وقفات مع إصدار إدارة الكلمة الطيبة - الرد المبين على الطاعنين في حكم رب العالمين



تحقيقًا لرسالتها في نشر الوعي بين أفراد المجتمع والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومواجهة ما يطرأ على الساحة من أفكار ومعتقدات تخالف ديننا الإسلامي، طبعت إدارة الكلمة الطيبة بجمعية إحياء التراث الإسلامي مؤخرًا رسالة قيمة ومهمة في بابها وهي رسالة: (الرد المبين على الطاعنين في حكم رب العالمين) تأليف الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف الشيخ: رائد بن محمد الحزيمي، وقد قدم لها كل من الشيخين محمد محمود النجدي وحمد بن صالح الأمير.
وقد جاءت الرسالة للرد على الطاعنين في أحكام رب العالمين وفي ثوابت الدين وما هو معلوم منه بالضرورة، ومن ذلك مسألة الإرث؛ حيث زعم أعداء الإسلام ومن تأثر بهم أن التفرقة في الميراث استندت إلى كون الإسلام قد عد المرأة نصف إنسان! لذلك جاء إرثها على النصف من حظ الرجل! وعليه جاءت هذه الرسالة تفند كل هذه الدعاوى المزعومة.
المقدمة
وقد ذكَرَ المؤلف في المقدمة التي عنونها بـ: (الرد المبين على الطاعنين والمشككين في عدل رب العالمين المحتجين بقول الرحمن الرحيم {للذكر مثل حظ الأنثيين}، قائلا: دأب أعداء الإسلام بث الشبهات والتشكيك والطعن في الشريعة، ورميها بالظلم، وأنها تفرق بين الذكر والأنثى في الأحكام الشرعية، وتفضيل الرجال على النساء في الحقوق، وعلى الأخص فيما يتعلق في الميراث، وقد لبسوا على المسلمين بأن نصيب الأنثى على الدوام نصف نصيب الذكر أو أن نصيب الذكر على الدوام ضعف نصيب المرأة؛ تلبيسا وتدليسا وجهلا، وسعوا بتهييج المسلمين ولا سيما النساء، وتشجيعهن على المطالبة بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، زعما منهم بأن هذا فيه إنصاف للمرأة وعدل، وهذا تلبيس وتدليس وكذب وافتراء على الله {مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} وأرادوا بذلك الطعن في دين الله -تعالى- وتنفير الناس منه والتشكيك فيه وفي عدل الله -تعالى- وكفر بأحكام الشريعة فهل ما قالوه حق أم باطل؟
تنبيهات مهمة
ثم أورد الشيخ الحزيمي تنبيهات مهمة خاطب بها المرأة المسلمة جاء فيها:
التنبيه الأول: نصيب الأنثى في الميراث مقابل نصيب الذكر
الانتباه إلى حقها الذي يريدون سلبه منها وقد أوهموها كذبا وزورا بأن نصيبها نصف نصيب الذكر على الدوام وهذا من البهتان والإفك، وأوضح أن نصيب الأنثى في الميراث مقابل نصيب الذكر له حالات عدة:
- فمنها: ما يكون نصيبها نصف نصيب الذكر.
- ومنها: ما يتساوى نصيبها مع نصيب الذكر.
- ومنها: ما يزيد على نصيب الذكر.
- ومنها: أن تستحوذ الأنثى على الميراث دون الذكر.
- ونبه قائلا: «فهم يريدونك أن تتنازلي عن حقك ليأخذوه لهم ثم يستعبدونك ويذلونك باسم المساواة...».
التنبيه الثاني: حظ النساء في الميراث قبل الإسلام
لم يكن للنساء حظ ولا نصيب في الميراث قبل الإسلام وجاء الإسلام وأعطاها حقها، بل لنقل: رد الإسلام للأنثى حقها وأنصفها من ظلم الرجل وظلم المجتمع الجاهلي، ولم يكن الأمر قاصرا على المجتمع الجاهلي قبل الإسلام، بل كذلك نجد أن المجتمعات والأديان الباطلة كالهندوسية والرومانية وغيرهما لم تكن المرأة عندهم سوى مخلوقا دنيئا لا حقوق له، بل هي عندهم من المتاع الذي يرثه الرجل مثل ما يرث باقي المتاع من منزل أو مال، بل عند بعض الملل والديانات يورثون زوجة الأب أكبر الأبناء، وهكذا كانت الأنثى محتقرة قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام أعطاها حقها في الميراث، وأكده، وأنها مثل الرجل في استحقاقها للميراث، فقال الله -تعالى-: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}.
مباحث الرسالة
المبحث الأول
وجعله في مقدمات ضرورية لابد منها، وأورد فيها ثمانية مقدمات، جاءت عناوينها كالتالي: (الآيات التي فيها للذكر مثل حظ الأنثيين)، ذكر الوارثات، ذكر الوارثين، بيان أنواع الورثة، التعرف على الأنصبة، أصحاب النسب في الميراث، نصيب الذكور، وملاحظة في غاية الأهمية.
المبحث الثاني
ذكر فيه تكريم الإسلام للمرأة في قسمة التركات، وبين أنه لا يوجد دين كرم المرأة وأعطاها حقوقها بل وحافظ على حقوقها وشرع لها التشريعات مثل ما أعطاها الإسلام، وقد بين ذلك وأوضحه بضرب أربعة أمثلة.
المبحث الثالث
جاء في المبحث الثالث مجمل أحوال نصيب الأنثى بين أحوال ميراث الأنثى ونصيبها مقابل نصيب الذكر، وأنه بالاستقراء نجد أن للأنثى ستة أحوال مقابل نصيب الذكر، ولكل حالة من الحالات الست لها أنواع، وبينها في ستة حالات.


الخلاصة
ثم أورد الشيخ الحزيمي خلاصة ما جاء في رسالته في مسألة الميراث قائلاً: أعطى الإسلام المرأة حقها في الميراث وميزها عن الرجل بل فضلها على الرجل في أحوال كثيرة من الميراث وذلك:
- قدمها على الذكر عند توزيع التركة.
- أعطاها نصيبا مقدرا ومحددا بنسبة ولم يترك نصيبها يحدده أهواء الناس.
- جاء ذكر تحديد نصيبها في آيات من كتاب الله لتتلى إلى يوم القيامة وليمنع أي شخص أن يتجاوزها ويحرمها من حقها.
- تحديد نصيبها جعلها تعرف مقدار ما سيكون لها بأسهل وسيلة، فلا تنتظر أن يحدد نصيبها الذكر.
- توعد الله كل من لا يعطي الورثة حقهم، ونصيبهم بالعذاب المهين: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.
- لا يتأثر نصيب الأنثى المقدر لها (النسبة المقدرة لها) في حال إذا زاد عدد الورثة، بينما نصيب الذكر يتأثر بزيادة عدد الورثة.
- الأنثى لا تحرم من نصيبها مهما زاد عدد الورثة، بينما الذكر قد يحرم بسبب نفاد التركة.
- إذا احتاجت الأنثى للذكر فإنه يعصبها لتشاركه في النصيب كمثل لو ترك الميت (بناتا وبنت ابن وابن ابن ابن) أو كمثل لو ترك الميت (أخوات شقيقات وأختا لأب) ولا نجد مثل ذلك للذكر إذا حرم من التركة، فلا نبحث له عن أنثى ونجعله يشاركها في النصيب.
- لا يكون نصيب الأنثى نصف نصيب الذكر، إلا في حالات أربع فقط وهي: (البنت مع الابن - بنت الابن مع ابن الابن - الأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق - الأخت لأب مع الأخ لأب).
ثم أضاف المؤلف على ذلك حالات يكون نصيب الأنثى نصف نصيب الذكر، حالتان للأم مع الأب، ومع الجد لأب.
علم الميراث وقسمة التركات
ثم ختم المصنف رسالته بكلمة عنون لها بـ (وتبقى كلمة) ذكر فيها: أن علم الميراث وقسمة التركات الله هو الذي شرعها لنا وهذا من عدله ورحمته بنا، فلو ترك الأمر للبشر يحددون النصيب والتوزيع، لتقاتلنا ولأكل القوي منا حق الضعيف وحرمه من حقه، بل لن يستطيع كائن من كان أن يجيب عن التساؤلات الآتية: لماذا اختار الله هذه الأنصبة أعني بها (السدس والثلث والثلثان الثمن والربع والنصف) دون غيرها من النسب مثل (الخمس أو السبع أو العشر)؟ ولماذا أعطى بعضا نصيبا يختلف عن غيره؟ وما الحكمة من إعطاء نصيب كل وراث من أصحاب الفروض الفرض المقدر لهم دون اختيار غيره من النصيب كمثل (لماذا الجدة السدس والزوج النصف أو الربع دون غيرها من الأنصبة) أسئلة كثيرة لن تجد لها جوابا؛ لأن الذي اختارها هو الله الذي خلق الخلق فأبدعه وأحكمه وهو أحكم الحاكمين، والحمد لله رب العالمين.
منقول