الرواية ودورها في الدعوة


ثامر عبدالغني فائق سباعنه





تعتبر الدعوة أحد أهم أُسس الإسلام والعمل الإسلامي، وتحمل الدَّعوة كلَّ فنون النشر والإعلام، والكتابة والخطابة، ويلجأ الإسلام لكلِّ وسائل الدعوة المتاحة والقادرة على إيصال الرِّسالة والفكرة، والدعوة إلى الإسلام والإصلاح لا يمكن أن تكون عبر وسيلة واحدة.

الرواية أحد الميادين الأدبيَّة للثقافة العربيَّة، يقول الدكتور رضوان أبو عياش في كتاب الإعلام الدولي والسياسات الإعلامية: (إنَّ القصص القرآني وتصويره بصورة دقيقة يدلُّ دلالة واضحة على قدرة الآيات الكريمة على التصوير الدَّقيق لحوادث مرتبة ومركبة، سابقة ولاحقة).

إن القرآن الكريم يزخر بكلِّ الفنون والميادين الأدبيَّة، ومن بينها القصة والرِّواية، ومع ذلك تأخَّر الإسلاميون في استغلال الرواية، سواء من حيث الكتابة أو القراءة، بل إنَّ هناك الكثير من الإسلاميين مَن يجد الحرج من قراءة الرِّواية ويتجنَّب ذلك.

ضمن تربيتي الشرقية وانتمائي الديني كنت أبتعد عن قِراءة الرواية بالرغم من إقبالي على كلِّ أنواع الكتب، سواء الثقافية أو الدينية أو السياسية، ولكن كنتُ أتجنَّب الرواية، وكنتُ أسمع أنَّ الرواية ترفٌ أو حاجة جنسيَّة؛ بسبب ما تحويه الروايات من صور وحكايات ومشاهد جنسية مبالَغ فيها.

وبقيتُ بعيدًا عن عالم الرواية إلى أن بلغتُ سنَّ الثلاثين، وأثناء وجودي في سجون الاحتلال عرض عليَّ أحد الإخوة أن أقرأ روايةً، فرفضتُ وقلت له: إنِّي لا أقرأ الروايات، ولكنه أصرَّ عليَّ، وقدَّم لي روايةً بعنوان: (الخيميائي)، وكانت أوَّل رواية أقرؤها، وقد خرجت من هذه الرواية بانطباع آخر معاكس لكلِّ ما كنت أحمله من أفكار حول الروايات، ووجدتُ أن بالإمكان استغلال الرواية الأدبية وتحويلها إلى فنٍّ من فنون الدعوة، وأسلوبٍ من أساليب التعبير والتحكُّم في الرأي العام، فقد ثبت أن:
1- الرواية تلعب دورًا هامًّا وكبيرًا، خاصَّة في قطاع الشباب.
2- هنالك انتشار واسع وغير محدود للرِّوايات وبشكل ملحوظ.
3- الرواية فنٌّ أدَبي جميل، قادر على نقل الأفكار وتبنِّي المواقف، بالإضافة إلى دورها في توثيق بعض الأحداث.
4- سهولة الحصول على الرواية بثمَن مقبول، بالإضافة إلى إمكانية نقل نفس النسخة من شخص إلى آخر.

كل ذلك وأكثر جعل من الرِّواية ميدانًا مهمًّا من ميادين الدعوة، فكان لا بد من دخوله واستغلاله وتسخيره في سبيل أفكارهم الإيجابيَّة ومواقفهم البنَّاءة؛ لذلك لا بد من تشجيع الشباب الملتزم المبدع في الكتابة؛ بالاهتمام بأدب الرِّواية، والعمل على توجيه الكتَّاب المميزين لكتابة روايات تحمل الأفكارَ والمبادئ السليمة والصحيحة، سواء دينيًّا أو أخلاقيًّا، أو وطنيًّا وسياسيًّا، والعمل على نشر هذه الرِّوايات والإعلان عنها بقوة، بالإضافة إلى عقد المسابقات المهتمة بكتابة الرواية وتكريمِ الكتَّاب، ونشر وطباعة إبداعاتهم، على أن يحرص الكاتب على:
أ- البعد عن لغة التهديد والوعيد، والتخوين والقذف، واستخدام لغة الحوار والمقارنة السليمة الواعية.
ب- الحرص على استخدام المصطلحات المفهومة السهلة اليسيرة.
ج- العمل الحقيقي لمخاطبة قطاع الشَّباب، بأسلوب ولغة شبابيَّة، طبعًا مع الحفاظ على قِيَمنا الإسلامية والأخلاقية.
د- تناول المواضيع التي تهمُّ المجتمع، والبحث عن مَواطن الضعف والقصور لدى مجتمعاتنا لعلاجها.
هـ- اختيار شخصيَّات محببة قريبة من الشارع والناس، بحيث تكون بمثابة قدوة.
و- ربط الواقع الحالي بتراثنا الإسلامي وبحياة الرَّسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين.
ز- تبنِّي المواقف الواضحة الصحيحة من قضايا أمَّتنا.
ح- الاهتمام بدور الإعلام والدعاية للرواية بشكل قوي وواسع.
ط- صدق الإحساس وصدق القلم.

الرواية فنٌّ أدبي، يمكن تسخيره من خلال الكاتِب الواعي، القريب من أوجاع دينه وأمَّته، ويجب عدم إهمال هذا النَّوع من الفن.