تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 16 من 16

الموضوع: للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معلول؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,092

    افتراضي للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معلول؟

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على نبيه وآله وصحبه. أما بعد:

    فمعلومٌ ما في مسألة القراءة خلف الإمام من خلاف واسع، وبحث عريض، ومناقشات وأخذ ورد في الأدلة والاستدلالات والأقوال والمذاهب.

    وكان المعتمد الأكبر للموجبين القراءة خلف الإمام: حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- المشهور، إلا أنه معلول بالمخالفة والاضطراب، وسبق بيان ذلك:
    http://majles.alukah.net/showthread.php?t=1895

    واحتجوا كذلك: بحديث محمد بن أبي عائشة، عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، بنحوٍ من حديث عبادة.

    وهذا الحديث محلُّ تأمُّل ونظر، وأحبُّ أن يشاركني الإخوة والمشايخ النظر فيه والمدارسة والمناقشة، لعل أمره يتضح ويظهر -إن شاء الله-.

    وسأضع تخريجًا موسَّعًا له أولاً، لتوضيح صورة الخلاف الواقع فيه، ثم ما يرجح بعض أوجهه على بعض، دون أن أحكم فيه بحكم، تاركًا ذلك لمباحثات الإخوة والمشايخ.

    وقد سبق للشيخ أبي إسحاق التطواني تخريجه مختصرًا، هنا:
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpo...7&postcount=37

    والله الموفق.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,092

    افتراضي رد: للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معل

    أولاً: التخريج:

    أخرجه عبد الرزاق في المصنف (2766) -وعنه أحمد (4/236)-، وأحمد (5/60) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (7287) من طريق عثمان بن أبي شيبة؛ كلاهما -أحمد وعثمان- عن يحيى بن آدم، وأحمد (5/410) عن عبد الله بن الوليد، وابن أبي شيبة (3758) عن وكيع، والبيهقي في الكبرى (2/166) وجزء قراءة الفاتحة خلف الإمام (155) من طريق الأشجعي، والبيهقي في معرفة السنن (3790) وجزء القراءة (156) من طريق أبي حذيفة، والبيهقي في الجزء (ص76) -تعليقًا- عن مخلد بن يزيد، سبعتهم -عبد الرزاق ويحيى بن آدم وابن الوليد ووكيع والأشجعي وأبو حذيفة ومخلد- عن سفيان الثوري،
    ومسدد في مسنده -كما في إتحاف الخيرة المهرة (2/77)، ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد (11/45)-، والبخاري في جزء القراءة خلف الإمام (73) عن عبدان، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (3788) من طريق إبراهيم بن موسى الفراء، ثلاثتهم -مسدد وعبدان وإبراهيم- عن يزيد بن زريع،
    وأحمد (5/81) والبيهقي في الجزء (157) من طريق محمد بن الوليد؛ كلاهما -أحمد وابن الوليد- عن محمد بن جعفر غندر، عن شعبة بن الحجاج،
    وأحمد في العلل (2/408-رواية عبد الله) والبخاري في التاريخ الكبير (1/207) -ومن طريقه البيهقي في الكبرى (2/166) والجزء (158)- من طريق إسماعيل بن عليّة،
    وابن أبي عمر العدني في مسنده -كما في إتحاف الخيرة المهرة (2/77)، وعلقه عنه أبو نعيم في معرفة الصحابة (6/3166)- عن عبد الوهاب الثقفي،
    والدارقطني في العلل (12/238) -معلقًا- عن بشر بن المفضل،
    ستتهم -الثوري ويزيد بن زريع وشعبة وابن عليّة والثقفي وبشر- عن خالد بن مهران الحذاء، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي، عن محمد بن أبي عائشة، عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لعلكم تقرؤون والإمام يقرأ؟" مرتين أو ثلاثًا، قالوا: نعم يا رسول الله، إنا لنفعل. قال: "فلا تفعلوا، إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب"، هذا لفظ الثوري، وزاد غيره: "في نفسه".

    وأخرجه عبد الرزاق (2765) عن معمر،
    وأحمد في العلل (2/408-رواية عبد الله) والبخاري في التاريخ الكبير (1/207) -ومن طريقه البيهقي في الكبرى (2/166) وفي الجزء (158)- عن مؤمل بن هشام؛ كلاهما -أحمد ومؤمل- عن إسماعيل بن عليّة،
    والبخاري في التاريخ الكبير (1/207) وفي جزء القراءة (250)، والبيهقي في الكبرى (2/166) وفي الجزء (149) من طريق إبراهيم بن إسحاق؛ كلاهما -البخاري وإبراهيم- عن موسى بن إسماعيل أبي سلمة التبوذكي، والبيهقي في الجزء (150) من طريق هدبة بن خالد وشيبان بن فروخ، ثلاثتهم -أبو سلمة وهدبة وشيبان- عن حماد بن سلمة،
    وأبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة (102) عن يحيى بن يوسف، والبيهقي في الجزء (ص75) -تعليقًا-، عن سفيان بن عيينة،
    والبيهقي في معرفة السنن والآثار (3787) -تعليقًا- عن وهيب، وفي الجزء (148) من طريق حماد بن زيد، وفيه (151) من طريق عبد الوارث بن سعيد،
    سبعتهم -معمر وابن عليّة والحمادان وابن عيينة ووهيب وعبد الوارث- عن أيوب،
    وأخرجه أحمد في العلل (2/408-رواية عبد الله) عن إسماعيل بن عليّة، وابن أبي شيبة (3757) عن هشيم، كلاهما عن خالد الحذاء،
    كلاهما -أيوب وخالد- عن أبي قلابة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بنحوه مرسلاً.

    وأخرجه البخاري في جزء القراءة (249)، وأبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة (102) -ومن طريقه الدارقطني (1/340)-، والطبراني في الأوسط (2680) والبيهقي في الجزء (175) من طريق إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي، والبيهقي في الجزء (140) من طريق محمد بن الفضل بن رجاء، أربعتهم -البخاري وأبو زرعة والوكيعي وابن رجاء- عن يحيى بن يوسف الزمي،
    وأبو يعلى في المسند (2805) -ومن طريقه ابن حبان (1844) والبيهقي في الجزء (141، ص177) والضياء المقدسي في المختارة (2248)-، والبيهقي في الجزء (386) من طريق إبراهيم بن أبي طالب، والخطيب في تاريخ بغداد (13/175) من طريق محمد بن هارون بن حميد وعبد الله بن صالح البخاري، أربعتهم -أبو يعلى وابن أبي طالب ومحمد بن هارون وعبد الله البخاري- عن مخلد بن الحسن بن أبي زميل،
    والطحاوي في شرح المعاني (1/218) وفي أحكام القرآن (510) عن أحمد بن داود، والدارقطني (1/340) من طريق أحمد بن إبراهيم القوهستاني، والبيهقي في الجزء (146) من طريق الحسن بن الفرج الغزي، وفيه (385) من طريق محمد بن إبراهيم البوشنجي، أربعتهم -أحمد بن داود والقوهستاني والغزي والبوشنجي- عن يوسف بن عدي،
    وابن حبان (1852) عن عمر بن سعيد بن سنان، عن فرح بن رواحة،
    والدارقطني (1/340) من طريق يزيد بن جهور، والبيهقي في السنن (2/166) وفي الجزء (139، 387) من طريق محمد بن الهيثم، والضياء في المختارة (2249) من طريق محمد بن عيسى الطرسوسي، ثلاثتهم عن أبي توبة الربيع بن نافع،
    والدارقطني (1/340) من طريق العلاء بن هلال،
    والبيهقي في الجزء (143) من طريق عبد السلام بن عبد الحميد،
    والبيهقي أيضًا في الجزء (144، 145) من طريق عبد الله بن جعفر الرقي،
    والضياء في المختارة (2249) من طريق عبد الله بن محمد بن نفيل أبي جعفر النفيلي،
    تسعتهم -يحيى بن يوسف ومخلد بن أبي زميل ويوسف بن عدي وفرح بن رواحة وأبو توبة والعلاء بن هلال وعبد السلام وعبد الله بن جعفر والنفيلي- عن عبيد الله بن عمرو الرقي،
    وأخرجه البيهقي في الجزء (147) من طريق سليمان بن عمر الأقطع الرقي، عن إسماعيل بن عليّة،
    كلاهما -عبيد الله بن عمرو وابن عليّة- عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن أبي قلابة الجرمي، عن أنس بن مالك، بنحوه.

    وأخرجه الداقطني في السنن (1/340) وفي العلل (12/237) والخطيب في تاريخ بغداد (13/175) -كلاهما تعليقًا- عن سلام بن سليمان أبي المنذر، عن أيوب، عن أبي قلابة، أبي هريرة -رضي الله عنه-، بنحوه.

    وأخرجه ابن عدي في الكامل (3/128، 129) -ومن طريقه البيهقي في الجزء (153، 154)- والدارقطني (1/340) والبيهقي في الجزء (152، 440) والخطيب في تاريخ بغداد (13/175) -تعليقًا-، من طريق الربيع بن بدر (عليلة)، عن أيوب، عن الأعرج، عن أبي هريرة، بنحوه.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,092

    افتراضي رد: للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معل

    ثانيًا: دراسة الأسانيد:

    ملخص الخلاف:
    اتضح من التخريج أن مدار الحديث على أبي قلابة الجرمي، واختُلف عليه:
    - فرواه خالد بن مهران الحذاء، واختُلف عليه:
    * فرواه سفيان الثوري ويزيد بن زريع وشعبة بن الحجاج وعبد الوهاب الثقفي وبشر بن المفضل = عنه عن أبي قلابة عن محمد بن أبي عائشة عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-،
    * ورواه هشيم بن بشير عن خالد عن أبي قلابة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً،
    * ورواه إسماعيل بن عليّة على الوجهين السابقين (بوصله وإرساله).
    - ورواه أيوب السختياني، واختُلف عليه:
    * فرواه معمر وإسماعيل بن عليّة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة وعبد الوارث بن سعيد = عنه عن أبي قلابة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً،
    * ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي -وروي عن ابن عليّة- عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك،
    * ورواه سلام أبو المنذر عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي هريرة،
    * ورواه الربيع بن بدر عن أيوب عن الأعرج عن أبي هريرة.

    تحرير الخلاف:
    1- رواية خالد بن مهران الحذاء:
    اجتمع الخمسة من الحفاظ على رواية الحديث عن خالد عن أبي قلابة موصولاً، إلا رواية هشيم.
    وقد جاءت رواية إسماعيل بن عليّة مفصّلةً، قال أحمد بن حنبل: " حدثنا إسماعيل -يعني: ابن عليّة-، قال: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة، فلما انفتل قال: " أتقرؤون في صلاتكم والإمام يقرأ؟" قالوا: نعم قال: " فلا تفعلوا ".
    حدثنا إسماعيل، قال: أخبرنا خالد -يعني: الحذاء-، عن أبي قلابة بنحو من حديث أيوب، قال خالد: فقلت لأبي قلابة: من حدثك هذا الحديث؟ قال: (محمد بن أبي عائشة، مولى لبني أمية، كان خرج مع آل مروان حيث أخرجوا من المدينة) ".
    وهذه الرواية المفصّلة تفيد أن خالدًا الحذاء كان يروي الحديث على وجهين:
    - أحدهما موافق لرواية أيوب المرسلة، قال إسماعيل بن عليّة: " أخبرنا خالد، عن أبي قلابة، بنحو من حديث أيوب ".
    وعلى هذا الوجه تحمّل هشيمُ بن بشير الحديثَ عن خالد.
    - والوجه الثاني: الوجه الموصول، وأفادت رواية ابن عليّة أن خالدًا أخذ هذا الوجه عن أبي قلابة بعد أن استفصل منه: من حدثك بهذا الحديث؟
    وقد يُشكل أن جواب أبي قلابة في هذه الرواية اقتصر على محمد بن أبي عائشة، ولم يذكر الرجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وربما اعتُبر هذا وجهًا ثالثًا (من مراسيل محمد بن أبي عائشة) عن خالد الحذاء.
    إلا أن الجواب: أن هذه القصة بيّنت أن أبا قلابة روى الحديث أولاً مرسلاً، ثم لما استفصله خالد الحذاء بيّن له الرواية الأخرى التي لديه، وهي الرواية الموصولة، وليس لخالد الحذاء رواية موصولة غير الرواية عن أبي قلابة عن محمد بن أبي عائشة عن رجل من الصحابة.
    وأما جواب أبي قلابة خالدًا الحذاء؛ فهو محتمل أمورًا:
    - فربما كان أخبره بشيخه فحسب، على قدر سؤال الحذاء،
    - أو أنه أعطاه مبتدأ السند هنا؛ وباقيه حدّثه إياه -فيما بينته الروايات الأخرى عن خالد-،
    - وقد يكون قصّر بذكر الصحابي ابنُ عليّة أو خالدٌ أو أبو قلابة في هذه القصة؛ لأنه معروف من مخارج الحديث الأخرى، ولأن القصد هنا متوجهٌ إلى الكلام عن شيخ أبي قلابة (محمد بن أبي عائشة)،
    - ويحتمل -وهو قوي- أنه فعل ذلك لأنه ساق الإسناد في مذاكرته خالدًا الحذاء، وهم يتخففون في المذاكرة، قال العلائي: «فإن قيل: فَلِمَ يرسل من كان هذا حاله الحديثَ، ويَعدِل عن تسمية شيخه وهو مشهور بالثقة؟ قلنا: لأسباب تعنُّ له... منها: أن يكون روايته الحديث مذاكرةً، فربما ثقل معها ذكر الإسناد، وخَفَّ الإرسال، إما لمعرفة المخاطبين بذلك الحديث واشتهاره عندهم...» (جامع التحصيل، ص88).

    وإسماعيل بن عليّة ثقة حافظ كبير حجة، يقبل منه هذا التفصيل في رواية خالد الحذاء، وهو مبيّن للروايات الأخرى عن خالد لا معارضٌ لها، والله أعلم.

    2- رواية أيوب السختياني:
    اتفق أكثر الرواة -وفيهم الثقات الأثبات- على رواية الحديث عن أيوب عن أبي قلابة مرسلاً، وخالف في ذلك ثلاثة:
    أ- عبيد الله بن عمرو الرقي، رواه عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك، وهذا خطأ بيّن؛ لمخالفته الجمع من الثقات، وفيهم حماد بن زيد، وهو من المتثبتين في حديث أيوب خاصةً. وعبيد الله ثقة، إلا أنه " ربما أخطأ " -كما قال ابن سعد-.
    ورواية الجمع أرجح من روايته:
    - قال البخاري في التاريخ (1/207): " وقال عبيد الله بن عمرو عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يصح أنس "،
    - وقال ابن أبي حاتم الرازي في العلل (1/175) عن أبيه: " وهم فيه عبيد الله بن عمرو "،
    - وقال الطبراني في الأوسط (3/124): " لم يروِ هذا الحديث عن أيوب إلا عبيد الله "،
    - وقال ابن عدي في الكامل (3/129): " ورواه عبيد الله بن عمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس، وهذا أيضًا خطأ عن أيوب، أخطأ عليه عبيد الله بن عمرو "،
    - وقال البيهقي في الكبرى (2/166): " وقد قيل عن أبي قلابة عن أنس بن مالك، وليس بمحفوظ "، ثم أسند رواية عبيد الله، ثم قال: " تفرد بروايته عن أنس عبيد الله بن عمرو الرقي، وهو ثقة، إلا أن هذا إنما يعرف عن أبي قلابة عن محمد بن أبي عائشة ".
    وخالف هؤلاء كلهم: ابن حبان، قال في صحيحه (5/162، 163): " سمع هذا الخبر أبو قلابة عن محمد بن أبي عائشة عن بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسمعه من أنس بن مالك، فالطريقان جميعًا محفوظان ".
    وهذا الحكم لا يستقيم مع نظر أئمة الحديث ونقاده، بل مع واقع الرواية، فكيف يخالف عبيد الله -وقد عُرف بأن له أخطاء- ذلك الجمع الكثير، وفيهم أوثق منه بمراحل، وفيهم حفاظ حديث أيوب = ثم تصحح روايته؟!
    بل روايته خطأ ظاهر، والله أعلم.
    وقد اختُلف في متنها، فاقتصر بعضهم على قوله: " فلا تفعلوا "، وقال بعضهم: " فلا تفعلوا أو ليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب... "، وقال آخرون: " فلا تفعلوا وليقرأ أحدكم... "، ولن أتعرض لهذا هنا، فقد ظهر خطأ هذه الرواية إسنادًا.
    هذا، وقد جاء لعبيد الله بن عمرو ما صورته متابعة، أخرجها البيهقي في الجزء من طريق محمد بن الحسن الرقي عن سليمان بن عمر الأقطع الرقي عن إسماعيل بن عليّة، وهذه الرواية خطأ؛ فقد خالف فيها سليمان هذا أحمدَ بن حنبل ومؤملَ بن هشام، روياه عن ابن عليّة عن أيوب عن أبي قلابة مرسلاً، ولذا استغربها الحافظ أبو علي النيسابوري، وهو راويها عن محمد بن الحسن الرقي، قال -بعد روايته-: " لم أكتبه إلا عن هذا الشيخ من كتابه ".
    ب- سلام بن سليمان أبو المنذر:
    رواه عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي هريرة، وسلام صدوق ليس بذاك الثقة، يخطئ، وهذا الإسناد من أخطائه -كما هو ظاهر-، فإنه لم يقل ذلك عن أيوب إلا هو، والجماعة على روايته عن أيوب مرسلاً. ولذا قال الدارقطني عقب رواية سلام: «ولا يثبت».
    ج- الربيع بن بدر:
    والربيع هذا واهٍ متروك، فلا يُطال في الكلام عن روايته.

    3- مقارنة بين الوجهين (روايتي خالد الحذاء وأيوب):
    ولكلّ منهما قوة ومرجح:

    # مرجحات رواية أيوب السختياني (عن أبي قلابة مرسلاً):
    1- أن أيوب ثقة ثبت حجة، وقد فُضّل على خالد الحذاء نفسه، قال ابن المديني: «أيوب ثبت، وليس في القوم -يعني: هشامًا وسلمة بن علقمة وعاصم الأحول وخالد الحذاء- مثل أيوب وابن عون»، وقد فضّل ابن معين أيوب على ابن عون أيضًا، وقال أبو حاتم الرازي: «أيوب السختياني أحب إليّ في كل شيء من خالد» (الجرح والتعديل: 2/255).
    2- أن كتب أبي قلابة آلت إلى أيوب بوصية منه، قال أيوب: «أوصى إليّ أبو قلابة بكتبه، فأتيت بها من الشام» (العلل ومعرفة الرجال لأحمد: 2/386)، وقال حماد بن زيد: أوصى أبو قلابة قال: «ادفعوا كتبي إلى أيوب إن كان حيًّا، وإلا فأحرقوها» (طبقات ابن سعد: 7/185، وانظر: تاريخ أبي زرعة الدمشقي، ص226 ).
    3- أن الدارقطني رجّح هذا الوجه، قال: «والمرسل الصحيح»، وقال: «والمرسل أصح» (العلل: 9/64، 12/238)، وكذا فعل ابن عبد البر (الاستذكار: 4/236)، وابن القيم (حاشية السنن: 3/37).

    # مرجحات رواية خالد الحذاء (عن أبي قلابة عن محمد بن أبي عائشة عن رجل من الصحابة موصولاً):
    1- أن خالدًا ثقة حافظ.
    2- أن خالدًا كان أشد تثبتًا من هذا الحديث، فإنه لما رواه عن أبي قلابة مرسلاً، عاد فسأل أبا قلابة عمن حدثه به، فأخبره، وهذا يدل على مزيد حفظ وتثبت من خالد لهذا الحديث خاصة. ومما يدل على ذلك كذلك: أن خالدًا لما روى الحديث قال -كما في رواية شعبة عنه-: «وحدثني -يعني: أبا قلابة- بعدُ ولم يقل: " إن شاء "، فقلت لأبي قلابة: إن شاء؟ قال: " لا أذكره "»، فمعاودته السؤال بعد السؤال لأبي قلابة عن هذا الحديث تفيد زيادة ضبطه له.
    وكون خالد أحفظ لهذا الحديث هو ما حكم به الإمام أبو زرعة الدمشقي -كما سيأتي-.
    3- أنه قد تبيّن -كما سبق في الكلام على رواية خالد الحذاء- أن خالدًا كان يروي الحديث كرواية أيوب، ثم استفصل من أبي قلابة؛ فبيّن له السند الموصول للحديث، فاتفق خالد وأيوب في رواية الحديث عن أبي قلابة مرسلاً، ثم تبيّن لخالد أن أبا قلابة رواه موصولاً؛ فرواه كذلك.
    واستمرار أيوب في رواية المرسل قرينة تدل على أنه ما علم بالموصول الذي كان عند أبي قلابة، إذ لم يستفصله، وربما كان ذاك لأنه كان أقدم وأكبر من خالد الحذاء، فأخذ الرواية الأولى، ولم يعد كما عاد خالد، أو أن هذه الرواية كانت في كتب أبي قلابة التي أخذها أيوب، وكان الوجه الموصول في محفوظ أبي قلابة، فروى أيوب ما كان في الكتاب، وروى خالد ما حفظه أبو قلابة.
    4- أن أبا قلابة نفسَهُ كان من يرسل الأحاديث وهي عنده موصولة، وكانت هذه عادة عند بعض التابعين، وإذا استُفصلوا أبانوا الإسناد المتصل.
    قال يزيد بن أبي مريم الشامي: كان يقدم علينا أبو قلابة، فينزل دار صفوان، فقدم؛ فنزل داريا، فقلت له: كان الله ينفعنا بمجالستك، فقال: «كنا نجالسكم، فلما قلتم: عمن؟ تركنا ذاك» (تاريخ أبي زرعة الدمشقي، ص125)، فيظهر أن أبا قلابة كان يرسل الأحاديث ولا يسندها، فكان يزيد وقومه يسألونه: عمن؟ أي: عمن تروي هذه الأحاديث، فضجر أبو قلابة، فلم ينزل قريبًا منهم. وهذا دليلٌ على عادة أبي قلابة في ذلك.
    فيكون حديثنا هذا من تلك البابة، فهو عند أبي قلابة على الوجه الموصول، لكنه حدث به مرسلاً -حسب العادة، أو تقصيرًا-، فلما استفصله خالد الحذاء، بيّن له إسناده.
    5- أن أبا زرعة الدمشقي قد رجّح هذا الوجه، فقد بين أن الراجح عن أيوب: الوجه المرسل، ثم قال: «هذا الصحيح من حديث أيوب، وخالد أحفظ له» (الفوائد المعللة، رقم: 102).

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,092

    افتراضي رد: للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معل

    قال البيهقي: «هذا إسناد جيد» (الكبرى: 2/166)، وقال ابن حجر: «إسناده حسن» (التلخيص الحبير: 1/247).

    والله أعلم.

  5. #5

    افتراضي رد: للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معل

    ماشاء الله , أما التخريج فيكفي لأنك توسعت فيه جداً , ولكن اسمحلوا للتلميذ أن يدخل مع أشياخه في البحث .

    روى الإمام أحمد والبيهقي والبخاري في جزءه عن محمد بن عائشة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعلكم تقرأون والإمام يقرأ ؟ قالوا : إنا لنفعل , قال لا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب .

    وفي رواية للبخاري : إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه . ونحوه في رواية البيهقي وقال هذا اسناد صحيح وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ثقات . " معرفة السنن والآثار " (2/54)

    وكما ذكرت أخي الفاضل الشيخ محمد فإن الحافظ حسنه .
    وكذلك الهيثمي في مجمع الزوائد (2/111)قال رجال أحمد رجال الصحيح.

    وقد عارض بعض الحنفية هذا الحديث , وقالوا بأن رواية محمد بن أبي عائشة منقطعة , لأنه من الطبقة الرابعة , الذين جل روايتهم عن التابعين , وقد أبهم عن رجل من الصحابة . فلم يسم الصحابي حتى ينظر هل ثبتت المعاصرة واللقاء بينه وبين الرجل من الصحابة لذا لاتكزن رواته متصلة .
    وقول أهل الحديث " جهالة اسم الصحابي لاتضر في الاسناد , محمول على أن التابعي لم يكن عنعن , بل قديكون قد صرح بالسماع, نص على ذلك العراقي كما ذكره السيوطي في التدريب " (ص 119)

    والجواب عليه :أن التابعي صغيراص كان أو كبيراً إذا قال :" عن رجل من الصحابة " أول قال " حدثنا رجل من الصحابة أي عنعن أو صرح بالسماع فروايته متصلة عند المحدثين " وقولهم "جهالة اسم الصحابي " عام لكلا النوعين إلا أن يكون التابعي مدلساً , فلا تكون متصلة .حتى يصرح بالسماع.كما هو مدون في كتب المصطلح .

    ثانياً : أن كثيراً من الرويات روى فيها التابعي عن رجل مبهم من الصحابة معنعاً لم يصرح بالسماع فيها ومع ذلك صحح أهل الحديث أو حسنوا تلك الروايات , منها حديث محمد بن أبي عائشة .وغيرها من الأحاديث .
    فقد ثبت أن التابعي إذا روى من صحابي مبهم معنعاً فتكون روايته متصلة مثلما إذا صرح بالسماع , وقول المحدثين : إن جهالة اسم الصحابي لاتضر بشمل العنعنة والتصريح , وثبت بذلك اتصال حديث محمد بن أبي عائشة .

    وأما طريق خالد الحذّاء فليس بمرجوح ولا شاذ .
    وقال فيه الحافظ " أحد الاثبات وثقه أحمد , وابن معين والنسائي وابن سعد " ,,هدي الساري (ص400)
    وكما قال العلامة المباركفوري رحمه الله . ومحصل القول أن خالداً الحذّاء ثقة ثبت ولايعتبر بجرح أبي حاتم وحمّاد بن زيد , ولذلك ذكره الحافظ في مقدمة القتح في القسم الثاني . في من ضعف بأمر مردود , ولأجله احتج به الشيخان في صحيحهما كثيراً , فلا يكون أيوب أرجح , ولا طريق خالد مرجوحاً ولا شاذاً , بل طريقه هو الراجح فإنه مرفوع وطريق أيوب مرسل قال البيهقي في معرفة السنن والآثار(2/54) " ورواه أيوب عن بي قلابة فأرسله , والذي وصله حجة ورواية أيوب له شاهدة " تحقيق الكلام للعلامة المباركفوري .

    والله تعالى أعلم .

  6. #6

    افتراضي رد: للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معل

    بارك الله فيك أخى على هذا الجهد الطيب
    والحديث الظاهر عندى انه يصح موصولا
    وقد اعله الدارقطنى كما في العلل
    1645- وسُئِلَ عَن حَدِيثِ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَن أَبِي هُرَيرةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : إِن كانَ أَحَدُكُم قارِئًا خَلفَ الإِمامِ فَليَقرَأ بِفاتِحَةِ الكِتابِ.
    فَقالَ : يَروِيهِ أَيُّوبُ السَّختِيانِيُّ واختُلِفَ عَنهُ
    ، فَرَواهُ سَلاَّمٌ أَبُو المُنذِرِ ، عَن أَيُّوبَ ، عَن أَبِي قِلاَبَةَ ، عَن أَبِي هُرَيرةَ ،
    وخالَفَهُ الرَّبِيعُ بنُ بَدرٍ ، رَواهُ عَن أَيُّوبَ ، عَنِ الأَعرَجِ ، عَن أَبِي هُرَيرةَ ،
    وخالَفَهُم عُبَيدُ الله بنُ عَمرٍو الرَّقِّيُّ ، فَرَواهُ عَن أَيُّوبَ ، عَن أَبِي قِلاَبَةَ ، عَن أَنَسِ بنِ مالِكٍ ،
    وخالَفَهُمُ ابنُ عُلَيَّةَ ، رَواهُ عَن أَيُّوبَ ، عَن أَبِي قِلاَبَةَ مُرسَلاً
    ، ورَواهُ خالِدٌ الحَذّاءُ ، عَن أَبِي قِلاَبَةَ ، عَن مُحَمدِ بنِ أَبِي عائِشَةَ ، عَن رَجُلٍ مِن أَصحابِ ِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
    ، والمُرسَلُ الصَّحِيح
    وتبعه ابن القيم فَقال فَى تهذيب السنن :
    وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق سُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ رَجُل مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ وَالْإِمَام يَقْرَأ ؟ قَالُوا إِنَّا لَنَفْعَل , قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا , إِلَّا أَنْ يَقْرَأ أَحَدكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَاب " , رَوَاهُ جَمَاعَة عَنْ سُفْيَانَ . قَالَ وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَأَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلّهمْ ثِقَة , فَتَرْك ذِكْر أَسْمَائِهِمْ فِي الْإِسْنَاد لَا يَضُرّ , إِذَا لَمْ يُعَارِضهُ مَا هُوَ أَصَحّ مِنْهُ , وَلَكِنْ لِهَذَا الْحَدِيث عِلَّة , وَهِيَ أَنَّ أَيُّوبَ خَالَفَ فِيهِ خَالِدًا , وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا , وَهُوَ كَذَلِكَ فِي تَارِيخ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُؤَمِّلٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

    قلت : لكن صحح الموصول أبو زرعة الدمشقي كما قال أخونا الشيخ محمد بارك الله فيه ، فقد بين أن الراجح عن أيوب: الوجه المرسل، ثم قال: «هذا الصحيح من حديث أيوب، وخالد أحفظ له» (الفوائد المعللة، رقم: 102).
    ويبدو أن هذا ترجيح أبى حاتم أيضا
    ففى العلل لابنه :
    502-وسألتُ أبِي عنِ الحديث الّذِي رواهُ عُبيدُ اللهِ بن عَمرٍو ، عن أيُّوب ، عن أبِي قِلابة ، عن أنسِ بنِ مالِكٍ ، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فِي القراءة خلف الإِمام.
    قال أبِي : وهِم فِيهِ عُبيد اللهِ بن عَمرٍو ، والحديث ما روها خالِد الحذاء ، عن أبِي قِلابة ، عن مُحمّدِ بنِ أبِي عائِشة ، عن رجُل من أصحاب النّبِيّ صلى الله عليه وسلم
    قلت : قوله (والحديث ما روها خالِد الحذاء ، عن أبِي قِلابة ، عن مُحمّدِ بنِ أبِي عائِشة ، عن رجُل من أصحاب النّبِيّ صلى الله عليه وسلم) يشعر بترجيحه لهذا الطريق اذ لو كان عنده اعلال لهذا الطريق لبينه ولكنى لا أجزم بهذا

    قلت : وكذلك رجح البيهقى الوصل كما فى معرفة السنن والاثار :
    وهذا إسناد صحيح ، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ثقة ، فترك ذكر أسمائهم في الإسناد ، لا يضر إذا لم يعارضه ما هو أصح منه ، ورواه أيوب ، عن أبي قلابة ، فأرسله ، والذي وصله حجة ، ورواية أيوب له شاهدة ، وهي في تاريخ البخاري ، عن مؤمل ، عن إسماعيل ابن علية ، عن أيوب عن أبي قلابة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أهـ
    والحديث رجاله رجال الشيخين غير صحابيه

    فالذى يظهر ان الموصول صحيح ولا يعله المرسل والله أعلم
    كان يحيى بن معاذ يقول : إياكم والعجب فإن العجب مهلكة لأهله وإن العجب ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    911

    افتراضي رد: للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معل

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد بن عبدالله مشاهدة المشاركة
    وروى خالد ما حفظه أبو قلابة.
    لكن يُخشى أن يكون خالد قد زاد بذِكْر الصحابي اجتهاداً منه .
    اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,092

    افتراضي رد: للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معل

    بارك الله فيكم ونفع بكم.

    أخي أبا محمد العائذي: بالنسبة للكلام على صحة رواية محمد بن أبي عائشة عن الصحابة؛ فهذه نتيجة لمقدِّمة لا بد من إثباتها، وهي: أن الرواية الموصولة صحيحة، لا معلولة.
    وأما قول المباركفوري -بعد أن ذكر ثقة خالد الحذاء-:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد العائذي مشاهدة المشاركة
    فلا يكون أيوب أرجح , ولا طريق خالد مرجوحاً ولا شاذاً , بل طريقه هو الراجح فإنه مرفوع وطريق أيوب مرسل
    فلا أرى فيه وجهًا صحيحًا لترجيح المرفوع، لأن خالدًا الحذاء -وإن كان ثقة-؛ قد فُضِّل عليه أيوب في الثقة والحفظ،
    وقوله: (بل طريقه هو الراجح؛ فإنه مرفوع، وطريق أيوب مرسل)= إن أراد أن ترجيح المرفوع لأنه مرفوع فقط؛ ففي هذا نظر ظاهر، فكم مرفوع كان راجحًا ورجحوا عليه المرسل.
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد العائذي مشاهدة المشاركة
    قال البيهقي في معرفة السنن والآثار(2/54) " ورواه أيوب عن بي قلابة فأرسله , والذي وصله حجة ورواية أيوب له شاهدة "
    وجه كلام البيهقي -فيما يظهر-: أن المرسل صح عن أبي قلابة من طريق أيوب عنه، فثبت بذلك أن الحديث كان عند أبي قلابة مرسلاً، وهذا يشهد لرواية خالد التي فيها الاستفصال، لأنه وجده عند أبي قلابة مرسلاً -كما ثبت في رواية أيوب-؛ فاستفصله، فأخبره.

    أخي أبا زكريا: بارك الله فيك، وقد سبقت الإشارة إلى كلام الدارقطني في هذا الموضع وموضع آخر من العلل، وكذلك كلام ابن القيم.
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوزكرياالمهاجر مشاهدة المشاركة
    ويبدو أن هذا ترجيح أبى حاتم أيضا
    ففى العلل لابنه :
    502-وسألتُ أبِي عنِ الحديث الّذِي رواهُ عُبيدُ اللهِ بن عَمرٍو ، عن أيُّوب ، عن أبِي قِلابة ، عن أنسِ بنِ مالِكٍ ، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فِي القراءة خلف الإِمام.
    قال أبِي : وهِم فِيهِ عُبيد اللهِ بن عَمرٍو ، والحديث ما روها خالِد الحذاء ، عن أبِي قِلابة ، عن مُحمّدِ بنِ أبِي عائِشة ، عن رجُل من أصحاب النّبِيّ صلى الله عليه وسلم
    قلت : قوله (والحديث ما روها خالِد الحذاء ، عن أبِي قِلابة ، عن مُحمّدِ بنِ أبِي عائِشة ، عن رجُل من أصحاب النّبِيّ صلى الله عليه وسلم) يشعر بترجيحه لهذا الطريق اذ لو كان عنده اعلال لهذا الطريق لبينه ولكنى لا أجزم بهذا
    هذه -كما قدَّمتَ- إشارة من أبي حاتم إلى أن المعروف من الحديث هو رواية خالد الحذاء، فإن أبا حاتم قد وقف -في أغلب الظن- على رواية أيوب المرسلة؛ إذ قد قرأ تاريخ البخاري أو قرئ عليه، وتلك الرواية فيه -هذا إن لم تكن وقعت له بإسناده-، ولم يُشر مع ذلك إلى تلك الرواية، ولو كانت هي المحفوظة لجعل " الحديث " هي، لا رواية خالد.
    وهذا استئناس لا يجزم به -كما قلتَ وفقك الله-.
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوزكرياالمهاجر مشاهدة المشاركة
    والحديث رجاله رجال الشيخين غير صحابيه
    لكن محمد بن أبي عائشة من رجال مسلم، ولم يخرج له البخاري في صحيحه شيئًا.
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حمد مشاهدة المشاركة
    لكن يُخشى أن يكون خالد قد زاد بذِكْر الصحابي اجتهاداً منه .
    أحسن الله إليك أخي حمد،
    لكن هل الأسانيد والروايات محلٌّ للاجتهاد؟
    أم أن الراوي -الثقة الحافظ كخالد- يقف عند ما وصله من إسناد، فيؤديه كما هو، ولا يزيد فيه عمدًا من تلقاء نفسه؟
    بل ربما وُصف ذلك بالوضع في الحديث والزيادة في الأسانيد ما ليس منها.

  9. #9

    Arrow رد: للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معل

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد بن عبدالله مشاهدة المشاركة
    لكن محمد بن أبي عائشة من رجال مسلم، ولم يخرج له البخاري في صحيحه شيئًا.
    بارك الله فيك أخى
    قولك صحيح وانما أخرج له البخارى في القراءة خلف الإمام
    كان يحيى بن معاذ يقول : إياكم والعجب فإن العجب مهلكة لأهله وإن العجب ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    911

    افتراضي رد: للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معل

    وأحسن الله إليك كما أحسنت إليّ سابقاً .
    أقول مشرفنا : لا . ليس وضعاً ، قد يكون ظهَر لخالد قرينة بأنّ ابن أبي عائشة أخذه من صحابي .

    الشاهد : أنّ الحديث -في رأيي- لا يصح الاحتجاج به . حتى لو صححنا رواية خالد على أيوب
    اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,092

    افتراضي رد: للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معل

    بارك الله فيكما.

    أخي حمد: غفر الله لك.
    القرائن مهما كانت لا تسوِّغ للراوي الثقة الضابط أن يزيد في الحديث وإسناده ما لم يتحمَّله.
    وأسانيد الحديث تنقل بطريق التحمُّل، ثم أداء الراوي كما تحمَّل، وبهذا يحكم عليه بالضبط والثقة، والإخلال به يعرِّضه للتهمة أو الجرح.
    أما الزيادة والتعديل في أسانيد الحديث؛ فليس ذلك من شأن راويه، وحتى لو ظهر له قرائن وعلامات؛ فإنه يبيِّن ذلك ويوضِّحه، دون أن يزيد في الإسناد الذي يرويه.
    وخالد الحذاء -هنا- يذكر أن أبا قلابة (حدَّث) بالحديث، ولا يُظن بخالد ومثله من أهل الثقة والأمانة أن يزعم أن أبا قلابة حدَّث بشيء، ثم يزيد فيه برأيه واجتهاده ما ليس لأبي قلابة فيه شأن، ولا ذكره أبو قلابة ولا سمعه منه.

    وما تراه من عدم صحة الاحتجاج بالحديث؛ هل هو لما سبق، أم لأن معناه لا يفيد إيجاب قراءة الفاتحة على المأموم؟

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    911

    افتراضي رد: للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معل

    جزاك الله خيراً على إفادتك لي أخي محمد .
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد بن عبدالله مشاهدة المشاركة
    وما تراه من عدم صحة الاحتجاج بالحديث؛ هل هو لما سبق، أم لأن معناه لا يفيد إيجاب قراءة الفاتحة على المأموم؟
    بل لأنّ معناه ينافي قوله تعالى : ((وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)) .

    وليس كحديث : (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ؛ لأنه يقبل التخصيص .
    بخلاف حديث ابن أبي عائشة .
    اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,092

    افتراضي رد: للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معل

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حمد مشاهدة المشاركة
    بل لأنّ معناه ينافي قوله تعالى : ((وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون)) .
    وليس كحديث : (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ؛ لأنه يقبل التخصيص .
    بخلاف حديث ابن أبي عائشة .
    وفقك الله أخي حمد.
    حديث ابن أبي عائشة ألا يصح أن يكون مخصِّصًا للآية؟

    وبالنسبة للترجيح بين الوجهين:
    فالحق أن لكل وجهٍ قوته، خاصةً أن لأيوب وخالد اختصاصًا بأبي قلابة، فقد قال: «صديقاي من أهل البصرة دباغ وحذاء»، قال الإمام أحمد: «الحذاء: خالد، والدباغ: أيوب السختياني» (العلل ومعرفة الرجال: 1/272، 2/360).

    إلا أن الناظر يلحظ أن ما قُوّيت به رواية أيوب هو عموم تفضيله على خالد الحذاء، وأما ما قُوّيت به رواية خالد؛ فهو خاص بحديثنا هذا.
    ولا يخفى أن الراوي قد يُفضَّل على قرينِهِ، وأن ذلك لا يمنع أن يفوق المفضولُ الفاضلَ في أحاديث معينة، فإن تلك الأحكام في العموم والجملة، لا في كل حديث بعينه.
    والذي يظهر من حال رواية خالد الحذاء أنها لا تعارض رواية أيوب من كل وجه؛ كي يُلجأ إلى الترجيح بينهما، وذكر تفضيل أيوب على خالد، بل قد اتفق الاثنان في قدر من الرواية -هو الرواية المرسلة-، ثم زاد خالد الحذاء وصل الرواية.
    وزيادته هنا مقبولة، لأنه قد احتفت بها القرائن الدالة على ضبطه لها، وذلك ما ذُكر آنفًا في مرجحات روايته، وإذا زاد حافظٌ على حافظٍ قُبل -كما قال أبو زرعة الرازي، وقرر غيره من الأئمة النقاد-، وأيوب حافظ عمومًا، وخالد حافظ لهذا الحديث خاصةً.

    ولهذا فقد حكم أبو زرعة الدمشقي بأن خالدًا أحفظ لهذا الحديث من أيوب -كما سبق-، وسبق كذلك ذكر الإشارة التي تُفهم من كلام أبي حاتم الرازي.

    وتعاضد القرائن المقوية لرواية خالد تشهد لروايته بالراجحية، والله أعلم.

    النظر في رجال المدار:
    1- أبو قلابة:
    إمام حافظ.
    2- محمد بن أبي عائشة:
    هو مولى لبني أمية، خرج معهم إلى الشام لما أخرجهم ابن الزبير، فسكن دمشق.
    قال فيه ابن معين: " ثقة "، وقال أبو حاتم: " ليس به بأس "، وقال يعقوب الفسوي: " حدثنا دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم... حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني حسان بن عطية، قال: حدثني محمد بن أبي عائشة، قال: سمعت أبا هريرة. وهذا إسناد جيد ورجال ثقات " (المعرفة: 2/465).
    3- الرجل من الصحابة:
    قال الحسيني: «لعل الرجل أبو هريرة» (الإكمال: 1392)، وكأنه استظهر هذا من أن لابن أبي عائشة رواية وسماعًا من أبي هريرة -رضي الله عنه-، وأخرج له مسلم في صحيحه وبعض أهل السنن حديثًا عنه.
    ويؤيد ذلك أيضًا: أن في الحديث: «إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه»، وهذا ما أفتى به أبو هريرة -رضي الله عنه-، قيل له: إنا نكون وراء الإمام، فقال: «اقرأ بها في نفسك»، أخرجه مسلم (395).
    فإن كان الأمر كذلك؛ فهو أثبت في الاتصال، وإن لم يكن؛ فابن أبي عائشة سمع من أبي هريرة، وخروج بني أمية إلى الشام -حيث خرج معهم- كان بعد وفاة يزيد بن معاوية سنة 64 (انظر: البداية والنهاية: 11/635-637)، وخروجه معهم في ذلك الوقت يدل على أنه متقدم، وعاصر جمعًا من الصحابة.
    وقد ذكره ابن حبان في الثقات من التابعين، وقال ابن حجر: «ومحمد بن أبي عائشة تابعي معروف، روى عن أبي هريرة وجابر وغيرهما من الصحابة أيضًا، روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن وهو من أقرانه وحسان بن عطية وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر وآخرون» (الإصابة: 6/340).
    أما سماعه هذا الحديث بعينه من هذا الرجل من الصحابة؛ فلم أقف على ما يفيده، إلا أن ذلك لا يعني أن رواية ابن أبي عائشة عن الصحابة منقطعة، وينظر فيما نقله الأخ أبو محمد العائذي -وفقه الله- في مشاركته أعلاه.
    وقد قال البيهقي: «هذا إسناد جيد» (الكبرى: 2/166)، وقال ابن حجر: «إسناده حسن» (التلخيص الحبير: 1/247)، وأفاد ذلك اتصالَهُ عندهما.
    والله أعلم.

    ولعل لي -بإذن الله- عودة فيها زيادة وإضافات في مرجحات رواية خالد الحذاء، وفي توجيه ترجيح الدارقطني للوجه المرسل.

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    911

    افتراضي رد: للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معل

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد بن عبدالله مشاهدة المشاركة
    وفقك الله أخي حمد.
    حديث ابن أبي عائشة ألا يصح أن يكون مخصِّصًا للآية؟
    لا أخي محمد
    لأن الأمر لا يخلو من إحدى حالتين :
    1- أن تكون الآية نزلت بعد هذا الحديث - وذلك محتمل - = فتكون الآية ناسخة له .

    2- أو يكون الحديث وقع بعد نزول الآية - وهذا يحتاج إلى إثبات - :
    ففي هذه الحال / المسألة خلافية في أصول الفقه : هل يصح تخصيص الكتاب بالسنة غير المتواترة ؟
    اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,092

    افتراضي رد: للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معل

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حمد مشاهدة المشاركة
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد بن عبدالله مشاهدة المشاركة
    وفقك الله أخي حمد.
    حديث ابن أبي عائشة ألا يصح أن يكون مخصِّصًا للآية؟
    لا أخي محمد
    لأن الأمر لا يخلو من إحدى حالتين :
    1- أن تكون الآية نزلت بعد هذا الحديث - وذلك محتمل - = فتكون الآية ناسخة له .
    2- أو يكون الحديث وقع بعد نزول الآية - وهذا يحتاج إلى إثبات - :
    ففي هذه الحال / المسألة خلافية في أصول الفقه : هل يصح تخصيص الكتاب بالسنة غير المتواترة ؟
    بارك الله فيك.
    ما دام الأمر كذلك؛ فلعل في جوابك أولاً بـ(لا) نظر.
    والتاريخ لا يمكن إثباته إلا بدليل صحيح في الحالين جميعًا.
    ولا يخفى أن المرجَّح عند علمائنا في المسألة الأصولية التي ذكرتَها: صحة التخصيص والعمل به.

    زيادة وتفصيل في مرجحات رواية خالد الحذاء:
    1- أن خالدًا ثقة حافظ.
    2- أن خالدًا كان أشد اهتمامًا وتثبُّتًا في هذا الحديث خاصة، وذلك ظاهر في أمرين:
    أ- أنه لما رواه عن أبي قلابة مرسلاً، عاد فسأل أبا قلابة عمن حدثه به، فأخبره،
    ب- أنه لما روى الحديث قال -كما في رواية شعبة عنه-: «وحدثني -يعني: أبا قلابة- بعدُ ولم يقل: " إن شاء "، فقلت لأبي قلابة: إن شاء؟ قال: " لا أذكره "».
    وكون خالد أحفظ لهذا الحديث هو ما حكم به الإمام أبو زرعة الدمشقي -كما سيأتي-.
    3- أنه قد تبيّن -كما سبق في الكلام على رواية خالد الحذاء- أن خالدًا كان يروي الحديث كرواية أيوب، ثم استفصل من أبي قلابة؛ فبيّن له السند الموصول للحديث، فاتفق خالد وأيوب في رواية الحديث عن أبي قلابة مرسلاً، ثم تبيّن لخالد أن أبا قلابة رواه موصولاً؛ فرواه كذلك.
    وهذا يفيد أن استمرار أيوب في رواية المرسل راجع إلى أحد أمرين:
    أ- أنه ما علم بالموصول الذي كان عند أبي قلابة، إذ لم يستفصله، وربما كان ذاك لأنه كان أقدم وأكبر من خالد الحذاء، فأخذ الرواية الأولى، ولم يعد كما عاد خالد، أو أن هذه الرواية كانت في كتب أبي قلابة التي أخذها أيوب، وكان الوجه الموصول في محفوظ أبي قلابة، فروى أيوب ما كان في الكتاب، وروى خالد ما حفظه أبو قلابة.
    ب- أو أنه من باب تقصير أيوب بالأحاديث، وعدم وصله لها ولو كانت عنده موصولة، وذلك معروف من شأنه -وشأن بعض الأئمة غيره-، قال المروذي: سألته -يعني: أحمد بن حنبل- عن هشام بن حسان، فقال: " أيوب وابن عون أحب إليّ "، وحسَّن أمرَ هشام، وقال: " قد روى أحاديثَ رفعها أوقفوها، وقد كان مذهبهم أن يقصروا بالحديث ويوقفوه ".
    ويُلاحظ أن أحمد حسَّن أمرَ هشام؛ لأنه يروي الأحاديث موصولة، ولا يقصِّر بها، وهذا متوجِّه جدًّا إلى خالد الحذاء في حديثنا هذا.
    وانظر: بحث (الثقات الذين تعمدوا وقف المرفوع أو إرسال الموصول)، للشيخ د. علي الصياح.
    4- أن أبا قلابة نفسَهُ كان من يرسل الأحاديث وهي عنده موصولة، وكانت هذه عادة عند بعض التابعين وغيرهم، وإذا استُفصلوا أبانوا الإسناد المتصل.
    قال يزيد بن أبي مريم الشامي: كان يقدم علينا أبو قلابة، فينزل دار صفوان، فقدم؛ فنزل داريا، فقلت له: كان الله ينفعنا بمجالستك، فقال: «كنا نجالسكم، فلما قلتم: عمن؟ تركنا ذاك» (تاريخ أبي زرعة الدمشقي، ص125)، فيظهر أن أبا قلابة كان يرسل الأحاديث ولا يسندها، فكان يزيد وقومه يسألونه: عمن؟ أي: عمن تروي هذه الأحاديث، فضجر أبو قلابة، فلم ينزل قريبًا منهم. وهذا دليلٌ على عادة أبي قلابة في ذلك.
    فربما كان حديثنا هذا من تلك البابة: كان عند أبي قلابة على الوجه الموصول، لكنه حدث به مرسلاً -حسب العادة، أو تقصيرًا-، فلما استفصله خالد الحذاء، بيّن له إسناده.
    5- أن أبا زرعة الدمشقي قد رجّح هذا الوجه، فقد بين أن الراجح عن أيوب: الوجه المرسل، ثم قال: «هذا الصحيح من حديث أيوب، وخالد أحفظ له» (الفوائد المعللة، رقم: 102)،
    وربما فُهم ذلك من كلمة أبي حاتم الرازي -وسبق ذلك-، ويؤيدها في أنه يعتمد رواية خالد الحذاء: أنه قال في ترجمة أبي قلابة -كما في الجرح لابنه (5/58)-: " ولم يسمع من أبي زيد عمرو بن أخطب؛ بينهما عمرو بن بجدان، وسمع من محمد بن أبي عائشة بالشام... "، فبنى إثباته السماع هنا على رواية خالد الحذاء الموصولة -أفاد كلمة أبي حاتم في الجرح الشيخ أمجد الفلسطيني بارك الله فيه-.


    ويأتي -بإذن الله- الحديث عن ترجيح الدارقطني، ومن كان عنده فائدة فليفد، أحسن الله إليه.

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,092

    افتراضي رد: للمدارسة: حديث ابن أبي عائشة عن رجل من الصحابة في القراءة خلف الإمام، صحيح أم معل

    رجَّح الإمام الدارقطني -رحمه الله- الوجه المرسل -كما سبق نقله عنه-.
    ومن المفيد هنا نقل كلامه بتمامه -في موضعيه- لمعرفة وجه ترجيحه:

    حيث سئل -كما في العلل (9/64، 65)- عن حديث أبي قلابة، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إن كان أحدكم قارئًا خلف الإمام فليقرأ بفاتحة الكتاب ".
    فقال: " يرويه أيوب السختياني، واختلف عنه:
    - فرواه سلام أبو المنذر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي هريرة،
    - وخالفه الربيع بن بدر: رواه عن أيوب، عن الأعرج، عن أبي هريرة،
    - وخالفهم عبيدالله بن عمرو الرقي: فرواه عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك،
    - وخالفهم ابن علية، رواه عن أيوب، عن أبي قلابة مرسلاً،
    - ورواه خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن محمد بن أبي عائشة، عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-،
    والمرسل الصحيح " ا.هـ.

    ففصَّل الدارقطني هنا رواية أيوب، وأجمل رواية خالد الحذاء، ورجح عليها -وعلى الروايات الأخرى- رواية أيوب.

    وسئل -كما في العلل (12/237، 238)- عن حديث أبي قلابة، عن أنس، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " أتقرؤون والإمام يقرأ؟ "، قالوا: نعم، قال: " فلا تفعلوا، وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه ".
    فقال: " يرويه أيوب السختياني، وخالد الحذاء، واختلف عنه:
    فأما أيوب:
    - فإن عبيدالله بن عمرو رواه عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،
    - وخالفه سلام أبو المنذر: فرواه عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي هريرة،
    - وخالفهما الربيع بن بدر: رواه عن أيوب، عن الأعرج، عن أبي هريرة،
    - وخالفهم ابن علية وابن عيينة وحماد بن زيد: رووه عن أيوب، عن أبي قلابة مرسلاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
    وهو صحيح من رواية أيوب.
    فأما خالد الحذاء:
    - فرواه عن أبي قلابة، عن محمد بن أبي عائشة، عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال ذلك سفيان الثوري ويزيد بن زريع وبشر بن المفضل، عن خالد،
    - ورواه ابن علية وخالد بن عبدالله وشعبة وعلي بن عاصم، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن محمد بن أبي عائشة مرسلاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،
    - ورواه هشيم، عن خالد، عن أبي قلابة مرسلاً، لم يجاوز به أبا قلابة.
    والمرسل أصح " ا.هـ.

    وهنا فصَّل الدارقطني الروايتين معًا، ورجح الرواية المرسلة عن أيوب،
    ثم ذكر رواية خالد الحذاء، فذكر خلافًا عليه على ثلاثة أوجه:
    - الموصول،
    - مرسل محمد بن أبي عائشة،
    - مرسل أبي قلابة.

    وهذا يبيِّن أن ترجيح الدارقطني رواية أيوب على رواية خالد الحذاء إنما كان لما رآه من هذا الاختلاف على خالد -وهو خلافٌ بين جماعة من ثقات أصحابه-، فكأنه رأى أن الحذاء لم يضبط هذا الحديث، وأن أيوب -إذ لم يختلف عليه ثقات أصحابه- أضبط له، فرجح روايته.

    لكن سبق بيان أن الوجه الثاني عن خالد الحذاء راجعٌ إلى الوجه الأول -في رواية ابن علية عن خالد-، وسبق ذكر وجوه ذلك، ويؤيده أيضًا: أن البيهقي فهم من جواب أبي قلابة: أنه يقصد الوجه الموصول: عن محمد بن أبي عائشة، عن رجل من الصحابة، مرفوعًا.

    ولما لم نقف على الروايات الأخرى عن خالد على هذا الوجه -أعني: مرسل ابن أبي عائشة-، فلا يُدرَى بالضبط صيغة الرواية، وهل هي كرواية ابن علية: فيها ذكرٌ لسؤال خالدٍ أبا قلابة وجوابه له، أم هي مباشرة الإرسال: عن محمد بن أبي عائشة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،
    فإن كان الأمر كالأول؛ فما قيل في رواية ابن علية جارٍ على رواية الآخرين،
    وإن كان كالثاني؛ فيظهر أن هذا تقصير من هؤلاء الرواة في ذكر صحابي الحديث، وقد ذكره جماعة من الثقات -فيهم الثوري ويزيد بن زريع- عن خالد، وذكرهم له صحيح مقبول.

    وسؤال خالد الحذاء لأبي قلابة عن شيخه في هذا الحديث= مفيدٌ أن أبا قلابة كان يرسله من تلقاء نفسه، ولم يكن معروفًا أن شيخه فيه: محمد بن أبي عائشة، فالرواية بجعل محمد بن أبي عائشة يرسل الحديث غريبة فيما قبل سؤال خالد الحذاء، وأما بعده؛ فقد تبيَّن أنه يرويه عن محمد بن أبي عائشة، وأنه يقصد بهذا: الرواية الموصولة.

    على أن الدارقطني ذكر شعبةَ فيمن روى عن خالد عن أبي قلابة عن محمد بن أبي عائشة مرسلاً، وروايةُ أحمد بن حنبل، عن محمد بن جعفر غندر -أوثق أصحاب شعبة-، عن شعبة= ثابتةٌ في أن شعبة يرويه موصولاً عن محمد بن أبي عائشة، عن رجل من الصحابة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

    وأما الوجه الأخير فلم يروه إلا هشيم، وهو موافق لرواية خالد الحذاء قبل أن يستفصل أبا قلابة عن شيخه في الحديث -وسبق ذلك-، فلا يُعارض به الروايات المفصّلة لرواية خالد الحذاء.

    والله أعلم.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •