بسم الله الرحمن الرحيم ،
أورد الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - هذه الرواية في قضية قتل زوجة المختار ردّة .
قال - رحمه الله - في [مختصر السيرة : 43]:
يبدو أن الشيخ - رحمه الله - لم يطابق ما رواه في كتابه مع كتب التاريخ ليضبط هذه الرواية ، فرواها بما استذكره من معناها .وهي قصة المختار بن أبي عبيد الثقفي ، وهو رجل من التابعين. مصاهر لعبد الله بن عمر - رضي الله عنه وعن أبيه - مظهر للصلاح. فظهر في العراق يطلب بدم الحسين وأهل بيته ، فقتل ابن زياد ، ومال إليه من مال ، لطلبه دم أهل البيت ممن ظلمهم ابن زياد ، فاستولوا على العراق ، وأظهر شرائع الإسلام ، ونصب القضاة والأئمة من أصحاب ابن مسعود - رضي الله عنه - . وكان هو الذي يصلي بالناس الجمعة والجماعة ، لكن في آخر أمره : زعم أنه يوحى إليه ، فسير إليه عبد الله بن الزبير جيشاً ، فهزموا جيشه وقتلوه ، وأمير الجيش مصعب بن الزبير ، وتحته امرأة أبوها أحد الصحابة ، فدعاها مصعب إلى تكفيره فأبت ، فكتب إلى أخيه عبد الله يستفتيه فيها ، فكتب إليه : إن لم تبرأ منه فاقتلها . فامتنعت ، فقتلها مصعب .
وأجمع العلماء كلهم على كفر المختار - مع إقامته شعائر الإسلام - لما جنى على النبوة .
وإذا كان الصحابة قتلوا المرأة التي هي من بنات الصحابة لما امتنعت من تكفيره ، فكيف بمن لم يكفر البدو مع إقراره بحالهم ؟ فكيف بمن زعم أنهم هم أهل الإسلام ، ومن دعاهم إلى الإسلام هو الكافر ؟ يا ربنا نسألك العفو والعافية .
يقول غلاة المكفرة الذين يستدلون بهذه الرواية : فلو كان التكفير ليس من أصل الدين ، واحتمال الخطأ فيه وارد في حق من يقترف الكفر الأكبر ، لما سأل الصحابة زوجة المختار أن تكفّره .. فهذا دليل على أن التكفير من أصل الدين الذي لا يُعذر فيه أحد بالجهل .
أقول - بعون الله - : إن الشيخ محمد - رحمه الله - أخطأ في سرد هذه الرواية .. وحيث إن كتاب السيرة جلّه ، بل كلّه ، مستقى من كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير ، فلنرجع إلى الأصل ولنر كيف أورد ابن كثير - رحمه الله - هذه الرواية .
قال ابن كثير في [البداية والنهاية : 8/318]:
فزوجته الثانية كانت تعتقد أنه رجل صالح مع ما أظهر من كفر وفجور .. وكانت تعتقد بنبوته ..وقد سأل مصعب أم ثابت بنت سمرة بن جندب امرأة المختار عنه فقالت : ما عسى أن أقول فيه إلا ما تقولون أنتم فيه ، فتركها . واستدعى بزوجته الاخرى ، وهي عمرة بنت النعمان بن بشير ، فقال لها : ما تقولين فيه ؟ فقالت : رحمه الله ، لقد كان عبداً من عباد الله الصالحين ، فسجنها . وكتب إلى أخيه إنها تقول إنه نبي ، فكتب إليه أن أخرجها فاقتلها ، فأخرجها إلى ظاهر البلد فضربت ضربات حتى ماتت .
فهذه هي العلة التي قتلت بها ، وليس لأنها "امتنعت عن تكفيره" ..
وبذلك سقط الاستدلال بهذه الرواية .
والحمد لله .