" الأذان بين التبليغ والتطريب "
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه .
أما بعد :
قال خير الناهين عن المنكر ﷺ : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " متفق عليه
ومن المنكرات الشائعة التطريب والتمطيط واللحن ( اللغوي ) بكلمات الأذان فلا يكاد يُسمعُ أذان صحيح على قواعد اللغة العربية في كل البلاد الإسلامية حتى في الحرمين المكي والمدني ( وسيأتي إنكار كبار العلماء للمخالفات التي فيه ) بل أصبح المؤذنون يتعلمون ما يتعلمه المغنون من أنواع المقامات التي تستعمل في الغناء ويستعملونها في الأذان ويقلد بعضهم بعضا وكأن الأذان إنما شرع لتطريب المسلمين . وأدى هذا الفعل إلى الزيادة المفرطة في مد الحروف حتى أن السامع لا يدري ما العبارة أهي ( حي على الصلاة ) أم ( حي على الفلاح ) وقد سمعت أحد المؤذنين يمدها أكثر من خمس وعشرين حركة . وكذلك الترعيد وتقطيع الصوت حتى يتولد من الحرف الواحد حرفان أو ثلاثة أو أكثر . أو تمطيط الحركات حتى يتولد من الضمة واو كما في ضمة الميم الأولى من كلمة ( مُحَمَّد ) حتى تصبح ( موحمد ) أو يتولد من الفتحة ألف كما في مد فتحة الباء في كلمة ( الله أكبَر ) حتى تصبح ( الله أكبار ) ومعناها الطبل فيحيل المعنى إلى معنى كفري . أو تبديل الضمة بالفتحة كما في ضمة الميم الأولى من كلمة مُحَمَّد حتى تصبح ( مَحَمَّد ) أو كسر دال ( قد ) في الإقامة ومدها حتى تصبح ياء ( قدي قامت الصلاة ) بينما فرضها القلقة . أو مد اللام الساكنة من لفظ الجلالة ( الله ) حركتين أو أكثر بينما فرضها حركة واحدة فقط فهي ليست موضع مد وهو يفعل حتى في تكبيرة الأحرام للصلاة المفروضة وهو تعد محرم على اسم الله جل جلاله.
أو تمطيط غنة النون أكثر من حركتين في كلمة ( إنَّ ) أو في الميم المشددة في كلمة (مُحَمَّد ) فربما تمد حتى تبلغ ست حركات .
أو مد الألف التي قبل الهاء في لفظ الجلالة ( الله ) حال وصلها مع كلمة ( أكبر ) في ( اللهُ أكبرُ ) أكثر من المد الطبيعي بل قد تمد أكثر من اثنتي عشرة حركة حسب ما يتطلبه المقام الموسيقي !! . أو ضم تاء التأنيث الساكنة ( المكسورة لالتقاء الساكنين ) في الإقامة في ( قد قامتِ الصلاة ) فتصبح ( قد قامتُ الصلاة ) - ونحو ما تقدم - .
فلا تخلو جملة من الأذان من خلل . والله المستعان .
ولا شك أن الأذان الذي كان على عهد النبي ﷺ هو بلغة العرب وقواعدها من حيث الإعراب أو مقدار زمن نطق الحروف وهذا هو الواجب والأصل الذي ينبغي أن يؤذن به . أي تلفظ الحروف كلها بمقدار حركة واحدة وحسب مخارج الحروف وصفاتها وأحكام تجاور الحرفين .
ولكن قد اختار الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أن يكون الأذان مرتلا لأنه أنسب للترسل الذي به يحصل بعد الصوت فيحصل التبليغ . فإن جاز ترتيل الأذان ولاشك أنه أولى من الفوضى والمنكرات التي أخلت بمشروعية وصحة الأذان في أغلب الأحيان فإني قد كتبته في الصفحة الأخيرة مُشكَلاً بالحركات التي يجب على المؤذن أن يلتزمها وبينت كذلك أحكام الترتيل التي يجب على المؤذن أن لا يزيد عليها .
وكثيرا ما كنت أنكر على المؤذنين التطريب والتمطيط والترعيد فيحتج عليَّ بأن كل المؤذنين يفعلون ذلك وفي كل البلاد وحتى في مكة والمدينة النبوية ولم ينكر أحد من العلماء على المؤذنين فيهما فهل كل هؤلاء مخطئون وأنت وحدك مصيب ؟! لذلك فإني أجبت عن هذه الشبهة بنقل إنكار العلماء للتمطيط والتطريب في الأذان من زمن خير الخلق بعد الأنبياء الصحابة ~ ومن ثم التابعين وأئمة وعلماء المذاهب الأربعة و كبار العلماء المعاصرين فلا يبقى لممطِّط ولا لمرعِّد ولا لمطرب عذر .
وأدعو كل من له قدرة على تغيير المنكر من أئمة المساجد أن يقوموا بواجبهم وأن يتعاونوا على تعليم المؤذنين الأذان الموافق للشرع وإلزامهم بإدائه بالحركات وعدم التطريب أو التمطيط أو الترعيد أو اللحن المخل بالإعراب أو المعاني . عملا بقوله تعالى { *وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ }
فإن كل إمام مسئول عن ذلك لقوله ﷺ : " ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته ، وهو مسئول عن رعيته ، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم ، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسئول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) متفق عليه .
رب يسر وأعن
اختيار النبي ﷺ للمؤذنين :
أولا : الأقوى والأبعد صوتا :
فقد قال النبي ﷺ لعبد الله بن زيد رضي الله عنه صاحب رؤيا الأذان : " إن هذه لرؤيا حق ، فقم مع بلال فإنه أندى وأمد صوتا منك ، فألق عليه ما قيل لك ، وليناد بذلك " الترمذي وغيره وصححه الألباني
النَدى: بُعْدُ ذهاب الصوت. يقال: فلانٌ *أَنْدى صوتاً من فلان، إذا كان بعيد الصوت.»
[ الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية6/ 2506 ]
ثانيا : الأحسن صوتا :
فعن أبي محذورة رضي الله عنه قال: لما خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من حنين، خرجت عاشر عشرة من أهل مكة نطلبهم، فسمعناهم يؤذنون بالصلاة، فقمنا نؤذن نستهزئ بهم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "قَدْ سَمِعْتُ فِي هؤلَاءِ تَأذِينَ إنْسَانٍ حَسَنِ الصَّوْتِ.” فأرسل إلينا فأذنا رجل رجل: وكنت آخرهم. فقال حين أذنت: "تَعَالَ" فأجلسني بين يديه، فمسح على ناصيتي، وبرك علي ثلاث مرات، ثم قال:"اذْهَبْ فَأذِّنْ عِنْدَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ" قلت كيف يا رسول اللَّه: فعلمني كما تؤذنون الآن بها: "اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، ...» صحيح سنن النسائي
إنكار الصحابة وأئمة الدين للتطريب والتمطيط في الأذان :
والأذان عبادة محضة وهو توقيفي في كلماته التي ثبتت في الأحاديث وكان يؤذن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بلغة العرب وقواعدها . وقد أنكر الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من التابعين والأئمة مخالفةَ المؤذنين لهيئة الأذان الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان بلسان عربي فصيح بلا تمطيط ولا تطريب ولا لحن ( لغوي ) .
أولا : الصحابة :
ومنهم الصحابي الضحاك بن قيس رضي الله عنه .
فعن عبد الرزاق، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: إِنِّي لأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، قَالَ لَهُ: وَلَكِنِّي *أَبْغَضُكَ *فِي *اللَّهِ، قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: إِنَّكَ تَبْغِي فِي أَذَانِكَ، وَتَأْخُذُ الْأَجْرَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ))صحيح (مصنف عبد الرزاق)
قال الإمام ابن الأثير : «أَرَادَ التَّطْرِيب فِيهِ والتَمدِيد، مِنْ تَجاوُز الْحَدِّ. [ النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 144) ]
ثانيا : التابعون :
وكذلك أنكر أئمة التابعين التطريب والتمطيط والترعيد في الأذان :
1 : فقد أخرج ابن أبي شيبة عن الإمام إبراهيم النخعي أنه قال: ( الأذان جزم ) أي لا يمد المد المفرط .
2 : عن عمر بن سعيد بن أبي حسين ( أَنَّ مُؤَذِّنًا أَذَّنَ فَطَرَّبَ فِي أَذَانِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا وَإِلَّا فَاعْتَزِلْنَا ) أخرجه ابن أبي شيبة
وفي رواية : عن عمر بن سعيد بن أبي حسين قال : ( كان مؤذن لعمر بن عبد العزيز إذا أذن رعد , فسمع جارية له تقول : قد أذن الراعبي , فبعث إليه : أذن أذانا سمحا , ولا تغنه وإلا فاجلس في بيتك ) [ أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ]
ثالثا : أئمة وعلماء المذاهب الأربعة :
1 : الأحناف :
قال الكاساني الحنفي الملقب بـ «بملك العلماء» (ت 587 هـ) : (ومنها) ترك التلحين في الأذان، لما روي أن رجلا جاء إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: إني أحبك في الله تعالى فقال ابن عمر: إني أبغضك في الله تعالى فقال: لم قال: لأنه بلغني أنك تغني في أذانك، يعني التلحين،»« [ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» (1/ 150) ]
وقال نحوه السرخسي الحنفي (ت 483 هـ) في [ المبسوط (1/ 138] .
وقال عثمان بن علي الزيلعي الحنفي : وأما اللحن المراد به التطريب فلما روي عن ابن عباس أنه قال «كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فنهاه عن ذلك» وروي أن رجلا قال لابن عمر إني لأحبك في الله فقال له أنا أبغضك في الله إنك تتغنى في أذانك أي تطرب .
قال الشِّلْبِيِّ في حاشيته : (قوله: ولحن ) قال الشيخ باكير رحمه الله عند قوله بلا ترجيع ولحن يقال لحن في القراءة طرب وترنم مأخوذ من ألحان الأغاني فلا ينقص شيئا من حروفه ولا يزيد في أثنائه حرفا ، وكذا لا يزيد ولا ينقص من كيفيات الحروف كالحركات والسكنات والمدات وغير ذلك لتحسين الصوت فأما مجرد تحسين الصوت بلا تغيير فإنه حسن.
[ تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي» (1/ 90) ]
2 : المالكية :
* الإمام مالك ‘ :
قُلْتُ: فَمَا قَوْلُهُ فِي *التَّطْرِيبِ فِي الْأَذَانِ؟
قَال ابن القاسم : يُنْكِرُهُ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ مُؤَذِّنِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُطْرِبُونَ . [ المدونة للإمام مالك ]
* وذكر أبو بكر محمد بن عبد الله المالكي الأبهري (ت 375 هـ)قول الإمام مالك : «وإنّي لأكره *التّطريب في الأذان، ولقد هممت أن أكلّم أمير المؤمنين في ذلك؛ لأنِّي كنت أسمعهم يؤذِّنون.»
[ شرح المختصر الكبير للأبهري» (4/ 581]
قلت : والكراهة عند السلف هي التحريم كما سيأتي بيانه .
وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قال مالك: التطريب في الأذان مُنْكَرٌ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وكذلك التحزين لغير تطريب، ولا يَنْبَغِي إماتة حروفه، والتَّغَنِّي فيه، والسُّنَّةُ فيه أن يكون مُرْسَلاً مُحْدَرًا مُسْتَعْلَنًا: يُرْفَعُ به الصوت، ولا يُدْمَجُ، وتُدْمَجُ وليحذر في نفسه أن يؤذن بالألحان وينهى غيره عما أحدثوا الإقامة.
[ النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات» (1/ 161) ]
* وقال ابن الحاج ‘ :فيه مما يشبه الغناء وهذا ما لم يكن في جماعة يطربون تطريبا يشبه الغناء حتى لا يعلم ما يقولونه من ألفاظ الأذان إلا أصوات ترتفع وتنخفض وهي بدعة مستهجنة قريبة العهد بالحدوث أحدثها بعض الأمراء بمدرسة بناها ثم سرى ذلك منها إلى غيرها وهذا الأذان هو المعمول به في الشام في هذا الزمان وهي بدعة قبيحة إذ إن الأذان إنما المقصود به النداء إلى الصلاة فلا بد من تفهيم ألفاظه للسامع وهذا الأذان لا يفهم منه شيء لما دخل ألفاظه من شبه الهنوك والتغني. وقد ورد في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد . [ لمدخل (2/ 244): (ت 737هـ) ]
3 :الشافعية :
قال الشافعي ‘ : فأحب رفع الصوت للمؤذن وأحب إذا اتخذ المؤذن أن يتخذ صيتا وأن يتحرى أن يكون حسن الصوت فإنه أحرى أن يسمع من لا يسمعه ضعيف الصوت وحسن الصوت أرق لسامعه والترغيب في رفع الصوت يدل على ترتيل الأذان؛ لأنه لا يقدر أحد على أن يبلغ غاية من صوته في كلام متتابع إلا مترسلا وذلك أنه إذا حذف ورفع انقطع فأحب ترتيل الأذان وتبينه بغير تمطيط ولا تغن في الكلام ولا عجلة وأحب في الإقامة أن تدرج إدراجا ويبينها مع الإدراج .
[ الأم للإمام الشافعي (1/ 107 ط الفكر)]
* وقال سَعيد الحضرمي الشافعي (ت 1270هـ ) : (ويكره) فيهما التطريب والتلحين والتفخيم والتشادق و (التمطيط) أي التمديد، قال الشيخ عز الدين: يحرم التلحين إن غير المعنى، أو أوهم محذوراً، بل كثير منه كفر [من العالم العامد]، كمد همزة أكبر أو أشهد، وباء أكبر، لأنه يصير به جمع كبر وهو طبل له وجه واحد، والوقف على إله والابتداء بإلا الله، ومد ألف الله، والصلاة والفلاح زيادةً على ما تكلمت به العرب، وكقلب ألف الله هاء، أو عدم النطق بهاء الصلاة؛ لأنه يصير دعاء إلى النار، وعلى كل حال فقد عم الجهل في جميع أهل وظائف الدين، وتساهل بها غالب المسلمين. [ شرح المقدمة الحضرمية المسمى بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم» (ص186)]
4 : الحنابلة :
* الإمام احمد :
قال إسحاق بن منصور: قُلْتُ ( يسأل الإمام أحمد ) : *التَّطْرِيب في الأذان؟ قال ( الإمام أحمد ) : كل شيء مُحْدَثٌ.
كأنه لمْ يعجبه. قال إسحاق: كما قال؛ لأنه بِدْعة. [ مسائل الكوسج" (177 ]
* وقال حرب: وسمعت إسحاق مرة أخرى يقول: سنة الأذان أن يترسل والإقامة أن يحذفها، وكان يكره التمدد والتمطيط في الأذان، والإقامة يحذم حذمًا. [ الجامع لعلوم الإمام أحمد - الفقه» (21/ 106)]
إنكار العلماء المعاصرين للأذان الذي في الحرم المكي والحرم المدني :
قلت : وهذا حكم من العلامة مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم بعدم شرعية الأذان في المسجد الحرام بسبب التمديد والمط ويأمرهم بأن يكون أذانهم بما يوافق الأذان الشرعي ولا شك أنه الأذان الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه رضي الله عنه .
* من محمد بن إبراهيم إِلى حضرة المكرم رئيس مؤذني المسجد الحرام بمكة المكرمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد : يجب أن تبلغوا جميع مؤذني المسجد الحرام أَن يؤذنوا أَذانًا سمحًا سهلا، ويجتنبوا المط والتمديد، إِن هذا التمديد والمط الذي يستعملونه الآن في الأَذان مخل بشرعيته، فعليهم اجتناب ذلك والتمشي بما يوافق الشرع، وأَن يكون أَذانهم مثل المؤذن الذي يؤذن في زمزم حالًا، وعليكم إخبارهم بذلك، ومراقبتهم عن الإخلال به. والسلام عليكم . )
[ فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ» (2/ 125)]
* الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ( مفتي المملكة العربية السعودية ) : ثم التمديد الزائد عن المطلوب في الأَذان ما ينبغي، فإِن أَحال المعنى فإِنه يبطل الأَذان، حروف المد إِذا أُعطيت أَكثر من اللازم فلا ينبغي. حتى الحركات إِذا مدت إِن أَحالت المعنى لم يصح وإِلا كره. بعض المؤذنين يمد الواو من النوم. حرف المد هو الواو فتعطى حقها من المد ولا تمد كثيرًا. أَما النون فلا مد فيها. وكان يوجد في مكة تلحين كثير وهذا سببه جهل وعوائد وكونه لا يختار من هو أَفضل .
[ فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ» (2/ 125) ]
* الإمام الألباني :
سؤال : حكم تلحين الأذان؟
الشيخ : لا يجوز هذا في الإسلام .
مداخلة: موجود الآن في الحرم النبوي.
الشيخ : لا يجوز أبدًا، التلحين بالأذان... فاللحن في الأذان هو من باب التطريب الذي تلقيناه من الأغاني كما يفعلون اليوم تمامًا فيما يسمونه بالأناشيد الدينية.
[ لقاءات المدينة لعام 1408 هـ «1» /00: 49: 12]
* وسئل الإمام الألباني عن المد الطويل في الأذان فأجاب :
أما بعد: فضيلة الشيخ حفظكم الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم ما يفعله كثير من المؤذنين حيث [يلحنون] أصواتهم ويمدونها مداً طويلاً، ؟
الشيخ : من البدع التي نبه عليها الأئمة السابقون وعلماء الحديث والفقه وفي مقدمتهم إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله: التلحين والتطريب في الأذان؛ ذلك لأن أذان المؤذنين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فيه تطريب أو تلحين، فقد توارث السلف عن الصحابة أذانهم عن مثل بلال وعمر بن أم مكتوم وأبي محذورة السلام باللهجة العربية التي لا تطريب فيها.
وواضح فيما أعتقد لدى الجميع ما هو المقصود بالتلحين والتطريب وهو مد الصوت حيث لا يجوز المد فيه لغة ولا شرعاً، وقصره حيث يشرع المد، كل ذلك مراعاة للقواعد الموسيقية التي يقوم عليها نظام التطريب والتلحين، وقد جاء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه ( أن رجلاً جاء إليه فقال: يا ابن عمر! إني أحبك في الله، فقال له: أما أنا فأبغضك في الله، قال: لم؟ قال: لأنك تلحن في أذانك وتأخذ عليه أجراً، تلحن: تطرب في الأذان وتأخذ عليه أيضاً أجراً،) ففي هذا الأثر الثابت عن ابن عمر تنبيه صريح على أن المؤذن لا يجوز له أن يطرب في أذانه، وقد عرفتم التطريب، بل لستم في حاجة؛ لأنكم مع الأسف تسمعون الأذان من مصر ومن بعض البلاد العربية أيضاً هذا الأذان الذي أبغض ابن عمر صاحبه؛ لأنه كان يلحن فيه ويطرب فيه.
[ جامع تراث العلامة الألباني في الفقه» (2/ 566 ]
* العلامة حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن التويجري (ت 1413هـ) : ومن المنكرات الظاهرة التطريب بالأذان وتمطيطه والتنطع فيه حتى يتولد من الحرف الواحد حروف كثيرة، ويفعل ذلك في الحرمين الشريفين وفي غيرهما .
[ القول المحرر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص 128]
* العلامة محمد بن صالح العثيمين :
السؤال : عندنا في الحي شخص يؤذن مثل أذان الحرم بتمطيطه، فبعض طلبة العلم قالوا: إنه ما يجوز الترديد خلفه يعني متابعة الأذان معه، فما حكم الأذان؟ وما حكم الترديد بعده؟
الجواب : والله! لا أستطيع أن أقول لك شيئاً، لو قلت لك: هذا أذان غير صحيح معناه أننا أبطلنا *أذان *الحرمين، وإن قلت: إنه صحيح فأنا لا أستطيع أيضاً؛ لأن العلماء يقولون رحمهم الله: يكره التلحين في الأذان كراهة فقط، ولم يقولوا أن هذا يبطل الأذان، وعليه فنقول: تابعه ولا حرج عليك.
[ لقاء الباب المفتوح» (159/ 24 بترقيم الشاملة آليا ]
قلت : انظر التردد الغير معهود في أجوبة العلامة العثيمين رحمه الله تعالى وكيف أنه يقول ( والله لا أستطيع أن أقول شيئا !!) . وهذا إقرار منه على مخالفة الأذان في مكة والمدينة للأذان الشرعي .
وأما قوله أن العلماء قالوا : ( يكره التلحين في الأذان كراهة فقط، ولم يقولوا أن هذا يبطل الأذان ) فقد ذكرت أقوال العلماء ومنها قول شيخه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ عن التمطيط في أذان مكة : ( أنه يخل بمشروعية الأذان ) ومن قبله قول الصحابي للمؤذن ( أبغضك في الله ) ولا يكون البغض في الله إلا على محرم وقول الإمام أحمد أنه محدث ( بدعة ) وذكرت أقوالهم أنه منكر وبدعة قبيحة .
وكذلك فإن الكراهة عند السلف يراد بها التحريم وقد ذكر العلامة العثيمين نفسه ذلك :
قال العثيمين : «وقوله: "يكره": الكراهة عند المتقدمين يراد بها التحريم غالبا، ولا تخرج عنه إلا بقرينة، وعند المتأخرين خلاف الأولى; فلا تظن أن لفظ المكروه في عرف المتقدمين أو كلامهم مثله في كلام المتأخرين، بل هو يختلف، انظر إلى قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَاناً} 1 إلى أن قال بعد أن ذكر أشياء محرمة: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} 2 ولا شك أن المراد بالكراهة هنا التحريم.»
[ القول المفيد على كتاب التوحيد ]
قلت : وأما الترديد خلف المؤذن الذي يمطط أو يطرب أو يلحن في أذانه فلا حرج منه لأن على المؤذن إثمه وعلى السامع أن يقول كلمات الأذان بما يوافق الشرع لكي لا تفوته فضيلته . والله أعلم .
وفي الصفحة التالية ألفاظ الأذان التي يجب على المؤذن أن يلتزم بها ويلفظها بحسب قواعد اللغة العربية وأن يلفظ كل حرف بمقدار زمن حركة واحدة أي بمقدار زمن نطق الحرف المتحرك ( المضموم أو المفتوح أو المكسور ) مرة واحدة مثل ( بُ ) أو ( بَ ) أو ( بِ ) إلا في النون والميم المشددتين أو المدود كما سأبينه عند كل لفظ
فمثلا لفظ الجلالة ( الله ) في كلمة ( الله أكبر ) فإن المؤذنين يمدون الألف فيها أكثر من عشر حركات أحيانا بينما فرضها حركتان فقط وهو المد الطبيعي للألف المدية . وكذلك كلمة ( حيَّ ) في ( حيَّ على الصلاة ) أو ( حيَّ على الفلاح ) فإن المؤذنين يمدون الياء فيها أكثر من خمس أو ست حركات بينما فرضها أن تلفظ كحرف مشدد أي ياء ساكنة بعدها ياء مفتوحة بدون أي تطويل .
وكذلك كلمة ( رسول ) في ( أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَّسُولُ اللهِ ) فإن المؤذنين يمدون الواو فيها أكثر من أربع بينما فرضها هو المد الطبيعي حركتان فقط مثل أي واو ساكنة مضموم ما قبلها في أي كلمة.
فيجب على المؤذن أن يتعلم الحركات ويتعلم مقدار زمن نطق الحرف وزمن نطق الحركة وزمن غنة النون والميم المشددة ومقدار المد المنفصل والعارض للسكون لكي يؤذن أذانا يوافق فيه الأذان المشروع .
ألفاظ الأذان بالحركات وأحكام التلاوة بأقصى زمن مد مشروع
اللهُ أَكبَرُاللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُاللهُ أَكبَرُ
1 : تفخيم لام لفظ الجلالة ( اللهُ ) بدون أي تطويل نلفظها كما نلفظ ( اللهُ الصَّمَدُ )
2 : مد طبيعي حركتان فقط في ألف لفظ الجلالة ( اللهُ ) التي قبل الهاء في المواضع الأربعة ولا يجوز تطويله
أَشهَدُ أَن لَّا إلَهَ إِلَّا اللهُ أَشهَدُ أَن لَّا إلَهَ إِلَّا اللهُ
1: إدغام نون ( أَن ) بلام ( لَا ) إدغاما كاملا بلا غنة
2 : مد ألف ( لَا ) خمس حركات ( المد المنفصل )
3 : مد ألف لفظ الجلالة ( اللهُ ) التي قبل الهاء ست حركات ( المد العارض للسكون )..
أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَّسُولُ اللهِ أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَّسُولُ اللهِ
1 : غنة النون المشددة في ( أَنَّ ) حركتان
2 : غنة الميم المشددة في ( محمَّدًا ) حركتان
3 : ويدغم تنوين الفتح في كلمة ( محمَّدًا ) مع الراء في كلمة (رَسُول ) إدغاما كاملا بلا غنة
4 : ويمد ألف لفظ الجلالة ( اللهُ ) ست حركات ( المد العارض للسكون ).
حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ
1: لفظ الياء المشددة في ( حَيَّ ) بدون أي تطويل الأولى ساكنة والثانية مفتوحة
2 : يجب لفظ اللام المفتوحة في كلمة ( عَلَى ) والانتقال منها إلى الصاد المشددة
3 : مد ألف كلمة ( الصَّلَاة ) ست حركات ( المد العارض للسكون ).
حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ
1: لفظ الياء المشددة في ( حَيَّ ) بدون أي تطويل
2 : مد ألف ( الفلاح ) ست حركات ( المد العارض للسكون ).
اللهُ أَكبَرُ اللهُ أَكبَرُ
مد طبيعي حركتان فقط في ألف لفظ الجلالة ( اللهُ ) في الموضعين ولا يجوز تطويله
لا إلَهَ إِلَّا اللهُ
1: مد ألف ( لا ) خمس حركات ( المد المنفصل )
2: مد ألف لفظ الجلالة ( اللهُ ) ست حركات ( المد العارض للسكون )
الأذان في الحرم المكي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم :
ومن المؤسف حقا أن يهجر المسلمون في كل بقاع الأرض الأذان النبوي الذي شرعه لأمته وأمر به في حياته بأن يؤذن به في الحرم المكي الذي هو أعظم حرم وأشرف بقاع الأرض . وقد يكون ذلك بسبب الجهل به .
فمن السنن المهجورة الترجيع في الأذان فقد ثبت في السنة الترجيع في الأذان .
وهو أن يقول المؤذن الشهادتين : أَشهَدُ أَن لَّا إلَهَ إِلَّا اللهُ أَشهَدُ أَن لَّا إلَهَ إِلَّا اللهُ أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَّسُولُ اللهِ أَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَّسُولُ اللهِ بصوت منخفض يُسمِعُ من حوله فقط ثم يقولهن مرة أخرى بصوت مرتفع بنفس قوة الصوت كباقي ألفاظ الأذان
فعن أبي محذورة قال : قلت : يا رسول الله علمني سنة الأذان ؟ ، قال : فمسح مقدم رأسي ، وقال :
تقول :
الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ، ترفع بها صوتك
ثم تقول :
أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، تخفض بها صوتك ،
ثم ترفع صوتك بالشهادة ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ،
حي على الصلاة ، حي على الصلاة ،
حي على الفلاح ، حي على الفلاح ،
فإن كان صلاة الصبح قلت : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ،
الله أكبر الله أكبر ،
لا إله إلا الله "
تنبيه مهم : من السنة أن يؤذن للفجر أذانان الأول قبل وقت الفجر الحقيقي بربع ساعة تقريبا لإيقاظ النائم وأن يقول المؤذن فيه بعد ( حيَّ على الفلاح ) يقول ( الصلاة خير من النوم ) مرتين .
ومن المخالفات الشائعة الاقتصار على أذان واحد في وقت الفجر الحقيقي والمخالفة الثانية أن يقول المؤذن فيه
( الصلاة خير من النوم ).
فعن أبي محذورة قال : " كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أقول في أذان الفجر الأول : حي على الفلاح . الصلاة خير من النوم . الصلاة خير من النوم . الله أكبر . الله أكبر . لا إله إلا الله " النسائي ( صحيح )
وفي رواية عن أبي محذورة : ( وإذا أذنت بالأول من الصبح فقل : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم )
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " كان في الأذان الأول بعد الفلاح الصلاة خير من النوم , الصلاة خير من النوم ) أخرجه الطحاوي ) حسن )
وكتبه المعيصفي
26/2/1446
30/8/2024