إخراج العلماء مشروع مليء بالتحديات


د. محمد بريش







مشروع إخراج العلماء برنامج تحديات؛ فبيانُ اليونسكو للتعليم العالي للقرن الحادي والعشرين السابق الذكر يعترف في مدخله أن التعليم العالي بكافة أرجاء الأرض يواجه تحديات ومصاعب كبيرة، تهمُّ تمويله والمساواة في شروط وُلوجِه، ومستوى الدراسات، وتأهيل أساتذته وموظفيه، وترقيتهم، وتمكينهم من تكوين في مستوى الكفاءة والجودة، والبحث، وحسن الخدمات، ودقة البرامج، ومحاربة بَطالة المتخرِّجين، وعقد اتفاقيات لتعاون مثمر ونافع، وحسن الاستفادة من التعاون الثنائي والدولي.

كما يواجه تحديات أخرى، منها ما هو لصيق بتنامي الطلب عليه؛ إذ ارتفع عدد الراغبين فيه على الصعيد الدولي من 13 مليون طالب سنة 1960 إلى 82 مليون طالب سنة 1997، مما يدل على كثير تطوره، فضلاً عن تنامي تعدد فروعه، وتصاعد الميزانيات والموارد المرصودة له.

ومنها ما هو متعلق بمجال تطور العلوم والتقنيات التي غيرت وطورت شكل استلهام المعارف، وتعلمها، وكيفية إدراك ذلك، وتوزيعه، ومراقبته والوصول إليه عبر أقرب السبل وأمتنها إليه، مع الحرص على المساواة في كل مراحل المنظومة التربوية.

يقول بيان اليونسكو المذكور: "... لهذا يواجه التعليم العالي نفسه تحديات هامة، تلزمه بالتغيير والتجديد بشكل أكثر جذرية، لم يسبق له أن قام بمثله، بحيث يتمكن مجتمعُنا - الذي يعرف اليوم أزمة خطيرة على صعيد القيم - من الانتقال من الاهتمامات الاقتصادية الخالصة إلى أبعاد أعمق في الأخلاق والروحانية".

وكثير من مؤسسات تعليمنا العالي يواجه تحديات إضافية، مثل معاناته من وطأة البيروقراطية، والتفنُّن في وضع العراقيل للحدِّ من حجم الطلاب الوافدين عليها لمتابعة دراستهم.

وهذا ما جعلها بعيدةً عن مبدأ المساواة الذي ينبغي أن يطبَع كل مؤسسة تربوية، وخاصة تلك التي تُعنى بالمستويات العالية.

فابن الرِّيفيِّ أو ابن العائلة الفقيرة لم تَعُدْ له نفس الحظوظ للانخراط في التعليم العالي مثل ما كان عليه الأمر مثلاً - على ضآلته - في بداية استقلال معظم دول العالم الإسلامي.

إن تطور العلوم والتكنولوجيا والتغيير الحاصل في مجالات التشغيل، وتنوع الخبرات الـمِهنيَّة، واعتماد الاقتصاد على نظام جديد تقلصت فيه نسبة تدخل الدولة، ونما فيه جانب تدخل القطاع الخاص، كل ذلك وغيره من آثار العولمة وتحرير السوق يدفع التعليم العالي إلى ضرورة المراجعة الشاملة لمواجهة تحديات تهدد بقاءَه إذا لم يُقدِمْ على تغيير في المستوى المطلوب.

ففي الوقت الذي كانت فيه نسبة تدخل الدولة كبيرة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، كانت الجامعة، ومعها مؤسسات التعليم العالي، تسعى لسد حاجات الدولة وإدارتها ومؤسساتها من الأُطُر والموظَّفين في شتى التخصصات، أَمَا وقد بدأ - بفعل عوامل عدة، منها: عولمة السوق، وتحرير الاقتصاد وربطه بقوانين وتيارات دولية - مجال الدولة يتقلَّصُ في الاقتصاد والمجتمع، ومن ثَمَّ في مستقبل التربية والشغل، فإن كُبرَيات الجامعات بالدول الصناعية قد انكبَّت على الاهتمام بالطالب من جهة، والبحث عن موارد من القطاع الخاص من جهة أخرى.

بل نجد في العديد من الدول السلطةَ المركزية للقضايا التربوية تدفع الجامعات إلى نوع من الاستقلال في الميزانية المالية، وحثِّها على البحث عن الموارد في القطاع الخاص، أو من خلال بيع بعض منتوجِها المعرفي، أو توظيف خبراتها العلمية.


ولا نخالُ دولَنا التي ألِفت الاطمئنان إلى النقل الشديد والحِرفيِّ لما تقدم عليه دول العالم الأول ومن حولها إلا سالكةً نفس النَّهْج - وخاصة حين اشتداد الأزمة وقلة الموارد - دون تبصُّرٍ بالعواقب أو دراسة للمزايا والمفاسد.

وهو ما يُنذِرُ بمشاكل عديدة في الغدِ القريب، ليس لسوء الفكرة، ولكن لسوء النقل، وتلهف على التبعيَّة مع قلة الخبرة.