تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: تشنيف الأسماع بالفوائد المستخرجة من خطبتي رسول الله يوم عرفة ويوم النحر في حجة الوداع

  1. #1

    افتراضي تشنيف الأسماع بالفوائد المستخرجة من خطبتي رسول الله يوم عرفة ويوم النحر في حجة الوداع

    تشنيف الأسماع بالفوائد المستخرجة من خطبتي رسول الله ﷺ يوم عرفة ويوم النحر في حجة الوداع
    أعده/ أبو عاصم الشحات شعبان محمود البركاتي
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وبعد:
    فهذه جملة من الفوائد حصلتها من خطبتي النبي ﷺ في يوم عرفة ويوم النحر في حجة الوداع؛ وقد اشتملت الخطبتان على معاني عظيمة وفوائد جمة؛ وأصول من أصول الدين وأحكامه؛ وهي خطب ماتعة؛ وللخير جامعة؛ وللشر ناهية ومانعة؛ وهي أشبه بوصية مودع للدنيا؛ مقبل على الآخرة، داع لأحسن الأعمال والأخلاق.
    قال الشاعر:
    ومن رامَ السعـــــــــــ ـــــــــــــاد ةَ في تُقاهُ .... حمــــــــاهُ اللهُ مــــــــــــــ ــنْ شرِّ اللــــــــــــ ـــئامِ
    ومن عشـــــــــقَ الجنان سعى إليها .... ففاز بصحبةِ الصحبِ الكرامِ
    هذا وإني إذ أقدم ما كتبت وما جمعت راجيا من الله تعالى القبول وحسن المصير؛ وشفاعة الرسول ﷺ ؛ وما توفيقي إلا بالله وحده وهو خير مسئول وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه.
    خطبة يوم عرفة
    أخرج مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وفيه: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ حَاجٌّ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ، وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ، .... إلى أن قال جابر: فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ، فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ، فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنّ َ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُ مْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟" قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ "اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ... الحديث.
    خطبة يوم النحر
    أخرج البخاري ومسلم واللفظ لمسلم عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ "، ثُمَّ قَالَ: "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟" قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟"، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟" قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا - أَوْ ضُلَّالًا - يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلِّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ "، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟"
    وفي رواية أخرى في الصحيحين: "أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "اللهُمَّ اشْهَدْ"
    وأخرجه كذلك البخاري وأحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
    وأخرجه البخاري ومسلم كذلك من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
    وأخرجه البخاري ومسلم أيضا من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
    فوائد الحديثين:
    (1) ارتباط المعاني في الحديثين والتأكيد عليها فكأنهما حديث واحد وخطبة واحدة؛ وذلك لتأكيد النبي ﷺ على المعاني العظيمة والقيم النبيلة.
    (2) إبطال بعض أفعال الجاهلية؛ وذلك في قوله ﷺ" أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ" ومعنى موضوع أي هدر متروك.
    (3) تعظيم حرمه الدماء والأموال والأعراض، وجعل حرمتها كحرمة الشهر الحرام، والبلد الحرام، ويوم عرفة؛ قال تعالى :﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُم ْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾.
    وقال تعالى : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾
    وقال تعالى : ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾.
    (4) وضع دم الجاهلية، وذلك بقوله : " وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ" ومعنى موضوع أي هدر متروك لا قصاص فيه.
    حرمة الدماء المعصومة في الإسلام
    أما في الإسلام فقد صان الله تعالى الأنفس ورتب عقوبة لمن تعدى عليها بالقتل أو الجرح؛ وتوعده في الآخرة بالعذاب العظيم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ (النساء : 93).
    وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ".
    وأخرج الشيخان كذلك عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ".
    وقوله ﷺ في خطبة يوم النحر : " فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا - أَوْ ضُلَّالًا - يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ".
    وأخرج البخاري وأحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا".
    وأخرج الشيخان البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا القَاتِلُ، فَمَا بَالُ المَقْتُولِ؟ قَالَ: "إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ".
    وأخرج البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: "إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ".
    فالمسلم معصوم الدم والمال؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ" متفق عليه.
    وكذا المعاهد والذمي والمستأمن؛ فأخرج البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا".
    لأجل صيانة الأنفس المعصومة شرع الله القصاص ، فقال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (سورة البقرة).
    فالقصاص واجب إلا أن يعفو ولي الدم أو يقبل الدية.
    (5) تحريم الربا [1].
    والربا: محرم في الشريعة الإِسلامية لقوله تعالى: وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ وقوله : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾.
    وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - ﷺ- قال: "قَالَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ".
    وضع وإهدار ربا الجاهلية وكذا في الإسلام
    وضع رسول الله ﷺ الربا الذي كان شائعًا وفاشيًا بينهم، وأول ربا وضعه ربا عمه العباس؛ وذلك ليكون قدوة في هذا الشأن يبدأ بنفسه وآله في تنفيذ الأوامر الربانية، فإن ذلك أدعى لقبول الناس، وتلك هي طريقة الأنبياء عليه السلام كما قال شعيب عليه السلام: ﴿وَمَا أُرِ*يدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِ*يدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّـهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود:88]
    (6) تحريم التعدي على الأموال:
    تحريم التعدي على الأموال؛ بكل صور التعدي من سرقة أو رشوة أو غصب أو ابتزاز أو ربا وغير ذلك من أشكال التعدي ؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة : 188).
    وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ . وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾( سورة البقرة).
    وقال تعالى: ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾ (سورة النساء).
    وقال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾(سورة النساء)
    ونهى رسول الله ﷺ عن الغرر والجهالة والغش في البيع.
    أخرج أحمد عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: " مَنْ فَارَقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلَاثٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ: الْكِبْرِ، وَالدَّيْنِ، وَالْغُلُولِ "
    وأخرجه الترمذي أيضا عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلَاثٍ: الكِبْرِ، وَالغُلُولِ، وَالدَّيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ " والغلول هو السرقة من المال العام.
    وقد شرع الله تعالى على السرقة حدا وهو قطع اليد قال تعالى : ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(سورة المائدة).
    وفي الصحيحين عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ".

    (7) التأكيد على حرمة الأعراض:
    وذلك في قوله ﷺ في خطبة يوم النحر: " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ..." .
    فحرم الله الزنا وحرم قذف المحصنات؛ قال تعالى : ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ . وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾.
    وقال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾.
    وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾.
    وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: " أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ" قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ" قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ" فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقَهَا: ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: 68] الآيَةَ.
    وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللهِ ﷺ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كُرِبَ لِذَلِكَ، وَتَرَبَّدَ لَهُ وَجْهُهُ قَالَ: فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلُقِيَ كَذَلِكَ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ، قَالَ: "خُذُوا عَنِّي، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ، الثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ، ثُمَّ رَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ، وَالْبِكْرُ جَلْدُ مِائَةٍ، ثُمَّ نَفْيُ سَنَةٍ" أخرجه مسلم.
    وحرم الله تعالى دواعي الزنا وأسبابه فحرم الخلوة بالأجنبية وفي الحديث عن ابن عمر عن رسول الله ﷺ" أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ " اخرجه الترمذي.
    وحرم النظر إلى الأجنبية قَال تَعَالَى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: 30] ؛ ونهى النساء عن الخضوع بالقول وحرم التبرج والسفور لغير الزوج؛ قال تعالى : ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا . وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾.

    ([1]) الربا لغة بمعنى الزيادة؛ وربوة مكان مرتفع زائد عن سطح الأرض.
    وشرعا: التفاضل في متفقي الجنس الربوي أو زيادة لأجل النساء (التأخير) أو تأخير التقابض فيما يلزم فيه التقابض من متفقي الجنس أو العلة .
    وقيل: الزيادة الحاصلة بمبادلة الربوي بجنسه، أو تأخير القبض فيما يلزم فيه التقابض من الربويات، وقيل أيضاً في تعريفه الزيادة في أشياء مخصوصة والمقصود بها هنا الزيادة على رأس المال قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾.
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

  2. #2

    افتراضي رد: تشنيف الأسماع بالفوائد المستخرجة من خطبتي رسول الله يوم عرفة ويوم النحر في حجة الوداع

    تابع الموضوع =

    (8) الوصية بحسن عشرة النساء:
    أوصى رسول الله ﷺ بإحسان عشرة النساء؛ وبين بعض الاحكام ومن ذلك ألا تأذن المرأة لأحد من غير محارمها؛ لأن ذلك يؤذي الزوج؛ قال الطيبي: أي لا يأذن لأحد أن يدخل منازل الأزواج والنهي يتناول الرجال والنساء ؛ فيقول ﷺ :" فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنّ َ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُ مْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" ، قال تعالى : ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنّ َ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾.
    ثم بين ﷺ طرق تأديب الزوجة الناشز وذلك بالضرب غير المبرح؛ أي غير المؤذي؛ وذلك بعد الوعظ والتعليم والرفق؛ قال تعالى : ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾.
    (9) وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة؛ لأن كتاب الله دل على وجوب الاعتصام بالسنة ؛ وذلك في قوله ﷺ: " وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ".
    وأخرج الترمذي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فِي حَجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ القَصْوَاءِ يَخْطُبُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي.
    وأخرج الحاكم والدارقطني وغيرهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : " إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ".
    قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 115].
    وقال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]، والاعتصام بحبل الله تعالى، قيل: الاعتصام بعهد الله تعالى، وقيل: الجماعة، وقيل: القرآن، وقيل: عدم الفرقة.
    روى أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجه في سننهما مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وسَتَفْتَرقْ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيهِ وَأَصْحَابِي". أي: هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي.
    وقَالَ عَبدُاللهِ بنُ مَسعُودٍ رضي اللهُ عنه: "إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ العِبَادِ، فَوَجَدَ قَلبَ مُحَمَّدٍ خَيرَ قُلُوبِ العِبَادِ فَاصطَفَاهُ لِنَفسِهِ فَابتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ العِبَادِ بَعدَ قَلبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصحَابِهِ خَيرَ قُلُوبِ العِبَادِ فَجَعَلَهُم وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَن دِينِهِ". ثُمَّ قَالَ: "مَن كَان مِنكُم مُستَنًّا فَليَستَنَّ بِمَن مَاتَ فَإِنَّ الحَيَّ لَا تُؤمَنُ عَلَيهِ الفِتنَةُ، أُولَئِكَ أَصحَابُ مُحَمَّدٍ كَانُوا أَفضَلَ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَبَرَّهَا قُلُوبًا وَأَعمَقَهَا عِلمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، اختَارَهُمُ اللهُ لِصُحبَةِ نَبِيِّهِ، وَلِإِقَامَةِ دِينِهِ، فَاعرِفُوا لَهُم فَضلَهُم وَاتَّبِعُوهُم عَلَى آثَارِهِم وَتَمَسَّكُوا بِمَا استَطَعتُم مِن أَخلَاقِهِم وَسِيَرِهِم فَإِنَّهُم كَانُوا عَلَى الهُدَى المُستَقِيمِ".
    (10) وقوله ﷺ "وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟" قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ "اللهُمَّ، اشْهَدْ، اللهُمَّ، اشْهَدْ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ" يدل عليه قول الله تعالى : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ .
    أخرج البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لِأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: 143] فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ " وَالوَسَطُ: العَدْلُ.
    (11) تحريم نسيء الأشهر الحرم.
    وفي الحديث بيان أن الزمان قد عاد إلى هيئته يوم خلق الله السماوات والأرض وأن الله قد أزال ما فعلته الجاهلية من نسئ الأشهر الحرم وتبديلها؛ فقال ﷺ "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ".
    تصديقا لقول الله تعالى : ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُم ْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ. إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَه ُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾.
    النسيء معناه التأخير ؛ قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَه ُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ أخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" رقم (10015) عن ابن عباس قَالَ: النَّسِيءُ: إِنَّ جُنَادَةَ بْنَ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْكِنَانِيَّ كَانَ يُوَافِي الْمَوْسِمَ كُلَّ عَامٍ، وَكَانَ يُكْنَى أَبَا ثُمَامَةَ فَيُنَادِي، أَلا إِنَّ أَبَا ثُمَامَةَ لَا يُحَابُ وَلا يُعَابُ، أَلا وَإِنَّ عَامَ صَفَرٍ الأَوَّلَ حَلالٌ، فَيُحِلُّهُ لِلنَّاسِ، فَيُحِلُّ صَفَرَ عَامًا وَيُحَرِّمُهُ عَامًا وَيُحَرِّمُ الْمُحَرَّمَ عَامًا، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿إِنَّمَا النَّسيء زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَه ُ عَامًا﴾
    وأخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" رقم (10020) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ﴾ قال: المحرم كانوا يسمونه صفر، وصفر يَقُولُ: صَفَرَانِ الأَوَّلُ وَالآخَرُ، يَحِلُّ لَهُمْ مَرَّةً الأول، ومرة الآخر.
    وأخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" رقم (10021) عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانُوا يِسْقِطُونَ الْمُحَرَّمَ ثُمَّ يَقُولُونَ: صَفَرَانِ، لِصَفرٍ وَشَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ ثُمَّ يَقُولُونَ: شَهْرَا رَبِيعٍ، لِشَهْرِ رَبِيعٍ الآخَرِ وَلِجُمَادَى الأَوَّلِ ثُمَّ يَقُولُونَ لِرَمَضَانَ: شَعْبَانَ وَيَقُولُونَ لِشَوَالٍ: رَمَضَانَ وَيَقُولُونَ لِذِي الْقَعْدَةِ: شَوَّالٌ ثُمَّ يَقُولُونَ لِذِي الْحِجَّةِ: ذُو الْقَعْدَةِ ثُمَّ يَقُولُونَ لِلْمُحَرَّمِ: ذُو الْحِجَّةِ، فَيَحُجُّونَ فِي الْمُحَرَّمِ، ثُمَّ يَأْتَنِفُونَ فَيَعُدُّونَ عَلَى ذَلِكَ عِدَّةً مُسْتَقِيمَةً عَلَى وَجْهِ مَا ابْتَدُوا، فَيَقُولُونَ: الْمُحَرَّمَ، فَيَحُجُّونَ فِي الْمُحَرَّمِ وَيَحُجُّونَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يُسْقِطُونَ شَهْرًا آخَرَ، ثُمَّ يَعُدُّونَ عَلَى الْعِدَّةِ الأُولَى يَقُولُونَ: صَفَرٌ وَشَهْرُ رَبِيعٍ الأَوَّلِ عَلَى نَحْوِ عَدَدِهِمْ فِي أَوَّلِ مَا أَسْقَطُوا.
    وأكد النبي على شهر رجب وأنه من الأشهر الحرم؛ فقال: " وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ".
    لأن قبيلة مضر كانت لا تغيره بل توقعه في وقته بخلاف باقي العرب الذين كانوا يغيّرون ويبدلون في الشهور بحسب حالة الحرب عندهم وهو النسيء المذكور في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ .
    (12) أدب الصحابة مع الله ورسوله.
    امتثالا وعملا بقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ فلم يجيبوا رسول الله ﷺ لما سألهم خشية أن يكون قد نزل في ذلك وحي من الله تعالى؛ ففي الحديث : "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟" قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟"، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟" قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ... الحديث.
    وقد كان الصحابة نهوا عن كثرة السؤال ففي الصحيحين ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: "دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِم ْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ".
    وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ، فَيَسْأَلَهُ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ، .... الحديث.
    قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: سُؤَالُهُ ﷺ عَنِ الثَّلَاثَةِ وَسُكُوتُهُ بَعْدَ كُلِّ سُؤَالٍ مِنْهَا كَانَ لِاسْتِحْضَارِ فُهُومِهِمْ وَلِيُقْبِلُوا عَلَيْهِ بِكُلِّيَّتِهِم ْ وَلِيَسْتَشْعِر ُوا عَظَمَةَ مَا يُخْبِرُهُمْ عَنْهُ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَ هَذَا فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ إِلَخْ مُبَالَغَةً فِي بَيَانِ تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. انْتَهَى [فتح الباري (1/159) ]
    === يتبع ===

  3. #3

    افتراضي رد: تشنيف الأسماع بالفوائد المستخرجة من خطبتي رسول الله يوم عرفة ويوم النحر في حجة الوداع

    === تابع الموضع ====
    (13) بيان أن الحساب على الأعمال آت لا شك؛ " وستلقون رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ" ، قال تعالى : ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾ وقال تعالى : ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وقال سبحانه : ﴿ لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.
    وأخرج مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال الله تعالى : " يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ".
    (14) الأمر بالبلاغ عنه ﷺ: وذلك في قوله ﷺ : "أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلِّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ ".
    وأخرج البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".
    وأخرج أبو داود والترمذي وأحمد عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ".
    وأخرج الترمذي وقال حسن صحيح عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ.
    وعند الترمذي كذلك بلفظ : "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ".
    (15) إقامة الحجة على الناس وإقرارهم على أنفسهم؛ وذلك في قوله ﷺ : " وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟" قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ "اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ... الحديث.
    والله تعالى يقول : ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾.
    انتهى
    والله وحده من وراء القصد
    والبحث بالمرفقات لمن أرد تحميله

  4. #4

    افتراضي رد: تشنيف الأسماع بالفوائد المستخرجة من خطبتي رسول الله يوم عرفة ويوم النحر في حجة الوداع

    (13) بيان أن الحساب على الأعمال آت لا شك؛ "وَسَتَلقون رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ" ، قال تعالى : ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾
    وقال تعالى : ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وقال سبحانه : ﴿ لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.
    وأخرج مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال الله تعالى : " يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ".

  5. #5

    افتراضي رد: تشنيف الأسماع بالفوائد المستخرجة من خطبتي رسول الله يوم عرفة ويوم النحر في حجة الوداع

    (14) الأمر بالبلاغ عنه ﷺ:
    وذلك في قوله ﷺ : "أَلَا لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلِّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ ".
    وأخرج البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".
    وأخرج أبو داود والترمذي وأحمد عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ".
    وأخرج الترمذي وقال حسن صحيح عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ.
    وعند الترمذي كذلك بلفظ : "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا وَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ".

  6. #6

    افتراضي رد: تشنيف الأسماع بالفوائد المستخرجة من خطبتي رسول الله يوم عرفة ويوم النحر في حجة الوداع

    (15) إقامة الحجة على الناس وإقرارهم على أنفسهم؛ وذلك في قوله ﷺ : " وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟" قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ "اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ... الحديث.
    والله تعالى يقول : ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾.
    انتهى
    والله وحده من وراء القصد

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •