أحد الأعلام يعطيك الخلاصة وزبد في الترجمة ، وما للراوي من رواية ، وفضل ، وقل ترجمة إلا ويعطيك نادرة من نوادر العلم وملحه مما يتعلق بصاحب الترجمة ، فهو مصنف جمع فوائد ونوادر وملح عزيزة يصعب عليك أن تجدها في مظانها ، فأهيب كل طالب علم ، ومحبي القراءة إلى قراء هذا المصنف " تهذيب الأسماء واللغات ". وهذا ما سوف نراه قيمة هذا الكتاب في هذا الجمع المتواضع الذي بين يديك .
ومن خلال قراءة هذا الكتاب تحصل من خلال التقيد والتسجيل فوائد وشوارد ونوادر أحببت جمعها في موضع واحد ليسهل الرجوع إليها ، والنظر فيها بين الفينة والأخرى .
وقبل الشروع في ذكر هذه الفوائد والنوادر والملح نشرع بذكر مقدمات لها تعلق بهذا المصنف الجليل .
• موضوع هذا الكتاب (1/3):
فهو كتاب يبحث في الألفاظ ، والمباحث اللغوية ، وتراجم الأعلام ، الموجودة في " مختصر " أبي إبراهيم المزني و" المهذب " و" التنبيه " و" الوسيط " و" الوجيز" و" الروضة " وهو الكتاب الذي اختصره من شرح الوجيز للإمام أبي القاسم الرافعي رحمه الله .
• منهج النووي في هذا الكتاب :
رتب الكتاب على قسمين (1/4):
القسم الأول : في الأسماء ، وقسمه إلى ضربين : الضرب الأول في الذكور ، وفيه ثمانية أبواب .
وأما الضرب الثاني في الإناث . وفيه سبعة أبواب . ورتب الجميع على حروف المعجم .
القسم الثاني :
في اللغات ورتب ذلك على حروف المعجم .
و عند ترجمته للعلم يذكر موضعه في الكتب الستة الأنفة الذكر ، ويذكر كم له من حديث إن كان ثمة له رواية ، وكم له في الصحيحين .
وإلى الشروع في ذكر الفوائد والشوارد والنوادر والملح مستعيناً في ذلك على الله  :
• فائدة التسهيل حال التصنيف (1/5) :
قال : فأردت التسهيل في هذا المصنف ؛ فإن خير المصنفات ما سهلت منفعته ، وتمكن منها كل أحد .
• فصل في معرفة أسماء الرجال (1/10) :
قال : اعلم أن لمعرفة أسماء الرجال وأحوالهم وأقوالهم ومراتبهم فوائد كثيرة :
منها : معرفة مناقبهم وأحوالهم فيتأدب بآدابهم ، ويقتبس المحاسن من آثارهم .
ومنها : مراتبهم وأعصارهم فينزلون منازلهم ، ولا يقصر بالعالي في الجلالة عن درجته ولا يرفع غيره عن مرتبته ، وقد قال الله تعالى : ( وفوق كل ذي علم عليم ) " يوسف: 76 " .
ومنها : أنهم أئمتنا وأسلافنا كالوالدين لنا . وأجدى علينا في مصالح آخرتنا التي هي دار قرارنا وانصح
لنا فيما هو أعود علينا فيقبح بنا أن نجهلهم وأن نهمل معرفتهم .
ومنها : أن يكون العلم والترجيح بقول أعلمهم وأورعهم إذا تعارضت أقوالهم .
ومنها : بيان مصنفاتهم ، وما لها من الجلالة وعدمها والتنبيه على مراتبها ، وفي ذلك إرشاد للطالب إلى تحصيلها وتعريف له بما يعتمده منها وتحذيره مما يخاف من الاغترار به وغير ذلك .
• فوائد في الألقاب (1/12) :
يحرم تلقيب الإنسان بما يكرهه سواء كان صفة له كالأعمش ، وسواء كان صفة لأبيه أو أمه أو غير ذلك مما يكرهه . واتفقت العلماء على جواز ذكره بذلك على سبيل التعريف لمن لا يعرفه إلا بذلك فكثير من أئمة وعلماء مشهورون بهذه الألقاب في كتب الحديث وغيرها ولا يعرفهم أكثر الناس إلا بالألقاب .
• فائدة في علم الأنساب (1/13) :
عادة الأئمة الحذاق المصنفين في الأسماء والأنساب أن ينسبوا الرجل النسب العام ، ثم الخاص ليحصل في الثاني فائدة لم تكن في الأول ، فيقولون : مثلاً فلان بن فلان القريشي الهاشمي ؛ لأنه لا يلزم من كونه قرشياً كونه هاشمياَ ، ولا يعكسون فيقولون : الهاشمي القرشي فإنه لا فائدة في الثاني حينئذ فإنه يلزم من كونه هاشمياً كونه قرشياً .
فإن قيل : فينبغي ألا يذكروا القريشي بل يقتصروا على الهاشمي :
فالجواب : أنه يخفى على بعض الناس كون الهاشمي قرشياً ، ويظهر هذا الخفاء في البطون الخفية كالأشهل من الأنصار ، فيقال : الأنصاري الأشهلي ، ولو اقتصروا على الأشهلي لم يعرف كثير من الناس أن الأشهلي من الأنصار أم لا ؟ وكذا ما أشبهه ، فذكروا العام ثم الخاص لدفع هذا الوهم وقد يقتصرون على الخاص وقد يقتصرون على العام وهذا قليل ثم إنهم قد ينسبون إلى البلد بعد القبيلة فيقولون : القريشي المكي أو المدني وإذا كان له نسب إلى بلدين بأن يستوطن أحدهما ثم الآخر نسبوه غالبا إليهما وقد يقتصرون على أحدها وإذا نسبوه إليهما قدموا الأول فقالوا : المكي الدمشقي والأحسن المكي ثم الدمشقي .
• تعريب الصحابي (1/14) :
حد الصحابي في ذلك مذهبان ، أصحهما وهو مذهب البخاري وسائر المحدثين ، وجماعة من الفقهاء وغيرهم أنه كل مسلم رأى النبي  ولو ساعة وإن لم يجالسه ويخالطه .
• بداية التاريخ الهجري (1/20) :
ابتدأ التاريخ في الإسلام من هجرة رسول الله  من مكة إلى المدينة ، وهذا مجمع عليه وأول من أرخ بالهجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة سبع عشرة من الهجرة .
• مكانة العلماء وعدالتهم (1/ 21) :
قال في الحديث " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".
وهذا إخبار منه - صلى الله عليه وسلم - بصيانة العلم وحفظه وعدالة ناقليه ، وأن الله تعالى يوفق له في كل عصر خلفاء من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف وما بعده فلا يضيع ، وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر، وهكذا وقع ولله الحمد ، وهذا من أعلام النبوة ، ولا يضر مع هذا كون بعض الفساق يعرف شيئًا من العلم ، فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أن غيرهم لا يعرف شيئًا منه ، والله أعلم.
• درجة الصلة بين الشيخ وتلميذه ، وفضل الشيخ على التلميذ (1/22) :
قال : من المطلوبات المهمات ، والنفائس الجليلات ، التي ينبغي للمتفقه والفقيه معرفتها ، وتقبح به جهالتها ، فإن شيوخه في العلم آباء في الدين ، وصلة بينه وبين رب العالمين ، وكيف لا يقبح جهل الإنسان والوصلة بينه وبين ربه الكريم الوهاب ، مع أنه مأمور بالدعاء لهم ، وبرهم ، وذكر مآثرهم ، والثناء عليهم ، وشكرهم .
• فضل قبيلة قريش (1/44) :
تظاهرت الأحاديث الصحيحة في فضل قريش وانعقد الإجماع على تفضيلهم على جميع قبائل العرب وغيرهم ، وفي الصحيحين عن رسول الله  قال ( الأئمة من قريش ) ، وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله  قال ( الناس تبع لقريش في الخير والشر ) .
• فائدة في قبيلة جديلة (1/164) :
قال تحت ترجمة الحسين بن حريث الجدلي ، قال العلماء في العرب ثلاث قبائل تسمى كل واحدة جديلة :
إحداها من أسد وهو عبد القيس بن أفصى بالفاء والصاد المهملة ابن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة.
والثانية : من طيء وهو جديلة بن سبيع بضم السين ابن عمرو.
والثالثة : جديلة بن قيس عيلان بالعين المهملة ، وقد ذكر هذه الثالثة أئمة الأنساب أبو عبيدة معمر وابن حبيب والزبير بن بكار ، ونقله من الأئمة الحفاظ المتقدمين والمتأخرين أبو نصر بن ماكولا وهذا الحسين بن الحارث منسوب إلى هذه الثالثة .
• نادرة فيمن ترك الترجيع في الأذان (1/165) :
نقل الإمام أحمد البيهقي عن الشافعي قولاً : أنه إذا ترك الترجيع في الأذان لا يصح أذانه ، قال : هذا القول الغريب ، والمذهب الصحيح أن الأذان لا يبطل بتركه ، ولكن يتأكد المحافظة عليه وقد أوضحته بدلائله في شرح المهذب .
• تحديد الأسماء المطلقة في بعض الكتب (1/165) :
قال : واعلم أنه متى أطلق القاضي في كتب متأخري الخراسانيين كالنهاية والتتمة والتهذيب وكتب الغزالي ونحوها فالمراد القاضي حسين ، ومتى أطلق القاضي في كتب متوسط العراقيين فالمراد القاضي أبو الباقلاني الإمام المالكي في الفروع ، ومتى أطلق في كتب المعتزلة ، أو كتب أصحابنا الأصوليين حكاية عن المعتزلة فالمراد به القاضي الجبائي .
• الوحيد الذي ولد داخل الكعبة (1/166) :
قال عن حكيم بن حزام ، قالوا : ولد حكيم في جوف الكعبة ، ولا يعرف أحد ولد فيها غيره .
وأما ما روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولد فيها فضعيف عند العلماء .
وعاش حكيم ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام ، ولا يشاركه في هذا أحدا إلا حسان بن ثابت.
* بيت من الشعر يجمع الفقهاء السبعة (1/172) :
ألا كل من لا يقتدى بأئمة فقسمته
ضيزى عن الحق خارجة

فخذهم عبيد الله عروة قاسم
سعيدا أبو بكر سليمان خارجة
فهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، وخارجه بن زيد ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث .
• إبطال نسبة كتاب " العين " للخليل أحمد (1/178) :
وصنف كتباً ، وبعض العلماء ينسبون كتاب " العين " إليه ، وبعضهم ينكر ذلك ويقول : كانت مقطعات جمعها الليث بن المظفر بن نصر بن يسار صاحب الخليل وزاد فيها ونقص ونسبها إلى الخليل وهو بريء منها ، واتفقوا على كثرة الأغاليط في كتاب " العين " وكثيرا مما ينقل الأزهري في " تهذيب اللغة " عن العين من الأغاليط ، ويقول : هذا من عدد الليث وسأذكر جملاً من ذلك في قسم اللغات إن شاء الله تعالى .
وقال : قال أهل التواريخ والأنساب : لم يسم أحد بعد نبينا  أحمد قبل أبي الخليل هذا
، واعلم أن في العلماء والرواة ستة يسمى كل واحد منهم الخليل بن أحمد ، أولهم عبد الرحمن هذا وكان الخليل زاهدا متقللاً من الدنيا منقطعا إلى العلم .