فلاح المؤمن
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنعه الله بما آتاه رواه مسلم .

******

عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قد أفلح من أسلم في بعض الروايات من هدي للإسلام والمعنى: من أسلم وكان رزقه أو كان عيشه كفافا، وقنعه الله بما آتاه، الفلاح هو: الظفر بالمطلوب والنجاة والسلامة من المرهوب، ومن هم أصحاب هذا ؟ هم الذين قال الله فيهم : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ إلى قوله : أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ هذا غاية الفلاح وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ والآيات في هذا كثيرة.

الفلاح: الفوز والظفر بالمطلوب، يعني: الفلاح هو السعادة، من فاز بالمطلوب ونجى من المرهوب أليس هو السعيد ؟ وسبيل هذا الفلاح هو الإيمان بالله ورسوله والاستقامة على دينه، هذا هو سبيل الفلاح، الإيمان بالله ورسوله ثم الاستقامة على أمر الله ظاهرا وباطنا وهذا يتضمن أداء الحقوق - حقوق الله وحقوق العباد - بهذا ينال الفلاح وتنال السعادة.

قد أفلح من أسلم أسلم: ليس المراد مطلق إسلام، - يعني - لا الفلاح هو الفوز والظفر بكل مطلوب والسلامة من كل مرهوب يحتاج إلى تحقيق الإسلام والتحقق بالإسلام فإنه - يعني - التحقق بالإسلام، والانتماء إلى الإسلام يتفاضل ويختلف " قد أفلح من هدي للإسلام " ، قد أفلح من أسلم أسلم لله وانقاد لأمره، أسلم وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ في إبراهيم إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ إسلام قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ إلى قوله وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ الإسلام هو دين الله الذي بعث به رسله من أولهم إلى آخرهم، هو حبل النجاة، هو حبل الله المتين من تمسك به نجا ومن أفلته وانقطع منه هلك، " من أسلم " هو سبب سعادة الدنيا والآخرة: الإسلام، قال هذا الأصل هذا أساس الفلاح هو الإسلام.

ولكن من متممات الفلاح أن يكون رزق الإنسان كفافا: وسطا لا فقر يلجئه ويحوجه للناس ويلجئه - يعني - إلى لمسألة والنظر إلى ما في أيدي الناس، ولا غنى وثراء يوجب له الاغترار وإيثار الدنيا والانشغال بها وبحظوظها ومتعها عن أمر دينه ، وكان رزقه كفافا .

الكفاف: هو الذي يصبح وسطا لا غنى يطغيه ولا فقرا ينسيه، هذا من كمال - يعني - السعادة ؛ لأن - يعني - باعتبار أكثر الناس، الغنى يشغل صاحبه يفوت عليه فضائل ؛ لكن قد يكون الغنى سببا لمزيد من السعادة أحيانا مثل الذين قال فيهم الفقراء: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ... إلى آخره، ويتصدقون بفضول أموالهم - يعني - يشاركون إخوانهم الفقراء في الأعمال القاصرة صلاة ذكر وتسبيح وتلاوة قرآن، ولكنهم يتفوقون عليهم بالبذل وعتق الرقاب ومواساة الفقراء والصدقات والمواساة هذا نوع آخر، لكن الغالب أن الغنى يشغل، وليس كل من أوتي المال يبذله - يبذل الفضل - وكان رزقه كفافا هذا من متممات - يعني - مما يعين على التحقق بالقيام - يعني - بالعبودية لله والاستسلام لله والعمل بشرائع الإسلام أن يكون الرزق هكذا كفافا، وجاء عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا .

والخصلة الثالثة: وقنعه الله بما آتاه كان الرزق كفافا لكن ما تتم الفائدة من قول الرزق كفافا إلا إذا اقترن بالقناعة.

القناعة: هي غنى النفس، باختصار: هي غنى النفس، يكون راضيا عن ربه، لا ينظر إلى ما لدى الآخرين، يرى ما هو فيه، يعني يرى نفسه أنه في بحبوحة السعادة والخير، في بيت متوسط هادئ ما ينظر لهذه القصور والمفاخر، عنده سيارة على قد حاله ما ينظر إلى أصحاب المراكب الفارهة - ما عنده أبدا - مطمئن النفس وقنعه الله هذه منحة، ما من شيء أنت تفعله في نفسك هذا أمر موهبة ربانية من الله سبحانه وتعالى وقنعه الله بما آتاه فمن توفرت له هذه الثلاثة فقد أفلح، هذه النتيجة إسلام ورزق كاف وقناعة ، ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس .

الله أكبر، هذه الأحاديث ينبغي للمسلم أن يحفظها ويتذكرها حتى يقاوم ما يجد في نفسه من التطلعات والمنافسات، الرسول - عليه الصلاة والسلام - يقول للأنصار لما جاءوا يتعرضون له يطلبون - يعني - شيئا من العطاء مما جاء به أبو عبيدة قال : والذي نفسي بيده ما الفقر أخشى عليكم وإنما أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كانوا قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم فكم إنسان فقير أو إنسان رزقه كفافا ولكنه في بحبوحة من السرور ومنبسط وفيه سعادة ومرتاح البال وما عنده هموم، وكم من إنسان عنده من الدنيا ما يفوق به أكثر الناس ثروات عنده من المراكب والمساكن وأنواع المتاع والذهب والفضة وغير الذهب والفضة والأرصدة ومع ذلك هو في قلق دائم، تحسر على - يعني - ما يفوت من الصدقات، تحسر على ما يقع من الضربات والخسارات، وهذا ما له حل لو كان لابن آدم واد من ذهب لطلب ثانيا ولو كان له واديان لطلب ثالثا طلب طلب ، وقنعه الله بما آتاه غنى النفس ليس الغنى عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس .

شرح الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك
جامع شيخ الاسلام ابن تيمية