خصائص القصة الشعرية في النصف الأول من القرن التاسع عشر
د. أحمد الخاني






عرفنا عينات من هذا القصص بدءاً من البارودي وانتهاء بالشابي، وقد شملت هذه النماذج القصة العرضية بأنواعها، وانتهت بالقصة الصريحة، فما خصائص كلا النوعين في هذه الفترة؟



القصة العرضية:

قصة البارودي تضرب بجذورها في هيكلها إلى قصة امرئ القيس مع بعض الخصوصيات، أنه دارت به الأرض، لقد كان شاعرنا رائد الشعر الحديث، يكفيه أنه رد لشعرنا عافيته وأعاد إليه شبابه، ولن نطالبه بالمزيد.



قصة شوقي سردية، ليس فيها مقومات القصص الفني وفي أسلوبها غثاثة في الألفاظ ونطقها، وفي مضمونها تمجيد للفراعنة الذين قالوا لشعوبهم: أنا ربكم الأعلى كقوله:


جل رمسيس فطرة وتعالى

شيعة أن يقوده السفهاء



إيه سيزوستريس ماذا ينال ال

وصف يوماً أو يبلغ الإطراء؟



لك آمون والهلال إذا يك

بر والشمس والضحى آباء



ولك المنشآت في كل بحر

ولك البر أرضه والسماء!!





وهذا شعر مرذول؛ شكلاً ومضموناً. فهل كان يعني شوقي بهذا الله ويسميه (سيزوستريس)؟ كان أمير الشعراء في غنىً عن هذا كله.. اضطراب في الشكل، واضطراب في المضمون، وجفاف في الأسلوب، فالفن القصصي ضامر والفن الشعري غير مستساغ في أسطورة القرون، وهذا العنوان انسحب على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فتأمل.



خصائص حافظ القصصية إرهاص لميلاد القصة الشعرية الناضجة التي رأيناها عند الشابي، فالروح القصصية لدى شاعر النيل غنية بخبر القص المنظم، سواء في قصته: غادة اليابان أو في قصته الغواني اللواتي قمن بمظاهرة احتجاج، أو في مطولته العمرية أو في زلزال مسينا.. حافظ إبراهيم رائد الأسلوب القصصي في هذه الفترة، فقد أثرى بقصصه هذا الفن.



أما أبو القاسم الشابي، فهو الذي أحس بروح القصة الشعرية وهو الفنان المريض الذي انتقى موضوعاً من وحي آلامه، وربما آلامه من آلام الآخرين.



ثعبان يلتهم طائراً صغيراً، لقد فلسف الشاعر هذا الحدث ونسج منه قصة جعل فيها من الثعبان الظالم رمزاً لتخليد الطائر الصغير الضعيف، يا لها من فلسفة المغالطات! ظالم متسلط يعيش على جماجم المستضعفين وعلى دمائهم وأعصابهم وعظامهم، وهو فوق ذلك يمن عليهم بهذا الظلم، يجعل من تسلطه عليهم منة في أعناق هؤلاء المظلومين المقهورين وهذه الفكرة قالها الرصافي بأسلوب مباشر:


عجبت لقوم يخضعون لدولة

يسوسهم بالموبقات عميدها



وأعجب من ذا أنهم يرهبونها

وأموالها منهم ومنهم جنودها





وقد زاد الشابي على الرصافي المنة التي يمنها الظالم على المظلوم.



هذا هو الشعر المرآة الذي أراده أرسطو للشعر أن يكون في الشعر الملحمي والمسرحي، وقد نسي الشعر الغنائي أو استبعده من الفن الشعري.



وهذا الشعر المرآة الذي مجده النقاد في الشيخ زبير أو شكسبير.




خصائص القصص السابقة، معناها منشور بين يدي القارئ، بينما قصة الشابي فلسفة تحتاج إلى تأن وعمق في مفهوم الدلالة، فهذا تجديد في طرح مفهوم الظلم، والهدف أيضاً بعيد الغور؛ إن لازم المعنى كما يقول البلاغيون هو التخلص من هذا الوضع الرهيب ومن هذه الفلسفة البلشفية وذلك يوحي بانتفاضة، بل انتفاضات تنزل إلى ساحة الكفاح لدى الشعوب المسحوقة من تسلط الظالمين.



وفي قصة الشابي ارتقاء بالقصة الشعرية فناً قصصياً وفناً شعرياً على حد سواء.