صورتي
بقلم : الحفناوي هالي

في يوم من الأيام أُخبرت أن جريدة البصائر نشرت صورتي ، فاهتززت فرحا ولم انتظر اشتراكي واشتريت الجريدة ، وامتددت على فراشي وفتحتها أتأمل الصورة ، وكانت صورة جميلة وأجمل من كل صورة ، وكنت كلما قرأت مقالا عُدت إلى الصورة فتأملتها ورأيت عليها بهاء جديدا ، لم أره من قبل ،وأحسست أنها بل أنني أجمل من قبل وذهبت لمكتبتي وبدأت أعمل ، وبعد ساعة أفقت فإذا بي لم أكتب حرفا ؛ لأنني كنت سابحا مع الصورة ووجدتني أردد : صورتي على الجريدة؟! وخرجت إلى الشارع وفي يدي منديلي أتهيأ لمنع الصحافيين الذين تَخَيَّلْت أنهم ينتظرونني في كل منعطف لأخذ صورتي ، وكنت أنظر على المارة حاسبا أنهم جميعا سيشيرون إليَّ ، ويُخْلون لي الطريق ، ويتبعونني وفي أيديهم البصائر لا يهتمون إلا بصورتي ، وعزمت على أن أكون مشفقا عليهم ومتواضعا لهم مقابل اهتمامهم بي وإعجابهم الكبير بصورتي ، وتأملت الناس فلم أر واحدا منهم يهتم بما أهتم به ، ولم يعترضني صحافي في الطريق مع أن الجريدة مضى على صدورها أربع وعشرون ساعة ، وشعرت بالخيبة وجلست على مقعد بمقهى ، فإذا بي على جانب رجل يقرا البصائر ودق قلبي وسَوَّيْتُ عمامتي لأجعلها كالتي في الصورة ؛لكي تسهل عليه معرفتي فيسألني عما إذا كنت أنا حقا صاحبها ، وكان بليدا وثقيلا في الفهم والقراءة ، ولعنت الذين نشرت مقالاتهم قبل صورتي فيشغلوه عن الوصول إليها ، وانتظرت طويلا وبعد نصف ساعة من الانتظار القاتل قلَّب الصفحة وهو يتثاءب – قلب الله مخه- وطلعت صورتي ورحت أنتقل في سرعة بعيني وقلبي بين الصورة وعيْنَيْه لأرى اللحظة التي يلتفت اهتمامه إليها ، ولكنه لم يفعل فتشجعت ووضعت أصبعي عليها ، وقلت وأنا ابتسم :
تكاد تنطق ، أليس كذلك ؟
والتفت إلي بجانب وفي فتور وقال : وماذا يهمني منها يا أخي ؟
قلت: أما عرفت صاحبها؟
قال: لا يعنيني ذلك .
فتحمست قائلا: إنها صورتي !!
فقال : الخبيث ": ومن بعد ؟
وشعرت كأن جالونا من الماء المثلج صب على رأسي ، وقمت أتعثر في خيبتي وأنا أُرَدِّد : ومن بعد؟ ومن بعد ؟
وأشفقت على أولئك الذين يهتمون إلى حد الغرور والجنون بنشر أسمائهم في رؤوس القوائم ، وعلى الصفحة الأولى (وقت السلم) وعلى إخوانهم الذين يمنعون الناس من الحديث ليسمعوا أسماءهم في الإذاعة وهم يسألون عن ممثل تزوج أو مغني انقلبت به سيارته .
وآمنت أن كل شيء في الحياة مما أدعيه كذب وتمويه إلا ما أنتجته يداي .
ومزقت الصورة وتحررت من أنانيتي ، وعدت إلى خلوة هالي المجهول فوجدت رضاء ضميري ، وكم في ذلك من راحة.

*جريدة البصائر العدد 330 السنة الثامنة عام 1375هـ /1955م..............................

عن منار الجزائر