فريضة الزكاة - من ركائز الإسلام القوية



الشيخ: عبدالمتعال محمد علي




إن الإسلام يقوم على ركائز قوية، ترسخ العقيدة الصحيحة في نفس المسلم، وتغرس فيه حب العبادة لله -تعالى-، وتنمي فيه روح الألفة والمحبة لإخوانه المسلمين، ومن بين تلك الأسس فريضة الزكاة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان».

إن فريضة الزكاة لون من ألوان التكافل الاجتماعي بين المسلمين، ومصدر من مصادر الدخل للدولة المسلمة، ومورد من موارد الاقتصاد الإسلامي في المجتمع، قال -جل شأنه-: وَالْمُؤْمِنُون َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

لقد شرعت الزكاة لمعالجة مشكلة الفقر ورعاية البؤساء، والأخذ بأيديهم من حياة الجوع والحرمان إلى حياة كريمة بعيدة عن الضنك والضيم؛ حيث فرض الله على الأغنياء كفالة اليتامى ورعاية الأرامل، ومساعدة المساكين، ومد يد العون إلى ذوي الحاجات الخاصة الذين تفيض أعينهم حزناً ألا يجدوا ما ينفقونه في حاجاتهم الضرورية، قال -تعالى-: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ}، وقال -جل شأنه-: (إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبّهُمْ إِنّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُواْ قَلِيلاً مّن اللّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِيَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ}.

من أهداف الزكاة

إن من أهداف الزكاة حماية المجتمع من التصدع والتفكك، ووقايته من الشح والجشع والبخل، وتطهير قلوب الفقراء من الحقد، والغل، والحسد، ولتزكية المال وتنميته بالبركة، ولتسري روح المحبة والمودة والإخاء في أفئدة المسلمين أغنياء وفقراء، حتى يصير المجتمع كالجسد الواحد؛ ولذلك أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأخذ الزكاة من الأغنياء بقوله -تعالى-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

حق مقرر في مختلف الأموال

إن الزكاة حق مقرر في مختلف الأموال التي يمتلكها المسلم ويستثمرها، من عروض التجارة وغيرها، وحدد مقدارها بربع العشر أي 2٫5% في الأموال التي تمكث عند صاحبها عاماً هجرياً، وكانت فائضة عن حوائجه الأصلية، كما حدد الشارع الحكيم مقدار زكاة الثروة الزراعية والحيوانية، فإذا أدى كل من وجبت عليه الزكاة التي هي حق للمساكين والفقراء وجد مجتمع ترفرف عليه أعلام السعادة والرخاء، قال يحيى بن سعيد: «بعثني الخليفة عمر بن عبدالعزيز لجمع الزكاة في إفريقية فجبيتها، وطلبت فقراء أعطيها لهم فلم أجد من يأخذها منا، فقد أغنى عمر بن عبدالعزيز الناس، فاشتريت بها رقاباً فأعتقتهم».

مصارف الزكاة

لقد حدد الله -تعالى- مصارف الزكاة وأهلها المستحقين لها بمقتضى علمه وحكمته وعدله ورحمته، فشملت جميع الطوائف الفقيرة والبائسة والمستضعفة، وكفلت لهم ما يغنيهم عن ذل السؤال، وعن الحاجة، كما تنفق الزكاة في الجهاد، وفي الدعوة إلى الإسلام، وفي وجوه الخير والبر، قال الله -تعالى-: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

العزة والرخاء

ولقد شرع الإسلام ما يحقق للمسلمين العزة والرخاء، والمجد والتقدم، فشرع بجانب الزكاة الكفارات والوقف، وحض على الصدقات، فهي أهم أبواب الخير التي حققت للأمة كثيراً من أهدافها النبيلة، ولقد فطن السلف الصالح إلى ذلك فبادروا إلى الأعمال الصالحات، والتبرع بالصدقات فأنشؤوا دور التعليم والعبادات التي يشع منها نور الهداية والعلم إلى سائر الأمصار، وشيدوا الحصون لحماية الثغور والبلاد، وأقاموا ملاجئ للعجزة وذوي الحاجات الخاصة لإيوائهم، وبنوا المستشفيات لرعاية المرضى.

صور مشرقة

إن التاريخ الإسلامي ذكر لنا صوراً مشرقة من سخاء السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، الذين أنفقوا أموالهم وتصدقوا بأراضيهم يبقي أصلها وينفق ريعها في وجوه الخير الكثيرة {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}.

فهذا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وقف بئر رومة للمسلمين يشربون ماءها مجاناً، وقال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «مَنْ حَفَرَ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ , فَحَفَرْتُهَا».

كما أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- تصدق بأرض له بخيبر على الفقراء والقربى وفي الرقاب (عتق العبيد) وفي سبيل الله، وابن السبيل والضيف. فهم بهذا الصنيع الطيب أنشؤوا حضارة رائعة، ومجتمعاً متماسكاً قوي الأركان، يشد أفراده بعضهم أزر بعض كالبنيان المرصوص كما قال الله عنهم {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}.

من بوادر الخير

إن من بوادر الخير أن ترى المحسنين يتسابقون إلى العمل التطوعي، ومساعدة الفقراء والبؤساء داخل البلاد وخارجها، حتى وصلت المساعدات إلى أقاصي بلاد العالم بالشرق والغرب عن طريق اللجان الخيرية التي لم تأل جهدًا في سبيل ذلك طامعين في الأجر من الله، قال الله -جل شأنه-: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، إنهم يقدمون الخير للناس مستبشرين بما قاله المصطفى -[-: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلا الطَّيِّبُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِه، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ».


صنائع المعروف

إن أهل الإسلام يتبادرون في تقديم يد العون للمحتاجين؛ لأنهم يعلمون أن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وأن الشح طريق الهلاك والدمار، فصانوا أنفسهم وأهليهم بهذا الصنيع الطيب، قال -جل شأنه- {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا».