الإصلاح في الأرض لا يكون إلا بالتوحيد التام الجامع


هناك فرق ظاهر بين العلم بمسائل الاعتقاد وبين القيام بالتوحيد علماً وعملاً ودعوةً، وقياماً بحقوقه والتزاماً بلوازمه وواجباته، وبناء جميع مطالب الرسالة عليه ؛ بحيث يكون كل فرع من فروع الشريعة مبنيّاً على التوحيد بناء الفروع على الأصول ورجوع التابع للمتبوع.
التوحيد المطلوب النافع
وهذا التقرير يفيد أن التوحيد المطلوب النافع الذي يقع به الصلاح وبه يرفع الفساد هو التوحيد الجامع التام؛ فحيث ترى قصوراً أو نقصاً أو تقصيراً في الإصلاح ؛ فالسبب يرجع إلى النقص في فهم التوحيد، أو النقص في العمل في باب حقوق التوحيد.
فقه الاعتقاد
لهذا تحتاج الأمة إلى (فقه الاعتقاد) لا إلى مجرد الجدل والانتقاد، وإلى (تحقيق التوحيد) لا إلى مجرد حفظ أدلته، وإلى (الاستقامة على محض التوحيد) لا إلى مجرد معرفته.
فالحمل التام للتوحيد يكون بفهم أدلته وتصور مسائله ودفع الشبهات عنه، والتفقه بمعانيه وتحقيق مقاصده؛ فيكون هذا الحمل مؤسسا على النظر العلمي والفقه المقاصدي. ولنضرب مثالا: وهو أن بيان منهج القرآن والسنة في عرض التوحيد كان في معانيه الجامعة ومقاصده الكلية العامة، ولنقف على آية من القرآن، قال الله -تعالى في سورة المائدة بعد ذكر قضية الاحتكام إلى غير الشريعة-: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُون}.
المقابلة في الآية بين الداء والدواء
انظر -يا رعاك الله- إلى المقابلة في الآية بين الداء والدواء، بين الخلل والعلاج، وبين تشخيص الواقع وتعيين الواجب، بين ابتغاء الفساد وطريق الإصلاح، لم تكن المقابلة في الآية بين حكم الجاهلية وحكم الله، وإنما المقابلة بين حكم الجاهلية وبين اسم الجلالة (الله) وهو الاسم الجامع للأسماء الحسنى والصفات العُلا؛ لتقرير حقيقة مهمة وعظيمة، وهي أن حكم الجاهلية في الأرض لا يرفع ولا يزول إلا بما يتعلق بالله رباً ومعبوداً بأسمائه الحسنى، وبأحكامه الدينية والقدرية، وبتشريعاته الكلية والجزئية ؛ فالصراع ليس صراعاً بين أحكام الجاهلية وأحكام الشريعة، بل هو صراع قائم بين الجاهلية وبين المعنى الجامع للألوهية ولأحكام الله الكلية والجزئية.
مقابلة بين الجاهلية وبين العقيدة والشريعة
مقابلة بين الجاهلية وبين العقيدة والشريعة بمعانيها الجامعة، وليس صراعا بين أحكام الجاهلية وبين الشريعة بمعناها الخاص، وجيل الدعوة اليوم يجب أن يدرك هذه الحقيقة؛ لأنه لا تقوم له قائمة، ولا يتمكن من النهوض بيقظة بعد هذه النومة إلا بالاحتكام إلى المعنى الجامع للتوحيد.

الشيخ: فَتْحي بِن عَبدِ الله المَوْصِليِّ