أفيون الشعوب !


أحمد قوشتي عبد الرحيم



شهر كامل قادم سوف يعكف فيه ملايين البشر أمام الشاشات ، ولن يعلو فيه صوت فوق صوت منافسات كأس العالم .
وقاتل الله كارل ماركس ، كان يزعم أن الدين أفيون الشعب ، وكذب فيما قال.
بل أفيون الشعوب الحقيقي حاليا ، وخمره المعتقة ، ومنجم ذهب الرأسماليين ، وأباطرة الإعلام ، وديناصورات الفيفا ، وورقة السادة الرابحة لإلهاء الجماهير وتنويمهم ، وامتصاص سخطهم ، وتفريغ الشحنات المكبوتة داخلهم :
هو كرة القدم !!
وأعجب فعلا ممن يصر على أنها مجرد لعبة أو ترفيه عابر ، بل هي حاليا منظومة عالمية يتداخل فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي والثقافي .
فللاعبين الشهرة والمال بالملايين
وللإعلام بقنواته المختلفة مزيد من المشاهدين وأموال الإعلانات .
وللفيفا مزيد من الأموال والسيطرة والنفوذ .
وللرأسمالية المتوحشة وأدواتها مزيد من الدعاية وتصريف المنتجات ودوران رؤوس الأموال .
ولمدعي الوطنية الجوفاء رافد متجدد يعبرون فيه عن حب الأوطان بطريقة سهلة لا تكلفهم شيئا ، مع أن الأوطان لا تبنى ولا تعلو بأقدام اللاهثين خلف كرة جلدية ، وإنما تبنى بدين وخلق ، وعلم وتقدم وابتكار ، وحضارة ونزاهة وعدالة .
أما الجماهير المطحونة فتكفيهم جرعة إثارة مؤقتة تنسيهم - ولو قليلا - واقعا بئيسا يحيط بهم من كل جانب ، وتغيبهم - ولو يسيرا - عن تخيل مستقبل موحش ، وكل يبكي على ليلاه !!
فإذا ما أصبح الصباح، وكفت الجماهير عن الصراخ والصياح ، ذهبت السكرة ، ونفدت الجرعة ، وجاءت الفكرة ، وأطل الواقع كما هو لم يتغير منه شيء ،والله المستعان .