تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: تطوير اللغة العربية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,494

    افتراضي تطوير اللغة العربية

    تطوير اللغة العربية
    د. عبدالناصر بوعلي





    تمهيد:
    إن الدافع وراء كتابة هذا المقال هو تلك الحمية التي أثارها فيّ خبر أوردته جريدة الشروق اليومية العدد 2335 بتاريخ 17/ 02/ 2009 يتحدث فيه صاحبه عن ذكرى احتفال اليونسكو باليوم العالمي للغة الأم وإن هذه الأخيرة تقدم في هذه الذكرى طبعة جديدة من كتاب "أطلس اللغات المهددة بالخطر" والذي يطرح فيه مؤلفوه مجموعة من الأسئلة بشأن اللغات المهددة بالانقراض، وتساءل كاتب الخبر: هل العربية مهددة بالموت؟

    ثم جاءت ندوة المجلس الأعلى للغة العربية بعد ذلك وطرحت أمر اللغة العربية بجدية كبيرة، وراقني كثيراً كلمة الأستاذ الفاضل الدكتور محمد العربي ولد خليفة بما حملته من طرح سليم ورأي بنّاء وتوجه سديد، فارتأيت أن أسهم بهذا المقال علّه ينال رضا هيئة تحرير مجلتنا الغرّاء "العربية" ويطبع في أحد أعدادها المقبلة.

    لقد كانت اللغة العربية لعدة قرون سابقة لغة العلم والحضارة، والثقافة والفكر واستطاعت أن تتسع لأنواع الثقافات ومختلف العلوم التي ورثتها الحضارة العربية الإسلامية عن الأمم السابقة منذ القرن الثاني الهجري، بل وقد تجاوزت الاستيعاب إلى الإبداع والابتكار، فأضاف أبناؤها إضافات علمية إلى جميع أنواع العلوم المتداولة، وشكلت حلقة مهمة في سلسلة التطور الحضاري للإنسانية. وقد شهد لها بذلك الأعداء قبل الأهل والأصدقاء.

    ثم عدت عليها عوادي الزمن وأصيبت الأمة في كيانها بفعل تكالب الأعداء عليها من الخارج متمثلا في حروب وهجمات الحاقدين، وبعد سقوط غرناطة اتسعت دائرة الحقد فتكاتف الأعداء وشنوا عليها حروبًا صليبية في المشرقين الأقصى والأدنى وهجمة استعمارية شرسة أتت على الأخضر واليابس في المغرب العربي. ومن ناحية أخرى فقد نال الأمة تمزقات داخلية وخلافات وحروب أهلية صاحبها انحلال اجتماعي وسياسي كبيرين.

    وكانت نتيجة هذا سلبية على اللغة العربية، فقد انزوت على نفسها وتقهقرت وضعفت بضعف أهلها وانزوائهم، وأصابها الصدأ والركود.

    ولم تستيقظ إلا بعد أن وجدت العالم يعيش في الطباعة المتنوعة ويشاهد التلفاز ويسافر في الطائرات الفخمة ويرسل الأقمار الصناعية والصواريخ وينزل الإنسان على سطح القمر، فاحتارت من أين تدخل هذا العالم ولسان حالها يقول:
    ليت شعري والمنى لا يدرك ♦♦♦ هل أغدون يوما وأمري مجمع[1]

    فمن أين تدخل خضم المعارف الإنسانية المتسارعة التي حولت مجريات حياة الإنسان رأسًا على عقب وأتت بما لم يكن يومًا في الحسبان، فهل تقبع في مكانها وتراقب ما يجري حولها فتتراجع وتزول وهذا ما يرغب فيه أعداء العروبة والإسلام والحاقدين على الحضارة العربية. أم أنها تنفض الغبار عن نفسها وتثير في نفسها الأدوات الكامنة في طبيعتها اللغوية التي لا يمكن أن تجعل منها لغة ميتة، بل تؤهلها لاستيعاب ما يجدّ من المعاني العلمية والفكرية والثقافية؛ وهنا تكمن عظمة هذا الخلود.

    لقد بدأت أمتنا العربية والإسلامية يقظتها في بداية القرن العشرين بفضل رجال شمّروا على سواعدهم ودخلوا معترك الصراع يدفعهم في ذلك إيمانهم الراسخ بقيمة هذه اللغة الشريفة التي وسعت أحكام كتاب الله تعالى فكيف لا تسع اليوم أسماء مخترعات، فظهرت اجتهادات هنا وهناك في الوطن العربي وقامت مؤسسات ومراكز وجماعات تعني باللغة العربية في القاهرة، وبغداد، ودمشق، وتونس، والجزائر، والرباط... فكان لها الشرف في وضع أسس النهضة بهذه اللغة مدركة أنه لا يمكن أن تنهض الأمة ويحيا مجدها إلا بلغتها، ومن المؤسف أن هذا الجهد كان يقابله تيار يناصب العربية العداء فيثير الشكوك في مقدرة هذه اللغة من أن تخوض مسار البحث العلمي وتخترق المد التكنولوجي الهائل الذي يعرفه العالم من حولنا.

    على أنه وبعد أن تحررت أقطار المغرب العربي من ربقة الاستعمار وظهور سياسات في الوطن العربي تعمل على إحياء مجد الأمة وربطها بتاريخها العريق خاضت هذه الأقطار معركة داخلية تمثلت في تعريب المجالات العلمية والثقافية والإدارية وغيرها من قطاعات المجتمع، وعلى الرغم مما انتاب هذه العملية من نقائص بفعل عداء أتباع الاستعمار من جهة والاندفاع العاطفي غير المعتمد على التخطيط العالمي والتدبير المحكم فقد حقق قفزة نوعية في نشر الوعي بأهمية استرجاع اللغة العربية لمكانتها الرائدة، وهكذا انتشرت في الوطن العربي الجامعات والمعاهد العلمية التي تستعمل العربية في أنشطتها العلمية المختلفة.

    ما يواجه اللغة العربية من مشاكل:
    لقد ذكرنا أن اللغة العربية استطاعت أن تفلت من قبضة المستعمر والحاقدين عليها واجتازت امتحانًا صعبًا كسبت الرهان فيه وهي الآن تخوض غمار الصراع من أجل فرض وجودها على مستوى رقعتها البشرية أولا والتطلع إلى الانتشار وهنا ينبغي الإشارة إلى الدور العظيم الذي يمثله النص القرآني في المحافظة على هذه اللغة ونشرها، فالقرآن الكريم حفظ اللغة العربية من الضياع ومنع تشتتها واندثارها ووحدها على صورتها المعروفة الآن عندما استعمل لهجة قريش وقضى على فوضى اللهجات التي كانت سائدة.

    إن العربية تتعرض الآن لخطر عظيم يأتي من المد العولمي الذي يهدف في حقيقته إلى أمركة العالم وأوربته وطبعًا عولمة العالم بلغتهم وثقافتهم وسياستهم لا بلغتنا وثقافتنا ثم الأخطر من ذلك يأتيها من أبنائها العاقين الذين دارت في مخيلاتهم هذه القناعات واعتنقوا هذا التوجه وقالوا إن العربية عاجزة على حمل الفكر التكنولوجي وكأن ذلك حكرًا على اللسان الانجليزي أو الفرنسي، وتناسوا ما حققه الصينيون واليابانيون والروس والكوريون والهنود بلغاتهم وثقافتهم في هذا الميدان، إن هذا التحليل ليس بهدف التضييق من مجال تعلّم اللغات العالمية ولا التقليل من شأن الاستعانة بها بقدر ما أريد - التنبيه إلى ضرورة جعل اللغة لغة العلم والاختراع التكنولوجي، والإبداع الفكري والأدبي.

    وأمام هذا الخطر الداهم يجب أن نعني بسلامة اللغة العربية والعمل على جعلها وافية لمطالب العلوم والفنون وجميع شؤون الحياة الحاضرة، فبالرغم من أن اللغة وسيلة الاتصال والتفاهم بين الأفراد والجماعات فإنها في مفهومها القومي غاية في حد ذاتها، ذلك أن الأمة التي ليست لها لغة كاملة وصحيحة لا يمكن أن تبدع فكرًا صحيحًا.

    ومما لا شكّ فيه أن اللغة العربية تواجه الآن مشكلات مهمة لا بدّ من دراستها وتناولها بصورة موضوعية ومن هذه المشكلات نجد:
    1- قضية المصطلحات الحديثة في اللغة العربية.
    2- تعلم نحوها وصرفها.
    3- المعجم اللغوي للغة.
    يتبع








    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,494

    افتراضي رد: تطوير اللغة العربية

    تطوير اللغة العربية
    د. عبدالناصر بوعلي




    1- مشكلة المصطلحات:
    قد لا نبالغ إذا قلنا إن الأمة العربية تحتاج إلى المصطلحات العصرية اللغوية كما نحتاج إلى جميع وسائل التقدم الحضاري، إن توفير هذه المصطلحات يرتبط أساسًا بالوجود وبالتطور الحضاري، وهي مشكلة واجهتها جميع الأمم والشعوب، فاليابانيون والصينيون استطاعوا أن يطوعوا لغاتهم القومية واستوعبوا جميع المصطلحات العلمية التي وصلت إليها الحضارة المعاصرة، بل وها هي اللغة الفارسية الآن تنطلق بشعبها لكي تصل إلى طليعة الدول النووية. وهناك العديد من الدول الأخرى التي تمكنت من جعل لغاتها القومية لغات تستوعب جميع العلوم والمعارف مثل التركية، والدانمركية، والإسبانية...

    إن التاريخ يؤكد لنا جيدا أن اللغة العربية قديمًا تمكنت من اجتياز صعوبات الترجمة واستيعاب المعاني الحضارية فقد وضع علماؤها العديد منن المصطلحات لمخترعات ونظريات علمية متقدمة آنذاك وذلك عن طريق تفعيل خصائص اللغة العربية من اشتقاق ونحت، وتعريب ومجاز... الخ. وترجموا مفاهيم في غاية الدقة حتى غدت اللغة العربية لغة العلم والحضارة. ومن الكتب التي حملت هذه المعارف نذكر:
    كتاب "مفاتيح العلوم" للخوارزمي، وكتاب "التعريفات" للجرجاني، و"المعرب الأعجمي في لغة العرب" للجوالقي، وكتاب "شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل" للخفاجي...

    لقد عمد العرب قديما إلى التعريب والترجمة، فعربوا عن الفارسية: الإبريق، والسندس، والدولاب، والدسكرة، والسميد، والجلاب، والنرجس، وعربوا عن الهندية: الزنجبيل، والفلفل، والشطرنج، والمسك، والكافور، والقرنفل... وعن اليونانية: الفردوس، والترياق، والقنطار، والقسطاس، والمغناطيس[2]...

    وكانوا في بداية الأمر يتبعون هذه المصطلحات بشرح معانيها إلى أن تؤلف الكلمة في العربية ويتحدد مدلولها. من هنا أتتنا هذه المصطلحات العلمية الكثيرة التي نستعملها اليوم وكأنها خلقت مع العربية مثل الفلسفة، والسفسطة والكيمياء، والفيزياء والجبر والجغرافيا. وبذلك تمكنت اللغة العربية من اجتياز مرحلة تمازج وتلاقي الحضارات وفي ذلك قال أحمد أمين: «خرجت اللغة العربية عن هذا المأزق سليمة قوية واسعة، وهي لغة الدين ولغة العلم والأدب والفلسفة، واضمحلت بجانبها كل لغات البلاد المفتوحة. فاللغة السريانية التي ترجمت إليها الكتب اليونانية، أخذت تتدهور بعد أن نقل ما فيها إلى اللغة العربية. والفرس في ذلك العصر أصبحت لغتهم العلمية والأدبية هي اللغة العربية، إن ألّفوا أو شعروا أو كتبوا فبالعربية.... وكذلك اللغات الأخرى من رومانية وقبطية في الشام ومصر، وكسبت العربية من ذلك أنها أصبحت في تآلفها وعلومها نتاج كل هذه الأمم تلبس كل أفكارهم وتعبر عن قرائحهم وكسبوا منها ما لها من ثقافة إسلامية وأدبية»[3].

    ومع مطلع القرن العشرين شعر أبناء هذه اللغة بأهمية الاعتناء بقضية المصطلح العربي فبذل بعض الباحثين مجهوداتهم المعتبرة في اختيار المصطلحات المفيدة والصالحة لمختلف المناحي الجديدة في العلم والاختراع والفكر، واهتمت المجامع اللغوية في أنشئت لفرض تطوير اللغة العربية والمحافظة عليها بهذا الجانب، وهكذا بحث المؤتمر العالمي العربي الثاني الذي عقد في القاهرة سنة 1955 موضوع المصطلح من جميع الجوانب ودعا إلى توحيد الترجمة العربية لنحو عشرة آلاف مصطلح في مختلف التخصّصات منها الفلك، والرياضيات، والطب، وعلم النبات، والكيمياء، والعلوم الاجتماعية والاقتصادية وتوالت المجهودات عبر السياسات المنتهية في الأقطار العربية عبر ما أصبح يعرف بسياسة التعريب فيما بعد. كما حصل في الجزائر وجاء إنشاء المختبرات العلمية على مستوى العديد من الجامعات لهذا الغرض أيضًا.

    وبالرغم مما أنجز وتم لكننا مع الأسف مازلنا لم نواكب الركب ولم تحقق الأهداف التي طمحنا الوصول إليها والسبب في ذلك لا يعود طبعًا إلى طبيعة اللغة ولكنه يكمن في نقص الجدية وقلة المتابعة والاهتمام وإلى ضعف السياسات التي توجّه المؤسسات العلمية العربية، والتي ما زالت تفضل الركود أو أنها لا تريد فعلاً للغة العربية أن تسود وتدخل بقوة مجال التطور العلمي.

    2- تعلم النحو والصرف:
    لقد شاع في أوساط المتعلمين أن قواعد اللغة العربية صعبة وليس من السهل تعلمها لذلك نجد العديد من طلبتنا ينفرون من النحو والصرف ومن أساتذته؛ والحق أن اللغة العربية شأنها شأن اللغات الأخرى توجد فيها بعض العوائق ولكن الناس لا يرمون الفرنسية مثلاً بالصعوبة التي تحتوي على العديد من الاستثناءات؛ فعند جمع الكلمة في الفرنسية مثلاً فإن علامة الجمع فيها ليست دائما حرف "S" وإنما هناك حالات عديدة تتغير فيها الكلمة نحو: Cheval→Chevaux، وكذلك في التأنيث ثم في الإملاء فكلمتا: Phrase وPharmacien لا تكتبا بالـ "F" وإنما بـ "Ph"، وكذلك الأمر في إدخال "e" في "œuvre:"o، وغيرها من الحالات العديدة، وظاهرة الإبدال في العربية موجودة في اللغات الأوروبية، ومع ذلك لا ترتفع الأصوات بالشكوى ضد هذه اللغات.

    إن الأمر في نظري وفي نظر العديد من الدارسين والأساتذة لا يكمن في صعوبة النحو والصرف وحدهما بقدر ما يكمن كذلك في الطرق المنتهجة في تعليم قواعد اللغة العربية.

    لقد نهج النحاة قديمًا منهجًا فيه من التداخل بمكان فقد اعتمدوا في استنباط قواعدهم على التعليل والتأويل ولم يكتفوا بالوصف المجرد والتبويب وأقاموا النحو على نظرية العامل وتحدّثوا عن الإعراب التقديري والمحلي وهذا الأمر وغيره هو الذي جعلهم يجنحون ربما إلى الأفكار الفلسفية على أن ما زاد من تعقيد هذه المحطات والوقفات التي وقفها النحاة القدامى هو الطرق المنتهجة في تقديم مادة قواعد اللغة العربية لطلابنا والتي غدت عند بعض المدرسين والأساتذة هدفًا في نفسها قبل أن نصبح وسيلة يتعلمها المتلقي من أجل عصمة لسانه وقلمه من الزلل والخطأ، ومما لا شك فيه أن معرفة قوانين النحو ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها فهي التي تجعل القارئ قادًرا على التمييز بين الألفاظ المتكافئة في المعنى، وإن ما قعده النحاة لم يكن عملاُ عشوائيًا ترفيهيًا بل كان عملاً منظمًا وهادفًا جاء نتيجة استقراء طويل وشامل لنصوص اللغة العربية كما وصلت إليهم فقد رسم هؤلاء العلماء خطتهم في النحو بعد أن جعلوا نصب أعينهم الهدف الذي يرمون إليه. ولعله من المفيد أن نعرض هنا ما قاله ابن خلدون بهذا الشأن، فقد أدرك بحسبه اللغوي السليم وتذوقه لجمال العربية وأهمية النحو والإعراب ثمّ ميّـزَ تمييزًا مستنيرًا بين صناعة النحو لذاتها وبين الملكة اللغوية التي ينبغي العمل من أجل تكوينها في لسان طالب اللغة العربية؛ فقد جعل هذا العالم علم النحو أحد الأركان الأربعة لعلوم اللسان العربي (اللغة - النحو - البيان - الأدب) ورأى أن المقدم هو علم النحو إذ به تتبين أحوال المقاصد بالدلالة ولولاه لجهل أصل الإفادة، ولكنه يميز بين ملكة هذا اللسان وبين صناعة النحو والسبب في ذلك: «أن صناعة العربية إنما هي معرفة قوانين هذه الملكة ومقاييسها خاصة، فهو علم بكيفية لا نفس كيفية، فليست نفس الملكة، وإنما هي بمثابة من يعرف صناعة من الصنائع علمًا ولا يحكمها عملاً. فإن العلم بقوانين الإعراب إنما هو علم بكيفية العمل، ولذلك نجد كثيرًا ممن يحسن هذه الملكة ويجيد الفنين من المنظوم والمنثور وهو لا يحسن إعراب الفاعل من المفعول ولا المفعول من المجرور ولا شيئًا من قوانين صناعة الكتابة، من هذا نعلم أن تلك الملكة هي غير صناعة العربية وإنها مستغنية عنها بالجملة»[4].

    فما يستنتج من مقولة ابن خلدون هاته يمكن إجماله في النقاط الآتية:
    1- ضرورة العناية التامة بالنحو ومعرفة قوانينه التي لها أثر في فهم المعنى وتحديد الدلالة.
    2- إن معرفة النحو وسيلة وليست غاية، ولا يجوز الانشغال بالوسيلة إذا لم تكن عاملاً مساعدًا للوصول إلى الغاية.
    3- إن عملية التعلم للنحو ينبغي أن تجمع بين النظري والتطبيقي.
    4- إن امتلاك ملكة اللسان العربي تغني كثيرًا عن النحو.

    وبعد هذه لمقدمة حول أهمية النحو في تعليم العربية، ينبغي أن نقف وقفة نقدية تأملية لحال طلابنا وهم يتخرجون، فليس بإمكانهم التكلم أو الكتابة دون لحن - إلا من ندر - فأين الخطأ؛ أهو في قواعد اللغة العربية نفسها أم في طرق تدريسها؟ أم في البرامج المسطرة؟ أم الخطأ في أكثر من جهة؟

    الكل يعلم أنه تتشكل دائمًا اللجان وتعقد الندوات والملتقيات على أعلى مستوى للنظر في هذا الأمر وإيجاد الحلول على أن ذلك لم يغير من الأمر شيئًا ومن هنا وانطلاقًا من التجارب التي عايشتها مع الدرس النحوي من ما قبل الجامعة فإنني اقترح مجموعة من الإجراءات التي يمكن أن تسهم في تطوير تعليم النحو العربي أذكر منها:
    1 إدراك أهمية النحو في عصمة اللسان العربي من اللحن حرصًا على سلامة اللغة العربية وصونها من عبث العابثين.
    2- إدراك موقع النحو من النظام اللغوي العام الذي بدوره يمثل الكيان الإنساني بأوجهه المختلفة.
    3- إدراك الصلة العضوية بين النحو الوظيفي وفروع اللغة الأخرى.
    4- تدريب الطلاب على ضبط لغتهم حديثا وقراءة وكتابة بشكل يتدرّج مع مستواهم العقلي واللغوي في سلم التعلم التصاعدي.

    والآن إذا كان للنحو كل هذه الأهداف السامية فإن القول بالاستغناء عنه أو عدم إعطائه العناية لا يختلف عن الدعوة إلى القضاء على اللغة ذاتها. إن محنة العربية ليست في طبيعة نحوها إذ لا بدّ أن نفرق بين نحو اللغة باعتباره جزءً من طبيعة اللغة وجوهرها وبين أساليب دراسة هذا النحو، ونحن نعتقد أنه في طليعة أسباب هذا النفور من النحو يأتي الجمود في إتباع القدماء النحويين في سرد القواعد من غير عرضها على كلام العرب وشعرهم الخالي من الضرورة، والتزام أقوالهم كأنها مما يحرم الاجتهاد فيه، وقد أتى النحوَ الجمود في مدارسنا وصار مع الأسف غاية في ذاتها لا وسيلة للتعبير عن المعاني والأحاسيس[5] ولم يستطع المؤلفون في النحو من المعاصرين تجاوز هذه المحنة وكل ما كان من اجتهاداتهم جاء مرتجلاً لتجاوز مرحلة سرعان ما يبرز قصورها وتظهر نقائصها لأنها لم تخضع لدراسة معمقة وشاملة.

    3- المعجم اللغوي:
    نال الجانب المعجمي للغة العربية قديما العناية القصوى؛ فقد أحس علماء اللغة آنذاك بأهمية هذا الجانب في تطوير اللغة العربية والمحافظة عليها، لذلك رأينا بروز المعاجم الأولى وقد تخصص بعضها في الألفاظ وبعضها في المعاني، أذكر منها: معجم العين للخليل، ومعجم الصحاح للجوهري، ومقاييس اللغة للفيروزآبادي، وأساس البلاغة للإمام الزمخشري، والمخصص لابن سيده، ولسان العرب لابن منظور وغيرها على أن هذه المعاجم رغم القيمة العلمية الهائلة التي تحملها فإنها لم تدون جميع ما ورد من كلام العرب. فأين المعجمات من هذا التراث الضخم الذي تملكه العربية من كتب في الأدب، والتاريخ، والفلسفة، والفقه ودواوين الشعر و...، فالعربية ما زالت بحاجة ماسة إلى المزيد من معجمات تستوعب العديد مما ورد في لغة العرب وكتبها من مفردات عامة ومتخصصة، ومن فصيح وغير فصيح، ومن مولد ومعرب. وإن هذا العمل من شأنه أن يكفل للغة العربية مواكبتها للتطور الحضاري، وبالتالي يتوفر لأبنائها مجال الإبداع وتتسع لهم دائرة التفكير.

    وقد شعرت الجامعات العربية والمجامع اللغوية بقيمة العمل المعجمي فما فتئت تدرج مقاييس تتناول الجانب المعجمي في اللغة بالتدريس للطلاب، وتشجع التأليف المعجمي، فكان أن ظهرت محاولات في العمل المعجمي هنا وهناك نذكر منها المعاجم المدرسية، والمعاجم المتخصصة في القانون، والاقتصاد، والأمراض، والبترول، والزراعة... الخ.

    وإننا اليوم في حاجة ماسة إلى معجم يفي بجميع الأغراض العلمية، تعرف فيه الألفاظ بطريقة قادرة على تصوير الشيء المعرف تصويرًا وافيًا ينطبق تمامًا على مدلوله. إن العربية تحتاج اليوم أن تلج مجال غزو الفضاء والذرة والانترنيت وجميع مجالات العلم المعرفة المتخصصة لذلك فهي تتوق إلى معجميّين يجهدون النفس من أجل إنشاء مشروع معجمي ضخم يلم بجميع هذه الجوانب، وهنا ينبغي أن نسجل ثناءً على بعض الاجتهادات التي مازالت في بدايتها وأملنا أن تعرف التحقق الفعلي أذكر منها مبادرة الأستاذ الفاضل الحاج صالح والتي أطلق عليها عنوان "الذخيرة"، كما أن هناك مشاريع معجمية عند إخواننا المشارقة هي في غاية الدقة والشمولية وأملنا كبير أن ترى النور في يوم ما.

    الخلاصة:
    وأخيرًا أودّ أن أختم هذه المقالة بجملة من الاقتراحات من شأنها أن تفيد في مجال تطوير لغتنا العربية العريقة:
    إن الواجب يدعونا اليوم إلى التكاتف من أجل بث حركة لغوية متطورة وذكية تجعل من العربية فعلاً لغة العلم والأدب والحضارة، قادرة على استيعاب المصطلحات العلمية تؤهل أبناءها للإبداع والاختراع بها.

    ينبغي أن يتعاون الجميع من مؤسسات علمية وثقافية وسياسية من أجل رفع المستوى العلمي للأمة حتى نتمكن من جعل العربية اللغة الرسمية فعلاً في البلاد.

    لابدّ من خلق إطار عربي توطد فيه الصِّلات الفكرية والعلمية والأدبية بين العلماء العرب في شتى التخصصات.
    ينبغي التنقيب عن المخطوطات العربية وتحقيقها وإحياء ما فيها من مصطلحات عربية.
    القيام بترجمة واسعة للدوريات والحوليات الحديثة العهد ونشرها على طريق واسع.

    التشجيع المادي للمختبرات العلمية التي تتناول البحث في قضية المصطلح العربي، وجلب الكفاءات العلمية المتخصصة لها.
    تبنى سياسة واضحة وهادئة ودقيقة في مجال التعريب الذي شرعت فيه الجزائر وبعض البلدان العربية في السنين الفارطة.

    كما نقترح تأسيس مجمع لغوي واحد تحت رعاية عربية موحدة تستدعى له المؤسسات اللغوية القطرية والكفاءات العلمية المتخصصة والمتنوعة من أجل إنجاز معجم عربي حديث شاف كاف.



    [1] أبو الفرج الأصفهاني، كتاب الأغاني، 16/ 16.

    [2] إبراهيم أنيس، من أسرار اللغة العربية، ط1، القاهرة، 1955، ص48.

    [3] أحمد أمين، ضحى الإسلام، بيروت، 1978، ص113.

    [4] ابن خلدون، المقدمة، الدار التونسية للنشر، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط1، 1984، 2/ 136.

    [5] مجلة العربي، العدد 528، نوفمبر 2002، ص91.









    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •