آراء الشافعية فى حكم الحلف بغير الله ؟
أحمد محمد عوض




الحاوى الكبير للقاضى الماوردى:
(مسألة
قال الشافعي: " وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَهِيَ يمينٌ مكروهةٌ وَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةً لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَمِعَ عُمَرَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ " فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا بَعْدُ ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهُوَ كَمَا قَالَ، الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا مَكْرُوهَةٌ، سَوَاءٌ حَلَفَ بِمُعَظَّمٍ كَالْمَلَائِكَة ِ، وَالْأَنْبِيَاء ِ، أَوْ بِغَيْرِ مُعَظَّمٍ، لِرِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَسِيرُ فِي ركبٍ، وَحَلَفَ بِأَبِيهِ، فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ ".
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سمع النبي الله عُمَرَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ " قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا، وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَعْنِي: عَامِدًا، وَلَا نَاسِيًا.
وَالثَّانِي: مُعْتَقِدًا لِنَفْسِي، وَلَا حَاكِيًا عَنْ غَيْرِي.
وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ "، وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: فَقَدْ أَشْرَكَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي التَّعْظِيمِ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْكَافِرِينَ.
وَالثَّانِي: فَقَدْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ، فَصَارَ كَافِرًا بِهِ إِنِ اعْتَقَدَ لُزُومَ يَمِينِهِ بِغَيْرِ اللَّهِ كَاعْتِقَادِ لُزُومِهَا بِاللَّهِ.


نهاية المطلب فى دراية المذهب لإمام الحرمين الجوينى:
فصل
قال : " ومن حلف بغير الله تعالى، فهو يمين مكروهة ... إلى آخره " (1).
11725 - يكره الحلف بغير الله، فلا ينبغي أن يقول من يريد تأكيداً: " وحق محمد، والكعبة " وما أشبه ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان حالفاً، فليحلف بالله أو فليصمت " (2) وروي " فليسكت " وقال عمر رضي الله عنه سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلف بأبي فقال: " ألا إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم " (3) فإن قيل: أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي العُشَراء: " وأبيك لو طعنت في خاصرته لحل لك " (4) قلنا: جرى هذا في كلامه صلى الله عليه وسلم من غير قصدٍ كما يقول الواحد منا: لا والله وبلى والله من غير أن يجرد إلى الحلف قصداً.
ثم قال الشافعي في الحلف بغير الله: " أخشى أن يكون معصية " فتردد أصحابنا، فقال قائلون: هذا ترديد قولٍ من الشافعي، وقد يشهد لكونه معصية مطلق قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم " والأصح القطع بأنه مكروه وليس بمحرّم، ولفظ الشافعي محمول على مبالغات المتحرجين.


روضة الطالبين للإمام النووى:
الْخَامِسَةُ: الْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ مَكْرُوهٌ كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ وَجِبْرِيلَ وَالصَّحَابَةِ وَالْآلِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَعْصِيَةً. قَالَ الْأَصْحَابُ: أَيْ حَرَامًا وَإِثْمًا، فَأَشَارَ إِلَى تَرَدُّدٍ فِيهِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، بَلْ مَكْرُوهٌ. ثُمَّ مَنْ حَلَفَ بِمَخْلُوقٍ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ وَلَا كَفَّارَةَ فِي حِنْثِهِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: فَلَوِ اعْتَقَدَ الْحَالِفُ فِي الْمَحْلُوفِ بِهِ مِنَ التَّعْظِيمِ مَا يَعْتَقِدُهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى كَفَرَ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:«مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ كَفَرَ» ، وَلَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ إِلَيْهِ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يُوصَفْ بِكَرَاهَةٍ، بَلْ هُوَ لَغْوُ يَمِينٍ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ » أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ» .


شرح النووى على صحيح مسلم:
وَفِيهِ النَّهْيُ عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَهُوَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَكْرُوهٌ ليس بحرام


أسنى المطالب فى شرح روض الطالب للقاضى زكريا الأنصارى:
(فَصْلٌ الْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ لَا بِسَبْقِ لِسَانٍ مَكْرُوهٌ كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ) وَجِبْرِيلَ وَالصَّحَابَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَلِخَبَرِ «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِأُمَّهَاتِكُم ْ وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا بِاَللَّهِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ قَالَ الْإِمَامُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ مَعْصِيَةً مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْفِيرِ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ حَلَفَ بِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ يَمِينُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ (فَإِنْ اعْتَقَدَ تَعْظِيمَهُ كَمَا) وَفِي نُسْخَةٍ بِمَا (يُعَظِّمُ اللَّهَ) بِأَنْ اعْتَقَدَ فِيهِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا يَعْتَقِدُهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى (كَفَرَ) وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ الْحَاكِمِ «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ» أَمَّا إذَا سَبَقَ لِسَانُهُ إلَيْهِ بِلَا قَصْدٍ فَلَا كَرَاهَةَ بَلْ هُوَ لَغْوُ يَمِينٍ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي قَالَ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ»

حاشية الشهاب الرملي على الأسنى:
[فَصْلٌ الْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ]
(قَوْلُهُ الْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ لَا بِسَبْقِ لِسَانٍ مَكْرُوهٌ) ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ» وَرُوِيَ «فَقَدْ أَشْرَكَ» فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ فِيمَا حَلَفَ بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا يَعْتَقِدُهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ قَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِالنَّجْمِ وَبِالسَّمَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ» قُلْنَا أَمَّا فِي الْقُرْآنِ فَذِكْرُ الرَّبِّ فِيهِ مُضْمَرًا أَيْ وَرَبِّ النَّجْمِ وَرَبِّ السَّمَاءِ كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ} [الذاريات: 23] وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ اللَّهِ مَنْ يُعَظَّمُ تَعْظِيمَهُ بِخِلَافِنَا وَمَا وَرَدَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى لَغْوِ الْيَمِينِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ النَّهْيِ وَيُؤَيِّدُهُ الْخَبَرُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَهُ مُبَاحًا (قَوْلُهُ كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ) أَوْ وَرِزْقِ اللَّهِ أَوْ وَإِحْيَاءِ اللَّهِ أَوْ وَإِمَاتَةِ اللَّهِ أَوْ وَتَصْوِيرِ اللَّهِ أَوْ وَثَوَابِ اللَّهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ

تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمى:
وَرَوَى الْحَاكِمُ خَبَرَ «: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «فَقَدْ أَشْرَكَ» وَحَمَلُوهُ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ تَعْظِيمَهُ كَتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ أَثِمَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَيْ: تَبَعًا لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ الصَّرِيحِ فِيهِ، كَذَا قَالَهُ شَارِحٌ.
وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ الْكَرَاهَةُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ ظَاهِرًا فِي الْإِثْمِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ فِي غَالِبِ الْأَعْصَارِ لِقَصْدِ غَالِبِهِمْ بِهِ إعْظَامَ الْمَخْلُوقِ وَمُضَاهَاتَهُ لِلَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: يُكْرَهُ بِمَالِهِ حُرْمَةً شَرْعًا كَالنَّبِيِّ وَيَحْرُمُ بِمَا لَا حُرْمَةَ لَهُ كَالطَّلَاقِ

مغنى المحتاج للخطيب الشربينى:
«إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَالْحَلِفُ بِذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَمَا رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ» وَرُوِيَ " فَقَدْ أَشْرَكَ " حُمِلَ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ فِيمَا حَلَفَ بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا يَعْتَقِدُهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى.

نهاية المحتاج للشمس الرملى:
وَيُكْرَهُ لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ مَعْصِيَةً، نَعَمْ لَوْ اعْتَقَدَ تَعْظِيمَهُ كَمَا يُعَظِّمُ اللَّهَ كَفَرَ