كم من فكرة أثمرت عبرة وأراقت عبرة


قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَيَتَفَكَّرُون َ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.[1]

تأمل قَولَ اللَّهِ تَعَالَى في وَصْفِ أُولِي الْأَلْبَابِ: وَيَتَفَكَّرُون َ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا}، لتعلم أن التفكر في بديع صنع الله تعالى من أجلِّ العبادات ومن أعظم القربات؛ لأنه يكون غالبًا رائدَ العبادِ إلى الإيمان باللهِ، وسببًا لاستزادتهم من الإيمان!

عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قُلْتُ لِأُمِّ الدَّرْدَاءِ: أَيُّ عِبَادَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ كَانَ أَكْثَرَ؟ قَالَتْ: «التَّفَكُّرُ وَالِاعْتِبَارُ ».[2]

فكم من فكرة أثمرت عِبرَةً، وأراقت عَبْرَةً، وأورثت خشيةً، وأحيت قلبًا، وأنارت دربًا!

وتأملْ كيف أثمرَ التفكرُ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ تعظيمَ الله تعالى في قلوبهم حتى نزهوه عن النقائص، وكيف وَلَّدَ الخشية فيها حتى سألوا النجاة من عَذَابَ النَّارِ!

وهذه هي العلة في قولِ عبدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَالْحَسَنِ: «تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ».[3]

ومَنْ قلَّبَ ناظريه فيما حوله من المخلوقات رأي ما يدهشُ الألبابَ، ويذهل العقولَ، فمن المخلوقات ما تناهى كبره حتى لا يحيط به البصر، ومنها ما تناهى صغره حتى لا يدركه الطرفُ، وتتجلى حكمة الله تعالى في الدقيق والجليل على حدٍّ سواء.

والكل ناطق بتوحيدِ الله، خاضع لربوبيته، مسبح بحمدهِ؛ {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}.[4]

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « «إِنَّ نُوحًا لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَعَا ابْنَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكُمَا الْوَصِيَّةَ: آمُرُكُمَا بِاثْنَيْنِ وَأَنْهَاكُمَا عَنِ اثْنَيْنِ :........ثم قال: وَآمُرُكُمَا بِسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهُمَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ وَبِهَا يُرْزَقُ كُلُّ شَيْءٍ» ».[5]


[1] سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَة/ 191.
[2] رواه النسائي في السنن الكبرى- كِتَابُ الْمَوَاعِظِ، حديث رقم: 11850، وأبو نعيم في الحلية (1/ 208)، وابن المبارك في الزهد - حديث رقم: 286، وأبو داود في الزهد- حديث رقم: 205.
[3] رواه أبو الشيخ في كتاب العظمة- حديث رقم: 42، وأبو نعيم في الحلية (1/ 209)، والبيهقي في الشعب- حديث رقم: 117، وابن أبي شيبة- حديث رقم: 35223.
[4] سُورَةُ الْإِسْرَاءِ: الآية/ 44.

[5] رواه أحمد - حديث رقم: 7101، والحاكم - كِتَابُ الْإِيمَانِ، حديث رقم: 154، والبخاري في الأدب المفرد- بَابُ الْكِبْرِ، حديث رقم: 548، بسند صحيح.
______________________________ __________
الكاتب: سعيد مصطفى دياب