الانصاف ....
مصطفى لطفي المنفلوطي


اذا كان لك صديق تحبه وتواليه ثم هجمت منه على مالم يحل في نظرك ولم يتفق مع ما علمت من حاله واطرد عندك من اعماله او كان لك عدو تذم طباعه وتنقم منه شؤونه ثم برقت لك من جانب اخلاقه بارقت خير فتحدثت بما قام في نفسك من مؤاخذة صديقك على الخصلة التي تذمها وحمد عدوك على الخصلة التي حمدتها عد ك الناس متلونا مخادعا او ذا وجهين تمدح اليوم من تذم بالامس وتذم في ساعة من تمدح في اخرى وقالو اانك تظهرمالاتظمر وتخفي غير ما تبدي ولو انصفوك لاعجبوا بك وبصدقك ولاكبروا سلامة قلبك من هوى النفس وضلالها ولسموا ما بدا لهم منك اعتدالا لا نفاقا وانصافا لا خداعا لانك لم تغلو في حب صديقك غلو من يعميه الهوى من رؤية عيوبه ولم تتمسك بصداقتك بالسبب الضعيف فعنيت بتعهد اخلاقه وتفقد خلاله لاصلاح ما فسد من الاولى واعوج من الثانية

ان صديقك الذي يبسم لك في حالي رضاك وغضبك وحلمك وجهلك وصوابك و سقطك ليس ممن يغتبط بمودته او يوثق بصداقته لانه لا يصلح ان يكون مرآتك التي تتراءى فيها فتكشف لك عن نفسك وتصدقك عن زينك وشينك وحلوك ومرك
وهو اما جاهل متهور في ميوله واهوائه فلا يرى غير ما تريد ان ترى نفسه لا ما يجب ان تراه
واما منافق مخادع قد علم ان هواك في الصمت عن عيوبه وتجرير الذيول
فجاراك فيما تريد ليبلغ منك ما يريد

فها انت ذا ترى ان الناس يعكسون القضايا ويقلبون الحقائق فيسمون الصادق كاذبا والكاذب صادقا ولكن الناس لا يعلمون