حكم ما يعرف في السوق ببيع السلع المحمية أو الاتجار في السلع على المباع:
من المشاكل التي تعتري من يتعامل في باب المعاملات المالية أنه حين يبحث عن حكم مسألة فيها قد لا يجدها، بسبب اختلاف اصطلاحات السوق عن المصطلحات الشرعية، وقد توحي مصطلحات السوق أول وهلة أن المسألة لا حرج فيها، فأما المتكاسل من مجرد بحث ضئيل لا يظفر فيه بمراده يتواكل على ظاهر توحي به مصطلحات السوق، كأن يحدث نفسه بأن المهم وجود التراضي، وقد يوقعه الجهل بالمصطلحات الشرعية في باب عظيم من أبواب الحرام ولا يعذر بجهله، لتفريطه أو تقصيره في باب البحث والسؤال، أو لتعويله على ذلك الظاهر البراق لمصطلحات السوق، ومن هنا تبرز قيمة كلام أهل العلم, أنه يحرم على المسلم الإقدام على عمل بدون أن يعرف حكمه، والأمانة في نقل الصورة للمفتي مطلوبة من المستفتي، وهذا يتطلب من المستفتي فهم الصورة بجزئياتها قبل الاستفتاء كما هي في التعامل.
كانت هذه مقدمة لا بد منها في بيان المسألة التي في العنوان، ففي الأسواق يتبادل الناس التعامل بما يعرف في السوق ببيع السلع المحمية، وصورتها, أن تقوم شركة ما بعرض بضاعتها على موزعي الأفراد بأحد نوعي ضمان,:
الأول: أنه لو شارفت صلاحية المنتج على الانتهاء فإن الشركة تضمن للموزع إبدال السلعة القديمة بسلعة صلاحيتها أطول.
الثاني: أن السلعة لو قل سعرها فإن الشركة تعوضه عن خسارته.
تكمن فائدة الشركة في الترويج لسلعتها في سوق المنافسة بحيث يقبل موزعو الأفراد على شراء سلعتها، وسحب كميات كبيرة من المنتج، والشركة تراقب وضعية السوق لأي احتمالات للمخاطرة.
وتكمن فائدة موزع الفرد وغيره في تأمينه على نفسه من أي مخاطر للخسارة.
وسيأتي أن القاعدة الشرعية أن الخراج أو الربح بالضمان.
وهل الشركة المنتجة تقدر في أرباحها المخاطرة المحتملة حين تحديد هامش الربح أو لا، هذا يحكمه سوق المنافسة.
ولا شك أن الشركة المنتجة راضية بهذا، ولولا هذا ما أقدمت على هذه المعاملة.
وموزع الفرد راض بهذا لأنه يتاجر بسلعة محمية من منتجها، فالطرفان متراضيان، لكن، هل هذه المسألة جائزة؟ وهل يعتبر الشرع هذا التراضي ويقره؟
وهناك صورة تشبه هذه الصورة تسمى الاتجار بالسلعة على المباع، بحيث يعطي المورد بكسر الراء وتشديدها لأي بائع أو فرد كمية من سلعة معينة، ويقول له هذه السلعة مني لك بكذا، وزد أنت هامش ربحك، أو يحدد له هامشا مقدرا من الربح، فيقول هذه السلعة مني لك بخمسة، وأنت بعها على ستة، ولكن، كمية السلعة التي لا تباع يرجعها البائع للمورد أو المنتج.
وفي الحالتين العقد على البضاعة غير واضح, لأن الذي اشتراه الوسيط لا يتحدد إلا بعد بيعه للبضاعة، فما باعه يقر بشرائه له مقابل الربح الذي أخذه عليه، وما لم يبعه يعتبر نفسه غير مشتر له، وهذه جهالة، لأن الكمية المشتراة لا تعرف ابتداء، وما بقي لا يعرف ابتداء، وإنما يعرف هذا بين الوسيط وبين البائع الأول بعد تصريف البضاعة؟
ومع هذا كله فالمورد أو المنتج راض، والبائع أيضا راض، فما حكم هذه المسألة؟ وهل يقر الشرع هذا التراضي
هذه الصورة ينتشر التعبير عنها في فتاوى أهل العلم ببيع التصريف، أو البيع على التصريف، أو البيع بالتصريف، وهي مبحوثة في كتب القدامى في مباحث الشروط المنافية للعقد، بحيث يشترط البيع بلا خسارة، أو يشترط نفوق السلعة، أي رواجها وتصريفها في السوق، فإن لم ترج ردت لصاحبها، وفي هتين الصورتين:
--سقوط الضمان عن البائع الوسيط بين المورد أو المنتج الأصلي وبين المالك, فإذا سقطت الصلاحية ترد السلعة للمورد أو المنتج، وإذا نقص الثمن تكون الخسارة على المنتج الأصلي أو المورد، والقاعدة الشرعية,(الخراج بالضمان)، أي, الفائدة من السلعة بالربح فيها كما تحب أن يكون لك مقابل ذلك عدلا أنك أنت الذي تخسر فيها إذا أصابها تلف أو عيب وهي في ملكك وحيازتك، هذا هو العدل، لا أن تربح أن في شيء وإذا تلف تكون خسارته على غيرك، ما لم يكن الضمان عقوبة, بأن يبيع أو يتصرف في مغصوب مثلا، فالمغصوب ما كان في حيازته فتعرض للتلف أو العيب فهو ملزم بالتعويض، ولكن ربح المغصوب إن باعه ليس له حق فيه، فما يحصل في بيع التصريف من المشارطة على أن الخسارة يتحملها المورد أو المنتج لا يجوز وإن كان بالتراضي عند التعاقد, لما نصت عليه هذه القاعدة الشرعية، ولكن، يمكن تصحيح هذه المعاملة لتكون شرعية.
--تمكث السلعة المتاجر فيها على المباع وقتا طويلا عند الوسيط، فيكون هناك جهالة في الثمن، وفي الكمية المباعة، ولا بد في البيع من تحديد السعر، ويكون البيعان عالمان بمقدار ما يباع، بالسعر الذي بيع به، حتى تنتفي الجهالة:
وفيما يلي بيان لكلام أهل العلم في هذه المسألة، وبيان كيفية تصحيح المعاملة.
--كلام الشيخ ابن عثيمين:
أولا—"السائل : فضيلة الشيخ أحسن الله إليكم: ما حكم الشرع في رأيكم في بيع التصريف وبيع البضاعة المشتراة من الخارج قبل أن تصل إلى المحل؟
الشيخ : التصريف وش هو ؟
السائل : التصريف مثلاً أن يعطي آخر بضاعة يقول ما تصرف منها تدفع لي ثمنها والي يتصرف تعيدها إلي الي ما تصرف تعيدها .
الشيخ : هذان سؤالان في سؤال واحد: السؤال: الأول: ما حكم بيع التصريف؟ وصورته أن يقول: بعت عليك هذه البضاعة، فما تصرف منها فهو على بيعه، وما لم يتصرف فرده إليَّ، وهذه المعاملة حرام؛ وذلك لأنها تؤدي إلى الجهل ولابد، إذ أن كلاً من البائع والمشتري لا يدري ماذا يتصرف من هذه البضاعة، فتعود المسألة إلى الجهالة، وقد ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه: «نهى عن بيع الغرر» وهذا لا شك أنه من الغرر.
ولكن إذا كان لابد أن يتصرف الطرفان هذا التصرف فليقل من له السلعة: خذ هذه وبعها بالوكالة، وليجعل له أجراً على وكالته، فيحصل بذلك المقصود للطرفين، فيكون هذا الثاني وكيلاً عن الأول بأجرة ولا بأس بذلك".
لقاءات الباب المفتوح، لقاء رقم(54)
https://fatawapedia.com/%D8%AD%D9%83...AD%D9%84-28876
وفي كتاب, الكنز الثمين في سؤالات ابن سنيد لابن عثيمين ص121:
"السؤال (538): كان شيخنا ابن عثيمين يمنع ما يسمى ببيع التصريف ومنه بيع الجرايد والألبان ومشتقاته حيث تحاسب الشركة صاحب الدكان على ما تصرف منها وتأخذ الباقي ويرى أن الأسلم والأبرأ أن يجعله وكيلاً له في البيع فكل جريدة يبيعها فله كذا فإن بقي شيء من الجرايد أخذه ويرى أن هذا توكيل جائز".
وفي الشرح الممتع, (10/28):
"وننتقل من هذا إلى مسألة بدأ الناس يتعاملون بها الآن وهي البيع على التصريف، مثال ذلك قال: هذه خمسة كراتين حليب أو خمس سلات خبز يبيعها على البقال على التصريف، يعني يأتي إليه في آخر النهار ويقول: كم صرفت؟ يقول كذا وكذا، فيقول له: هو عليك بكذا والباقي رُدَّهُ ويسقط من الثمن، فهذا على المذهب لا يجوز، لكن على القول الذي قلنا: إنه لا بأس به في مسألة التمر المأكول، نقول: يجوز بشرط أن يُقَدِّر لكل شيء ثمناً، أما أن يقول: على ما تصرف ولم يقل له: كل كرتون بكذا، أو كل سلة من سلات الخبز بكذا، فهذا يؤدي إلى الجهالة.
فمسألة التصريف لها طريقان: إما أن يوكله يعني الذي أتى بالخبز أو اللبن يوكل البقال، فيقول: خذ هذا بعه ولك على كل كرتون كذا وكذا فهذا جائز قولاً واحداً؛ لأنه توكيل بعوض فليس فيه إشكالأو يقول على القول الراجح: هذه ـ مثلاً ـ عشرة صناديق هي عليك بمائة، كل صندوق بعشرة وما لم تصرفه يرد بقسطه من الثمن، فهذا نرى أنه جائز؛ لأنه ليس على أحد الطرفين ضرر وليس فيه ظلم، وصاحب السلعة مستعد لقبول ما تبقى"..
فلا بد عند الشيخ من تحديد ثمن المباع قبل الشروع في البيع, فيحدد قيمة كل قطعة، فإن انتفى تحديد الثمن قبل الشروع في البيع فغير جائز، أو يمكن تصحيح البيع على عقد الوكالة، فتوضع البضاعة عند الوسيط بين صاحب السلعة والمستهلك، ويقال له وكلتك في بيعها على أجرة معلومة يتفقان عليها، والوكالة بأجرة جائزة.
--أبو عمر دُبْيَانِ بن محمد الدُّبْيَانِ:
تعرض في كتابه, المُعَامَلَاتُ المَالِيَّةُ أَصَالَة وَمُعَاصَرَة، لهذه المسألة، وهو كتاب بتقديم ثلة من المشايخ الكرام,
الشيخ: د. عَبْدُ اللهِ بْن عَبد المُحْسِن التّركيّ
الشيخ: د. صَالِحُ بن عَبد الله بْن حَميد
الشيخ: مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِر العَبُّودِي
الشيخ: صَالِحُ بْن عَبْد العَزِيزِ آلَ الشَّيْخِ
جاء في الكتاب المذكور في المبحث الثاني حكم البيع مع وجود شرط يخالف مقتضى العقد: قوله (5/357-358):
"الفرع الثاني إذا باعه بشرط ألا خسارة عليه أو متى نفق المبيع وإلا رده
[م - 416] إذا باعه بشرط ألا خسارة عليه.
فهذا الشرط يخالف مقتضى العقد؛ لأن مقتضى العقد أن يكون له الغنم كما يكون عليه الغرم. وأكثر من توجه لهذا الشرط بالبحث الشافعية والحنابلة.
فإذا اشترط المشتري على البائع بأنه لا خسارة عليه، أو شرط عليه: إن نفق المبيع وإلا رده عليه، فما حكم التزام مثل هذا الشرط، وما حكم العقد إذا اقترن به؟
اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول:
البيع صحيح، والشرط باطل، وهذا مذهب الحنفية، والحنابلة القول الثاني:
البيع فاسد، يجب فسخه فإن فات بعد القبض وجبت القيمة، وهذا مذهب المالكية، القول الثالث:
البيع باطل، وهذا مذهب الشافعية، ورواية في مذهب الحنابلة، اختارها القاضي وأصحابه".
إلى أن قال (5/359-360):
"وقد انتشرت في عصرنا مسألة البيع بالتصريف، فيأتي المنتج والمورد إلى البقال والصيدلي وغيرهما فيضع عنده بضاعته، من خبز وحليب ودواء وغيرها ويبيعها عليه، فما باعه المشتري من البضاعة في وقت صلاحيتها فهي على المشتري، وما بقي منها فهي رد على البائع، وبعض البضائع قد تمتد مدة صلاحيتها الفترة الطويلة كالدواء مثلًا فلا يدري المنتج كمية ما باعه منها، ولا يدري المشتري مقدار ما اشتراه منها، فهل مثل هذا البيع يمكن تصحيحه مع الابتلاء فيه؟
والجواب على هذا نقول: بيع التصريف يقع على طريقتين:
الأولى: أن يكون صاحب المحل وكيلًا للمنتج، بأن يقول صاحب البضاعة لصاحب المحل: خذ هذا بعه لي، ولك على كل سلعة تبيعها كذا وكذا، فهذا جائز قولًا واحدًا؛ لأن هذا العمل من قبيل الوكالة بأجرة.
وإذا كان صاحب المحل وكيلًا انطبقت عليه أحكام الوكالة، فتكون يده يد أمانة، فلا ضمان عليه إلا بتعد أو تفريط.
الثاني: أن يقوم صاحب البضاعة سلعًا معلومة، ويقول البائع: ما بعته منها فهو على بيعه، وما لم يتصرف فرده إلى بقسطه من الثمن.
وهذا العقد من عقود البيع، ويكون المشتري ضامنًا لكامل السلعة لو تلفت حتى لو كان التلف بلا تعد ولا تفريط؛ لأنه ماله تلف تحت يده، فضمانه عليه.
وهذا الصورة هو الذي وقع فيها إشكال في جوازها، وسوف أقيد كل ما وقفت عليه من الأقوال والنصوص القديمة والمعاصرة زيادة على ما تقدم لعلها تعين القارئ على فهم حكم هذه المسألة".
إلى أن نقل فتاوى المعاصرين في المسألة فقال (5/360-363):
"وقد سجلت أربعة أقوال في المسألة للعلماء المعاصرين وتكلم عليها شيخنا محمَّد بن عثيمين، وكان له أكثر من رأي مما يعبر عن تردده في حكم هذه المسألة نظرًا لانتشارها، وعمل الناس بها.
القول الأول:
يرى شيخنا أن العقد صحيح والشرط باطل، وعلل ذلك في الشرح الممتع بأنه يخالف مقتضى العقد، إذ إن مقتضى العقد أن المبيع للمشتري سواء نفق المبيع أو لا. وهذا القول من شيخنا يتفق مع ما هو معروف من مذهب الحنابلة.
وقال شيخنا أيضًا: "البيع بالتصريف عقد محرم لحصول الجهالة والغرر، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر".
وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
قالت اللجنة: "إذا شرط المشتري أن لا خسارة عليه، أو متى نفق المبيع وإلا رده عليه، أو شرط البائع ذلك فقال: اشتر هذه البضاعة مني، وإذا خسرت فأنا أدفع مقابل الخسارة، فإن الشرط يبطل وحده، ويصح البيع؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط. متفق عليه. ولأن مقتضى العقد انتقال المبيع للبائع بعد دفع الثمن، والتصرف المطلق فيه، وأن له ربحه وعليه خسارته وحده، ولدفع الضرر المتوقع إذا تهاون المشتري في ترويج السلعة فباعها بخسارة ورجع على البائع، ولأن قوله البائع: إن خسرت البضاعة فأنا أدفع الخسارة فيه تغرير من ناحية إيهام المشتري بأن السلعة رائجة، وأنها تساوي هذا المبلغ".
القول الثاني:
أن العقد والشرط صحيحان. ذكره شيخنا في الشرح الممتع، ورجحه، ولم ينسبه لأحد من أهل العلم، وعلل الجواز بأنه ليس على أحد الطرفين ضرر، وليس فيه ظلم، وصاحب السلعة مستعد لقبول ما تبقى"، القول الثالث:
ذكر شيخنا قولًا ثالثًا بأنه إن كان رد المشتري للسلعة بدون شرط وعقد مسبق بينه وبين البائع فلا بأس، لأنه إذا رده بدون شرط، ورضي البائع فهو إقالة من البائع للمشتري، والإقالة جائزة".
ويشكل على هذا التخريج:
أن التعامل اليوم أصبح عرفًا بين الناس، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، ...
القول الرابع:
أن العقد والشرط باطلان. وهذا قول في مذهب الحنابلة.
جاء في الشرح الكبير لابن قدامة: "شرط ما ينافي مقتضى البيع نحو أن يشترط أن لا خسارة عليه، أو متى نفق المبيع وإلا رده ... فهذا الشرط باطل في نفسه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث بريرة حين شرط أهلها الولاء: (ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) نص على بطلان هذا الشرط، وقسنا عليه سائر الشروط؛ لأنها في معناه.
وهل يبطل بها البيع؟ على روايتين:
قال القاضي: المنصوص عن أحمد أن البيع صحيح، وهو ظاهر كلام الخرقي، وبه قال الحسن والشعبي والنخعي، والحكم وابن أبي ليلى، وأبو ثور.
والثانية: البيع فاسد، وهو قول أبي حنفية، والشافعي؛ لأنه شرط فاسد، فأفسد البيع كما لو اشترط فيه عقدًا آخر، ولأن الشرط إذا فسد وجب الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن، وذلك مجهول فيصير الثمن مجهولًا، ولأن البائع إنما رضي بزوال ملكه عن المبيع بشرطه، والمشتري كذلك إذا كان الشرط له، فلو صح البيع بدونه لزال ملكه بغير رضاه، والبيع من شرطه التراضي، ولأنه قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن بيع وشرط، ووجه الأولى: ما روت عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي ... وذكر حديث عائشة في قصة عتق بريرة ... فأبطل -يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - الشرط ولم يبطل العقد.
وجاء في بحوث هيئة كبار العلماء في البلاد السعودية: "من الشروط الفاسدة: شرط ينافي مقتضى العقد، كأن يشترط في المبيع ألا خسارة عليه، أو ألا يبيع، ولا يهب، ولا يعتق، فهذه الشروط باطلة، وهل تبطل العقود المشتملة عليها؟ قولان لأهل العلم، وهما روايتان عن الإمام أحمد"
واشتراط ألا خسارة عليه كاشتراط متى نفق المبيع وإلا رده، فإن المحصلة واحدة، لأن المبيع متى كان نافقًا فالمشتري رابح، ومتى كان المبيع غير نافق فإن المشتري سيخسر، فالشرطان بمعنى واحد، وهما شرطان مخالفان لمقتضى العقد وبينهما فرق يسير سوف أشير إليه عند التعرض للترجيح".
فالمتفق عليه في هذه الأقوال الأربعة بطلان هذا العرف الذي أصبح في حكم الشرط في مسألة بيع البضاعة المحمية، أو الاتجار في السلعة على المباع، هذا العرف الذي حكمه حكم الشرط هو أن الخسارة والتلف على المنتج الأصلي أو المروج أو المورد للبضاعة.
الخلاصة:
لتصحيح هذه المعاملة شرعيا:
--إذا لم يرد الوسيط تملك البضاعة حتى لا تقع الخسارة عليه فيعقد مع البائع الأول عقد وكالة بأجرة معلومة، فيكون ربحه تلك الأجرة المعلومة، وهو عندئذ مؤتمن، إذا تلفت البضاعة عنده أو انتهت صلاحيتها ولم يكن منه تفريط ولا تعد فالخسارة على البائع الأول صاحب البضاعة الأصلية, يسترد البضاعة منتهية الصلاحية، ولا علاقة للوسيط بزيادة السعر أو نقصانه لأن العقد كان معه على أجرة معلومة.
--إذا أراد الوسيط بين البائع الأول أو المستهلك هامشا أكبر من الربح فإنه يتفق مع البائع الأول مهما اختلفت صفته من مورد أو مروج أو منتج على قدر معلوم وسعر معلوم بحيث يتحاسبان في نهاية اليوم مثلا ويكون العقد على جميع البضاعة عقد بيع وشراء بحيث لو تلفت وهي في ذمة الوسيط تكون عليه الخسارة لا على البائع الأول للقاعدة, الخراج بالضمان، فإن فضل شيء من البضاعة وقبل البائع الأول ردها بدون شرط جاز هذا، وعلى هذا, فلو انتهت صلاحية المنتج وهي في ذمة الوسيط فلا علاقة للبائع الأول بذلك، ولو فضلت بضاعة ورفض البائع الأول ردها ليس للوسيط مطالبته بأي شيء.
--سبب حرمة المعاملة في واقعها الحالي، الجهل في كمية المباع والثمن، والغرر الذي يقع فيها وتحمل البائع الأول الخسارة عن الوسيط سواء أكان في انتهاء الصلاحية أو في انخفاض السعر ولو كانا متراضيين، وعندها يحوي العقد شرطا فاسدا يؤدي إلى الإضرار بأحد الطرفين ولو على سبيل الاحتمال وقبول المخاطرة، وهذا ينافي العدالة التي جاءت الشريعة بإرسائها، وعندئذ لا اعتبار للتراضي، وتكافؤ الفرص يقضي بأن صاحب الربح كما أنه يحب الربح لنفسه فينبغي عليه ألا يضر بالآخرين, {وليؤد للناس الذي يحب أن يؤتى إليه}.
تنبيهات:
--يختلف حال الوسيط عن حال السمسار، فالسمسار مجرد دلال يدلل ببضاعة معينة يطلب منه المشتري أن يشتري له سلعة في حدود مبلغ معين مقابل زيادة يعطيها له متفق عليها، ويتفق معه البائع على بيع تلك السلعة بمبلغ معين فما زاد فهو له أو يتفقان على أجرة معينة، فالسمسار لا يبيع ولا يشتري، ولكنه وسيط بأجرة.
--أجاز الشيخ عبد السلام الشويعر حفظه الله ما إذا حدد تاريخ معين بأن يأتي الوسيط ويقول اشتري منك هذه البضاعة إلى شهر فإن انتهت المدة ولم تبع يعتبر من خيار الشرط بمدة معلومة،

والله أعلم.