[تطبيق ربط موضوع المتن بالمعلومات فيه على ((ثلاثة الأصول))]
تقرر أنّ موضوع رسالة ((ثلاثة الأصول)) هو: تقرير توحيد الإلهية وتعليم مهمات الدين.
وإذا كان هذا هو موضوع الرسالة فلماذا قال: الأصل الأوّل وهو معرفة العبد ربّهظ
أو بعبارة أخرى: ما مناسبة الأصل الأول لموضوع الرسالة؟
والجواب أنّ الذين خاطبهم المؤلف كانوا يقرّون بتوحيد الربوبية فابتدأ به، واستدلّ به على توحيد الإلهية، فقرّر أن الربّ الخالق الرازق المحيي المميت هو المعبود، ولهذا أتى بكلام الحافظ ابن كثير: ((الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة))، وجاء في نسخة لثلاثة الأصول قوله: ((فإذا عرفت توحيد الربوبية فانظر فيما يستحقه من العبادة)) [1: ((الدر السنيّة(1/119)))]، وبعد ذلك انتقل إلى تقرير توحيد الإلهية فذكر أنواع العبادة كالدعاء والذبح و الاستغاثة والخوف والرجاء، واستدل على وجوب إفراد الله تعالى بكل عبادة من هذه العبادات.
فهذا هو وجه مناسبة إدخال الأصل الأول بتفاصيله في رسالة ثلاثة الأصول، والتي موضوعها تقرير توحيد الإلهية.
أما الأصل الثاني وهو معرفة العبد دينه، فقد عرّفه المؤلف بأنه دين الإسلام وهو الاستسلام لله بالتوحيد و الانقياد له بالطاعة و البراءة من الشرك و أهله.
ومن خلال هذا التعريف تتضح المناسبة، إضافةً على أنّه استطرد في هذا الأصل لمّا جاء الكلام على شهادة أن لا إله إلا الله وكون هذه الشهادة من أركان الإسلام، حيث شرح ((لا إله إلا الله)) وبيّن معناها بما يُفهم حقيقة الإسلام.
أما الأصل الثالث وهو معرفة العبد نبيه صلى الله عليه و سلم فمناسبة لموضوع الرسالة يتّضح بقول المؤلف: ((أُرسل بالمدثر{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(1) قُمْ فَأَنذِرْ(2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ(3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ(4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ(5)}[المدثر:1-5]))، وجاء في نسخة: ((معرفة النبي صلى الله عليه و سلم، وأجلّ ذلك معرفة ما أرسل به وهو التوحيد ونبذ الشرك)).اهـ[1: ((الدرر السنيّة))(1/157))]
وجاء في إحدى النسخ [2: ((المصدر السابق))(1/61،62)] أنّ المؤلف ذكر أساس الأمر و رأسه وأنه التوحيد فمن أجله أرسل الرُّسل ثمّ استدل بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}.
وجاء في النسخة المشهورة و المتداولة قوله: ((لا خير إلا دلّ الأمة عليه ولا شرّ إلا حذّرها منه، والخير الذي دل الأمة عليه التوحيد وجميع ما يحبه الله و يرضاه، والشرّ الذي حذّرها منه الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه)).
وهناك جُمل أخرى ذكرت في الرسالة غير الأصل الأوّل والأصل الثاني و الأصل الثالث، كالجملة المتعلقة بإرسال الرسل، وأول الرسل نوع عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه و سلم، والجملة المتعلقة بالكفر بالطاغوت، وأنواع الطواغيت، وغير ذلك، فهاتان الجملتان مرتبطتان بموضوع الرسالة بشكل كبير، لأنّ الرسل عليهم السلام أرسلوا لأجل توحيد الإلهية، ولهذا استدلّ بقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}.[النحل:36].
وجاء في نسخة من رسالة ثلاثة الأصول : ((وأعظم ما أمروا به توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له، وإخلاص العبادة له، وأعظم ما نهوا عنه الشرك في العبادة)).اهـ[1: ((المرجع السابق))(1/143)].
ثمّ تأتي بعد جملة الرسل جملةٌ متعلقةٌ بالكفر بالطاغوت، ومناسبتها للرسالة واضحة إذ تمثّل الشطر الأول من ((لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ))، أما مناسبتها لما قبلها فإن الله تعالى أرسل الرسل لأجل التوحيد ونبذ الشرك كما قال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} فناسب إذاً أن يتحدث المؤلف عن الطاغوت بعد أن تحدّث عن مهمّة الرّسل عليهم السلام.